مقام الإمام المهدي عليه السلام في محافظة الحلة/ في العراق
أحمد علي مجيد الحلي
منذ 14 سنةالحلّة لغوياً :
الحلّة : بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ، تُقال على عدّة اشياء :
1 ) القوم النزول وفيهم كثرة.
2 ) شجر شائك أصغر من العوسج.
3 ) علم لعدّة أماكن :
أ ) حلّة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة (1).
ب ) حلّة بني دبيس بن عفيف الأسدي (2) ، قرب الحويزة بين واسط والبصرة والأهواز.
ج ) الحلّة ، قرية كبيرة قرب الموصل تسمى حلّة بني الرزاق (3).
د ) حلّة بني مزيد ، وهي المقصودة بالبحث هنا وكانت تُسمّى الجامعين.
قال الحموي في كتاب ( معجم البلدان ) ماملخّصه : إنّ الحلّة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمّى الجامعين، وكان أوّل من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد (4) الأسدي وذلك في محرم سنة 495هـ، وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنّق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأً، وقد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة (5).
أقول : نورد هنا عدّة فوائد ، منها أنّها سُمّيت بـ ( الحلّة السيفية ) ، نسبة إلى ممصّرها سيف الدولة صدقة ، وأوّل من سمّاها بالسيفية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حديث مدح الحلّة ، ومنها أنّها سُمّيت بـ ( المزيدية ) ، نسبة إلى الجدّ الأعلى لمؤسّسها صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد ، ومنها أن ( الجامعين ) ذُكرت في كتاب ( التاريخ الكامل ) لابن الاثير قبل سنة 495هـ (6).
موقع الحلّة : هي بين النجف وبغداد ، فهي تبعد عن بغداد نحو 100كم ، وعن النجف نحو 60كم، وعن بابل نحو 7كم.
الحلّة بلدة النور : الحلّة هي وريثة بابل ، وكانت بابل وسوراء وحواليهما معقل العلم قبيل الإسلام وبعده ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكّري الأمم الهندوايرانية من الشرق والسريان والآراميين من الغرب ، ثمّ صارت معقل الشيعة، ومنها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة والقوة ، وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم واحراق مكتباتهم والتجاء الشيخ الطوسي رحمه الله منها إلى النجف في سنة 448هـ ، تعاون المزيديون والأكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد وأسد آباد والنيل حوالي بابل مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العبّاسية في 450هـ وخطبوا للمستنصر الفاطمي، ثم بعد قتل السباسيري ورجوع الأتراك السلجوقيين والخلافة العباسية إلى بغداد ، قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلّة ، فصارت مركز الشيعة وذلك في المحرّم سنة 495هـ، وبقيت كذلك حتّى سقوط بغداد 656هـ (7).
فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلميّة ومثابةً لطلاّب العلوم الدينية ودارسي فقه آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري، وكان لأمتيازها هذا بواعث وأسباب، منها كونها من معاقل الشيعة الإماميّة منذ تأسيسها حتّى اليوم، ومنها قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم ومازالت ، فإنّ هذا القُرب كان له الأثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعيتين ، النجف والحلّة ، فإن يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور ، وإن يخفت مرّة أخرى فهاهم طلبة العلم من الحلّيين في النجف لأخذ العلم إليها ، كي لا يطفئ فيها نور العلم ، منذ تأسيسها إلى الآن.
في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات
«المخطوطة الأولى 636هـ/1216م»
( مخطوطة الشيخ ابن هيكل )
إنَّ أهَمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة إلى تأريخ مقام صاحب الزمان صلى الله عليه وآله وسلم بالحلّة هو وجود تأريخ لعمارة المقام سنة 636هـ، فيظهر منها أنّ المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدّة، ولكن وللأسف الشديد لم أعثر أنا على تأريخ قبل هذا التأريخ، أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مئة وأربعين سنة من سنة 495هـ ـ وهي سنة تمصير الحلّة ـ إلى سنة 636هـ، ولكن اعتناء العلماء بهذا المقام وزيارتهم إيّاه وعمارته والدرس فيه يدلّ على عنايتهم به وأي عناية ، فلا بدّ من أثر وعلى قولهم ( الأثر يدل على المسير ) والآن نأتي على تفصيل ماذكرناه :
قال المحقّق الحجّة السيد محمد صادق بحر العلوم ( 1315ـ1399هـ ) في تحقيقه لكتاب ( لؤلؤة البحرين ) للشيخ يوسف البحراني رحمه الله ص272 ناقلاً عن آية الله العظمى السيد أبي محمد الحسن الصدر في كتابه النفيس ( تكملة أمل الآمل ) : «رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي ـ تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلّي ـ ما صورته : حوادث سنة 636هـ ، فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نمّا الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفيّة ، وأسكنها جماعة من الفقهاء».
أقول : إنّ من هذه الأسطر نستخرج عدّة فوائد، فمنها
1ـ وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة 636هـ.
2ـ وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة 636هـ. ( وهي المدرسة التي أتكلّم عليها فيما بعد ).
3ـ أنّ ابن نما هذا لم يؤسّس المدرسة هذه، بل عمّرها من خراب أو صدع وقع فيها.
4ـ كان لا يسكن هذه المدرسة إلاّ الفقهاء ( بصريح قول ابن هيكل ).
والآن نأتي على ذكر مصدر المخطوطة :
أقول : كتاب ( تكملة أمل الآمل ) في علماء جبل عامل للعلاّمة الشريف شيخ المحدّثين آية الله في العالمين أبي محمد السيد حسن بن الهادي بن محمد علي من آل صدر الدين الموسوي العاملي ( 1272ـ1354هـ ) صاحب التصانيف المنيفة على التسعين والتي لم يُطبع منها الاّ نحو عشرين، وفيها أسمى الفوائد وأجود العوائد (8) ، وياحبّذا لو يُلتفت إليها ، طبع الجزء الأوّل من هذا الكتاب وهو ما يخصّ علماء جبل عامل في سنة 1406هـ في قم المقدسة بإشراف مكتبة السيد المرعشي رحمه الله وبتحقيق السيد احمد الحسيني ( دامت بركاته ) وبقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يُطبعا ، ولأنّ ابن نما من غير علماء جبل عامل، فمن المؤكّد أن هذه العبارة موجودة في الأجزاء الباقية لهذا الكتاب.
وأمّا ابن هيكل : فهو الشيخ الجليل علي بن فضل الله بن هيكل الحلّي تلميذ الشيخ أبي العبّاس أحمد بن فهد الحلّي الذي توفّي سنة 841هـ له كتاب الأدعية والأوراد والختوم.
«المخطوطة الثانية – سنة 677هـ / 1256م»
( نهج البلاغة )
إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة أنّها كُتبت في داخل مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة 677هـ كما صرّح به جمع من العلماء ، وسوف نأتي على ذِكر كلامهم ، ولتسليط الضوء على هذه النسخة ، نأتي على ذكر أصل الكتاب وجامعه وأحوال الناسخ ومواصفات تلك النسخة ومكانها ، وهذا المطلب يتطلّب ذكر عدّة أمور، فلنأتِ على ذكرها.
في أصل الكتاب وجامعه :
نهج البلاغة : كتاب عربي ، اشتهر في مملكة الأدب ألأُممي اشتهار الشمس في الظهيرة ، وهو صدف لآلئ من الحكم النفيسة ، ضمّ بين دفّتيه 242 خطبة وكلاماً و78 كتاباً ورسالة و498 كلمة من يواقيت الحكمة وجوامع الكلم لأمير المؤمنين عليه السلام ، ويُعدّ الكتاب الوحيد الذي جُمع بأسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره وبديع كلامه عليه السلام والذي وُصف بأنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ، والذي حظى عبر القرون ، استنساخاً وشرحاً وتعليقاً من قبل أعلام البلاغة والأدب وحملة العلم والحديث جيلاً بعد جيل ، وتمّ شرحه شروحاً عديدة تربو على السبعين ، وأُلّفت عنه مؤلفات كثيرة.
الجامع لنهج البلاغة : السيد محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، المشهور بالشريف الرضي رحمه الله ( 359ـ406هـ ) الذي جمعه خلال 17عاماً تقريباً (9).
أحوال الناسخ : السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري الآبدار آبادي (10) ، من تلاميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الحلّي تـ690هـ، كتب له إجازة على نسخة ( نهج البلاغة ) في 677هـ وصفه فيها : بالسيد الأجل الأوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدين أبو عبد الله الحسين...... (11) كما كتب نسخة من كتاب ( النهاية ) للشيخ الطوسي رحمه الله وأتمّها في يوم الثلاثاء 15شهر ربيع الاول سنة 681هـ ، وقرأ الكتاب على العلاّمة الحلّي فأجازه بإجازتين في شهر ربيع الآخر وجمادى الآخرة من سنة 681هـ وقال في الاجازة الاولى : قرأ عليّ الشيخ العالم الفقيه الفاضل الكبير الزاهد المحقّق العلاّمة نجم الملّة والدين عزّ الإسلام والمسلمين.... قراءة مهذّبة تدلّ على فضله، وتنبئ عن علمه.
تاريخ النسخ : يوم السبت من أواخر شهر صفر سنة 677هـ.
مكان النسخ : مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة السيفيّة.
مواصفات النسخة : النسخة مقروءة أكثر من مرة على غير واحد من أعلامنا وعليها إنهاءاتهم وإجازاتهم ورواياتهم للكتاب بأسانيدهم عن مؤلّفه الشريف الرضي رحمه الله.
ثمّ بعد ذلك هي مقابلة ومصححة بخطوط العلماء :
ففي نهاية المخطوط :
«تمّ الكتاب بعون الله وحسن توفيقه...يوم السبت من ( أ ) واخر صفر سنة سبع وسبعين وستمائة، فرغ من نقله الحسين بن اردشير الطبري الاندراوذي بالحلّة السيفيّة في مقام صاحب الزمان عليه السلام»، والتاريخ يصلح أن يقرأ سبع وسبعين كما قرأه صاحب رياض العلماء، حيث رأى هذه النسخة في أصفهان وترجم لكاتبها في رياض العلماء 2/36، كما قرأها الاستاذ دانش بزوه وتحدّث عنها في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 5/421.
ورآها شيخنا صاحب الذريعة رحمه الله في مكتبة العلاّمة الاديب الشيخ محمد السماوي رحمه الله وترجم لكاتبها في أعلام القرن السابع من طبقات أعلام الشيعة وقرأ تاريخ النسخة ( سبع وستين ) ، وهذه المخطوطة قرأها كاتبها على الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي ( 601ـ689هـ ) ، فكتب له الانهاء في آخرها :
«أنهاه أحسن الله توفيقه قراءة وشرحاً لمشكله وغريبه نفعه الله وإيّانا به وبمحمد وآله، وكتب يحيى بن احمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي بالحلّة حماها الله في صفر سنة سبع وستين ( وسبعين ) وستمائة».
وكتب له أيضاً بأوّل النسخة إجازةً برواية الكتاب عن مؤلّفه الشريف الرضي رحمه الله، ونصّها : «قرأ عليّ السيد الأجل الأوحد ، الفقيه العالم الفاضل ، المرتضى نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري ـ أصلح الله أعماله وبلّغه آماله بمحمد وآله ـ كلّ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره ، فكمل له الكتاب كلّه ، وشرحت له في أثناء قراءته وبحثه مشكله ، وأبرزت له كثيراً من معانيه ، وأذنت له في روايته عنّي ، عن السيد الفقيه العالم المقرئ المتكلّم محي الدين أبي حامد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، عن الشيخ الفقيه رشيد الدين ابي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، عن السيد أبي الصمصام ذي الفقار بن ( محمد بن ) (12) معد الحسني المروزي ، عن أبي عبد الله محمد بن علي الحلواني ، عن السيد الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الموسوي.
وعنه عن الفقيه عز الدين أبي الحارث محمد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي ، عن قطب الدين أبي الحسين الراوندي، عن السيدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي ( الحسني ) (13) عن أبي جعفر الدوريستي، عن السيد الرضي، فليروه ( عنّي متى شاء وأحبّ.... ) سنة سبع وسبعين وستمائة» وقد حصل في هذا الموضع طمس وتلف ذهبا بتوقيع المجيز ، لكنّ الظاهر أنّه هو نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي لتشابه خط الاجازة والانهاء ، ولأنّ الشيوخ المذكورين في الاجازة هم من مشايخه رحمهم الله جميعاً.
ثم انتقلت المخطوطة من الحلّة إلى النجف الأشرف فقُرئت على السيد محمد بن ابي الرضا العلوي ، فامَإ أنَ كاتبها قرأها أو قرأها غيره وهو الأظهر وقد كتب الآوي بخطه : «أنهاه أدام الله بقاه قراءة مهذّبة وكتب محمد بن أبي الرضا».
«المخطوطة الثالثة ـ في بداية القرن الثامن الهجري»
( الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة )
إنّ أهمّ ما يُرشدنا إلى تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنّها كُتبت مجاور مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة السيفية ، ولكن وللأسف الشديد لم يُذكر في النسخة تأريخ صريح ، لأنّ نسخة الكتاب مخرومة الآخر ، ولتسليط الضوء على هذه النسخة ، نأتي على ذكر أصل الكتاب ومؤلّفه وأحوال الشارح للكتاب ومواصفات تلك النسخة ، ومكانها ، وهذا المطلب يتطلّب ذكر عدّة أمور ، فلنأتِ على ذكرها.
الأمر الأول : ـ في أصل الكتاب ومؤلّفه.
أقول : إنّ أصل الكتاب هو ( الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة ) وهو في علم الكلام ، وهو مختصر لكتاب ( منهاج الهداية ومعراج الدراية ) (14) ، وهو من تآليف آية الله العلامة الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن ابن الشيخ سديد الدين يوسف، ابن زين الدين علي بن المطهّر الحلي المولود في 29من شهر رمضان سنة 648هـ والمتوفّى في يوم السبت الحادي والعشرين من المحرّم سنة 726هـ ، ولم نرَ موجباً لذكر ترجمة له رحمه الله ، لأنّ الكتب الرجاليّة والفقهيّة والحديثيّة وغيرها تعطّرت بأريج ذكره ، ومثلي لايستطيع وصف مثله.
الأمر الثاني : في ذكر عدّة فوائد تخص هذه النسخة الخطية.
الفائدة الاولى : في اسم المخطوطة ( الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة ) اقول : إنّي لم أرَ من سمّى هذا الكتاب بهذا الاسم سوى ثلاثة أعلام وهم :
1ـ مؤلّف الكتاب : وهو الناسخ له، وهذا ماصرّح به في مقدمة الكتاب.
2ـ الواقف للنسخة : وهو الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني العاملي المشهدي، وهو ماكتبه على ظهر النسخة.
3ـ السيد محسن الأمين العاملي رحمه الله : في كتابه «أعيان الشيعة» وهو الذي رأى تلك النسخة بعينه ، وقرأ ماصرّح به المؤلّف والواقف على ظهر النسخة ، عِلماً اَّنّ جميع من كتب عن هذه النسخة سمّاها بـ ( شرح الابحاث المفيدة في تحصيل العقيدة ) دون ذكر الاسم.
الفائدة الثانية : في أحوال الشارح وهو الناسخ للمخطوطة.
اقول : هو الشيخ عزّ الدين أبو محمد الحسن بن ناصر بن إبراهيم الحدّاد العاملي ، وانفرد السيّد الأمين في أعيانه بتسميته بمحمد حسن.
ماكتب على ظهر النسخة :
خطّ المؤلف : ابتدأت في تصنيفه ثامن عشرين شعبان، وفرغت في أربع عشرين رمضان، فكان مجموع المدّة ستة وعشرين يوماً، وذلك في الحلّة مجاور مقام صاحب الزمان على ساكنه أفضل الصلاة والسلام (15) ،
خطّ الواقف : كتاب ( الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة ) تصنيف الشيخ الإمام الفاضل الكامل أنموذج السلف، بقيّة الخلف، عين أعيان الزمان، عزّ الملّة والدين، أبو (16) محمد حسن بن ناصر الدين إبراهيم الحدّاد العاملي ( قدّس الله روحه ).
الواقف للنسخة : الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني ، سنة الوقف : 1067هـ
«المخطوطة الرابعة في سنة 723هـ /1302م»
( تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية )
إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة، هي أنّها كُتبت في داخل المقام سنة723هـ، ولتسليط الضوء على النسخة، نأتي على ذكر اسم النسخة ومؤلّفها وأحوال الناسخ ومواصفات تلك النسخة ومكانها وهذا المطلب يتطلّب عدّة أمور، فلنأت على ذكرها :
الأمر الأوّل : في أسم الكتاب ومؤلفه0
( تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ) ، تأليف العلامة الحلي رحمه الله الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي ( 648ـ726هـ ) ، من المتون الفقهية المهمّة للعلاّمة رحمه الله صاحب الموسوعات الفقهية والمصنّفات الأصولية والكلاميّة، وهو دورة كاملة من الطهارة إلى الديات، يشتمل على معظم المسائل الفقهية، مع إيراد أكثر المطالب التكليفية الشرعية الفرعية، من غير تطويل بذكر حجّة ودليل، مقتصراً على مجرد الفتوى، تاركاً الاستدلال، مستوعباً الفروع والجزئيّات، مستخرجاً لفروعٍ لم يُسبق إليها، مرتّباً على ترتيب كتب الفقه في أربع قواعد في العبادات، المعاملات، الإيقاعات، الأحكام، صنّفه العلامة في 10 ربيع الأول من سنة 690هـ (17)
الأمر الثاني : في اسم الناسخ وأحواله0
اسم الناسخ : محمود بن محمد بن بدر0
أقول : وأحتمل أنّه محمود بن محمد بن بدر الرازي الغزّي المجاور بالحرم الشريف الغروي، الناسخ لكتاب ( مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ) للعلاّمة الحلي رحمه الله وفرغ من نسخه يوم الأربعاء 24شوال سنة 737، و نسخة الكتاب المذكور هي الموجودة في مكتبة الآخوند في همدان وتحت رقم 4591 (18).
أقول : ويظهر منها أنّه إنتقل إلى الغريّ بعد وفاة العلاّمة رحمه الله.
مكان النسخ : في مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة0
تأريخ النسخ : فرغ منها يوم الثلاثاء سادس رجب سنة 723هـ ( وهي نسخة عصر المؤلف ) 0
«المخطوطة الخامسة – سنة 776هـ / 1355م »
( قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام )
وأهمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة أنّها كُتبت في مقام صاحب الزمان عليه السلام في سنة 776هـ، وهذا مانطلبه نحن في بحثنا هذا. ولمعرفة الأمور التي تخصّ تلك النسخة نأتي على ذكر عدّة أمور مهمّة منها : ـ
الأمر الاول : وقفة مع الكتاب ومؤلّفه.
( قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ) : هو كتاب في الفقه ومسائل الحلال والحرام من تصانيف آية الله العلاّمة الحلّي رحمه الله المتوفّى سنة 726هـ ، وهو أجلّ ما كُتب في الفقه الجعفري بعد كتاب ( شرائع الاسلام ) ، فهو حاوٍ لجميع أبواب الفقه ، وقد لخّص مؤلفه فتاواه ، وألفّه بالتماس ولده فخر الدين، وختمه بوصيّة غرّاء لولده فخر الدين ، وقد اعتمد عليه كافّة المتأخّرين وعلّقوا عليه الحواشي وشُرح شروحاً كثيراً (19).
إسم الناسخ : جعفر بن محمد العراقي وأخوه الحسين بن محمد العراقي.
تاريخ النسخ : هناك اختلاف يسير بين صاحب فهرست مكتبة الآخوند في همدان وبين السيّد المحقّق عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله في كتابه ( مكتبة العلامة الحلي ) حول تاريخ بداية ونهاية نسخ النسخة ، وأظنّ من كلام السيد الطباطبائي في وصفه النسخة أنه رآها ، فلنأت على قولهما :
قال صاحب الفهرست ( ماترجمته بالعربية ) : البداية في يوم السبت أوّل جمادى الآخرة 776هـ ( خمسين سنة بعد وفاة المؤلف ) قام كاتب هذه النسخة بعد إتمام كتابتها بمقابلتها وتصحيحها وكتب في آخرها : قمت بمقابلة وتصحيح هذه النسخة مع نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان بمدينة الحلّة في فصل حار وبتعب شديد ، حتّى أتممت المقابلة في 12جمادى ألاول سنة 786هـ. ثمّ يضيف : فرغت من قراءة وحلّ الكلمات المشكلة في 18 شهر رمضان 786هـ.
«المخطوطة السادسة – سنة 957هـ/ 1537م»
( المختصر النافع )
وأهمّ ما يرشدنا في تاريخ المقام في هذه النسخة وجوده بوجود المدرسة التي بجانبه والتي سوف نتحدّث عنها فيما بعد ، حيث تاريخ هذه النسخة سنة 975هـ ، فلنأت على أهمّ ما يخصّنا عن هذه النسخة :
أقول : ( المختصر النافع ) لنجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي المشهور بالمحقّق على الاطلاق ، وحيد عصره ، كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجّة وأسرعهم استحضاراً ، تـوفيّ شهر ربيع الآخر سنة 676هـ ، وهو خال العلاّمة الحلّي رحمه الله، وكتابه هذا لخّصه من كتابه ( شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام ) ، وهو مرتّب على اربعة أقسام العبادات والعقود والايقاعات والأحكام.
تاريخ النسخ :16شهر ربيع الأول سنة957هـ.
مكان النسخ : مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة السيفية.
في ذِكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة
أقول قبل الشروع في ذكر من زار المقام : إنّ الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات ، فمنهم العلماء المؤلّفون ، ومنهم النسّاخ ، ومنهم الأمراء ، ومنهم الولاة ، ومنهم الرحّالة ، ومنهم من شاهد كرامة ، وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم.
1 ) في آخر شهر صفر سنة 677 هـ / 1256م :
زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب ( نهج البلاغة ) للسيد الرضي ( أعلى الله مقامه ) (20).
2 ) في سادس رجب سنة 723هـ /1302م :
زار المقام محمود بن محمد بن بدر وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب ( تحرير الأحكام الشرعية ) للعلاّمة الحلّي رحمه الله في داخل المقام ، وأنهى العلاّمة الحلي رحمه الله تأليفه هذا في 26 جمادى الآخرة سنة 724هـ، ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولى في مخطوطته (21).
3 ) في سنة 725هـ / 1304م :
زار المقام الرحّالة ابن بطوطة ، وسوف نأتي على ذكر كلامه في آخر هذا الباب.
وابن بطوطة هو : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي، ولد سنة 703هـ بطنجة ، وتقلّب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند ، ودخل مدينة دهلي واتّصل بملكها ، وساح في الأقطار الصينية والتترية واواسط افريقية وبلاد السودان والاندلس ، ثم انقلب إلى المغرب واتّصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مدين ، وزار ضريح أمير المؤمين عليه السلام سنة 725هـ ، واستغرقت رحلته 27سنة، وكان معاصراً لفخر المحقّقين ابن العلاّمة الحلّي، وألّف كتابه ( تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ) المعروف برحلّة ابن بطوطة ، ومات في مراكش سنة779هـ (22).
4 ) في ثامن عشر شعبان سنة....... ( بداية القرن الثامن الهجري ) :
زار المقام أبو محمد الحسن الحدّاد العاملي ، وصنف في هذا التاريخ ، كتابه ( الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة ) للعلأمة الحلي رحمه الله ، وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان ، وذلك في الحلّة مجاوراً مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام ، علماً أنّ هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي ، ولكن مصنّفه كان حيّاً سنة 739هـ.
5 ) في بداية القرن الثامن الهجري :
زار المقام حاكم الحلّة ، المسمى بمرجان الصغير ، وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الإمامية ، وكان كلّما يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه ، وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي ، تغيّرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة اذا جلس فيه (23).
6 ) في سنة 744هـ / 1323م :
زارت المقام أم عثمان ، المرأة العمياء التي كُشف بصرها في داخل المقام ، وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات ، وكانت أم عثمان هذه سنية فتشيّعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه (24).
7 ) في سنة 759هـ / 1338 م :
زار المقام ، المولى الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، وبات فيه ، وكان مصاباً بالفالج فشُفي من ليلته.
8 ) في غرّة جمادى الآخرة سنة 776هـ / 1355م :
زار المقام ، جعفر بن محمد العراقي ، وفرغ في هذا التاريخ ، من نسخ كتاب ( قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام ) للعلاّمة الحلي رحمه الله ، في داخل هذا المقام (25).
9 ) في سنة 961هـ / 1540م :
زار المقام ، سيّد علي رئيس وكان هذا السيّد مرسلاً من قِبل سلطان مصر ، وكان أمير قبطانيته ، وأرسله إلى العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة في ميناء البصرة إلى مصر، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل أخي الإمام علي عليه السلام في الحلّة ثم عاد إلى بغداد (26).
في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة
إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة ، يجد أنّ تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلّة من ابان بزوغ عصرها العلمي ، فهو فيها كالقلب من الجسد ، فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي والرعية والمعافى والسقيم ، حتّى أنّه ما مر بالحلّة من وافد إلاّ وتشرّف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه ، فذاك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم ، ولولا حقد المتعصّبين لذكر لنا التاريخ عدّة من الزائرين لهذا المقام الشريف ، وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها :
1 ) في القرن السادس الهجري :
لاعلم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن ، إلاّ أنّها كانت موجودة ، وبحسب التواريخ التالية ، وللأسف الشديد فُقد كتاب ( المناقب المزيدية في أخبار الدولة الأسدية ) (27) للمؤلّف أبي البقاء هبة الله بن نما ، فإنّ البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة ، سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم ( 230296 ) ولابد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأنّ مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.
2 ) في القرن السابع الهجري :
كانت العمارة موجودة ، ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلّي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته : ـ
حوادث سنة ( 636هـ ) : فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفيّة ، وأسكنها جماعة من الطلبة (28).
سنة ( 677 هـ ) : في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رحمه الله كتاب ( نهج البلاغة ) (29)
3 ) في القرن الثامن الهجري :
كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلّة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاصّ والعام، ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرّة النضيدة (30).
وفي سنة ( 723هـ ) : في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب ( تحرير الأحكام الشرعية ) للعلاّمة الحلّي رحمه الله (31).
في سنة ( 776هـ ) : في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب ( قواعد الأحكام ) للعلاّمة الحلّي رحمه الله (32).
وأمّا وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي :
محراب المقام : ورد ذكر المحراب علي لسان الراوي لحكاية ( أبي راجح الحمامي ) وهو الشيخ محمد بن قارون ، والحاصلة في هذا القرن قائلاً : ـ ( وكان يجلس في مقام الامام عجل الله تعالى فرجه في الحلّة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ) (33) ، والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.
باب المقام : ورد ذكر باب المقام على لسان ( ابن بطوطة ) في رحلته الحاصلة في سنة ( 725هـ ) قائلا : ـ ( وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يسمّونه مشهد صاحب الزمان ) (34).
قبة المقام : ورد ذكر لقبّة المقام في هذا القرن أربع مرّات في حكاية ( ابن الخطيب وعثمان ) الحاصلة في سنة ( 744هـ ) قائلاً ( أي الراوي للحكاية ) : ( فلمّا كانت ليلة الجمعة حملنها حتّى أدخلنها القبّة الشريفة في مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه... وبتن باجمعهن في باب القبّة.. لمّا جعلتنّني في القبة وخرجتنّ... ورأيت القبّة قد امتلأت نوراً ) (35)
وذُكرت القبّة ثانيةً في هذا القرن في حكاية ( جمال الدين الزهدري ) الحاصلة في سنة ( 759هـ ) على لسان الراوي لها مرّتين قائلاً : ( وقيل لها : ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلّة المعروفة بمقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه... وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) (36).
وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ماجرى على لسان ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجل الله تعالى فرجه قائلاً : ( يا مولاي لك مقام بالنعمانيّة ومقام بالحلّة، فأين تكون فيهما؟ ) (37)
4 ) في القرن التاسع الهجري :
وفي سنة ( 873 هـ /1452 م ) : قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة ( أرسل حسن علي ـ أمير بغداد ـ جيشاً إلى الحلّة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر ، فلمّا وصل الجيش إلى قلعة بابل رأى قراغول ( حراس ) ، فجرت معركة بين الطرفين ، ثمّ اصطلحوا وعاب القرغول أميرهم وقالوا لهم : الجسر منصوب نمضي على غفلة ، وساروا وعبروا الجسر والناس يظنّونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا إلى أن وصلوا إلى دار السلطان وأحاطوا بها، وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى ، وأمّا ابن اسكندر فألقى بنفسه إلى صاحب الزمان ، وقال : كنت درويشاً وجاء بي ابن قرا موسى قهراً وطلب الأمان....... ) (38).
أقول : هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي، والظاهر أن المقصود بعبارة ( فالقى بنفسه إلى صاحب الزمان ) أنّه القى بنفسه إلى مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه ، داخلاً بذمّته آملاً منه أن يتركوه، لأنّه احتمى بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ويؤيّد كلامنا هذا أنّه لا يوجد شىء يُنسب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة سوى هذا المقام الشريف ، فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إمّا أن تكون من سهو النّساخ ، أو إنما وردت على سبيل المجاز والأتساع بحذف المضاف، وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعإلى ( وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ ) (39) والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون : أهل القرية وأهل العِير ، كما أنّه شائع في لغتنا اليوم ، فيقول أحدنا : زرت علياً عليه السلام وزرت الحسين عليه السلام يريد أنّه زار كلاًّ من مشهديهما.
5 ) في القرن العاشر ومابعده :
ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة ( 961هـ ). (40) وفي عهد الدولة الصفوية ( 930ـ1120هـ ) ذكرت عمارة المقام أيضا حينما عينت تلك الدولة ( ال القيم ) لسدانة المقام. (41)
6 ) في القرن الرابع عشر :
في سنة ( 1317هـ/1896م ) (42) ، سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلّة العلاّمة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني ( 1262ـ 1335هـ ) الذي كان يهتمّ بعمارة الآثار التأريخية.
أقول : بقيت هذه العمارة إلى سنتنا هذه وهي سنة ( 1425هـ ) ، وقد أرّخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا ( ت 1322هـ ) في آخر قصيدة له قائلا : ـ
آخيت (43) اسمك اشتقّ من الحمدِ مـحمداً فيك العلا قسمت (44)
بأنــّك الحائز علـماً بـه تهــدي إلى الايمان والرشـدِ
شيـّدت للقائم مـن هاشـم مـقـام قدسٍ شامخ المـجـدِ
فلم يزل تهتف فيك العلى (45) علـى لسـان الحرِّ والـعبـدِ
ذا خلف المهدي قد (47) أرّخوا ( شاد مقام الخلف المهدي (46) )
والشعر هذا موجود ومكتوب إلى الاّن على باب المقام كتب بالقاساني الأزرق ، ولم يتغيّر إلى الآن، وأنا نقلته هنا على ما كُتب على باب المقام، وقد أورد الشيخ الخاقاني رحمه الله في كتابه ( شعراء الحلّةج5 ص242 ) هذا الشعر باختلاف يسير ، أوردته بالهامش.
كما انّ الحاج عبد المجيد العطار ( 1282ـ1342هـ ) أرّخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمّنهما بـ (28) تاريخاً قائلاً : ـ
بفتحك بالنصر العزيز رواقا توقّع جميل الأجر في حرم البنا
نجدّ اقتراباً ما أجار وراقا (48) صاحب عصر ثاقب باسمه السنا (49)
7 ) في القرن الخامس عشر الهجري :
سنة 1422هـ / 2001 م :
سعى المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني ( دام ظله ) بتجديد عمارة المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيّرين ، بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيّع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك، وتضمن هذا التجديد :
1ـ تغليف القبّة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاساني الازرق.
2ـ تغليف أرضيّة المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.
3ـ تزيين سقف المقام والقبّة من الداخل بالمرايا.
4ـ تغيير الآيات التي كُتبت على واجهة المقام.
5ـ تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والنُّجف.
ولقد أرّخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً :
نحظى بنيلِ السّعدِ شُدنا مقامكَ علّنا
ةِ سابقت والايدي أرواحنا قبل الحجا
أنظر مقام المهدي ) بالحمدِ تمّ مؤرّخاً
والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.
ط ـ موضع الشبّاك الحالي في داخل المقام : دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمّتهم ( شبّاكاً ) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة، فهذا مسجد السهلة ومقاماته، وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة ، لكنّ ما نراه الآن أنّ شبّاك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلّي في داخل المقام، وهذا يخالف القاعدة، وممّا يؤيّده قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث ( كان حاكم الحلّة المسمى مرجان الصغير كلّما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه، وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه ) ( أنتهى ).
والحال أنّ في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأوّل ، لأنّ القبلة الشريفة كناية عن هذا الشبّاك الموضوع في جهة القبلة.
ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب المذكورة في البحار ( وبتنً بأجمعهن بباب القبة ) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان ، والحال أنّ من يبيت الآن بباب القبّة ينام في وسط السوق لضيق المحل.
م ـ قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في البحار ( وأنطبق عليً الناس حتّى كادوا أن يقتلونني ، وأخذوا ماكان عليً من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورجعت إلى البيت ) والحال أنّ مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثيرمنهم كما وصفهم ابن الزهدري.
و ـ قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه ( المزارات والمراقد العلماء في الحلّة الفيحاء ) إنّ هناك من أخبرني أنّ مساحة مقام الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف المشار اليها قد تمّ اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلّة الكبير الذي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند اخواننا السنة، حيث انضمّ قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع.
وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.
( في ذكر مدرسة صاحب الزمان تعالى فرجه الشريف المجاورة للمقام )
مما يعرفه كلّ باحث في تاريخ الحلّة وتراجم علمائها ، أنّ اولئك العلماء الأعلام ، لابد أن يكون لهم مدارس ومعاهد علمية يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم ، وينسخون فيها كتبهم ، ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس والمعاهد العلمية ، فلابدّ أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلّة الفيحاء ، وقد دلّت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات ( كما أشرنا إليها سابقاً في الباب الأوّل من كتابنا هذا ) على وجود مدرسة تعرف بـ ( مدرسة صاحب الزمان ) ، ولا يختلج في نفس المتتبّع ريب أنّ مشاهير أعلام الحلّة ـ كابن إدريس وآل نما وآل طاووس والمحقّق والعلاّمة ـ كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة ، لبركتها وكونها متّصلة بمقام بقية الله الخلف المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. والآن نأتي على ماعثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة : (50)
التاريخ الأول :
قال ابن هيكل رحمه الله في حوادث سنة 636هـ : فيها عمَر الشيخ محمد بن نمَا الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفية وأسكنها جماعة من الطلبة. (51)
أقول : يظهر من العبارة المذكورة آنفاً : ـ
أوّلاً : أنّ المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي ( 636هـ ) وأنّ الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نمَا لم يكن هو المؤسّس ، بل كان المعمر لها والساعي بتجديدها.
ثانياً : اهتمام العلماء الاجلاّء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة.
ثالثاً : يظهر من عظيم منزلتها أنّه لا يسكنها إلاّ الفقهاء من الطلبة.
التاريخ الثاني :
في بداية القرن الثامن صرّح ابو محمد الحسن بن ناصر الحدّاد العاملي وهو من تلاميذ العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتابة كتابه ( الدرّة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) مجاور مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه بالحلّة. (52)
أقول : يظهر من عبارة التاريخ الأوّل أنّ ابن الحدّاد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام، إذ أنّ معنى كلمتي جانب ومجاور واحد.
التاريخ الثالث :
في سنة 776هـ نسخ حسين بن محمد العراقي لابنه سعد الدين محمد كتاب ( قواعد الأحكام ) للعلامة الحلي رحمه الله وانتهى من نسخه غرّة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه. (53)
التاريخ الرابع :
في سنة 786هـ قابل جعفر بن محمد العراقي نسخته من كتاب ( قواعد الأحكام ) للعلامة الحلي رحمه الله على نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان. (54)
التاريخ الخامس :
في 16 شهر ربيع الاول سنة 957هـ نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السلام كتاب ( المختصر النافع ) للمحقق الحلي رحمه الله. (55)
في ذكر سدنة المقام
اهتمّ الشيعة الإماميّة بمشاهد العترة الطاهرة ، فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة إليهم بالعمارة بعد العمارة ، وفي كلّ مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتمّ بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها واحترام زائريها وتقديم الخدمات لهم ، وسمّوا تلك الطائفة بالسدنة ، ومن تلك المشاهد مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة ، فإنّ مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة، لكنّ التاريخ لم يحفظ لنا أسماءً من تلك الطائفة ، إلاّ ما وجدته من اسم واحد ، وبيت واحد ، وهو بيت ( آل القيم ) وأكرم به من بيت ، فبخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي ، وقد نال هذا البيت الحظّ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تُقدّر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر ، يستلمها خلف عن سلف، وصاغر عن كابر ، فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني عليه الرحمة في كتابه ( شعراء الحلّة ) قائلاً : إنّ صاحب كتاب ( ديوان القيم ) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمة الله عليه ، هو حسن بن الملاّ محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، وكان جدّه هذا سادناً على مقام الغيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب، ومن هنا جاءهم لقب ( القيم ) ، وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق ( 930 – 1120هـ ) ، وهم حتّى اليوم يستغلّون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة ، ولد المترجم له أي الشاعر سنة 1276هـ. (56)
أقول : ربما إنّ أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة هي ممّا وقفه الحكام الصفويّون للمقام الشريف ، وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.
ومن ثمّ انتقلت السدانة إلى بيت آخر من بيوتات الحلّة ولمدّة قصيرة ، ومن بعد تحوّلت إلى بيت آخر ثالث يدعى بـ ( ال الصفّار ). وكان السادن الأوّل منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود، وكان معروفا بتديّنه وورعه، وتوفي هذا السادن سنة ( 1408هـ ) ، ثمّ استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم. وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من املائه عليّ، قال : في سنة ( 1408هـ/1988م ) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي : كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود ( ابو ابراهيم الصفار ) ، أُمر هذا الرجل من قِبل سدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام، وعندما أغلق الباب ليلة الجمعة أغفل امراً مهمّاً وهو أن بعضاً من النساء وضعن بعض الشموع مباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون ( البلاستك ) لأنّ الموسم كان صيفاً، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وُضعت على الكرسي مباشرة، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً قد حدث، وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلاّ رمادُ ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق، فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة، وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرّك، فببركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير، ولو احترق الحصير لأحرق المقام بأكمله لكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
أقول : لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس، فخمدت تلك النيران ببركات يُمن وجوده عجل الله تعالى فرجه الشريف كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جدّه صلى الله عليه وآله.
الأمر الثاني : في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام
دأبت الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) بجعل وقفاً من الأراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير، وقد قدّمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة التي من المحتمل أن تكون خاصّة بهذا المقام ، والآن نأتي على ماتبقى من الذكر.
أقول : إنّني زرت في سنة 1425هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلّة فعثرت في طيّات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المدحتية التابعة للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة 114و11أو14و15العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي رحمه الله مدحتية ، كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو 5و6م مربع هور الشوك رحمه الله كفل ، جار ابن الجباوي ، والذي اعتقده أنّ الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للإمام المهدي عجل الله تعالى فر
التعلیقات