النهي عن التوقيت
الشيخ خليل رزق
منذ 7 سنواتيتلهّف المؤمنون لظهور الإمام الثاني عشر عليه السلام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، إلى ذلك اليوم الموعود الذي تتحقّق فيه هذه الأمنية التي ستقلب صفحات التاريخ.
إلاّ أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي عليه السلام ومميزات عصره وما يحصل بعد ظهوره، رفضوا الحديث عن توقيت يوم الظهور، لا بل نهوا عن التوقيت، وكذّبوا من ينقله عنهم.
روى النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم؟
فقال عليه السلام:
(يا أبا محمد، إنّا أهل البيت لا نوقّت، وقد قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كذب الوقّاتون).
وروى بسنده عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(يا محمد، من أخبرك عنّا توقيتاً فلا تهابن أنْ تكذّبه، فإنّا لا نوقت لأحد وقتاً).
وبسنده عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قلت إنّ لهذا الأمر وقتاً؟
فقال عليه السلام: (كذب الوقاتون كذب الوقاتون).
إن موسى عليه السلام لما خرج وافداً إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمّا زاده الله على الثلاثين عشراً قال قومه: قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا...).
وروي في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي عليه السلام إلى إسحاق بن يعقوب بوساطة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه (النائب الثاني): (وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون).
وهذا النهي عن توقيت يوم الظهور يرتبط بأمور حول الأسرار الكثيرة التي تكتنف سيرة حياته عليه السلام كقضية الغيبة وما فيها من أسرار وما تنطوي عليه من حكم يصعب على الباحث الوقوف عليها، اللّهم إلاّ أنْ يتلمّس بعضها من خلال ما ورد في الأحاديث والروايات الشريفة التي بيّنت بعض أسرار الغيبة وفلسفتها. أمّا السر الأساس فيبقى في تقديرنا من شؤون علم الغيب الذي اطلع الله عليه نبيّه وأئمة أهل البيت عليهم السلام.
إنّ الظهور متى تحقّقت شروطه واجتمعت في زمان معين، فيجب حينئذٍ تنفيذ الوعد الإلهي بظهور الإمام عليه السلام، لأنّ وقت الظهور منوط باجتماع الشرائط، وهذا يتنافى مع الروايات التي تنهى عن التوقيت وتكذّب الوقاتين. فإمّا أنْ نكذِّب هذه الروايات أو ننفي ترتّب الظهور على الشرائط والعلامات.
وما يرفع هذا التناقض هو معرفة التوقيت المنهي عنه.
حيث ذكرت الروايات أنّ ما هو منهيّ عنه في عملية التوقيت إنّما هو تحديد وقت الظهور بتاريخ معين، كما لو قيل _مثلاً_ إنّ الظهور أو اليوم الموعود، يكون في سنة ألفين ميلادية.
وما يؤكّد هذا الأمر الروايات التي تنفي توقيتاً معيّناً.
روى النعماني عن عمّار الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(قد كان لهذا الأمر (أي ظهور الإمام المهدي عليه السلام) وقت، وكان في سنة أربعين ومئة، فحدثتم به وأذعتموه، فأخّره الله عز وجل).
وعن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
(يا ثابت إنّ الله تعالى كان قد وقّت هذا الأمر في سنة السبعين. فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومئة. فلما حدّثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتاً، (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)).
وقد تكون العلة في النهي عن التوقيت المنهي عنه هي بسبب أنّ تاريخ الظهور لو كان محدداً معروفاً، لكان من أشد العوامل تأثيراً على فشل الثورة العالمية وفناء الدولة العادلة، فإنّه يكفي أنْ يحتمل الأعداء ظهوره في ذلك التاريخ، ولو باعتبار اعتقاد المسلمين ذلك، فيجتمعوا على قتله في أول أمره وقبل اتساع ملكه واستتباب أمره.
ولذا اقتضى التخطيط الإلهي، من أجل إنجاح اليوم الموعود، أن يكون الظهور فجائياً، مثاله مثال الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، كما نطقت بذلك الأخبار. وعنصر المفاجأة له أثر فعّال في نصره عليه السلام. ثم انّ وقت الظهور وإن كان محدّداً في علم الله الأزلي المتعلّق بكل الممكنات أو المخلوقات بأسبابها ومسبباتها إلاّ أنه بالنسبة إلى علله وشرائطه ليس وقتاً محدّد. إنّ وجود المعلول تابع إلى وجود علّته، فإنّ المعلول يحدث متى حدثت علّته، بلا دخل للزمان في ذلك أصلاً.
مثاله: إننا لو نسبنا تاريخ إكمال بناء البيت بالنسبة إلى القوى المادية والبشرية العاملة فيه، كان تاريخه منوطاً بتحقق هذه المكونات، حتى إذا ما وضع البنّاء آخر حجر في كيان الدار، تكون هذه الدار قد انتهت. بغض النظر عن طول زمن البناء وقصره... فإنه قابل للاختلاف حسب الظروف والطوارئ والقابليات والإمكانيات.
وحيث يبرهن فلسفياً بأن علم الله تعالى الأزلي المتعلق بالأشياء ليس علة لها، وإنما يتعلق بها ويكشف عنها على ما هي عليه في الواقع.
إذن ففي الإمكان قصر النظر على واقع الشيء. بغض النظر عن ذلك العلم به ومعه يكون المستوى الثاني للتوقيت صحيحاً. ويكون وجود الشيء منوطاً بوجود علّته واجتماع شرائطه ومكوّناته، من دون أن يكون الزمن ملحوظاً في تحديد حدوثه على الإطلاق... بل قد يكون قابلاً للزيادة والنقص.
ومن هذا القبيل، يوم الظهور. فإننا لو غضضنا النظر عن علم الله الأزلي لم يبق لدينا أي وقت محدّد له، وإنما هو منوط بحصول شرائطه وعلله. فمثلاً نقول: متى اجتمع العدد الكافي للغزو العالمي بالعدل الكامل من المخلصين الممحصين، كان يوم الظهور ناجزاً، سواء كان زمان وجودهم والفترة التي تقتضي تحققهم طويلة جداً أو قصيرة.
ومن العلل التي ذكروها في تفسير النهي عن توقيت يوم الظهور: أن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام نذير بين يدي الساعة بعد انقطاع النبوة وختمها بسيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم وغياب الأوصياء الإثني عشر عليهم السلام، ولذلك سمي بالنذر الأكبر الذي يصلي المسيح خلفه، وفي زمنه يبدأ البعث الجزئي المسمى بالرجعة ليتصل به بعدئذٍ البعث الشامل، وقد ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أنه بعد رحيل الإمام عليه السلام بأربعين يوماً تقوم القيامة الكبرى. والقيامة مربوطة بتقدير الله لعالمنا، لا يجليها لوقتها إلاّ هو، ولذلك فلا توقيت.
فعن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟ فقال عليه السلام:
(حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا. قلت: يا سيدي ولم ذاك؟ قال عليه السلام: لأنّه هو الساعة التي قال الله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ)، وهو الساعة التي قال تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)، وقال: (عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)، ولم يقل أنها عند أحد، وقال: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)، وقال: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، وقال: (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)، (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)...الحديث).
رابط الموضوع
التعلیقات