أصحاب الإمام المهدي عليه السلام الخاصون في غيبته
الشيخ علي الكوراني
منذ 12 سنةأصحاب الإمام المهدي عليه السلام
1- أصحابه الخاصون في غيبته
عمل الإمام المهدي عليه السلام في غيبته
في الكافي : 1/340 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة ) . والنعماني/188 ، وتقريب المعارف/190 وغيرهما . ونحوه في غيبة الطوسي/102 ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، وفيه : ولابد في عزلته من قوة ) . وعنه البحار : 52/153
وفي النعماني/171 ، عن المفضل بن عمر الجعفي ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات وبعضهم يقول قتل وبعضهم يقول ذهب فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من وليٍّ ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره . قال النعماني : ولو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا لكان فيه كفاية لمن تأمله ) . ومثله عقد الدرر/134 ، ومنتخب الأنوار/81 ، وغيبة الطوسي/102 ، وفي/41 ، عن كتاب علي بن محمد الموسوي ..الخ.
أقول : معنى الغيبة التامة للإمام المهدي عليه السلام أن الناس حُرموا من نعمة رؤيته وحضوره بينهم ، حتى يأذن له الله تعالى بالظهور فيبدأ مهمته التي ادُّخر لها .
ومعناها أيضاً : أن الله تعالى كلفه بمهمة من نوع آخر ، ومعه أعوانه وهم أصحابه الخاصون الذين يلتقي بهم ومن أصحابه الخضر ، وربما إلياس عليهما السلام .
ويدل قول الإمام الباقر عليه السلام : ولا بد له في غيبته من عزلة ، ولابد في عزلته من قوة ) . ( الغيبة للطوسي/102 ) على أنها ببرنامج وأعوان ، لا مجرد اختفاء كما يتصوره الجاهلون !
وإذا أردنا أن نأخذ صورة عن عمله في غيبته عليه السلام فلنقرأ آيات رحلة نبي الله موسى مع الخضر عليهما السلام ، وما رآه من عجائب عمله في يومين أو ثلاثة .
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي عليه السلام
معنى قوله الإمام الباقر عليه السلام : ( وما بثلاثين من وحشة ) : أن الإمام المهدي عليه السلام يكون له في غيبته ثلاثون شخصاً يلتقي بهم على الأقل ، وهؤلاء هم الأبدال ، لأنهم لا يمد في عمرهم كالمهدي والخضر عليهما السلام بل يعيش واحدهم عمره الطبيعي وبعد موته يستبدل به غيره ولذا سموا الأبدال . أما كيف يتم اختيارهم واختيار البديل عمن يتوفى منهم فإن الإمام عليه السلام مهديٌّ من ربه في كل أموره ومنها اختيار أصحابه ، حسب القواعد التي علمه الله إياها .
وقد نقل الثقاة قصة أحد الأبرار أبلغوه أن الله اختاره ليكون من الأبدال ، وواعدوه عند حلول ظهر اليوم الفلاني ليأخذوه ، فتفرغ أحدهم لمراقبته كيف يأخذونه ، ولما حان الموعد افتقده من أمامه وهو ينظر اليه !
وهؤلاء الثلاثون يأخذون من الإمام المهدي عليه السلام توجيهاته وأوامره ، ويظهر أن الله تعالى يمنح الواحد منهم قدرات منها قدرته على الحركة في أنحاء الأرض ، وقد يكون لكل منهم أعوان أو جهاز !
وقد أخذ هذه الحقيقة المتصوفة فصاغوها بتصوراتهم ، ومن ذلك ما ذكره المجلسي عن الكفعمي ، قال في بحار الأنوار : 53/301 : ( قال الشيخ الكفعمي رحمه الله في هامش جنته عند ذكر دعاء أم داود : ( قيل إن الأرض لا تخلو من القطب وأربعة أوتاد وأربعين أبدالاً وسبعين نجيباً وثلاثمائة وستين صالحاً ، فالقطب هو المهدي عليه السلام ، ولا يكون الأوتاد أقل من أربعة لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الأربعة أطنابها ، وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة ، والأبدال أكثر من أربعين ، والنجباء أكثر من سبعين والصلحاء أكثر من ثلاث مائة وستين والظاهر أن الخضر وإلياس ، من الأوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب . وأما صفة الأوتاد ، فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين ، ولايجمعون من الدنيا إلا البلاغ ، ولا تصدر منهم هفوات الشر ولا يشترط فيهم العصمة من السهو والنسيان ، بل من فعل القبيح ، ويشترط ذلك في القطب .
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المراقبة ، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر ، ولا يتعمدون ذنبا . وأما النجباء فهم دون الأبدال . وأما الصلحاء ، فهم المتقون الموفون بالعدالة ، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) . ( الأعراف : 201 ) جعلنا الله من القسم الأخير لأنا لسنا من الأقسام الأول ، لكن ندين الله بحبهم وولايتهم ومن أحب قوماً حشر معهم . وقيل : إذا نقص أحد من الأوتاد الأربعة وضع بدله من الأربعين وإذا نقص أحد من الأربعين وضع بدله من السبعين ، وإذا نقص أحد من السبعين ، وضع بدله من الثلاثمائة وستين ، وإذا نقص أحد من الثلاثمائة وستين ، وضع بدله من سائر الناس ) . انتهى.
أقول : إن كل تصوراتنا عن هذا الجهاز من جنود الله تعالى وقدراتهم وأعمالهم تبقى ناقصة حتى يظهر الإمام عليه السلام فيكشفها . ففي كمال الدين : 2/481 ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت : ولم جعلت فداك؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ؟ قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما . يا ابن الفضل : إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى وسرٌّ من سر الله وغيبٌ من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف ) . ومثله علل الشرائع : 1/245 ، والإحتجاج : 2/376 ، والصراط المستقيم : 2/237 ، ومنتخب الأنوار/81 ، وإثبات الهداة : 3/488 ، والبحار : 52/91 ، والخرائج : 2/956 ، وفيه : صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج فيصلح الله أمره في ليلة ، قيل له : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : إلى قوله : افتراقهما ) .
وفي الخرائج : 2/930 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : ( إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض ، وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار ، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا حال المهدي عليه السلام ولذلك يسمى : صاحب المرأى والمسمع ، فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً ) .
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام عليه السلام وأصحابه ؟
في المحتضر/20 ، عن كتاب القائم لابن شاذان الى الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد عليهم السلام في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم وتتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فإذا قام قائمنا بعثهم الله تعالى وأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المنتحلون وينجو المقربون . وهذا الحديث يدل على ما رويناه من القالب للروح بعد خروجها من الأول كما يدل عليه أكلهم وشربهم وحديثهم ) .
وفي غيبة الطوسي/103 ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها فقال لي : ترى هذا الجبل هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا ، أما إن فيه كل شجرة مطعم ، ونعم أمان للخائف مرتين ، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين : واحدة قصيرة والأخرى طويلة ) وعنه إثبات الهداة : 3/500 ، والبحار : 52/153.
وفي البحار : 52/306 ، عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن الإمام زين العابدين عليه السلام في خبر طويل في خروج الإمام المهدي عليه السلام أنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام في جبل رضوى ، جاء فيه : ( ثم يأتي إلى جبل رضوى ، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس ، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها ) . وعنه إثبات الهداة : 3/582 .
وفي معجم البلدان : 3/51 ، في جبل رضوى : ( وهو من ينبع على مسيرة يوم ومن المدينة على سبع مراحل...وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ، ورأيته من ينبع أخضر ، وأخبرني من طاف في شعابه أن به مياهاً كثيرة وأشجاراً . وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنيفة به مقيم ، حيٌّ يرزق ) .
وروى البلاذري في أنساب الأشراف/202 ، والسمعاني : 1/207 ، قول كثيِّر والسيد الحميري وكانا أول أمرهما يعتقدان بمهدوية محمد بن الحنفية ، قال كثير :
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواءُُ
عليٌّ والثلاثة من بنية هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً برضوى عنده عسل وماء
وقال السيد الحميري :
أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ويهيج قلبي الصبابة أولقُ
حتى متى وإلى متى وكم المدى؟ يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق ) .
وتقدم أن السيد الحميري رحمه الله رجع عن الكيسانية وصار إمامياًً اثني عشرياً ، وقال :
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرو
وناديت باسم الله والله أكبرُ وأيقنت أن الله يعفو ويغفرُ..الخ.
والكيسانية نسبةً الى كيسان من وزراء المختار ، ونشأ ادعاؤهم من أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله في أن المهدي الموعود لا بد أن يغيب ، فطبقوه على محمد بن الحنفية بعد موته رحمه الله كما صرح بذلك السيد الحميري في قصائده . ويظهر أن اختيارهم جبل رضوى مكاناً لغيبته ، بسبب أحاديث عن النبي وآله صلى الله عليه وآله أيضاً .
وتدل الأحاديث المتقدمة على أن لجبل رضوى موقعاً في عالم الأرواح ! وأصل وجود أمكنة في الأرض هي نقاطٌ لتجمع أرواح الأموات أمرٌ متفق عليه بين المسلمين ، فقد ورد ذلك في بيت المقدس وحضرموت اليمن ووادي السلام التي تسمى ظهر الكوفة والنجف ، وغيرها !
ولا بد لنا أن نعترف بقلة معلوماتنا عن نقاط تحرك الأرواح في الأرض ، ونقاط نزول الملائكة وصعودها والأرواح والأعمال.. فما المانع أن يكون لجبل رضوى موقع في هذا العالم الذي هو أعلى من عالم المادة المنظور .
كما أن قول الإمام الصادق عليه السلام المتقدم عن جبل رضوى : ( رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا ) لايصح رده لغرابته ، بعد أن روى الجميع أن جبل الطائف من جبال الشام ، وقد نقله الله تعالى الى الحجاز ! كما روي أن الأرض دحيت من تحت الكعبة ، أي بدأ تدويرها وتسويتها من نقطة مكة والكعبة ! فمعلوماتنا عن تكوين الأرض وجبالها وتحرك أمكنتها قليلة أيضاً .
كما أن حب بعض بقاع الأرض وبغضها للنبي وآله صلى الله عليه وآله متفق عليه بين المسلمين ، فقد روى بخاري : 2/133 ، قول النبي صلى الله عليه وآله عن جبل أحد : أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه ) . وكرره في : 3/223 ، و225 ، و : 4/118 ، و : 5/40 ، و136 ، و : 6/207 ، و : 8/153.
وهذا أحد الأدلة التي أستدل بها على أنَّ للجمادات كالنبات والحيوان ، شعوراً وإحساساً وتكليفاً ، كل بمستواه ، فلا يوجد ميت بالكامل في الكون ، بل الموت والحياة نسبيان ، كما قال تعالى : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً ) ( الإسراء : 44 ) ، ولا مجال للإفاضة في هذا البحث . وعليه ، فإن ما ورد في دعاء الندبة كما في إقبال الأعمال : 1/510 : ( السلام عليك يا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى واقترب من العلي الأعلى ، ليت شعري أين استقرت بك النوى ، أم أي أرض تقلك أم ثرى ، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى عزيز علي أن ترى الخلق ولا ترى ، ولا يسمع لك حسيس ولا نجوى ، عزيز علي أن يرى الخلق ولا ترى ، عزيز علي أن تحيط بك الأعداء ، بنفسي أنت من مغيب ما غاب عنا ، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا ) .
يقصد التساؤل بشوق عن مكان الإمام عليه السلام الذي يتحرك في أرض الله تعالى بهداية ربه ، وله علاقة بجبل رضوى الذي هو مركز نزول للأرواح العلوية .
الخضر من أصحاب المهدي عليهما السلام
وأحاديث ذلك كثيرة في مصادر الجميع وفيها صحيح السند ، تجدها في قصص الأنبياء عليهم السلام وفي تفسير الآيات المتعلقة به في سورة الكهف ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) . ( سورة الكهف : 60-82 ) .
وهي تدل على أن الخضر من جنود الله وأصحاب المهات الخاصة في الأرض ، وقد ورد أنه كان يظهر للنبي صلى الله عليه وآله ، وأنه عزَّى أهل البيت بوفاته صلى الله عليه وآله ، ثم كان يظهر لهم ، وقد رويت أخبار ظهوره لعدد منهم عليهم السلام ، وأنه جوال في الأرض ، ويصلي أحياناً في مسجد الكوفة والسهلة ، وأنه مع الإمام المهدي عليه السلام في غيبته .
ففي كمال الدين : 2/390 ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لايموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر ما ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلم عليه ، وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته ) . وعنه إثبات الهداة : 3/480 ، وحلية الأبرار : 2/683 ، والبحار : 52/152.
وذكر في البحار : 13 ، 303 ، أن إسم الخضر خضرويه ، سمي به لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء ، وأنه أطول الآدميين عمراً ، واسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح . لكن لايمكن الأخذ بمثلها من روايات أنساب الأنبياء عليهم السلام لتأثرها بالإسرائيليات التي يكثر فيها الكذب .
هذا ، وسيأتي في غيبة الإمام عليه السلام ما يدل على حضور الخضر موسم الحج كل عام.
وربما كان نبي الله إلياس من أصحابه عليهما السلام
وردت في نبي الله إلياس عليه السلام وحياته ، أحاديث وقصص في مصادر الطرفين ، لكنها لاتبلغ في قوتها وصحتها أحاديث الخضر عليه السلام .
روى في كمال الدين/543 ، قصة المعمر ابن أبي الدنيا ، وأنه رأى في الجاهلية الخضر وإلياس وبشراه بالنبي صلى الله عليه وآله وأخبراه أنه يعيش حتى يرى عيسى.
وروى في البحار : 13/319 ، ومستدرك الوسائل : 5/386 ، عن النبي صلى الله عليه وآله دعاءً للأمن من السرق والغرق والحرق وأن الخضر عليه السلام وإلياس يلتقيان في كل موسم فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ما شاء الله ، كل نعمة فمن الله ، ما شاء الله ، الخير كله بيد الله ، ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ) .
وفي الكافي : 1/227 ، عن مفضل بن عمر أنه دخل على الإمام الصادق وهو يقرأ دعاءً بالسريانية ويبكي ، وفسره لهم بأنه دعاء نبي الله الياس عليه السلام : ( كان يقول في سجوده : أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري ، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي ، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي ، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك قال فقال : إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ماذا ؟ ألست عبدك وأنت ربي ؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك إني إذا وعدت وعداً وفيت به ) .
وفي المحاسن : 2/515 : ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عليكم بالكرفس ، فإنه طعام إلياس واليسع ويوشع بن نون ) .والكافي : 6/366 ، ومكارم الأخلاق/180.
وفي البحار : 13/393 ، قصة نبي الله إلياس عليه السلام عن وهب بن منبه وابن عباس ، وحاصلها : أنه من أنبياء بني إسرائيل ، بعثه الله الى سبط بني إسرائيل في بعلبك وكان بعد داود عليه السلام أي في حكم الرومان ، وكانت زوجة ملكهم رومانية فاجرة وكانوا يعبدون بعلاً ، كما ورد في آيات إلياس عليه السلام : ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّـهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ). ( الصافات : 123-129 ) فكذبوه وأهانوه وأخافوه وهموا بتعذيبه فهرب منهم ولحق بأصعب جبل فبقي فيه وحده سبع سنين ، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر ، فابتلى الله قومه بالقحط ومرض ابن الملك حتى يئس منه وكان أعز ولده إليه ، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع فبعثوا الى إلياس عليه السلام في الجبل أن يهبط إليهم ويشفع لهم ، فنزل إلياس من الجبل ودعا الله فشافى ابن الملك وأنزل المطر...وفي آخر الرواية : ( ثم وصى إلياس إلى اليسع وأنبت الله لإلياس الريش وألبسه النور ورفعه إلى السماء ، وقذف بكسائه من الجو على اليسع فنبأه الله على بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده ، فكان بنو إسرائيل يعظمونه ويهتدون بهداه ) . ونقل عن الطبرسي قوله : ( ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم ، وقطع عنه لذة الطعام والشراب ، وكساه الريش فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً ، وسلط الله على الملك وقومه عدواً لهم فقتل الملك وامرأته ، وبعث الله اليسع رسولا فآمنت به بنو إسرائيل وعظموه وانتهوا إلى أمره ) .
وروى في البحار : 13/399 ، عن الإمام الصادق عليه السلام أن ملك بني إسرائيل هويَ امرأة من قوم يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل فخطبها فقالت : على أن أحمل الصنم فأعبده في بلدتك ، فأبى عليها ثم عاودها مرة بعد مرة حتى صار إلى ما أرادت فحولها إليه ومعها صنم ، وجاء معها ثمان مائة رجل يعبدونه... وانتهت القصة بأن القحط أصابهم فاستغاثوا بإليا ، وتاب الملك توبة حسنة حتى لبس الشعر وأرسل الله إليهم المطر والخصب ) . انتهى.
أقول : يؤخذ الروايات ضعف سندها الى أهل البيت عليهم السلام ، وأنها أشبه بمبالغات الإسرائيليات في سياقها غير المنطقي في تعامل الله تعالى مع الأنبياء عليهم السلام ! ثم في ادعائها أن بني إسرائيل اهتدوا وآمنوا بإلياس واليسع عليهما السلام ، وزعمها أن اليهود كانوا يحكمون أنفسهم مع أنهم انوا تحت حكم الروم وكان حكامهم منصوبين منهم ! وقلعة بعلبك معبد الرومان الوثنيين وقول إلياس عليهما السلام : ( أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) . ( الصافات : 125 ) يدل على أنه بُعث الى وثنيين من الرومان وأتباعهم اليهود . وروى في الكافي : 1/242 ، عن ابن الحريش عن الإمام محمد الجواد عليه السلام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا ، فأرسل إليَّ فكنا ثلاثة فقال : مرحباً يا ابن رسول الله ، ثم وضع يده على رأسي وقال : بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه . يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك ، وإن شئت فأصدقني وإن شئت صدقتك؟ قال : كل ذلك أشاء قال : فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال : إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه ، وإن الله عز وجل أبي أن يكون له علم فيه اختلاف قال : هذه مسألتي وقد فسرت طرفاً منها ! أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف مَن يعلمه ؟ قال : أما جملة العلم فعند الله جل ذكره ، وأما ما لابد للعباد منه فعند الأوصياء عليهم السلام ، قال : ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه ، وقال : هذه أردت ولها أتيت ، زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء ، فكيف يعلمونه ؟ قال : كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى لأنه كان نبياً وهم محدثون ، وإنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لايسمعون ، فقال : صدقت يا ابن رسول الله.... سآتيك بمسألة صعبة : أخبرني عن هذا العلم ما له لايظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : فضحك أبي عليه السلام وقال : أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به كما قضى على رسول الله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره ، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ! وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمناً ، ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كفَّ ، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات ، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء ، ثم أخرج سيفاً ثم قال : ها إن هذا منها ، قال فقال أبي : إي والذي اصطفى محمداً على البشر ، قال : فرد الرجل اعتجاره وقال : أنا إلياس ، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة ، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك...وجاء في آخر الحديث : فقال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره ) . وعنه البحار : 25/74 ، ولعله أقوى نص في حياة إلياس عليه السلام . لكن في هامش البحار : 13/406 : ( والحسن بن العباس بن الحريش رجل ضعيف لايلتفت إلى حديثه ، فقد ذكره الشيخ النجاشي في رجاله/45 وقال : ضعيف جداً ، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر وهو كتاب ردي الحديث مضطرب الألفاظ اهـ : وفي الخلاصة : وقال ابن الغضائري : هو أبو محمد ضعيف ، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام فضل إنا أنزلناه كتاباً مصنفاً فاسد الألفاظ ، تشهد مخائله على أنه موضوع ، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه ) . انتهى.
أما مصادر السنيين ، فمروياتها تكاد تكون كلها إسرائيليات ! ففي الجامع الصغير للسيوطي : 1/636 : الخضر في البحر ، وإلياس في البر ، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ) .
وقال في شرحه في فيض القدير : 3/672 : ( الخضر في البحر ) أي معظم إقامته فيه ( وإلياس ) بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل أو هو إفعال من قولهم رجل أليس أي شجاع لا يفر والأيس الثابت الذي لا يبرح كذا ذكره ابن الأنباري قال السهيلي : والأصح أن إلياس سمي بضد الرجاء ولامه للتعريف وهمزته همزة وصل وقيل قطع ! ( وهو تكلف بارد في إسم عبري أصله من السريانية ) .
( في البر يجتمعان كل ليلة .. ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ) تمامه طعامهما ذلك اهـ . فكأنه سقط من قلم المصنف ، وهذا حديث ضعيف لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق بألفاظ مختلفة ، فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في سفر فنزل منزلاً فإذا رجل في الوادي يقول اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها ، فأشرفتُ على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فقال : من أنت؟ قلت : أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وآله قال : وأين هو؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك . قال : أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرؤك السلام فأتيته فأخبرته فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان فقال : يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت ، فنزلت عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس وأكلا وصليا العصر ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اهـ. وأخرج الحاكم في المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعاً وأن طوله ثلاثمائة ذراع وإنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر ، وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال إنه خبر باطل . وفي البخاري : يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس . قال ابن حجر : أما قول ابن سعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه ، وأما قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري ، وقيل : إلياس إنما هو من بني إسرائيل ) .وضعفه في ضعيف الجامع/102.
وفي الدر المنثور : 4/240 : ( وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند واه عن أنس..كما تقدم ، وقال : وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي داود قال : الياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل . وأخرج العقيلي والدارقطني في الافراد وابن عساكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات... قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب ) . ورواه في الإصابة : 2/251 ، عن أنس ، وقال : قلت وعبد الرحيم وأبان متروكان ) .
وفي ربيع الأبرار/126 : ( مقاتل : من الأنبياء أربعة أحياء : اثنان في السماء عيسى وإدريس ، واثنان في الأرض : إلياس والخضر ، فإلياس في البر والخضر في البحر ، وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه ، ويحجان كل عام ولا يراهما إلا من شاء الله ، وأكلهما الكرفس والكمأة ) .
وفي فردوس الأخبار : 2/202 ، عن أنس كما تقدم ، ومثله كنز العمال : 12/71 ، عن مسند الحارث .
وفيه : الخضر هو الياس ( ابن مردويه عن ابن عباس ) إنما سمي الخضر خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء ( حم ، ق ( 1 ) ، ت - عن أبي هريرة ) .
إلياس والخضر أخوان ، أبوهما من الفرس وأمهما من الروم ( فر عن أبي هريرة ) .
لما لقي موسى الخضر جاء طير فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى : تدري ما يقول هذا الطائر ؟ قال : وما يقول : قال : يقول : ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من هذا الماء ( ك عن أبي ) .
يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الغرق والسرق ومن الشيطان والسلطان ومن الحية والعقرب. ( قط في الافرأد وأبو إسحاق الذكي في فوائده ، عق ، عد وابن عساكر عن ابن عباس وضعف ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ) .
وبعضه في فتح الباري : 6/266 ، وقال في : 7/342 : ( وأغرب ابن التين فجزم أن الياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضاً حي ، وهو ضعيف أعني كونه حياً وأما كونه ليس بنبي فنفيٌ باطل ففي القرآن العظيم : ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ، فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلاً وليس بنبي ) .انتهى.
وشطحة ابن التين لها مثيلات منه ، وهي مثلٌ لمن تستهويه الإسرائيليات فينسى نص القرآن ، أو يتحايل عليه !
والنتيجة : أن أخبار نبي الله إلياس عليه السلام حتى في مصادرنا متأثرة بالإسرائيليات ، ولا يمكن الإعتماد على أمثالها ما لم يؤيده الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام وهو هنا قليل . وأما الخضر عليه السلام فأحاديثه متوفرة وفيها الصحيح أنه حي يرزق ، وأنه من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام في غيبته ، ويظهر معه عند ظهوره .
أصحاب الكهف أعوان المهدي عليه السلام
قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ) . ( الكهف : 9-22 ) .
وذكر المفسرون في سبب نزولها أن قبائل قريش بعثت الى حاخامات اليهود ثلاثة من أصدقائهم هم : العاص السهمي وابن معيط الأموي وابن كلدة العبدري ، ليأتوهم بمسائل يعجز عن جوابها النبي صلى الله عليه وآله ! فجاؤوا بمسائل : منها متى تقوم الساعة ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين. ( تفسير القمي : 1/249 ، والطبري : 15/285 ) .
وفي تفسير القمي : 2/31 : ( وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمد صلى الله عليه وآله . وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقومان ، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم ، وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم ) .
وفي تفسير العياشي : 2/321 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( وكتب ملك ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص ) .
وفي الدر المنثور : 4/215 : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس : قال رسول الله : إن أهل الكهف من أصحاب المهدي عليه السلام . وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) ؟ قال : إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم فقدوهم فخبروا الملك خبرهم ، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال إنه سيكون لهم شأن ) . والعطر الوردي/70 ، كالدر المنثور عن تاريخ ابن الجوزي وقال : وحينئذ فَسِرُّ تأخيرهم إلى هذا المدة إكرامهم بشرف دخولهم في هذه الأمة وإعانتهم لخليفة الحق ، كما نقله الصبان عن السيوطي . ونحوه في سبل الهدى : 2/124 ، والفواكه الدواني : 1/70 ، وفي فتح الباري : 6/365 ، عن حديث : أصحاب الكهف أعوان المهدي : ( وسنده ضعيف ، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي ) .انتهى.
وفي الفواكه الدواني : 1/70 : ( ويكون المهدي مع أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي من جملة أتباعه ، ويصلي عيسى وراء المهدي صلاة الصبح وذلك لا يقدح في قدر نبوته ، ويسلم المهدي لعيسى الأمر ويقتل الدجال . ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الأمر كله لعيسى عليه السلام ويمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون . وقيل يمكث سبع سنين بعد نزوله ليس يبقى بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله الريح التي تقبض أرواح المؤمنين ) . انتهى. وهو متأثر بأفكار كعب !
كما روت مصادر السنة والشيعة قصة غريبة ، مفادها : أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله طلبوا منه أن يريهم أهل الكهف فأمرهم أن يركبوا على بساط ، وبعث معهم علياً عليه السلام فطار بهم البساط حتى وصلوا الى أهل الكهف فرأوهم نائمين فكلموهم فلم يجيبوهم وكلمهم علي عليه السلام فأجابوه ( فقال أبو بكر : يا علي ما بالهم ردوا عليك وما ردوا علينا؟ فقال لهم علي ، فقالوا : إنا لا نردُّ بعد الموت إلا على نبي أو وصى نبي ) . ورووا أن علياً استشهد بأنس بن مالك على هذه الكرامة فأبى أن يشهد فدعا عليه فأصابه البرص والعمى ! ( راجع : عقد الدرر/141 ، عن تفسير الثعلبي ، وعنه البرهان للهندي/87 ، ومناقب ابن المغازلي/232 ، عن أنس ، وسعد السعود لابن طاووس/112 ، وقال : فصل فيما نذكره من كتاب التفسير مجلد واحد تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الرابعة ، بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري قال : حدثني جعفر بن نصر بحمص قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله بساط من قرية يقال لها بهندف.... هذا الحديث رويناه من عدة طرق مذكورات وإنما ذكرناه هاهنا لأنه من رجال الجمهور وهم غير متهمين فيما ينقلونه لمولانا علي عليه السلام من الكرامات . والخرائج والجرائح : 1/210 ، والفضائل لابن شاذان/164 ، ومناقب ابن شهرآشوب : 2/337 و 338 بمعناه ، عن جابر وأنس. والفضائل لابن شاذان/164 ، والثاقب في المناقب/71 ، واليقين/133 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وإرشاد القلوب/268 ، وخلاصة عبقات الأنوار : 3/258 ، ونفحات الأزهار : 3/241 ) . والطرائف لابن طاووس/84 ، وقال : وزاد الثعلبي في هذا الحديث علي ابن المغازلي : قال فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي ، فقال إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة ) .
ملاحظات
1- في الإرشاد : 2/117 : ( عن زيد بن أرقم أنه قال : مُرَّ به عليَّ ( رأس الحسين عليه السلام ) وهو على رمح وأنا في غرفة ، فلما حاذاني سمعته يقرأ : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) ، فقفَّ والله شعري وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ) . ( ومناقب آل أبي طالب : 3/218 ) . وفي المناقب لمحمد بن سليمان : 2/267 : ( عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو قال : رأيت رأس الحسين بن علي على الرمح وهو يتلو هذه الآية : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) ! فقال رجل من عرض الناس : رأسك يا ابن رسول الله أعجب ) !
2- المتفق عليه في نصوص أصحاب الكهف أنهم من أصحاب المهدي عليه السلام ، ويقوِّيه أن الله تعالى جعل الذين ظهروا في عصرهم يكتبون قصتهم على رقيم حديدي ، ويبنون عليهم باب الكهف ، وأنه تعالى تكلم عن عددهم كثيراً ولم يبينه ! وهذا يعني أن له فيهم قصداً في المستقبل وهو دورهم في عصر الإمام المهدي عليه السلام . لذلك من البعيد أن يقتصر دورهم على تكليم الإمام عليه السلام ثم يموتون ، كما نقل ابن طاووس عن الثعلبي : ( إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة ) .
بل يعارضه ما رواه في الهداية/31 : ( يأتيه الله ببقايا قوم موسى عليه السلام ويجئ له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة ) . وفي الإرشاد/365 ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( يخرج مع القائم عليه السلام ...خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون.... فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً ) .
فقد نصت هذه الروايات وغيرها على دورهم معه عليه السلام ، ولا بد أن يكونوا عوناً له في إقامة الحجة على الروم الذين هم منهم ، والذين يحشدون نحو مليون جندي من جيوشهم في منطقة أنطاكية ، وقد يكون الوفد الذي يرسله المهدي عليه السلام الى أنطاكية هدفه الأساسي كشف أهل الكهف لكي يحتجوا على الروم ، ثم يلتحقون بالإمام عليه السلام .وقد نصت رواية فوائد الفكر/103 ، التالية على أنهم يكونون معه عليه السلام في حركته نحو الشام والقدس : ( عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله : لاتحشر أمتي حتى يخرج المهدي.... ثم يتوجه الى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره ، ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض ) .
3- ومما يتصل بأهل الكهف موقع أنطاكية في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وأنه سيكون لها شأن في عصره بصفتها مركزاً لحواريي المسيح عليه السلام ودعوته ، وأنه يرسل وفداً من أصحابه فيستخرج نسخ التوراة الأصلية من مكان فيها .
ففي دلائل الإمامة/249 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدرى في أي شئ قتله ، ويبعث ثلاثة رَكْب ، أما ركبٌ فيأخذ ما في أيدي أهل الذمة من رقيق المسلمين فيعتقهم ، وأما ركب فيظهر البراءة من يغوث ويعوق في أرض العرب . وركب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية . ويعطى حكم سليمان ) .والخرائج : 2/862 ، وغيره.
وفي غيبة النعماني/237 ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : دخل رجل على أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له : عافاك الله إقبض مني هذه الخمسمائة درهم فإنها زكاة مالي فقال له أبو جعفر عليه السلام : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المؤمنين . ثم قال : إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله . وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن . وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأر
التعلیقات