تقولون بصحة الاجتهاد في زمن الغيبة بعد أن حرمتموه في زمن الأئمّة، فما هو الدليل
محمّد عليّ السيد يحيى الحلو
منذ 11 سنةالاجتهاد في زمن الغيبة
الشبهة العشرون:
تقولون بصحة الاجتهاد في زمن الغيبة بعد أن حرمتموه في زمن الأئمّة، فما هو الدليل القطعي على صحته، وهل هذا الدليل مأخوذ عن الأئمّة أم غيرهم، وهل هو موجود في كتبكم المؤلفة قبل عصر الغيبة بينوا لنا ذلك وخرجوه من تلك المصادر.
الجواب:
الاجتهاد هو إعمال الوسع في معرفة الحكم الشرعي باستنباطه من مداركه الشرعية كالكتاب والسنة والتي تشمل سنة أئمّة أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأصول العملية والعقل، أي ما تقتضيه القواعد الشرعية والموازين العقلية.
لم يكن الاجتهاد في زمن الأئمّة عليهم السلام واسع النطاق، فقد اقتصر على فهم الواقعة الشرعية من خلال ما يرويه أصحاب الأئمّة عليهم السلام كزرارة بن أعين ويونس بن عبد الرحمن ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وأبان بن تغلب وجميل بن دراج ومحمّد بن أبي عمير والحسن بن عليّ بن فضال وصفوان بن يحيى وكثير ممن نقل ما سمعه عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام على أساس فتوى للحكم الشرعي. وكان ينقله بسنده عن المعصوم الذي يروي عنه، ثمّ اقتصر الرواة _ وهم المفتون على ضوء هذه الأحاديث _ على نقل الحديث فقط دون ذكر السند على أنه فتوى بما يؤدي إليه اجتهادهم ومعرفتهم في هذا الشأن، وكلما طالت الشقة وبعدت المسافة عن المعصوم أضطر الرواي إلى إعمال رأيه في استخراج واقعة الحكم الشرعي من الحديث، وكان الرواة لكونهم أقرب عهداً بالمعصوم _ حتّى لو بعدت الشقة عنهم _ فإنهم ليسوا بحاجةٍ إلى جهدٍ كبير لاستنباط الحكم الشرعي من الحديث؛ وذلك لإمكانية اتصالهم بحضرة المعصوم عليه السلام في وقت لاحق، وكلما بعدَ الراوي عن المعصوم احتاج إلى جهد أكبر يبذله لتحقيق عمل استنباطي يحصل من خلاله على الحكم الشرعي، وهكذا في الغيبة الكبرى، فإن الإمام الحجة عليه السلام حينما بدأت غيبته أرشدهم إلى انقطاع الصلةِ بينه وبين شيعته من خلال سفرائه بعد وفاة آخر سفير للإمام عليه السلام وهو محمّد بن عليّ السمري المتوفى سنة (329 هـ)، وانقطاع الاتصال بين الإمام عليه السلام وبين شيعته يوجب البحث عن الحكم الشرعي من خلال الاستنباط الفقهي وذلك بإعمال الوسع في الوصول إلى الواقعة الشرعية بشكل يقيني عند توفر الإمارات القطعية كالأحاديث الصحيحة، أو بقضيةٍ ظنية عند عدم توفر الإمارات والاعتماد على الأصول العملية التي هي في حقيقتها تعذيرية.
أو تنجيزية إلى غير ذلك من الأصول، إذن فالاجتهاد لا يحتاج إلى دليل صحته ومشروعيته، فهو حالة يضطرُ إليها المكلف للوصول إلى الحكم الشرعي لتفريغ ذمته من التكليف المنجّز عليه، فالمكلف مخاطبٌ بالتكليف، ومعرفة التكليف لا يتأتى إلاّ من خلال الوقوف على الحكم الشرعي الناشئ من إعمال الوسع في استخدام آليات الاجتهاد للوصول إلى الحكم الشرعي، وهذا يحدث حتّى في زمن الحضور _ أي حضور المعصوم _ إذا كان المكلف بعيداً بحيث يتعذر عليه الوصول إليه، فلا يمكن أن يتحلل من التكليف الشرعي لحين لقائه بالمعصوم، بل لا بدّ من استخدام ما يمكنه من الوصول للواقعة الشرعية من خلال اجتهاده في فهم ما ورد عن المعصوم عليه السلام من حديث، أو ما يعبّر عنه بانسداد باب العلم وهو ما حدث لدى الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث أمر معاذ بن جبل حين أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاجتهاد عند فقد النص حين بعثه إلى اليمن، وكاجتهاد عمار بن ياسر في التيمم حين تمعك في التراب، إلى غير ذلك من مواقف الاجتهاد لدى الصحابة عند فقدهم النص على الواقعة الشرعية.
فقول المستشكل بأن الإمامية تحرّم الاجتهاد في زمن الأئمّة وتجوّزه في زمن الغيبة غير دقيق لما بيناه.
والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية محمّد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى يوم الدين.
* * *
(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )
التعلیقات