موقف العامّة من الرجعة
الرجعة
منذ 11 سنةموقف العامّة من الرجعة :
القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها ، وكان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته ، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة ، فكأنّهم يقولون يعبد صنما أو يجعل للّه شريكا ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الإمامية ويُشنّع به عليهم.
ولنأخذ مثالاً على ذلك جابر بن يزيد الجعفي ، فالثابت عند أغلب
__________________
(1) شرح ابن أبي الحديد 6 : 382.
70
أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابرا كان ثقة صدوقا في الحديث.
قال سفيان : كان جابر ورعا في الحديث ، ما رأيت أورع في الحديث منه (1).
وقال إسماعيل بن عُلية : سمعتُ شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث (2).
وقال شعبة : لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي ، هل جاءكم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله (3).
وقال وكيع : مهما شككتم في شيءٍ ، فلا تشكّوا في أنَّ جابرا ثقة ، حدثنا عنه مسعر ، وسفيان ، وشعبة ، وحسن بن صالح (4).
وقال محمد بن عبداللّه بن عبدالحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة : لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك (5).
وقال معلّى بن منصور الرازي : قال لي أبو معاوية : كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وكنت أدخل عليه فأقول : من كان عندك؟
__________________
(1) تهذيب الكمال 4 : 467. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59. وميزان الاعتدال 1 : 379. وتهذيب التهذيب 2 : 47.
(2) الجرح والتعديل 1 : 136. والمصدر السابق.
(3) الجرح والتعديل 1 : 136.
(4) تهذيب الكمال 4 : 467. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59. وميزان الاعتدال 1 : 379. وتهذيب التهذيب 2 : 47.
(5) المصدر السابق.
71
فيقول : شعبة وسفيان (1).
وكان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم ، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم (2).
وقال عبدالرحمن بن شريك : كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة (3).
وعن الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تركوها كلّها (4).
وعن سلام بن أبي مطيع ، قال : سمعتُ جابرا الجعفي يقول : إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما حدّثت بها أحدا (5).
وروي نحو ذلك عن زهير بن معاوية (6).
إذن فلماذا ترك بعضهم حديث جابر ، واتهموه بالكذب في الحديث تارة ، وبالرفض أُخرى ، وضعفوه ، ونهوا عن كتابة حديثه (7)؟
والجواب كما تجده عند أقطابهم لا يعدو أكثر من نقطتين :
__________________
(1) تهذيب الكمال 4 : 468. وتهذيب التهذيب 2 : 47.
(2) تاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 59.
(3) ميزان الاعتدال 1 : 380.
(4) صحيح مسلم ـ المقدمة : 25. وميزان الاعتدال 1 : 383.
(5) ميزان الاعتدال 1 : 380. وتهذيب التهذيب 2 : 48.
(6) ميزان الاعتدال 1 : 379.
(7) راجع تهذيب الكمال 4 : 469. وتاريخ الإسلام (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ) : 60. وميزان الاعتدال 1 : 380. وضعفاء العقيلي 1 : 192 ـ 196. وتهذيب التهذيب 2 : 47 ـ 49.
72
الاُولى : اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهمالسلام بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع الخلق وكونهم أوصياءه وحملة علمه.
فلقد عابوا عليه أن يقول : حدثني وصيّ الأوصياء (1) ، يريد بذلك الإمام محمد بن علي الباقر عليهالسلام.
وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابرا الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا فعلمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده ... حتى بلغ جعفر بن محمد.
قال سفيان : فتركته لذلك (2).
وسمعه يقول أيضا : انتقل العلم الذي كان في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى علي ، ثم انتقل من علي إلى الحسن ، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا (3).
وكأنهم لم يسمعوا قول رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها » (4) ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها » (5).
الثانية : قوله بالرجعة ، وعليه إجماعهم.
قال أبو أحمد بن عدي : عامّة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة (6).
__________________
(1) ضعفاء العقيلي 1 : 194. وميزان الاعتدال 1 : 383. وتهذيب التهذيب 3 : 49.
(2) ميزان الاعتدال 1 : 381.
(3) المصدر السابق.
(4) المستدرك على الصحيحين ، للحاكم 3 : 126 و 127. وجامع الاُصول 9 : 473.
(5) سنن الترمذي 5 : 637. ومصابيح السُنّة 4 : 174.
(6) تهذيب الكمال 4 : 469. وتهذيب التهذيب 2 : 48.
73
التعلیقات