من هو الإمام المهدي عليه السلام ؟
الفصل الأول من هو الإمام المهدي عليه السلام ؟
إنّ التحدّث عن الإمام المهدي (عليه السلام) يكون تحدّثا عن موضوع ديني عقائدي له غاية الأهمية، و له الصلة الكاملة بالإسلام و المسلمين.
إنّ شخصية الإمام المهدي تعتبر حقيقة إسلامية، و مسألة من أهمّ المسائل الدينية، و تعتبر من صميم الدين الحنيف.
و ليست أسطورة كتبها الشيعة تسلية لأنفسهم المضطهدة، و ترويحا عن قلوبهم المجروحة من جرّاء المصائب التي إنصبّت عليهم طيلة قرون طويلة، كما زعمها بعض الكتّاب المنحرفين.
و ليست نظرية أو فكرة إختمرت في بعض الأذهان تخفيفا أو تخديرا للآلام التي كانت الشيعة تشعر بها من سوء تصرّفات الحاكمين، كما ذكرها بعض المتفلسفين.
و ليست خرافة إختلقها القصّاصون و ألصقوها بالإسلام، كما تصوّرها بعض الجهّال ممّن يدّعي العلم و الثقافة.
و ليست مهزلة تاريخية كي يستهزيء بها المعاندون المستهترون.
بل إنها حقيقة إسلامية واقعية، تليق بالإهتمام، و تجدر بالدراسة و الوعي، و تستحق كل تقدير و إنتباه.
إنها إمتداد للإسلام و القرآن، إنها مسألة جوهريّة مهمّة بشّر بها القرآن الكريم، و تحدّث عنها الرسول الأعظم (صلى اللّه عليه و آله و سلم) في مواطن كثيرة و مناسبات عديدة، و بشّر بها أئمة المسلمين (عليهم السلام) شيعتهم، بل بشّروا بها الأمّة الإسلامية جمعاء.
و كتب عنها العلماء و المحدّثون و المفسّرون و المؤرّخون على مرّ القرون، و ألّفوا الكتب المفصّلة حول الموضوع بالذات.
إذن، فالموضوع إستراتيجي جدّا، فريد من نوعه، وحيد في ذاته، يمتاز بمزايا كثيرة خاصة، كثر حوله النقاش، و تضاربت في رحابه الآراء، و طاشت الأقلام، و طغت عليه الأقوال، فآمن به قوم، و تحيّر قوم، و سكت آخرون، و سخرت طائفة من طائفة، كلّ ذلك حول شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) .
فالإمام المهدي ليس من الذين قد أكل الدهر عليهم و شرب و صار نسيا منسيّا، بل هو نداء الملايين، و مهوى أفئدة الأجيال، و محطّ أنظار الأمم، و معقد آمال الشعوب.
الإمام المهدي إنسان ولد قبل الف و مائة و اثنتين و أربعين سنة بالضبط الى حين تأليف هذا الكتاب سنة 1397 هـ.
و لا يزال حيا، و يعيش الى الآن على وجه الأرض، يأكل و يشرب، و يعبد اللّه و ينتظر الأمر له بالخروج و الظهور.
غائب عن الأبصار، و قد يراه الناس و لا يعرفونه، و هو لا يعرّف نفسه، و يحضر في كل مكان أراد.
و له إشراف على العالم، و إحاطة بالعباد و البلاد.
يعلم-بإذن اللّه-كلّ ما يجري في العالم.
و سيظهر في يوم معلوم عند اللّه-مجهول عندنا-.
و تحدث علائم حتميّة قبل ظهوره.
إذا ظهر يحكم على الكرة الأرضية جميعها.
و ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) من السماء و يصلّي خلفه.
تخضع له جميع الدول و الشعوب في العالم.
و تنقاد له كافة الأديان و الملل.
يأتي بالإسلام الصحيح الذي جاء به محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم) .
هذه بعض رؤوس الأقلام مما يتعلّق بشخصية الإمام المهدي، و هي بمنزلة الفهرست لهذا الكتاب.
الفصل الثاني إسمه و نسبه
هو الإمام محمد المهدي المنتظر.
إبن الإمام الحسن العسكري.
إبن الإمام علي الهادي.
إبن الإمام محمد الجواد.
إبن الإمام علي الرضا.
إبن الإمام موسى الكاظم.
إبن الإمام جعفر الصادق.
إبن الإمام محمد الباقر.
إبن الإمام علي زين العابدين.
إبن الإمام الحسين الشهيد.
إبن الإمام علي بن أبي طالب.
و إبن فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و ما أجمل قول الفرزدق الشاعر حيث يقول:
اولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
هذا نسبه الشريف الأرفع، كما صرّحت بذلك أحاديث متواترة، ستطّلع عليها إن شاء اللّه.
و أمّا أمّه فهي السيدة الجليلة السعيدة المعظّمة المكرّمة المسمّاة بـ (نرجس) أو صقيل أو ريحانة أو سوسن.
و إختلاف أسمائها أو تعدّدها لا يقتضي تعدّد المسمّى أو الإختلاف في المسمّى. فقد كانت للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أسماء عديدة لمناسبات او أسباب. و قد ذكرنا شيئا منها في كتاب (فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد) .
و سنذكر في المستقبل بعض ما يتعلق بالسيدة نرجس بالمناسبة إن شاء اللّه.
التحريف في بعض الاحاديث:
إن كل من يراجع الأحاديث التي تتحدث عن نسب الإمام المهدي (عليه السلام) يجد-بكل وضوح-أن الإمام المهدي هو إبن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) بلا أي شك و ريب.
و لكنّك تجد-في بعض كتب اهل السنّة-حديثا إمتدّت إليه يد التحريف و التزوير فأضافت اليه كلمة اجنبية، محاولة لتشويه الحديث و صرفه عن الإمام المهدي (عليه السلام) و بذلك سقط هذا الحديث عن أصالته و قيمته الواقعية.
هذا.. بالاضافة إلى أن الحديث-مع الزيادة الموجودة فيه- ضعيف من حيث السند و من حيث المتن، و لا اعتبار به عند المحقّقين و العلماء، و العجيب ان بعض الشواذ تركوا مئات الأحاديث الصحيحة، و تمسّكوا بهذا الحديث السقيم، تجاوبا مع ميولهم و نفوسهم المريضة!.
و الحديث هو: عن أبي داود، عن زائدة، عن عاصم عن زر، عن عبد اللّه، عن النبي (صلى اللّه عليه-و آله-و سلم) انه قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتى يبعث اللّه رجلا منّي-أو: من اهل بيتي-يواطيء إسمه اسمي[و إسم أبيه إسم أبي]يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا» .
هذا الحديث-مع الزيادة الموجودة فيه-يختلف عن بقية الاحاديث الواردة حول الإمام المهدي (عليه السلام) من حيث السند و من حيث المتن:
أمّا السند: فالحديث يروى عن (زائدة) ، و قد ذكر علماء الدراية في علم الرجال-في ترجمة (زائدة) -: أنه كان يزيد في الاحاديث.
و أمّا المتن: فقد روي هذا الحديث عن (زر) بطرق عديدة و كثيرة، و ليس فيه: [و اسم ابيه اسم أبي]مما يدل على أن هذه الزيادة جاءت من تصرّفات الراوي الذي اسمه (زائدة) (1).
ثم إن جميع الاحاديث المرويّة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) حول الإمام المهدي (عليه السلام) ليس فيها كلمة «و اسم ابيه اسم ابي» و خاصة بعد اجماع المسلمين على أن الإمام المهدي هو ابن الإمام العسكري (عليهما السلام) .
إذن: فالحديث المروي عن (زائدة) ساقط عن الاعتبار، مرفوض عند العلماء، لمخالفته سائر الأحاديث الصحيحة، و لأن (زائدة) رجل متّهم بالتلاعب بالأحاديث التي يرويها.
أمّا سبب التلاعب بهذا الحديث فهو أن سماسرة الأحاديث كانوا يختلقون الاحاديث و ينسبونها الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) تقرّبا إلى السلطات، و طمعا في الأموال، و تقوية للباطل. فإن اختلاق الأحاديث المزوّرة كان في بعض الأزمنة مهنة و تجارة يعيش من ورائها الوضّاعون الكذّابون، أمثال: أبي هريرة و سمرة بن جندب و المغيرة بن شعبة، و زملائهم و نظرائهم، و منهم راوي هذا الحديث، و هو (زائدة) .
و السؤال الآن: ما هو الهدف من إضافة «و اسم ابيه اسم ابي» في هذا الحديث؟
الجواب: احتمالان:
1-ان يكون تأييدا لأحد الحكام العباسيين، المسمّى بـ «محمد بن عبد اللّه المنصور» و الملقّب بـ «المهدي» .
2-ان يكون تأييدا لـ «محمد بن عبد اللّه بن الحسن» الملقّب بـ «النفس الزكية» و الذي ثار ضد العباسيّين (2) -كما ذكره العلامة المعاصر الشيخ الصافي في كتابه منتخب الأثر-.
و لبعض علمائنا (رحمهم اللّه) توجيهات في تصحيح الحديث، و كلها تكلّف، و لا حاجة إليها.
و خلاصة القول: ان حديث (زائدة) -الذي يتضمّن كلمة «و اسم ابيه اسم ابي» -غير صحيح عند علماء الحديث، و ضعيف في غاية الضعف، و سقيم في منتهى السقم، و توجيه الغلط غلط آخر.
اسماء الإمام المهدي «عليه السّلام»
للإمام المهدي (عليه السلام) اسماء متعددة وردت لمناسبات عديدة، و هذا شأن العظماء، حيث تتعدد اسماؤهم لتعدد صفاتهم و كثرة جوانب عظمتهم، فمثلا: تجد تعدد الاسماء لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في القرآن الكريم و الانجيل، مثل: محمد، احمد، طه، يس، البشير، النذير. و في الانجيل: فارقليطا-باللغة السريانية- و بركلوطوس-باللغة اليونانية-.
كما تجد تعدد الأسماء لبطل الإسلام الخالد الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) مثل: علي، حيدر، المرتضى، و «ايليا» باللغة السريانية..
و غيرها من الأسماء
و كذلك بالنسبة الى سيدة نساء العالمين (عليها السلام) مثل:
فاطمة، الزهراء، البتول، المباركة، المحدّثة، الطاهرة، الصدّيقة..
و غيرها.
و بالنسبة إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وردت احاديث متعددة عن الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و عن أئمة اهل البيت (عليهم السلام) تعبّر عنه بـ «المهدي» و «الحجة» و «القائم» و «المنتظر» و «الخلف الصالح» و «صاحب الأمر» و «السيّد» و «الإمام الثاني عشر» و غيرها.. و تصرّح بأن اسمه اسم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) :
محمد، و كنيته: ابو القاسم.
و فيما يلي نشير إلى بعض هذه الأسماء، مع بعض الأحاديث الواردة فيها:
1-المهدي
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) : إسم المهدي اسمي.
و قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : اسم المهدي: محمد (3).
و سمّي بالمهدي، لأن اللّه تعالى يهديه و يرشده الى الأمور الخفيّة التي لا يطّلع عليها احد، و إليك الحديث التالي:
قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام) : إذا قام مهديّنا اهل البيت، قسّم بالسويّة، و عدل في الرعيّة، فمن أطاعه فقد اطاع اللّه و من عصاه فقد عصى اللّه، و إنما سمّي المهدي لأنه يهدى إلى أمر خفي (4).
2-القائم
يسمّى بالقائم، لأنه يقوم بأعظم قيام عرفه التاريخ البشري، و يقوم بالحق الذي لا يشوبه باطل ابدا، و هذا مما يمتاز به قيامه (عليه السلام) لأن التاريخ قد سجّل قيام بعض الأفراد بثورات و نهضات، و لكن قيامهم و نهضتهم لم تكن على الصراط المستقيم، إلا أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بالحق.. لا غير، و اليك الحديث التالي:
عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت الباقر (صلوات اللّه عليه) : يا بن رسول اللّه ألستم كلكم قائمين بالحق؟
قال: بلى.
قلت: فلم سمّي القائم قائما؟
قال: لما قتل جدّي الحسين (صلى اللّه عليه) ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جل بالبكاء و النحيب... -إلى أن قال: -ثم كشف اللّه عزّ و جل عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة، فسرّت الملائكة بذلك، فإذا احدهم قائم يصلّي، فقال عزّ و جل: بذلك القائم أنتقم منهم. اي من قتلة الحسين عليه السلام (5).
و قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : سمّي «القائم» لقيامه بالحق (6).
3-المنتظر
يسمّى بالمنتظر، لأن الناس كانوا و لا يزالون ينتظرون ظهوره و خروجه، لتطهير الكرة الأرضية من كل ظلم و جور، و إليك الحديث التالي:
سئل الإمام محمد الجواد (عليه السلام) : يا بن رسول اللّه و لم سمّي: القائم؟
قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، و ارتداد اكثر القائلين بامامته.
فقيل له: و لم سمّي: المنتظر؟
قال: لأن له غيبة تكثر أيّامها، و يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون... الى آخر الحديث (7).
4-صاحب الامر
يسمّى بصاحب الأمر، لأنه الإمام الحق الذي فرض اللّه طاعته على العباد، في قوله تعالى: أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (8) حيث صرّحت الأحاديث الصحيحة ان «اولي الأمر» هم أئمة اهل البيت (عليهم السلام) .
5-الحجة
و يسمّى بالحجة، لأنه حجة اللّه على العالمين، و به يحتجّ اللّه تعالى على خلقه.
أمّا بقية اسمائه و القابه (عليه السلام) فهي واضحة، لا تحتاج الى الشرح و التفصيل.
الهوامش
1ـ ذكر الحافظ الكنجي الشافعي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) ما لفظه:
الأحاديث الواردة عن النبي (صلّى اللّه عليه-و آله-و سلم) جميعها خالية من جملة «و اسم ابيه اسم ابي» -ثم ذكر الحديث المروي عن زائدة و قال-بعد ذكر الحديث-ما نصّه:
قلت: و قد ذكر الترمذي الحديث، و لم يذكر قوله «و اسم ابيه اسم أبي» ... و في معظم-ق-روايات الحفّاظ و الثقاة من نقلة الأخبار: «اسمه اسمي» فقط... و القول الفصل في ذلك: أن الإمام احمد-بن حنبل-مع ضبطه و إتقانه، روى الحديث في مسنده، في عدّة مواضع: «اسمه اسمي» . البيان في اخبار صاحب الزمان ص 93-94 طبع بيروت سنة 1399 هـ.
2ـ لا يخفى ان هذا الشخص الملقّب بالنفس الزكية، غير الذي يخرج في آخر الزمان، قبل ظهور الإمام المهدي، بالرغم من تشابه اللقب.
3ـ كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان، للمتقي الهندي الحنفي، الباب الثالث، حديث 8 و 9.
4ـ كتاب عقد الدرر الباب الثالث ص 40.
5ـ بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 51 ص 28-29، طبع طهران عام 1393 هـ، و علل الشرائع للشيخ الصدوق.
6ـ بحار الأنوار ج 51 ص 30 طبع طهران عام 1393 هـ، و الارشاد للشيخ المفيد.
7ـ بحار الأنوار ج 51 ص 30 طبع طهران عام 1393 هـ، و إكمال الدين للشيخ الصدوق.
8ـ سورة النساء/الآية 59.
مقتبس من كتاب الامام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور/ السيد محمد كاظم القزويني / من الصفحة: 18 ـ 29.
التعلیقات