شبهات و ردود حول الرجعه (( ١ ))
الرجعة
منذ 11 سنة
شبهات وردود
لا يخفى ، أنه لا يكاد يوجد حقّ يخلو من شبهة تعارضه ، ولقد تعرضت عقائد أهل بيت النبوة الحقة لشبهات المعاندين على طول مسيرة التاريخ ، وواقع الأحداث مليء بالشواهد التي يطول بذكرها المقام ، وما ذلك إلاّ من محض التعصب المقيت الذي أولده الأمويون والعباسيون بما كانوا يحقدون على أعدال وقرناء كتاب اللّه العالمين الصادقين عترة المصطفى الأمين.
والرجعة التي تعتبر من أسرار آل البيت عليهمالسلام ، واحدة من تلك العقائد التي أُحيطت بالشبهات واتخذت ذريعة ووسيلة للتشنيع على شيعتهم من قبل بعض المخالفين ، وفيما يلي أهم الشبهات التي أثارها منكري الرجعة مع جوابها :
الشبهة الاُولى : الرجعة تنافي التكليف.
الجواب : القول بمنافاة الرجعة للتكليف جعل بعض الشيعة يتأولونها على وجه إعادة الدولة لا إعادة أعيان الأشخاص ، وبما أنّ هذا الأمر من الأمور الغيبية ، فلا يمكن إصدار الحكم القطعي عليه ، لكن عامة أعلام
95
الطائفة يقولون إنّ الدواعي معها متردّدة ، أي إنها لا تستلزم التكليف ولا تنافيه ، وإنّ تكليف من يعاد غير باطل ، وقد أجابوا على ما يترتّب على ذلك من إشكالات.
يقول السيد المرتضى قدسسره : إنَّ الرجعة لا تنافي التكليف ، وإنّ الدواعي مترددة معها حتى لا يظنَّ ظان أنّ تكليف من يعاد باطل ، وإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات والآيات القاهرة ، فكذلك مع الرجعة لأنّه ليس في جميع ذلك ملجئ إلى فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح (1).
أما من هرب من القول بإثبات التكليف على أهل الرجعة لاعتقاده أنّ التكليف في تلك الحال لا يصحّ ، لأنّها على طريق الثواب وإدخال المسرّة على المؤمنين بظهور كلمة الحقّ ، فيقول السيد المرتضى : هو غير مصيب ، لأنّه لا خلاف بين أصحابنا في أنَّ اللّه تعالى ليعيد من سبقت وفاته من المؤمنين لينصروا الإمام وليشاركوا إخوانهم من ناصريه ومحاربي أعدائه وأنّهم أدركوا من نصرته ومعونته ما كان يفوتهم لولاها ، ومن أُعيد للثواب المحض فمما يجب عليه نصرة الإمام والقتال عنه والدفاع (2).
وهؤلاء المتهربون من القول باثبات التكليف ، تأولوا الرجعة على أنها تعني إعادة الدولة والأمر والنهي لا عودة الأشخاص ، ذلك لأنهم عجزوا عن نصرة الرجعة ، وظنوا أنها تنافي التكليف ، يقول الشيخ أبو علي الطبرسي قدسسره : وليس كذلك ، لأنه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب
__________________
(1) رسائل الشريف المرتضى 1 : 126 المسائل التي وردت من الري.
(2) المصدر السابق 3 : 136 الدمشقيات.
96
والامتناع من القبيح ، والتكليف يصحّ معها كما يصحّ مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا ثعبانا وما أشبه ذلك.
ولأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها ، وإنّما المعول في ذلك على اجماع الشيعة الإمامية ، وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده (1).
توبة الكفار :
إن قيل : إذا كان التكليف ثابتا على أهل الرجعة ، فيجوز تكليف الكفار الذين استحقوا العقاب ، وأن يختاروا التوبة.
قال الشيخ المفيد قدسسره : إذا أراد اللّه تعالى (رجعة الذين محضوا الكفر محضا) أوهَمَ الشياطين أعداء اللّه عزَّ وجل أنهم إنّما رُدّوا إلى الدنيا لطغيانهم على اللّه ، فيزدادوا عتّوا ، فينتقم اللّه منهم بأوليائه المؤمنين ، ويجعل لهم الكرة عليهم ، فلا يبقى منهم أحد إلاّ وهو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب ، وتصفو الأرض من الطغاة ، ويكون الدين للّه ، والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الاُمم الخالية (2).
وأجاب السيد المرتضى قدسسره عن هذا بجوابين :
أحدهما : إنّ من أُعيد من الأعداء للنكال والعقاب لا تكليف عليه ،
__________________
(1) مجمع البيان 7 : 367.
(2) المسائل السروية : 35 وقد تقدم في الفصل الخامس جواب مفصل للشيخ المفيد قدسسره عن هذه المسألة.
97
وإنّما قلنا إنّ التكليف باقٍ على الأولياء لأجل النصرة والدفاع والمعونة.
والجواب الآخر : إنَّ التكليف وإن كان ثابتا عليهم ، فيجوز أنهم لا يختارون التوبة ، لأنا قد بيّنا أنّ الرجعة غير ملجئةٍ إلى قول القبيح وفعل الواجب وإنّ الدواعي متردّدة ، ويكون وجه القطع على أنهم لا يختارون ذلك ممّا علمنا وقطعنا عليه من أنهم مخلدون لا محالة في النار (1) ، قال تعالى : ( وعَدَ اللّه المنافِقِينَ والمنُافِقاتِ والكُفارِ نَارَ جَهَنَمَ ) (2) ، وقال تعالى : ( وَليستِ التَوبةُ للَّذينَ يَعملُونَ السَيئاتِ حتى إذا حَضَرَ أحدَهُمُ المَوتُ قالَ إني تُبتُ الآنَ ولا الَّذينَ يموتُونَ وهُم كُفارٌ ) (3).
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ١٣٧ الدمشقيات.
(٢) سورة التوبة ٩ : ٦٨.
(٣) سورة النساء ٤ : ١٨.
( ضمن كتاب الرّجعة علي موسى الكعبي )
التعلیقات