شبهات وردود حول الرجعه (( ٢ ))
الرجعة
منذ 11 سنةشبهات وردود:
الشبهة الثانية : قال أبو القاسم البلخي : لا تجوز الرجعة مع الإعلام بها ، لأنَّ فيها إغراء بالمعاصي من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية.
الجواب : إنَّ من يقول بالرجعة لا يذهب إلى أنّ الناس كلهم يرجعون ، فيصير إغراء بأنّ يقع الاتكال على التوبة فيها ، بل لا أحد من المكلفين إلاّ ويجوز أن لا يرجع ، وذلك يكفي في باب الزجر (4).
الشبهة الثالثة : كيف يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم ، وقد عاينوا عذاب اللّه تعالى في البرزخ ، وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون.
قال الشيخ المفيد قدسسره : ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما يحلَّ بهم من العذاب ويعلمونه ضرورة بعد المدافعة لهم
__________________
(1) رسائل الشريف المرتضى 3 : 137 الدمشقيات.
(2) سورة التوبة 9 : 68.
(3) سورة النساء 4 : 18.
(4) مجمع البيان ، للطبرسي 1 : 242.
98
والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا ، فيقولون حينئذ ( يَاليتَنَا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بآياتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ ) فقال اللّه عزَّ وجل : ( بَل بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخفُونَ مِن قَبلُ وَلَو رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ وإنَّهُم لكاذِبُونَ ) (1).
الشبهة الرابعة : الرجعة تفضي إلى القول بالتناسخ.
وللجواب على هذه الشبهة لا بدَّ من بيان عدّة أُمور :
1 ـ تواترت الروايات عن أئمة الهدى عليهمالسلام على بطلان التناسخ وامتناعه ، واتّفقت كلمة الشيعة على ذلك وقد كتبوا في ذلك مقالات ورسائل.
سأل المأمون الإمام الرضا عليهالسلام : ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال عليهالسلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر مكذّب بالجنة » (2).
ويقول الشيخ الصدوق قدسسره : القول بالتناسخ باطل ، ومن دان بالتناسخ فهو كافر ، لأنّ في التناسخ إبطال الجنة والنار (3).
2 ـ إنَّ الذين يقولون بالتناسخ هم أهل الغلو الذين ينكرون القيامة والآخرة ، وقد فرق الأشعري في (مقالات الإسلاميين) بين قول الشيعة بالرجعة وقول الغلاة بالتناسخ بقوله :
واختلف الروافض في رجعة الأموات إلى الدنيا قبل القيامة ، وهم فرقتان :
__________________
(1) المسائل السروية ، للشيخ المفيد : 36 والآيتان من سورة الانعام 6 : 27 ـ 28.
(2) بحار الأنوار ، للمجلسي 4 : 320.
(3) الاعتقادات ، للصدوق : 62.
99
الاُولى : يزعمون أنّ الأموات يرجعون إلى الدنيا (1) قبل يوم الحساب ، وهذا قول الأكثر منهم (2) ، وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل شيء إلاّ ويكون في هذه الاُمّة مثله ، وإنّ اللّه سبحانه قد أحيا قوما من بني إسرائيل بعد الموت ، فكذلك يحيي الأموات في هذه الاُمّة ويردّهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
والثانية : وهم أهل الغلو ، ينكرون القيامة والآخرة ، ويقولون ليس قيامة ولا آخرة ، وإنّما هي أرواح تتناسخ في الصور ، فمن كان محسنا جُوزيَ بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ، ومن كان مسيئا جُوزيَ بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم ، وليس شيء غير ذلك ، وأنّ الدنيا لا تزال أبدا هكذا (3).
ومن درس تاريخ أهل البيت الأطهار عليهمالسلام وشيعتهم الأبرار يلمس أنهم يكفّرون الغلاة ويبرأون منهم ، ولهم في هذا الباب مواقف مشهورة يطول شرحها.
يقول الدكتور ضياء الدين الريس بعد تعداده لفرق الشيعة : وقد تزاد عليهم فرقة خامسة هي الغلاة ، ولكنها في الحقيقة ليست منهم ، بل يخرجها غلوّها عن دائرة الإسلام نفسه (4).
__________________
(1) لا يرجع جميع الأموات ، بل الرجعة خاصة كما بيّناه في الفصل الثالث.
(2) بيّنا في الفصل الثالث أن بعض الإمامية قد تأولوا الرجعة بمعنىً يخالف ما عليه ظواهر أحاديثها.
(3) مقالات الإسلاميين ، لأبي الحسن الأشعري 1 : 114.
(4) النظريات السياسية الاسلامية : 64 ط4 سنة 1967 م.
100
3 ـ إنَّ من طعن في الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل ، فلأنه لم يفرّق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني ، والرجعة من نوع المعاد الجسماني ، فإنّ معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأول ، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني ، فإنَّ معناه رجوع نفس البدن الأول بمشخصاته النفسية ، فكذلك الرجعة.
وإذا كانت الرجعة تناسخا ، فإنَّ إحياء الموتى على يد عيسى عليهالسلام كان تناسخا ، وإذا كانت الرجعة تناسخا كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا (1).
وبعد هذا ليس لمتطفّل على العلم أن يقول : وفكرة الرجعة شبيهة مع فارق كبير إلى الفكرة التناسخية التي جاء بها فيثاغورس ... (2).
-----------------------------------------
(1) عقائد الإمامية ، للمظفر : 110. والالهيات 2 : 809. والملل والنحل 6 : 364.
(2) الشيعة والتصحيح ، موسى الموسوي : 142 ـ 143.
( ضمن كتاب الرّجعة علي موسى الكعبي )
التعلیقات