شهر رجب وما يخصّ ظهور الإمام المهدي عليه السلام
الشيخ مهدي مجاهد
منذ 9 ساعاتيحتلّ شهر رجب مكانةً خاصّة في الوجدان الإسلامي عامّة، وفي الوعي العقدي الشيعي على وجه الخصوص؛ فهو من الأشهر الحرم التي عظّمها الله تعالى، وجعل لها حرمةً ومزيةً وخصوصيةً في العبادة والطاعة، كما جعله موسماً من مواسم القرب الإلهي والاستعداد الروحي. وقد انعكس هذا الاهتمام في كثرة الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام في بيان فضل هذا الشهر، والحثّ على اغتنامه بالصيام والدعاء والاستغفار والتوبة والإنابة.
غير أنّ أهمية شهر رجب لا تقتصر على جانبه العبادي الفردي، بل تتجاوز ذلك لتلامس بعداً عقدياً غيبياً مهماً، وهو ارتباطه بعلامات ظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. فقد أشارت جملة من الروايات الواردة في كتب الغيبة والملاحم والفتن إلى أنّ شهر رجب سيكون مسرحاً لأحداث مفصلية كبرى تسبق الظهور المبارك أو تمهّد له، بحيث يصبح هذا الشهر علامة زمنية مميّزة في مسار التحوّلات الإلهية الكبرى التي ستقود إلى قيام دولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي عليه السلام.
وقد أولى علماء الشيعة هذا الموضوع عنايةً خاصة، فتناولوه في مصنّفاتهم، ولا سيّما في كتب الغيبة وعلامات الظهور، مثل: الغيبة للنعماني، والغيبة للشيخ الطوسي، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي، وإقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، وغيرها من المصادر المعتمدة. وهذه الكتب لم تكتفِ بسرد الأحداث، بل سعت إلى ربطها بالبُعد الإيماني والسلوكي للمؤمن، ليكون الحديث عن الظهور باعثاً على الاستعداد العملي، لا مجرّد ترقّب سلبي أو انتظار خالٍ من المسؤولية.
من هنا تأتي أهمية هذا المقال، الذي يسعى إلى تسليط الضوء على مكانة شهر رجب في الإسلام، ثم بيان علاقته بعلامات ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما وردت في روايات أهل البيت عليهم السلام، وصولاً إلى إبراز البعد التربوي والانتظاري الذي ينبغي أن يرافق المؤمن في تعامله مع هذا الشهر المبارك.
أولاً: مكانة شهر رجب في الإسلام والروايات الواردة فيه
1. شهر رجب من الأشهر الحرم
يُعدّ شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم التي نصّ القرآن الكريم على عظمتها بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ (1).
وقد اتفقت الروايات على أنّ هذه الأشهر هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم، ورجب. وسُمّي رجب بـ«الأصبّ» لأنّ الرحمة تُصبّ فيه صبّاً، وبـ«الأصمّ» لأنّه لا يُسمع فيه قعقعة السلاح تعظيماً له.
2. فضل شهر رجب في الروايات
وردت روايات كثيرة في فضل هذا الشهر، منها ما رُوي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال:
عنه صلى اللّه عليه و آله: « خِيَرَةُ اللّهِ مِنَ الشُّهورِ شَهرُ رَجَبٍ، وهُوَ شَهرُ اللّهِ، مَن عَظَّمَ شَهرَ رَجَبٍ فَقَد عَظَّمَ أمرَ اللّهِ، ومَن عَظَّمَ أمرَ اللّهِ أدخَلَهُ جَنّاتِ النَّعيمِ، وأوجَبَ لَهُ رِضوانَهُ الأَكبَرَ » (2).
وهذه الرواية تعبّر بوضوح عن المكانة الإلهية الخاصة لشهر رجب، حيث نُسب إلى الله تعالى تشريفاً وتعظيماً.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: « إنَّ اللّهَ تَعالى نَصَبَ فِي السَّماءِ السّابِعَةِ مَلَكا يُقالُ لَهُ: الدّاعي، فَإِذا دَخَلَ شَهرُ رَجَبٍ يُنادي ذلِكَ المَلَكُ كُلَّ لَيلَةٍ مِنهُ إلَى الصَّباحِ: طوبى لِلذّاكِرينَ! طوبى لِلطّائِعينَ! ويَقولُ اللّهُ تَعالى: أنا جَليسُ مَن جالَسَني، ومُطيعُ مَن أطاعَني، وغافِرُ مَنِ استَغفَرَني، الشَّهرُ شَهري، وَالعَبدُ عَبدي، وَالرَّحمَةُ رَحمَتي، فَمَن دَعاني في هذَا الشَّهرِ أجَبتُهُ، ومَن سَأَلَني أعطَيتُهُ، ومَنِ استَهداني هَدَيتُهُ، وجَعَلتُ هذَا الشَّهرَ حَبلًا بَيني وبَينَ عِبادي؛ فَمَنِ اعتَصَمَ بِهِ وَصَلَ إلَيَ » (3).
وهذا يدلّ على عظم الثواب المترتّب على الأعمال في هذا الشهر، ولا سيّما الصيام.
3. الأعمال والزيارات في شهر رجب
تميّز شهر رجب بكثرة الأدعية والزيارات الواردة فيه، مثل زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وزيارة أمين الله، وأدعية الاستغفار المعروفة، كقول: « أَسْتَغْفِرُ الله الَّذِي لا إلهَ إِلاّ هُوَ وَحَدْهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ». وكلّ ذلك يهيّئ المؤمن روحياً ونفسياً للدخول في مسار القرب الإلهي، وهو مسار يتكامل مع مفهوم الانتظار الحقيقي للإمام المهدي عليه السلام.
ثانياً: علاقة شهر رجب بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
1. شهر رجب في الوعي المهدوي
في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، يظهر شهر رجب بوصفه شهراً مفصلياً في مسار الأحداث المرتبطة بالظهور. وليس المقصود من ذلك الجزم بزمان الظهور، فإنّ توقيته من الأسرار الإلهية، وإنما الإشارة إلى أنّ بعض العلامات الكبرى ستقع فيه، مما يجعله شهراً حافلاً بالإشارات والدلالات.
2. شهر رجب والاستعداد للظهور
إنّ الربط بين شهر رجب وظهور الإمام المهدي عليه السلام يلفت نظر المؤمن إلى ضرورة الجمع بين العبادة والوعي، وبين التزكية الروحية والاستعداد العملي. فليس الحديث عن علامات الظهور حديثاً للتسلية أو الفضول، بل هو دعوة ضمنية لإصلاح النفس والمجتمع، تمهيداً للانخراط في مشروع الإمام العادل.
ثالثاً: شهر رجب في كتب الغيبة وعلامات الظهور
تناولت كتب الغيبة عند علماء الشيعة شهر رجب باعتباره زماناً لوقوع جملة من العلامات المهمة، ومن أبرزها:
1. الصيحة السماوية
تُعدّ الصيحة السماوية من العلامات الحتمية الكبرى، وقد ورد في بعض الروايات أنّها تكون في شهر رجب.
الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا عليه السلام إِنَّهُ : « يَا حَسَنُ سَيَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ صَيْلَمٌ يَذْهَبُ فِيهَا كُلُّ وَلِيجَةٍ وَ بِطَانَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ وَلِيجَةٍ وَ بِطَانَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي يَحْزَنُ لِفَقْدِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ كَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مُتَأَسِّفٍ مُتَلَهِّفٍ حَيْرَانَ حَزِينٍ لِفَقْدِهِ ، ثُمَّ أَطْرَقَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ بِأَبِي وَ أُمِّي سَمِيُّ جَدِّي وَ شَبِيهِي وَ شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ جُيُوبُ النُّورِ يَتَوَقَّدُ مِنْ شُعَاعِ ضِيَاءِ الْقُدْسِ ، كَأَنِّي بِهِ آيَسَ مَا كَانُوا قَدْ نُودُوا نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بِالْبُعْدِ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ بِالْقُرْبِ ، يَكُونُ رَحْمَةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ عَذَاباً عَلَى الْكَافِرِينَ.
فَقُلْتُ بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ وَ مَا ذَلِكَ النِّدَاءُ ؟
قَالَ : ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ فِي رَجَبٍ أَوَّلُهَا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَ الثَّانِي أَزِفَتِ الْآزِفَةُ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الثَّالِثُ يَرَوْنَ يَداً بَارِزاً مَعَ قَرْنِ الشَّمْسِ يُنَادِي أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ فُلَاناً عَلَى هَلَاكِ الظَّالِمِينَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي الْمُؤْمِنِينَ الْفَرَجُ وَ يَشْفِي اللَّهُ صُدُورَهُمْ- وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ» (4).
وجاء في الخبر عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: « الْعَامُ الَّذِي فِيهِ الصَّيْحَةُ قَبْلَهُ الْآيَةُ فِي رَجَبٍ قُلْتُ وَ مَا هِيَ قَالَ وَجْهٌ يَطْلُعُ فِي الْقَمَرِ وَ يَدٌ بَارِزَةٌ » (5).
وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام كَانَ يَقُولُ: « إِنَّ خُرُوجَ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْتُومِ قَالَ لِي نَعَمْ وَ اخْتِلَافُ وُلْدِ الْعَبَّاسِ مِنَ الْمَحْتُومِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ مِنَ الْمَحْتُومِ وَ خُرُوجُ الْقَائِمِ عليه السلام مِنَ الْمَحْتُومِ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ النِّدَاءُ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَلَا إِنَّ الْحَقَّ فِي عَلِيٍّ وَ شِيعَتِهِ ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ أَلَا إِنَّ الْحَقَّ فِي السُّفْيَانِيِّ وَ شِيعَتِهِ فَيَرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُبْطِلُونَ» (6).
وتتميّز هذه الصيحة بأنّها تُسمَع من قِبل جميع أهل الأرض، كلٌّ بلغته، وتكون فاصلة بين الحق والباطل، وتوقظ القلوب الغافلة، وتُسقط الأعذار عن المتردّدين.
2. خروج اليماني
من العلامات المهمة المرتبطة بشهر رجب خروج اليماني، الذي وصفته الروايات بأنّه صاحب راية هدى، وأنّ دعوته إلى الحق.
قال الإمام الباقر عليه السلام : « خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَ الْيَمَانِيِّ وَ الْخُرَاسَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ نِظَامٌ كَنِظَامِ الْخَرَزِ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضاً ، فَيَكُونُ الْبَأْسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُمْ وَ لَيْسَ فِي الرَّايَاتِ رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيِّ هِيَ رَايَةُ هُدًى لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى صَاحِبِكُمْ فَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ حَرَّمَ بَيْعَ السِّلَاحِ عَلَى النَّاسِ وَ كُلِّ مُسْلِمٍ وَ إِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ فَانْهَضْ إِلَيْهِ فَإِنَّ رَايَتَهُ رَايَةُ هُدًى وَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَلْتَوِيَ عَلَيْهِ » (7).
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في إحدى الروايات أنّ خروج السفياني يكون في شهر رجب. وبالجمع بين هذه الرواية وغيرها، ذهب بعض العلماء إلى أنّ قيام اليماني يكون كذلك في شهر رجب. كما يرى عدد من الباحثين أنّ التعبير عن وقوع هذه الأحداث في يوم واحد إنما هو إشارة إلى قوة الترابط بين قيام اليماني وخروج السفياني، ولا يمنع ذلك من وجود فاصل زمني يسير بين الحدثين.
ويمثّل اليماني نموذجاً للحركة التمهيدية الواعية التي تسبق الظهور، وتُعدّ امتحاناً عملياً لمدى استعداد الناس لنصرة الإمام المهدي عليه السلام.
3. تحرّك السفياني
تشير الروايات أيضاً إلى أنّ السفياني يبدأ تحرّكه في شهر رجب، وهو من أخطر شخصيات الفتن قبيل الظهور. ويظهر في منطقة الشام، ويقود حملة عنيفة مليئة بالقتل والفساد والظلم، موجّهة بالأساس ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام.
عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: « إِنَّ أَمْرَ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْتُومِ وَ خُرُوجُهُ فِي رَجَبٍ » (8).
ورغم شدّة فتنته، تؤكّد الروايات أنّ مدّته قصيرة، وأنّ نهايته ستكون على يد الإمام المهدي عليه السلام، ليكون ظهوره امتحاناً إلهياً وفرزاً حقيقياً للمواقف.
قَالَ حَدَّثَنَا خَلَّادٌ الصَّائِغُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: « السُّفْيَانِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ وَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي رَجَبٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِذَا خَرَجَ فَمَا حَالُنَا قَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِلَيْنَا (9)» (10).
4. المطر الغزير في شهر رجب
جاء في الخبر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: « الْعَجَب كُلَّ الْعَجَبِ ما بَيْنَ جُمَادَى وَ رَجَبٍ » (11).
وعن الإمامُ الصّادقُ عليه السلام أنه قال : « إذا آنَ قِيامُ القائمِ مُطِرَ الناسُ جُمادَى الآخِرَ و عَشرَةَ أيّامٍ مِن رَجَبٍ مَطرا لَم تَرَ الخَلائقُ مِثلَهُ، فيُنبِتُ اللّه ُ بهِ لُحومَ المؤمنينَ و أبدانَهُم في قُبورِهِم ، و كأنّي أنظُرُ إلَيهِم مُقبِلِينَ مِن قِبَلِ جُهَينَةَ يَنفُضُونَ شُعورَهُم مِنَ التُّرابِ » (12).
توجد آراء مختلفة في توقيت هذا المطر، يرى الشيخ على الكوراني: ولا يبعد أن يكون هذا المطر المتواصل في جمادى ورجب بعد ظهوره عليه السلام وأنّ عدّة من علامات الظهور من باب التوسع في التسمية.
الخاتمة
إنّ شهر رجب ليس مجرّد محطة زمنية عابرة في التقويم الهجري، بل هو موسم إلهي جامع بين العبادة والوعي، وبين التزكية الروحية والاستعداد العقدي. وقد كشفت روايات أهل البيت عليهم السلام، وما دوّنه علماء الشيعة في كتب الغيبة وعلامات الظهور، عن ارتباط عميق بين هذا الشهر المبارك وبين أحداث كبرى تمهّد لظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فالصيحة السماوية التي توقظ القلوب، وخروج اليماني الذي يمثّل راية الهدى، وتحرّك السفياني الذي يجسّد قمة الباطل والظلم، كلّها أحداث تشير إلى أنّ شهر رجب سيكون ميداناً للفرز الإلهي، وامتحاناً حقيقياً للإيمان والولاء. وليس الهدف من معرفة هذه العلامات التكهّن بالمستقبل أو الانشغال بالتوقيتات، بل الغاية الأساس هي ترسيخ ثقافة الانتظار الواعي، الذي يجمع بين الإيمان والعمل، وبين الدعاء والإصلاح.
إنّ المنتظر الحقيقي للإمام المهدي عليه السلام هو من يجعل من شهر رجب نقطة انطلاق لمراجعة النفس، وتصحيح المسار، والالتزام بالواجبات، وترك المحرّمات، وتعميق الارتباط بالله تعالى وبأهل البيت عليهم السلام. فالدين لا يُحفظ بالشعارات، بل بالطاعة والعمل الصالح، والظهور لا يُدرك بالأماني، بل بالاستعداد الصادق والتقوى العملية.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنتظرين الصادقين، العاملين بشرعه، المتمسّكين بولاية أوليائه، وأن يوفّقنا لاغتنام شهر رجب في طاعته، وأن نكون ممّن يمهّدون لظهور وليّه الأعظم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنه سميع مجيب.
1. سورة التوبة : الآية 36.
2. حكم النبى الأعظم / محمدی ريشهري / المجلّد : 3 / الصفحة : 477.
3. إقبال الأعمال / السيد بن طاووس / المجلّد : 2 / الصفحة : 628 / ط القديمة.
4. كتاب الغيبة / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحة : 181.
5. كتاب الغيبة / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحة : 252.
6. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 652.
7. كتاب الغيبة / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحة : 256.
8. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 650.
9. أي اذهبوا الى بلد يظهر منه القائم عليه السلام لان الامر ينتهى الينا.
10. كتاب الغيبة / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحة : 302.
11. مختصر بصائر الدّرجات / الشيخ عزّ الدين الحلي / المجلّد : 1 / الصفحة : 198.
12. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 53 / الصفحة : 90 / ط مؤسسة الوفاء.









التعلیقات