عقيدة المهدي عليه السلام عند قدماء العراقيين
مرتضى علي
منذ 7 سنوات
يقول البعض أنَّ فكرة المهدي المنتظر لم تكن مبنية على عقيدة ولا أدلة علمية، إنما اختلقها بعض الرجال المنتفعين وتسربت إلى الأجيال اللاحقة، وهذه النظرية لا علاقة لها بالإسلام أو التشيع إنَّما نشأت لاحقا وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وهناك مؤشرات إلى دور السلطات العباسية في اختلاق هذه الأسطورة لتخدير الشيعة.
إنَّ هذا القول مغلوط كليَّا، فعقيدة المهدي عليه السلام قائمة منذ التاريخ الأول. وأول من نادى بها وثبَّتها هم السومريون، ومهديهم المخلِّص هو (إيليا)، ثم من بعده حفيده الإله دو مو سين (تموز)، وهو أيضا مخلِّص العراقيين (الآشوريين والبابليين والأكديين)، سوى أنَّه يظهر مرة باسم (إيل ) وأخرى باسم (بعل)،الخ.
وهكذا تطوَّرت هذه الفكرة من جيل إلى جيل لتصبح بعد ذلك فكرة الأرض.
فالسينيون (اليزيديون) وهم الديانة الباقية من ذلك الزمن السومري السحيق ما زالوا يؤمنون بهذا المخلص ويتنظرونه وإنْ باسم (خضر الياس).
والمنداء (الصابئة) الديانة الثانية بالقدم بعد السينيين(وقد نشأت في منتصف الألف الثالثة ق . م) تؤمن بمهدي منتظر، وهو سيتيل (الإله سيت) وهو شيت إبن آدم عليه السلام وغالبا ما يرد اسمه بصفته العينية(عاذيمون) التي تعني ابن الإله.
وأنَّ مخلِّص اليهود حسب آخر سفر في العهد القديم (سفر ملاخي) هو إيليا، الذي ينتظرونه إلى اليوم. وهو نفسه مخلِّص المسيحيين، هو المسيح ،وهو عينه مخلِّص الإسلام السنِّي (حيث ينتظرون ظهوره متزامنا مع ظهور الأعور الدجال) ، وانَّ مخلِّص الإسلام الشيعي وهو الإمام الثاني عشر بن الحسن العسكري عليه السلام.
ومن هنا، فعقيدة المهدي المخلِّص هي عقيدة لازمت التدين العراقي منذ بواكيره. أو منذ سبعة ألاف عام على الأقل. وهي إحدى المسلَّمات الرئيسة التي يمثل نقضها نقض الإيمان ذاته لكل الديانات السماوية تقريباً.
إنَّ المهدي قد رافق المخيلة العراقية منذ وعيها الأول. وقد ظهر بأسماء عديدة منها: يس، ياسين، سِث، شيت، زوس، دوموزي، سنبل، هلال، عاذيمون، أمانوئيل، مار جي يس(جرجيس)، مقه، خضر، إله الظلام..الخ.
أما متى نحتاجه، أو متى نتوقع ظهوره، فهذا برسم الغيب. لكننا، ومن مراجعة التاريخ عموما نشخص حالتين، يبرز فيهما الحديث عن المخلِّص:
الحالة الأولى: هي لحظة ولادة منظور فلسفي ومن ثم حضاري جديد. وفي هذا المساق يقع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محمد والمسيح عليه السلام. سوى أنَّ كفَّة المسيح المخلِّصية تعلو على كفته الرسالية، لسبب واحد، وهو أنه قتل (أُلغي من الوجود المحسوس) ضحية رسالته. ولكن رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكثر تفصيلا في محتواها الاجتماعي. وانَّه صلى الله عليه وآله وسلم نجح في مسعاه؟.
الحالة الثانية: هي لحظة انتكاس الحضارة. وهنا فلابد من أنْ يبرز من يحاول إعادتها إلى سابق مجدها. وانتكاس الحضارة ليس بالأمر الهيّن . لذا، فمن يأخذ على عاتقه محاولة إنهاضها فقد وضع روحه على كفّه. وهو ينجح ويبقى على قيد الحياة؛ فيكون وضعه كوضع الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقد يقتل دون مسعاه ، فسيخلد كمخلص من نوع المسيح حتى وإنْ نجح مسعاه على يد تابعيه بعد حين.
وعلى خلفية هاتين الحالتين، ظهر مخلّصو العراق: (نابونيد وحزقيال وجوديا وسرجون العظيم..الخ.) لكن تاريخ العراق تحدث عن مخلّصين تميّزا بقصة فائقة الغرابة. وقصتهما أمّا لا علاقة لها بانهيار الحضارة أو قيام حضارة جديدة. أو لها علاقة، لكنّها تحدثت عن معايير حضارية سابقة لم نفهمها كليا بعد.
وهذان المخلصان هما الإلهان السومريان (إيليا) و(سين) .
والإله إيليا ورد أول الأمر في الرقيمات الطينية باسم(لو لو) الذي يعني: الإله الذي ذبح، الإنسان الأوّل، الضعيف. ثم تسهل أكديا لينطق على شكل: (وي لاه) وفي المنظور الأكدي (متون سومر ص ٨٦ و١٦٠ وغيره من كتب التراث) ثم تسهل لفظياً أيضا فأصبح ينطق بشكل (ئيل يا) أو (إيليا) و(عليان) و(امانو ئيل). وبالمناسبة فـ(عمانوئيل) هو اسم السيد المسيح ويعني (استجب يا إيل)، بينما إيليا هو الاسم الصحيح للإمام علي عليه السلام.
رابط الموضوع
التعلیقات