رد شبهة طول عمر الامام (عليه السلام)
اربلی
منذ 12 سنةقالوا لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السن ما تصفونه لإمامكم و هو مع ذلك كامل العقل صحيح الحس و أكثروا التعجب من ذلك و شنعوا به علينا.
الجواب :
أن من لزم طريق النظر و فرق بين المقدور و المحال لم ينكر ذلك إلا أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد و الخلاف و طول العمر و خروجه عن المعتاد و الاعتراض به لأمرين أحدهما إنا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة لأن تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة و أن مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم و القدر و من قرأ الأخبار و نظر فيما تستطر في كتاب المعمرين علم أن ذلك مما جرت العادة به و قد نطق القرآن بذكر نوح ( عليه السلام ) و أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و قد صنف الكثير في أخبار المعمرين من العرب و العجم و قد تظاهرت الأخبار بأن أطول بني آدم عمرا الخضر ( عليه السلام ) و أجمعت الشيعة و أصحاب الحديث بل الأمة بأسرها ما خلا المعتزلة و الخوارج على أنه موجود في هذا الزمان حي كامل العقل و وافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب. ولا خلاف أن سلمان الفارسي أدرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و قد قارب أربع مائة سنة.
فهب أن المعتزلة و الخوارج يحملون أنفسهم على دفع الأخبار فكيف يمكنهم دفع القرآن و قد نطق بدوام أهل الجنة و النار و جاءت الأخبار بلا خلاف بين الأمة بأن أهل الجنة لا يهرمون و لا يضعفون و لا يحدث بهم نقصان في الأنفس و الحواس و لو كان ذلك منكرا من جهة العقول لما جاء به القرآن و لاحصل عليه الإجماع و من اعترف بالخضر ( عليه السلام ) لم يصح منه هذا الاستبعاد و من أنكره حجته الأخبار.
و جاءت الرواية عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه و هو ابن خمسين و مائتين سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و عاش بعد الطوفان مائتين و خمسين سنة فلما أتاه ملك الموت قال له يا نوح يا أكبر الأنبياء و يا طويل العمر و يا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد و خرج من واحد.
و كان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر و ذلك أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و يقال إنه عاش عمر سبعة أنسر و كان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبدا فكان أطولها فقيل أتى عبد على لبد.
و عاش الربيع بن ضبع الفرازي ثلاثمائة سنة و أربعين سنة و أدرك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و هو الذي يقول.
ها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرك عمري و مولدي حجراأما إمرؤ القيس قد سمعت به هيهات هيهات طال ذا عمرا.
و هو القائل.
إذا عاش الفتى مائتين عاما *** فقد أودى المسرة و الغناء
و له حديث طويل مع عبد الملك بن مروان.
و عاش المستوعر بن ربيعة ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين سنة و هو القائل.
و لقد سئمت من الحياة و طولها *** و عمرت من بعد المائتين سنينا
مائة جدتها بعدها مائتين لي و *** عمرت من عدد المشهور مائينا
و عاش أكثم بن صيفي الأسدي ثلاثمائة و ستا و ثلاثين سنة و هو الذي يقول :
و إن امرأ قد عاش تسعين حجة *** إلى مائة لم يسأم العمر جاهل
خلت مائتين بعد عشر وفائها *** و ذلك من عدي ليال قلائل
و كان ممن أدرك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و آمن به و مات قبل أن يلقاه.
و عاش دريد بن زيد أربعمائة سنة و ستا و خمسين سنة فلما حضره الموت قال :
ألقى علي الدهر رجلا و يدا و الدهر ما يصلح يوما أفسدا
يفسد ما أصلحه اليوم غدا
و عاش دريد بن الصمة مائتي سنة و قتل يوم حنين.
و عاش صيف بن رياح بن أكثم مائتي سنة و سبعين سنة لا ينكر من عقله شيئا و هو ذو الحلم زعموا فيه ما قال المتلمس :
لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا *** و ما علم الإنسان إلا ليعلما
و عاش نضر بن دهمان بن سليم بن أشجع مائة و تسعين سنة حتى سقطت أسنانه و ابيض رأسه فاحتاج قومه إلى رأيه فدعوا الله أن يرد إليه عقله فعاد إليه شبابه و اسود شعره فقال في ذلك سلمة بن الخرشب الأنماري :
كنضر بن دهمان الهنيدة عاشها *** و تسعين عاما ثم قام فانصاتا
و عاد سواد الرأس بعد بياضه *** و راجعة شرخ الشباب الذي فاتا
و عاد مليا في رجاء و غبط *** و لكنه من بعد ذا كله ماتا
و عاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين و عشرين سنة و كان أسود الشعر صحيح الأسنان.
و عاش عمرو بن جبعة الدوسي أربعمائة سنة و هو الذي يقول :
كبرت و طال العمر حتى كأنني *** سليم يراعي ليلة غير مودع
فلا الموت أفناني و لكن تتابعت *** علي سنون من مصيف و مرتع
ثلاث مئات قد مررن كواملا *** و ها أنا ذا أرتجي مر أربع
و روى الهيثم بن عدي عن مجاهد عن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم و هو يفتي الناس فقام إليه أعرابي فقال قد أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر فقال قل فقال ما معنى قول الشاعر :
لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا *** و ما علم الإنسان إلا ليعلما
فقال ذاك عمرو بن جبعة الدوسي قضا على العرب ثلاثمائة سنة فلما كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده فقال إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي في اليوم مرارا و أمثل ما أكون فهما في صدر النهار فإذا رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا قرع العصا فراجعه فهمه.
و عاش زبير بن جناب بن عبيد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة و عشرين سنة و كان سيدا مطاعا شريفا في قومه.
و عاش الحرث بن مضاض الجرهمي أربع مائة سنة و هو القائل :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس و لم يسمر ببكة سامر
ابلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف *** الليالي و الحدود و العواثر
و عاش عامر بن الطرب العدواني مائتي سنة و كان من حكماء العرب و له يقول ذو الإصبع :
و منا حكم يقضى *** ولا ينقص ما يمضى
و هذا طرف يسير مما ذكرناه من المعمرين و في إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب.
و إذا ثبت أن الله سبحانه قد عمر خلقا من البشر ما ذكرناه من الأعمار و بعضهم حجج الله تعالى و هم الأنبياء و بعضهم غير حجة و بعضهم كفار و لم يكن ذاك محالا في قدرته و لا منكرا في حكمته و لا خارقا للعادة بل مألوفا على الأعصار معروفا عند جميع أهل الأديان فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سميناه و هو حجة الله على خلقه و أمينه على سره و خليفته في أرضه و خاتم أوصياء نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
و قد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال كلما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.
هذا و أكثر المسلمين يعترفون ببقاء المسيح حيا إلى هذه الغاية شابا قويا و ليس في وجود الشباب مع طول الحياة إن لم يثبت ما ذكرناه أكثر من أنه نقض للعادة في هذا الزمان و ذلك غير منكر على ما نذكره.
و الأمر الآخر إن نسلم مخالفينا أن طول العمر إلى هذا الحد مع وجود الشباب خارق للعادات عادة زماننا هذا و غيره و ذلك جائز عندنا و عند أكثر المسلمين فإن إظهار المعجزات عندنا و عندهم يجوز على من ليس بنبي من إمام أو ولي لا ينكر ذلك من جميع الأمة إلا المعتزلة و الخوارج و إن سمى ذلك بعض الأمة كرامات لا معجزات و لا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادة و من أنكر ذلك في باب الأئمة فإنا لا نجد فرقا بينه و بين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات و نقض العادات لأحد من البشر و إلا فليأت القوم بالفصل و هيهات.
ضمن كتاب كشف الغمة
التعلیقات