أين الثقل الثاني الآن وما تفسيرعدم مفارقته للقرآن
محمّد عليّ السيد يحيى الحلو
منذ 11 سنةعدم الافتراق بين القرآن والعترة
الشبهة الخامسة عشرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض) فأين الثقل الثاني الآن، وما تفسير عدم مفارقته للقرآن في زمن الغيبة في ظل النظرية الاثني عشرية؟!
الجواب:
يُستدل بالحديث على ثبوت عصمة أهل البيت عليهم السلام ، وعدم الافتراق بمعنى عدم بطلان عصمتهم، فكما أن القرآن معصومٌ عن الخطأ فكذلك أهل البيت عليهم السلام معصومون عن الخطأ عمداً وسهواً، وهذا من جملة ما استدل به الإمامية على إثبات عصمتهم عليهم السلام.
والافتراق بمعنى الابتعاد، والغيبة لا تعني الافتراق والابتعاد المادي والجسدي، والحضور وعدم الحضور ليس له دلالة على الافتراق وعدمه، بل التمسك بما جاء عنهم صلوات الله عليهم وأنهم عِدلُ القرآن والاقرار بعدم افتراق نهجهم عن القرآن هو المقصود النبوي من الحديث. وخلافه يعني قراءة الحديث قراءة ساذجة سطحية تودي بالحديث ومقصوده، وتُفرغ الحديث عن محتواه، كما أن الحديث يشير إلى قضية مهمة، وهي عدم انقطاع الإمامة بحال واستمرارها طالما استمر وجود القرآن، فعدم الافتراق بين القرآن والعترة يعني عدم انقطاع العترة بوجود الإمام، كما أن القرآن لا يرتفع فكذلك الإمامة لا ترتفع، فهما متلازمان غير منقطعين إلى يوم القيامة. ولا يقتصر هذا الفهم على الفهم الإمامي وحده بل هذا فهم المسلمين عموماً _ إلاّ من شذ عنهم _ وقد أشار ابن حجر إلى هذا الحديث وشهرته بل تواترته حيث تُعدُ قراءة ابن حجر لهذا الحديث من أنضج وأرشد قراءة يلتفتُ إليها أحد أكابر أهل السنة إذ قال:
تنبيه: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن وعترته، وهي بالمثناة الفوقية الأهل والنسل والرهط الأدنون (ثقلين)، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية. ولذا حث صلى الله عليه وآله وسلم على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم وقال: (الحمد لله الذي جعل فينا، الحكمة أهل البيت) وقيل: سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم، إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض. ويؤيده الخبر السابق: (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش، (وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم) فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش ثمّ قال:
وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك... إلى آخر حديثه.(26)
إذن، فالتمسك بالعترة لا علاقة له بحضور الإمام أو غيبته، والحديث يشير إلى عدم تعطيل واحد من الكتاب أو العترة، وإلاّ لزم تعطيل الآخر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يفترقا) ولن تفيد التأبيد، أي لا يمكن افتراقهما أبداً، ولما كان القرآن يجري إلى يوم القيامة دون تخلّفٍ أي لا يمكن أن نتصور تعطيله لحظةً واحدة، وهو ما أفاده محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام لعبد الرحيم القصير في قوله تعالى: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).
حيث روى عبد الرحيم القصير قال: كنت يوماً من الأيام عند أبي جعفر عليه السلام فقال: (يا عبد الرحيم) قلت: لبيك، قال: (قول الله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر وعليّ الهاد، ومن الهاد اليوم؟) قال: فسكتُ طويلاً ثمّ رفعتُ رأسي فقلت: جعلت فداك هي فيكم تتوارثونها رجل فرجل حتّى انتهت إليك، فأنت جعلتُ فداك الهاد، قال: (صدقت يا عبد الرحيم، إن القرآن حي لا يموت، والآية حيّة لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين)، وقال عبد الرحيم: قال أبو جعفر عليه السلام: (إن القرآن حي لم يمت، وانه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا).(27)
فقوله عليه السلام: (إن القرآن حي لا يموت) وقوله: (فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن وانها جارية في الباقين كما جرت في الماضين) دليل الملازمة بين القرآن وبين العترة وعدم الانفكاك بينهما، وهذا يُبطل قول القائل إن غيبة الإمام عليه السلام توجب افتراق القرآن عن العترة لما عرفت أن الإمام مع غيبته له حضورٌ ووجود كوجود الشمس إذا جللها السحاب وقد مر ذكر ذلك.
* * *
(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )
التعلیقات