ما يرويه غير الإمامية في الامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه
الشيخ محمد رضا الجعفري
منذ 12 سنةالمسلك الرابع
فيما يرويه غير الإمامية
وهنا أستعين بما يرويه إخواننا غير الإمامية
قلت بأن أحاديث المهدي كما هي متواترة عند الإمامية متواترة عند غيرهم ، بحيث أنهم يرون أن الإيمان بالمهدي وظهوره ايمان بما أخبر الله به خبراً قاطعاً صريحاً جاءت به الرواية أو السنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم ، ولا أجدني بحاجة إلى أن أحكي نصوصهم بتواتر الحديث وأنّ من أنكره فقد أنكر أمراً ثبت ثبوتاً قاطعاً عن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم أنه أخبر به ، وإنما أحكي نصوصاً مختارة من نصوصهم ، هذه النصوص تدلّ على أن المهدي سلام الله عليه خليفة من نوع آخر ، لا من نوع خلفائهم الذين التزموا بصحة خلافتهم وصحة إمامتهم وأنهم خلفاء هدى وسمّوهم الخلفاء الراشدين واختصّوا بثلاثة منهم تقدّموا على مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
أنا أحكي النصوص ثم آتي بالجهة التي أريد أن أستدلّ بها ، طبعاً المجموعة طويلة ، وأنا حذفتُ الأسانيد وحذفت المصادر المتكثرة واكتفيت بمصدر واحد أو مصدرين :
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً منّي أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » [1].
أيضاً بمثله : عن عبد الله بن مسعود بلفظ يقرب من هذا ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن حذيفة بن اليمان ، وعن قرة بن أياس المزني ، وعن عبد الرحمن بن عوف.
كل هؤلاء اتّفقوا في بعض ما ورد من لفظ الحديث عندهم ، وبعضهم اكتفى بذلك اللفظ وحده ، نعم عبد الله بن مسعود جاء الحديث عنه بألفاظ مختلفة وفيها نوع من التناقض أو المجافأة أو عدم الملائمة بين الفاظها ، وهذا أيضاً أتركه إلى مجال آخر.
المهم هذه الكلمة : « حتى يبعث الله » ، معنى ذلك : أن قيام المهدي سلام الله عليه وظهوره بإرادة مباشرة من الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى حينما يريد أن يخبر عن رسالة رسوله صلى الله عيه وآله وسلّم كيف يقول ؟ ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [2] إلى آخر الايات الكريمة ، فرسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم هنا يأتي بكلمة : « يبعث » كما قال الله سبحانه وتعالى عن رسالته ونفسه ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ ) ، وكلمة بعث جاءت للتعبير عن إرسال الرسول في آي كثيرة من آي الذكر الحكيم ، لا للدّلالة على أن المهدي سلام الله عليه رسول بعد رسول الله ، بل للدّلالة على أن العمل عملٌ مباشر قام به الله سبحانه وتعالى.
وقد يقول قائل : بأن حق الاختيار للامّة يشمل حق اختيار خليفة عليها ، ويقول أيضاً : بأن هذا الخليفة وإن كان قد احتل منصب الزعامة عليهم باختيار منهم وأساس الإختيار بيعتهم له ورضاهم بأن يكون هو الذي يتأمر عليهم ، ولكن حيث أن الله سبحانه وتعالى ـ هنا أحكي أقوالاً ولا أناقشها ـ قد رضي بهذه الخيرة ورضي بها رسوله صلى الله عيه وآله وسلّم ، فنكون قد نسبنا منصب من اخترناه إلى أنه خلف نبي الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
أمّا هنا ، فالله سبحانه وتعالى إن أسندنا إليه الرضا ، فيكون الخليفة خليفة من قبل الله بصورة غير مباشرة ، حيث أن الله سبحانه وتعالى لم يرشدنا إلى أحد ولم يأمرنا أن ندين لاحد ولم يأمرنا بالبيعة اللازمة لمن له منصب الهي ، علينا أن نلتزم بالإيمان بمنصبه والإيمان بما يأتيه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ ﴾ [3] إلى آخر الآية الكريمة.
فالبيعة في القرآن الكريم جاءت كتأكيد من قبل المؤمن بإيمانه لا اختيار حرٍّ يقوم به في عالم المنافسات السياسية.
ولأجل هذا حينما يريد أن يعبّر عن إرسال رسوله صلى الله عيه وآله وسلّم يقول : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ ﴾ [4] ، هنا أيضاً يقول : « حتى يبعث الله فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي » ، يعني إماماً قدّر الله سبحانه وتعالى له الإمامة ، مباشرة وأن الله سبحانه وتعالى قد غيّبه عن خلقه بأمر منه مباشر ، وأنه يريد له الغيبة بحكمته كما يريد ، طال الزمن أو قصر ، عاشت الأمة في أمل أو خفّ عندها الأمل ، ولكن هذا الوعد ، وعدٌ قاطعٌ بأنه لابدّ وأن يكون هذا المغيّب الذي غيّبه الله سبحانه وتعالى بأمر منه أن يكون هو الذي يأمر بظهوره حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فإذن إمامة المهدي إمامة إلهية ، لأن كلمة يبعث تدلّ عليها ، وظهور المهدي ظهورٌ إلهي ، لا ظهورٌ الهي بالمعنى العرفاني ، يعني ظهوراً بأمر خاص من الله سبحانه وتعالى ، كما يعبر عنه الحديث الذي يروى عن أمير المؤمنين سلام الله عليه : « المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » [5] ، معنى « يصلحه الله في ليلة » يعني حوائجه ـ وليس معناه : أن الله سبحانه وتعالى يهيّء له عرش السفر في ليلة واحدة ويأخذ له تذاكر السفر !! ـ أي بعد أن يكون عليه الصلاة والسلام لا يأمل بقرب ظهوره وانتهاء أمد غيبته في ليلة يأمر الله سبحانه وتعالى له فيظهر في صبيحتها ، هذا معنى يصلح الله أمره في ليلة.
إذن فالمهدي هذا إمامٌ إلهي لا إمام اخترناه فرضي الله لنا ما اخترنا بخيرتنا نحن ، وغيبته غيبة الهية وظهوره ظهور إلهي ، ومثل هذا الإمام لا يكون إلاّ من جنس أئمتنا نحن الإمامية.
وهنا كلمة فسّرها إخواننا حيث يقولون في عدد الأئمة « الأئمة بعدي اثنا عشر » ، يقولون : إن الذين يخلفون على الأمة بعد رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم وهم عدول لا يجورون ولا يظلمون اثنا عشر ، ويجمعون الخلفاء الراشدين ، ومعاوية هم يجرجرون به إلى الخلافة لا إلى النار وبعد ذلك يحتارون مَن ؟ قد يصلون إلى السفاح والمنصور وكذا وكذا ، هؤلاء لا تربطهم رابطة سوى أنهم انتزعوا من ضمن قائمة الخلافة الراشدة وغير الراشدة عندهم ، انتزعوا انتزعاً لهوى في نفوس المنتزعين ، لا لميزة في الاشخاص الذين انتزعوا وفصلوا عمّن سبقهم وهو الذي عينهم وعمّن جاء بعدهم ، وهو الذي عيّنوه هم وحكّموه على رقاب الأمة. عمر بن عبد العزيز اختاره الخليفة الذي قبله هو راشد والذي اختاره غير راشد ، عمر بن عبدالعزيز استخلف فلاناً ، ذلك المستخلف من قبل عمر بن عبد العزيز غير راشد ، ولكن عمر بن عبد العزيز نفسه راشد ، فان كان راشداً فمن استخلفه كان أيضاً راشداً في استخدامه ، والذي استخلفه هو على الأمة ومكّنه من رقاب الأمة أيضاً خليفة راشد وإن كان غير راشد ، فالحكم لكم أنتم.
معنى ذلك : أن أحاديث المهدي عندهم فيها نص ، هذا النص يؤكد بصورة قاطعة أن المهدي عليه السلام ليس من جنس الخلفاء الذين استخلفوا على هذه الأمة بعد وفاة نبيها صلى الله عيه وآله وسلّم ، وإنما هو إمامٌ إلهي.
وهذا لا ينسجم إلاّ مع رأي الإمامية في الإمامة ، ومعنى ذلك أنّ أحاديث المهدي عندهم تشير إلى أنّ إمامة المهدي سلام الله عليه إمامة إلهية وإن لم يقولوا بها في أحد غيره ممن جاؤا بعد رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم كخلفاء على الأمة ، حتى في حق أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهو الخليفة الإلهي عندنا نحن الإمامية.
إذن فإمامة المهدي إمامة إلهية ، هذه الإمامة الإلهية لا تتمّ إلاّ في ضمن سلسلة منتظمة انتظاماً إلهياً ، على النحو الذي نقول به نحن الإمامية.
فأحاديث المهدي سلام الله عليه عند إخواننا فيها ما يدل دلالةً قاطعةً على النظرة التي تنظر بها الإمامية إلى المهدي سلام الله عليه.
ويؤكّده حديث يروونه هم عن أمير المؤمنين سلام الله عليه قال : « قلت : يا رسول الله المهدي منّا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ » فإذن أمير المؤمنين سلام الله عليه يفرض مسبقاً أن هناك أئمة هم أئمة هدى وهدايتهم لا بالانتخاب ، لأنه يسألها في حياة رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم عنه وبعد لم يمت رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم حتى يكون هناك انتخاب للخليفة ويكون الخليفة منتخباً انتخاباً شرعياً فاز في المنافسة السياسية التي كانت حرّةً قائمة لم يزيف فيها رأي ولم يفتعل فيها رأي ، ففي حياة رسول الله صلى الله عيه وآله وسلّم يسأل أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول : « قلت : يا رسول الله المهدي منا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ قال : بل منّا ، بنا يُختم الدين كما بنا فُتح » [6].
إلى هنا والحديث بعد طويل ، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
الهوامش
[1] سنن أبي داود : 4 / 106 ـ 107 ح 4282.
[2] الجمعة : 2.
[3] سورة الممتحنة : 12.
[4] سورة الجمعة : 2.
[5] مسند أحمد 1 : 84 ح 646 ، كنز العمال 14 : 264 ح 38664.
[6] كتاب الفتن لنعيم بن حماد 1 / 370 ح 1089 ، وانظر : الحاوي للفتاوي للسيوطي 2 / 61.
مقتبس من کتاب : الغيبة للشيخ محمد رضا الجعفري / ج 1
التعلیقات