الرؤية النبوية لأمير المؤمنين والإمام المهدي عليهما السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ أسبوعينمرحبًا بكم في موقع "المؤمل"، المنبر الذي يضيء الطريق نحو معرفة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ذلك النور الإلهي الذي تنتظره قلوب المسلمين بشغف. نسعى هنا إلى تقديم محتوى ثري وموثوق حول شخصيته المباركة، غيبته، ظهوره، ودوره العظيم في نشر العدل وإقامة الحق. نعيش في زمن مليء بالتحديات والفتن ، حيث تتفشى فيه الظلم والفساد في كل ركن من أركان العالم. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تظل شخصية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نجمة الأمل التي يتوق إليها المؤمنون كنجمة الشمال في الظلام المُعتم.
تأخذنا الروايات في رحلة فريدة لاستكشاف تلك الشخصية العظيمة، وتعرض لنا تفاصيل حياتها وصفاتها من خلال مواقف وأحداث مشوقة. ومن بين هذه الأحداث المميزة، نجد لقاء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع عمار بن ياسر، حيث تنقل فيها صفات الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وتنبؤات بظهوره في آخر الزمان.
تعتبر هذه الرواية مصدراً قيماً لفهم مفهوم الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في الإسلام، وتثير العديد من الأسئلة حول دوره المنتظر وتأثيره على مسار العالم. هل سيكون ظهوره إشارة إلى نهاية الظلم والفساد؟ وكيف سيكون دوره في إحقاق العدل وتحقيق السلام؟
رواية عمار بن ياسر
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال حدثنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي الكوفي قال : حدثنا عباد بن يعقوب قال : حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبد الله عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده عمار قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته (1) و قتل علي عليه السلام أصحاب الألوية و فرق جمعهم و قتل عمرو بن عبد الله الجمحمي و قتل شيبة بن نافع أتيت رسول الله ص فقلت له : يا رسول الله صلى الله عليك إن عليا قد جاهد في الله حق جهاده فقال : لأنه مني و أنا منه وارث علمي و قاضي ديني و منجز وعدي و الخليفة بعدي و لولاه لم يعرف المؤمن المحض حربه حربي و حربي حرب الله و سلمه سلمي و سلمي سلم الله إلا أنه أبو سبطي و الأئمة من صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين و منهم مهدي هذه الأمة فقلت بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما هذا المهدي قال يا عمار إن الله تبارك و تعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين تسعة و التاسع من ولده يغيب عنهم و ذلك قوله عز و جل : ﴿ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ﴾ (2)، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم و يثبت عليها آخرون فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا و عدلا و يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل و هو سمي و أشبه الناس بي يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا و حزبه فإنه مع الحق و الحق معه يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين الناكثين و القاسطين ثم تقتلك الفئة الباغية قلت يا رسول الله أ ليس ذلك على رضا الله و رضاك قال نعم على رضا الله و رضاي و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أخا رسول الله أ تأذن لي في القتال قال مهلا رحمك الله فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاد عليه ثالثا فبكى أمير المؤمنين فنظر إليه عمار فقال يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل أمير المؤمنين عليه السلام عن بغلته و عانق عمارا و ودعه ثم قال يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله و عن نبيك خيرا فنعم الأخ كنت و نعم الصاحب كنت ثم بكى عليه السلام و بكى عمار ثم قال و الله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم خيبر يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا و حزبه فإنه مع الحق و الحق معه و ستقاتل الناكثين و القاسطين فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء فلقد أديت و أبلغت و نصحت ثم ركب و ركب أمير المؤمنين عليه السلام ثم برز إلى القتال ثم دعا بشربة من ماء فقيل له ما معنا ماء فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن فشربه ثم قال هكذا عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه فقتل رحمه الله فلما كان في الليل طاف أمير المؤمنين عليه السلام في القتلى فوجد عمار ملقى بين القتلى فجعل رأسه على فخذه ثم بكى عليه السلام و أنشأ يقول:
يا موت كم هذا التفرق عنوة * * * فلست تبقي للخليل خليل
أراك نصيرا بالذين أحبهم * * * كأنك تمضي نحوهم بدليل (3).
إليك شرح العبارة الواردة في الرواية بنقاط تسلط الضوء على الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه:
نسبه الطاهر:
تؤكد الرواية أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه من نسل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو التاسع من ذريته، مما يثبت أصالة نسبه المبارك ويؤكد ارتباطه بأئمة أهل البيت عليهم السلام.
الإشارة إلى غيبته الطويلة:
يذكر النبي صلى الله عليه وآله أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه سيغيب فترة طويلة، مما يجعل الناس أمام اختبار صعب، حيث سيرتد بعضهم عن الإيمان بإمامته، بينما يثبت المؤمنون الصادقون على عقيدتهم.
دلالة الآية القرآنية على الغيبة:
توجيه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالاستناد إلى الآية المذكورة حيث يشير إلى أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو المنقذ الذي سيأتي بعد الغيبة ليعيد الحياة إلى الأمة كما يحيي الماء الأرض.
وجاء في الخبر عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ﴾ قَالَ : « إِذَا غَابَ عَنْكُمْ إِمَامُكُمْ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ » (4).
المهام الكبرى عند الظهور:
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه سيملأ الدنيا قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا، مما يبرز دوره في تحقيق العدالة الإلهية وإقامة حكم الله على الأرض.
قتاله على التأويل كما قاتل النبي صلى الله عليه وآله على التنزيل:
يوضح النبي صلى الله عليه وآله أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه سيجاهد في سبيل تأويل القرآن الكريم وتطبيق مفاهيمه الحقيقية، كما جاهد النبي صلى الله عليه وآله من أجل نشر رسالة الإسلام وتثبيت تعاليمه.
التشابه بين النبي والإمام الثاني عشر:
يصف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بأنه "سميه وأشبه الناس به"، مما يدل على التشابه في الاسم والصفات والأدوار القيادية في هداية الأمة.
الإمام أمل الأمة الإسلامية:
تشير الرواية إلى أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو المخلص الذي ينتظره المؤمنون بفارغ الصبر ليحقق وعد الله بإقامة العدل وإنهاء الظلم، مما يجعل الانتظار له جزءًا من العقيدة الشيعية الراسخة.
الهوامش
1ـ المراد من غزواته معركة أحد.
مكان المعركة
أُحُد: جبل يبعد عن المدينة المنوّرة ميلين أو ثلاثة بجهة مكّة المكرّمة، حصلت فيه المعركة.
تاريخ المعركة
15شوال 3ﻫ، وقيل: 17 شوال 3ﻫ.
الهدف من المعركة
قال الإمام الصادق عليه السلام: « كان سبب غزاة أُحد أنّ قريشاً لمّا رجعت من بدر إلى مكّة ، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ؛ لأنّهم قُتل منهم سبعون، وأُسر سبعون ، قال أبو سفيان : يا معشر قريش! لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإنّ الدمعة إذا خرجت أذهبت بالحزن والعداوة لمحمّد، فلمّا غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أُحد ، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح ، وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل ، واخرجوا معهم النساء، فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد… » ( مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / المجلّد : 2 / الصفحة : 377 / ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ).
2ـ سورة الملك : الآية 30
3ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر / علي بن محمد الخزاز / المجلّد : 1 / الصفحة : 124.
4ـ الكافي / الشيخ محمد بن يعقوب الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 340.
التعلیقات