في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السابقة
في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السابقة
إعلم أنّ هذا المعنى لا خلاف ولا شكّ فيه (1) عند أحد من المسلمين ، وقد نطق به القرآن كما تقدّم ، وأنا أذكر هنا جملة من الأحاديث الواردة في ذلك ولا أدّعي الاستقصاء فإنّها أكثر من أن تحصى ، وقد تضمّنت كتب العامّة والخاصّة شيئاً كثيراً من ذلك ، وقد نقلوا هذا المعنى في كتب التواريخ وكتب الحديث والتفاسير وغيرها ، ولم أنقل إلا بعض ما ورد من طريق علماء الخاصّة واقتصرت على أحاديث :
الأوّل : ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب « عيون الأخبار » ـ في باب الأخبار المنثورة ـ قال : حدّثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا علي بن موسى بن جعفر الكميداني (2) ، ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سمعت الرضا عليهالسلام يقول : « إنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابة له ، فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ، ثمّ جاء يطلب بدمه.
فقال لموسى : إنّ سبط آل فلان قتلوا فلاناً فأخبرنا من قتله ، فقال : إئتوني ببقرة
__________________
1 ـ في « ح » : لاخلاف فيه ولا شك.
2 ـ في « ح ، ك » : الكمنداني.
140
( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (1) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم ـ إلى أن قال ـ : فاشتروها وجاءوا بها فأمر بذبحها ، ثمّ أمر أن يضرب الميّت بذَنَبها ، فلمّا فعلوا ذلك حيى المقتول ، فقال : يا رسول الله إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعي عليه قتلي » (2) الحديث.
الثاني : ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب « عيون الأخبار » ـ في باب مجلس الرضا عليهالسلام مع أهل الأديان وأهل المقالات في التوحيد عند المأمون ـ قال : حدّثنا أبو محمّد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمّي ، قال : أخبرنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن حسن بن علي بن صدقة القمّي ، قال : حدّثني أبو عمرو محمّد بن عبد العزيز الأنصاري ، قال : حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي ثمّ الهاشمي يقول : ثمّ ذكر احتجاج الرضا عليهالسلام على أهل المقالات ـ إلى أن قال الرضا عليهالسلام لبعض علماء النصارى ـ : « ما أنكرت أنّ عيسى عليهالسلام كان يُحيي الموتى بإذن الله؟ » قال الجاثليق : أنكرت ذلك من قبل ، أنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو ربّ مستحقّ لأن يُعبد.
فقال الرضا عليهالسلام : « فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليهالسلام ، مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ، فلم تتّخذه اُمّته ربّاً ، ولم يعبده أحد من دون الله ، ولقد صنع حزقيل النبي عليهالسلام مثل ما صنع عيسى بن مريم عليهالسلام ، فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل بعد موتهم بستّين سنة ».
ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له : « أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة ، اختارهم بخت نصّر من سبي (3) بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ، ثمّ
__________________
1 ـ سورة البقرة 2 : 67.
2 ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام 2 : 13 : 31.
3 ـ ( سبي ) لم يرد في « ح ، ط ».
141
انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله إليهم فأحياهم ، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم؟ » قال رأس الجالوت : قد سمعنا به وعرفناه قال : « صدقت » ثمّ أقبل على النصراني فقال : « يا نصراني فهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ » قال : بل كانوا قبله.
فقال الرضا عليهالسلام : « لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فسألوه أن يُحيي لهم موتاهم ، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال : يا علي إذهب إلى الجبّانة فنادِ بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ويافلان ويافلان ، يقول لكم محمّد صلىاللهعليهوآله : قوموا بإذن الله ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، فأقبلت قريش تسألهم عن أحوالهم ثمّ أخبروهم أنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله قد بُعث نبيّاً ، فقالوا : وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به ـ إلى أن قال ـ : إنّ قوماً من بني اسرائيل خرجوا من ديارهم من الطاعون وهم اُلوف حذر الموت ، فأماتهم الله في ساعة واحدة ، فعمد أهل القرية فحظروا عليهم حظيرة (1) ، فلم يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم وصارت رميماً ، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب من كثرة العظام البالية ، فأوحى الله إليه : أتحبّ أن اُحييهم لك فتنذرهم؟ قال : نعم يا رب ، فأوحى الله إليه : نادهم فقال : أيّتها العظام البالية قومي بإذن الله تعالى ، فقاموا أحياء أجمعون ، ينفضون التراب عن رؤوسهم (2).
ثمّ إبراهيم خليل الرحمن حين أخذ الطير فقطّعهن قطعاً ، ثمّ وضع على كلّ جبل منهنّ جزءاً ، ثمّ ناداهن فأقبلن سعياً إليه.
ثمّ موسى بن عمران وأصحابه الذين كانوا سبعين اختارهم فصاروا معه إلى الجبل ، فقالوا : إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته ، فقال : إنّي لم أره ،
__________________
1 ـ الحظيرة : الموضع الذي يحاط عليه. لسان العرب 4 : 204 ـ حظر.
2 ـ في « ط » : وجوههم.
142
فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة (1) فاحترقوا عن آخرهم ، فبقي موسى وحيداً ، فقال : يا ربّ إنّي اخترت منهم سبعين رجلاً فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما اُخبرهم به ، فأحياهم الله تعالى من بعد موتهم.
وكلّ شيء ذكرته لك لا تقدر على دفعه ، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به » (2) الحديث.
ورواه ابن بابويه أيضاً في كتاب « التوحيد » في الباب المذكور بالإسناد السابق (3).
ورواه الشيخ الطبرسي في كتاب « الاحتجاج » مرسلاً (4).
أقول : قوله : « ما أنكرت » ... إلى آخره. معناه أيّ شيء أنكرت من إحياء عيسى للموتى بإذن الله ، حتّى زعمت أنّه ينافي البشرية ويستلزم الربوبيّة ، فإنّ النصارى لم ينكروا إحياء الموتى وإنّما أنكروا البشرية وهو ظاهر.
واعلم أنّ هذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ الرجعة لا تستلزم التكليف ولا تنافيه ، بل يمكن كون أهل الرجعة كلّهم (5) مكلّفين ، وأن يكونوا غير مكلّفين ، وأن يكون بعضهم مكلّفاً وبعضهم غير مكلّف ، لأنّ الجماعة من قريش (6) لمّا
__________________
1 ـ هذا القول اقتباس من قوله تعالى ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) سورة البقرة آية 55.
2 ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام 1 : 154 / ضمن حديث 1.
3 ـ التوحيد : 422 ـ 423.
4 ـ الاحتجاج 2 : 407 / 307.
5 ـ ( كلّهم ) لم يرد في « ك ».
6 ـ في « ط » : فرس.
143
أحياهم الله لم يكونوا مكلّفين وإلا لما قالوا : « وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به » وأنّ الجماعة من بني إسرائيل لمّا أحياهم الله بعد موتهم كانوا مكلّفين. ويأتي تحقيق ذلك إن شاءالله تعالى.
( ضمن كتاب الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي )
التعلیقات