لماذا التفت الشيعة أصحاب الحسن العسكري حول جعفر بن عليّ يعزونه ويهنئونه
محمّد عليّ السيد يحيى الحلو
منذ 10 سنواتالقول في دعوى جعفر الكذاب
الشبهة التاسعة عشرة:
وقد وردت على شكل تساؤلات:
السؤال الأوّل:
ما الذي دعى الفطحية وهم العلماء العابدون الورعون إلى القول بإمامة جعفر بن عليّ المسمى عند الجعفرية بجعفر الكذاب؟
الجواب:
هذا كلامٌ عجيب حيث يحتج المستشكل بعقيدة الفطحية في عدم قولهم بإمامة الإمام المهدي عليه السلام واعتقادهم بإمامة جعفر الكذاب، والأمر واضحٌ فهؤلاء الفطحية _ كما هو معلوم _ يعتقدون بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وهم مع أنهم يعلمون بوفاة عبد الله في حياة والده الإمام الصادق عليه السلام إلاّ أنهم مع هذا يصرون على أن عبد الله الأفطح خليفة أبيه. وأمرهم في غاية الغرابة، وإذا كان هذا حالهم فما معنى الاحتجاج بقولهم بإمامة جعفر الكذاب؟! وهل هم يعتقدون بإمامة آبائه من قبل حتّى يحتج علينا بعقيدة المنكرين لإمامة آباء الإمام المهدي عليه السلام ؟! ووصفهم بالعلم والعبادة أمرٌ لا ينفع مع انحراف الاعتقاد، علماً أن الفطحية لم يكن لهم شأنٌ في مسألة إمامة العسكري عليه السلام حتّى ينتقلوا إلى القول بإمامة جعفر. وهذه مطولات الملل والنحل تشهد على ذلك حيث لم يكن للفطحية شأنٌ في هذا المقال، نعم الواقفة استمراراً لعنادها قالت بغيبة الحسن العسكري وقد بطل قولهم بوفاته عليه السلام والأمر في ذلك يحتاجُ إلى تفصيل ليس محل ذكره هنا.
السؤال الثاني:
لماذا التفت الشيعة أصحاب الحسن العسكري حول جعفر بن عليّ يعزونه ويهنئونه مع تواتر الحديث الذي ينص على أسماء الأئمّة ثمّ تراجعوا حينما رأوا _ كما تزعم الاثنا عشرية _ محمّد بن الحسن يجذب عمّه حينما أراد أن يصلي على الحسن العسكري؟
الجواب:
كلام المستشكل غير دقيق، فقوله: (إن الشيعة التفت حول جعفر) غير صحيح، فالشيعة أعرف بحال جعفر من غيرهم، وقد سمعوا من أبيه وأخيه ذمهما له، ووقفوا على حال جعفر في الفسق الذي اشتهر به، فكيف يلتفون حوله كما عبّر المستشكل؟ ولم يكن لدى المستشكل سوى رواية أبي الأديان التي ذكر فيها أن الشيعة يعزون جعفراً ويهنئونه، ولم يذكر أبو الأديان مَنْ هؤلاء الشيعة، هل هم فقهاؤهم أم عوامهم وبسطاؤهم؟
وواضح أن قوله الشيعة يعني عموم الشيعة من بسطائهم، الذين ينبهرون بأدنى دعاية وأبسط ترويج لأمر ينجرون إليه، وينخدعون به. ولو كان فيهم من علمائهم وفقهائهم لذكرهم أبو الأديان، ولم يخف على أبي الأديان حال جعفر مع أن أبا الأديان لم يكن سوى خادم للإمام عليه السلام وليس من فقهاء الشيعة في شيء، ومع هذا فقد انكشف عنده أمر جعفر بقوله: فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فقدمت فعزيت وهنيت.(4)
وقوله بعد بيان حاله: (فتقدمت فعزيت وهنيّت) إشارة لمجاراة الوضع العام، ولعل هؤلاء الشيعة الذين فعلوا ما فعله أبو الأديان منكشفٌ لديهم حال جعفر، ومع هذا فهم يعزونه ويهنئونه مراعاةً لظرفٍ عام ترعاه السلطة، وتدعو إليه للإطاحة بمفهوم الإمامة والالتفاف عليها. وتقديم جعفر الذي عرف بسيرته السيئة على أنه هو الإمام مما يُشعر بأن هناك دفعاً خاصاً باتجاه مقولة إمامة جعفر المزيفة ترعاها السلطة والمخالفون لاطروحة إمامة أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لا يعني أن تهنئة الشيعة جاءت عن قناعةٍ باستحقاق جعفر للإمامة كما هي عقيدة أبي الأديان الذي يقول عن جعفر: (ان يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة)(5) مما يشير إلى أن هناك أمراً ضاغطاً توجهت الشيعة بسببه إلى هذا السلوك وهو تهنئة جعفر بالإمامة على أمل أن تنفرج الأمور ليتبين الإمام الحقيقي بعد هذه التشريفات التي يعيشها الناس في تهنئة جعفر برعاية السلطة، ومن يدري, فلعل الشيعة وهي تعيش بطش السلطة قد سلكت أسلوب التمويه حفاظاً على سلامتها من فتك السلطة، إذا هي رفضت عرض جعفر للإمامة لحين ما تنكشف الأمور وتستبين الحقائق.
إذن لم تكن تهنئة بعض الشيعة لجعفر عن قناعةٍ تامةٍ بإمامته. والسلطة تعمل بنفاق مبطن على تقديم جعفر للإمامة وذلك من خلال قول أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو أحد رجالات السلطة عند تعريفه لجعفر بقوله: (ان جعفراً معلن بالفسق ماجن شريب للخمور، وأقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لستره، فدم(6) خمار قليل في نفسه خفيف، والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ عليهما السلام ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون...)(7) وهذه إشارة إلى معرفة السلطة بحقيقة جعفر واستخفافها به فكيف بشيعة الإمام عليه السلام تغيب عنهم حقيقة جعفر حتّى ينخدعوا بالقول بإمامته؟ وعلى هذا لم تنخدع الشيعة بجعفر ولم يهنئوه عن قناعةٍ باستحقاقه الإمامة. ولعل من التف حول جعفر كان مثله ممن يعاقر المحرمات فحسبهم الرائي أنهم من شيعة الإمام وليس هم من شيعته ولا من أتباعه، بل هم أصحاب جعفر الذين وكلوا به للترويج له والدعاية من أجله.
* * *
(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )
التعلیقات