المنقذ العالمي في الأديان
السيّد أحمد الإشكوري
منذ 10 سنواتقام الإجماع في الديانات السماوية الثلاثة : اليهودية ، والمسيحية ، والإسلام ، بل غيرها أيضاً ، على الاعتراف والاعتقاد بالمنقذ السماوي المتوِّج للقيم الربّانية ، والموصل العالم ـ بما يعمّ المادي منه ـ إلى مرفأ السلام.
وقد ذكر هذا المنقذ في ضمن أوصاف عامّة :
1 ـ المنقذ روح الله ، والنفس المستقيم ، وعبد الله. ( إنجيل يوحنا : 145 ).
2 ـ متابعة العالم كلّه ، أي العالم بكلّه يتبعه. ( رقم 10 / ب 29 و 14 ) ، ( إنجيل يوحنا : ب 24 ) ، ( إنجيل متى ، زبور داود : 94 / من رقم 9 إلى 13 ).
3 ـ المنقذ العادل ، والحاكم العادل. ( ب 14 إنجيل يوحنا ، زبور داود : مزبور 94 ).
4 ـ محو الظلم والظالمين. ( باب 11 / كتاب أشعياء النبيّ ).
5 ـ لا ينطق عن الهوى ، وإنَّما يتكلَّم من الله ، وما سمعه من النبيّ والأولياء. ( إنجيل يوحنا : 14 ) ، وقد ذكر في محلّه أنَّ الإمام ( عليه السلام ) عالم كعلم النبيّ بالأشياء ، وإن اختلف في كيفية علمه من إيحاء بناءً على ما هو الصحيح من عدم انحصار الإيحاء بالنبيّ ، أو بالكشف ، أو بغير ذلك.
6 ـ الهداية العامّة للناس. ( زبور داود : مزمور 37 ، كتاب دانيال : ب 12 ).
7 ـ خروج كنوز الأرض له. ( زبور داود : مزمور 37 ، كتاب دانيال : ب 12 ).
8 ـ موجود بين الناس ، ويراهم ولا يعرفونه ، وذلك بسبب غفلتهم. ( إنجيل يوحنا : 13 ).
9 ـ الأرض ( قبل ) وجوده يحكم ( فيها ) الظلم والجور. ( دانيال : ب 12 ).
وغير ذلك من النصوص السماوية الوارد فيها ذلك ، من قبيل كمال العلوم ، وعالِم بالعلوم ، ومطَّلع على الغيب ، ويحكم بحسب الواقع ، ولا يعمل بالتقيّة ، ويطهّر مقام عيسى في أعين أنصاره ، ويشهد بنبوَّته ، ويحضر عيسى معه ، ويؤمن المسيحيون به قبل غيرهم من الفِرَق الضالّة ، ولا يعلم ظهوره حتَّى الملائكة ، وله رجعة.
ولمزيد من النصوص حول ذلك يراجع :
( البراهين الساباطية في الردّ على النصارى ) لجواد الساباطي من أعلام القرن الثاني عشر الهجري ، و ( دراسة الكتاب المقدَّس تحت المجهر ) للكاتب الأردني عودة مهاوش أبو محمّد الأردني ، و ( أنيس الأعلام في الردّ على اليهود والنصارى ) لمحمّد صادق فخر الإسلام ، و ( الذين اعتنقوا الإسلام ) لسفر محمّد رضا رضائي ، و ( المسيح الدجّال ) للأستاذ سعيد أيّوب المصري.
ويراجع أيضاً الكتب السماوية :
1 ـ إنجيل يوحنا ( ب 15 / رقم 27 / ب 14 ، رقم 16 / ب 16 / رقم 7 ).
2 ـ إنجيل متى ( ب 24 / رقم 27 ).
3 ـ إنجيل مرقس ( ب 13 / رقم 26 ).
4 ـ إنجيل لوقا ( ب 21 ).
5 ـ زبور داود ( مزمور 37 ، وغيره ).
6 ـ كتاب دانيال ( الكتاب المقدَّس/ ب 7 ).
ولكنَّه مع اتّفاقهم على لابدّية المنقذ اختلفوا في مصداقه ، هل هو العزير ، أم المسيح ، أم هو من نسل الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أم من نسل إبراهيم الخليل ( عليه السلام ).
ومنشأ هذا الاختلاف هو الاختلاف في تأويل النصّ الديني بعدما كان متعرّضاً إلى الصفات العامّة على ما تقدَّمت الإشارة إليها ، فحملُ النصّ على أشخاصٍ خاصّين ليس ببعيد إذا كان ذلك بسبب العوامل السياسية ، والتعصّب ، والحبّ ، والتأثّر العاطفي ، والسعي إلى تسجيل المفاخر لأديانهم بعدما نصَّت البشائر السماوية على كون المصلح ذا صفات عالية وكمالات رفيعة جدَّاً.
وينبغي التنبيه على أمور هي :
1 ـ ينبغي التمييز وعدم الخلط بين البشائر بالمنقذ والبشائر بالنبيّ ، فإنَّ النبيّ وإن كان منقذاً لكن إنقاذه ليس عالمياً بالفعل.
2 ـ ينبغي الوقوف والتأنّي ودراسة جميع الصفات للمنقذ العالمي قبل تحديده بمصداق ، ثمّ ملاحظة الواقع التاريخي والقرائن في النصوص لملاحظة المصداق مع إدخال جميع ما كان من المحتمل أن يكون هو المنقذ العالمي.
فمثلاً ما ورد في بعض النصوص : أنَّ المسيح ( عليه السلام ) يذكر صفات المنقذ ، فلا معنى لحمل المنقذ على كونه نفس المسيح ( عليه السلام ) ، وكفى في تعيين المنقذ العالمي بكونه الإمام المهدي ( عليه السلام ) ما ورد في النصّ الشريف في سفر الرؤيا : ( ... إنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ولكن بعد ولادة الطفل غيب ).
قال الباحث سعيد أيّوب في كتابه ( المسيح الدجّال : 379 و 380 / ط 3 ) : ويقول كعب : مكتوب في أسفار الأنبياء : ( المهدي ما في عمله عيب ) ثمّ علَّق على هذا النصّ بقوله : وأشهد أنَّني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبَّع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبَّعوا أخبار جدّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فدلَّت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً ، ثمّ أشار إلى امرأة أخرى ، أي : التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدَّته ، وقال السفر : إنَّ هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر ، ورمز للمخاطر باسم التنّين وقال : ( والتنّين وقف أمام المرأة العتيدة حتَّى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت ) سفر الرؤيا 12 : 3 ، أي : أنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره : عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه (1).
وها هنا سؤالان :
السؤال الأوّل : كيف يمكن الاستدلال بالنصوص الدينية الواردة في الكتب التي حكم بتحريفها جزماً ؟
وجوابه :
أوّلاً : الدليل هو السُنّة الشريفة ، وما ذكر يصلح أن يكون مؤيّداً ، على أنَّه سبيل لإقناع أصحاب تلك الكتب بحقّانية الإسلام والذهب.
وثانياً : أنَّ الكتب قد ذكرت خصائص للمنقذ خاصّةً قبل وقوعها فيصحُّ الاعتماد عليها من جهة إخباراتها الغيبية التي بُرهن على صحَّتها في محكّ الواقع التاريخي.
السؤال الثاني : كيف تكون فكرة المهدوية إسلاميّة مع أنَّ وجود هذه النصوص دليل على كونها إسرائيلية ومستوردة من خارج الفكر والتشريع الإسلامي ، بل ليست من صميم الواقع الديني الإسلامي.
وجوابه :
أوّلاً : أنَّ مجرَّد وجود البشائر للنبيّ والمفاهيم الإسلاميّة لا يستدعي بطلانها وهكذا ذكر الخصوصيات الخاصّة بالرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الكتب السماوية يلزم على ذلك أن يكون الإسلام وهكذا النبيّ فكرة إسرائيلية.
وثانياً : قد تقدَّم أنَّه لا تلازم بين كون الفكرة مذكورة في الكتب السماوية وبين كونها إسرائيلية باطلة ، قال تعالى : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ( النحل : 103 ) فالظاهر أنَّ الكفّار قد وقفوا على أنَّ بعض المفاهيم القرآنية تتطابق مع الوارد في الكتب السماوية ، ولذا اتّهموا الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأنّ ما عنده من أهل الكتاب فجاءت الآية في سياق الإطلاق المقامي ولم تنف أنَّما عنده لم يكن في الكتب السماوية وإنَّما أشارت إلى أنَّ القرآن لا يصلح أن يكون إيحاء بشر ، بل البشر عاجز عن الإتيان به فكيف إذا كان هؤلاء لا يجيدون العربية فبواسطة الإطلاق المقامي لا مانع من اتّحاد الفكرة بين الروايات ، ولنا من الشواهد في وحدة الأفكار كثيرة ، فالمنظومة المهدوية كفكرة أسبق من رسالة النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، إلَّا أنَّ الإسلام بفكرة الشيعي الأصيل حوَّل الفكرة من أطروحة وحديث المستقبل الفطري إلى مشروع في طريق التنفيذ بعد الاعتقاد بوجوده وتأثيره الكوني والتشريعي والمعنوي والهدايتي ، وإخراجه من الغيب إلى الواقع ، ومن المستقبل إلى الحاضر ، ومن حلم إلى حقيقة ، نعيشها فتؤثر بنا ونتأثَّر منها ، ومن هنا أخبار المهدي عندنا خلافاً لأبناء العامّة ليست محض خبر مستقبلي ، بل حديث الحال.
فالمهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) نعيشه ويعيش معنا ، ويحمل همومنا ، ويتقرَّب الوعد الإلهي كما نترقَّبه بشغف ، والولاية عندنا حيّة مستمرّة ، قال تعالى : إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ( المعارج : 6 و 7 )
الهوامش
1. المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي / مركز الرسالة : 13.
مقتبس من كتاب : [ العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات ] / الصفحة : 178 ـ 184
التعلیقات