شبه الإمام المهدي بالأنبياء في رواية الإمام السجاد عليهم السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ يومورد في حديث الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه يشترك مع عدد من الأنبياء في صفات وسنن مختلفة، مما يعكس امتداد الرسالة الإلهية واستمراريتها عبر العصور. الحديث الوارد في كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق رحمه الله يوضح هذه الأوجه المشتركة بين الإمام المهدي عجل الله فرجه والأنبياء الستة المذكورين ، وهم : نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، أيوب ، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
حَدَّثَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ رِكَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الْكِلَابِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَقُولُ : « فِي الْقَائِمِ مِنَّا سُنَنٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام سُنَّةٌ مِنْ نُوحٍ ، وَ سُنَّةٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَ سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى ، وَ سُنَّةٌ مِنْ عِيسَى ، وَ سُنَّةٌ مِنْ أَيُّوبَ ، وَ سُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ، وَ أَمَّا مِنْ نُوحٍ عليه السلام فَطُولُ الْعُمُرِ ، وَ أَمَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَخَفَاءُ الْوِلَادَةِ وَ اعْتِزَالُ النَّاسِ ، وَ أَمَّا مِنْ مُوسَى فَالْخَوْفُ وَ الْغَيْبَةُ ، وَ أَمَّا مِنْ عِيسَى فَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ ، وَ أَمَّا مِنْ أَيُّوبَ عليه السلام فَالْفَرَجُ بَعْدَ الْبَلْوَى ، وَ أَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فَالْخُرُوجُ بِالسَّيْفِ » (1).
1. شبهه بالنبي نوح عليه السلام طول العمر
النبي نوح عليه السلام عُرف بطول عمره الذي بلغ وفق بعض الروايات 2300 عامًا، وقد ورد في الخبر عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ: « عَاشَ نُوحٌ عليه السلام أَلْفَيْ سَنَةٍ وَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا ثَمَانُمِائَةٍ وَ خَمْسُونَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً وَ هُوَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ وَ سَبْعُمِائَةِ عَامٍ بَعْدَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ وَ نَضَبَ الْمَاءُ فَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَ أَسْكَنَ وُلْدَهُ الْبُلْدَانَ. ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عليه السلام جَاءَهُ وَ هُوَ فِي الشَّمْسِ فَقَالَ لَهُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ فَرَدَّ الْجَوَابَ. فَقَالَ لَهُ : مَا جَاءَ بِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ. فَقَالَ : جِئْتُ لِأَقْبِضَ رُوحَكَ فَقَالَ لَهُ : تَدَعُنِي أَخْرُجُ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ فَتَحَوَّلَ نُوحٌ عليه السلام ثُمَّ قَالَ : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ كَأَنَّ مَا مَرَّ بِي مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ تَحَوُّلِي مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ. قَالَ : فَقَبَضَ رُوحَهُ عليه السلام » (2).
الإمام المهدي عجل الله فرجه يشترك مع نوح في هذه السُنة، إذ إن الله أطال عمره ليكون مظهرًا لمعجزته، وليتحقق وعده بظهوره في آخر الزمان لإقامة العدل والقسط.
الدلالة: طول العمر يمثل الصبر والاستمرارية في الدعوة إلى الله، وعدم اليأس من إصلاح البشرية.
2. شبهه بالنبي إبراهيم عليه السلام خفاء الولادة واعتزال الناس
كان ميلاد النبي إبراهيم عليه السلام خفيًا ، حيث أخفته أمه عن أعين الطغاة الذين كانوا يقتلون الذكور خشية ظهور من يحطم أصنامهم. كذلك ، الإمام المهدي عجل الله فرجه وُلد في ظروف سرية خوفًا من ملاحقة العباسيين الذين سعوا لمنع ظهوره ، تحقيقًا لما علموا من الأحاديث النبوية حول المهدي المنتظر.
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في قصة ولادة النبي أبراهيم عليه السلام: « إن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له : إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ، ويدعو إلى دين آخر ، فقال له نمرود : في أي بلاد يكون ؟ قال : في هذه البلاد ، وكان منزل نمرود بكوثاريا ، فقال له نمرود : قد خرج إلى الدنيا ؟ قال آزر : لا ، قال : فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء فحملت أم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يتبين حملها ، فلما حان ولادتها قالت : يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك ، وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها فخرجت واعتزلت في غار ، ووضعت إبراهيم عليه السلام وهيئته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة.
فأجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنا من إبهامه ، وكانت أمه تأتيه ووكل نمرود بكل إمرأة حامل ، وكان يذبح كل ولد ذكر. فهربت ام إبراهيم بإبراهيم السلام من الذبح ، وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاثة عشرة سنة.
فلما كان بعد ذلك زارته امه ، فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال : يا امي أخرجيني ، فقالت له : يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ، فلما خرجت امه خرج من الغار... الخ » (3).
أما اعتزال الناس، فقد كان إبراهيم عليه السلام قد اعتزل قومه بعد رفضهم دعوته إلى التوحيد، وهو ما يشبه غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه حيث اختفى عن الأنظار لحكمة إلهية ، حتى يحين وقت ظهوره بأمر الله.
3. شبهه بالنبي موسى عليه السلام الخوف والغيبة
النبي موسى عليه السلام خاف على نفسه من بطش فرعون عندما قتل المصري دفاعاً عن أحد المستضعفين ، فخرج من مصر وغاب عن قومه لفترة من الزمن. الإمام المهدي عجل الله فرجه أيضًا غاب بسبب الخوف من الظالمين الذين سعوا للقضاء عليه ، لكنه سيعود كما عاد موسى ليقود الأمة نحو الخلاص.
فكما أنَّ ظروف موسى عليه السلام اقتضت أن يكون غائباً عن الأنظار ولا يعرفه كثير من الناس أو كلُّ الناس إلَّا الخواصّ منهم ، فكذلك الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه ، وهذا هو مقتضى المشابهة الواردة في الأخبار المتقدِّمة.
وأمَّا الشبه بخفاء الولادة ؛ فلأنَّ فرعون كان له علم مسبق من الكهنة والسحرة بأنَّ زوال ملكه ونهاية سلطانه سوف يكون على يد رجل من بني إسرائيل وهو النبيُّ موسى عليه السلام ، فأراد إطفاء نور الله في أرضه بقتل الأولاد والناشئين من الذكور ، وبقر بطون الحبالى ، حتَّى لا يخرج المولود الذي سيُنهي ملكه ، كما أشار القرآن الكريم حيث أكَّد على قضيَّة الاستتار وإخفاء الولادة خوفاً من السلطة الحاكمة.
ومنه يُعلَم وجه التشابه بين مولد نبيِّ الله موسى عليه السلام ومولد صاحب الزمان عليه السلام ، فإنَّ الدولة العبّاسية شابهت سلطة فرعون في إرادة إهلاك من ذُكِرَ أنَّه سيُنهي ويزيل دولتهم حيث علموا من النبيِّ صلّى الله عليه وآله أنَّ الإمام الثاني عشر هو القائم والخاتم الذي يقوم بالسيف ، وأنَّ حكومات الجور ستزول على يده ، ففرضوا الجواسيس والعيون ، واقتحموا البيوت للبحث عن ذلك المولود حفاظاً على الملك الدنيوي الزائل والملذّات الحقيرة الفانية.
4. شبهه بالنبي عيسى عليه السلام اختلاف الناس فيه
كلاهما يمثل حجة لله تعالى ، وهما من ذرية إبراهيم عليه السلام. عيسى عليه السلام هو آخر حجة من نسل إسحاق ، بينما الإمام المهدي هو آخر حجة من نسل إسماعيل عليهم السلام. وقد غاب كلاهما عن قومه ، وتعرض لمحاولات قتل من قِبَل الظالمين. كما أن كلاً منهما موعودٌ بإنقاذ البشرية في آخر الزمان، ويحمل آيات إلهية عظيمة. وعلاوة على ذلك ، عاش كلاهما عمراً طويلاً يتجاوز مئات السنين في حالة من الغيبة عن الأنظار، مما أدى إلى يأس الكثيرين من عودتهما.
ومن القضايا التي تميز بها النبي عيسى عليه السلام هو اختلاف الناس في شأنه ، فمنهم من أنكر نبوته ، ومنهم من بالغ في وصفه حتى وصل إلى تأليهه. الإمام المهدي عجل الله فرجه يشترك مع عيسى عليه السلام في هذه السنة ، حيث نجد اختلافًا كبيرًا في الآراء حول شخصه ، فالبعض يشكك في وجوده ، والبعض ينكر غيبته ، بينما يعتقد المؤمنون بحتميّة ظهوره.
بعض الروايات تذكر أن النبي عيسى عليه السلام سيصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام عند ظهوره ، مما يدل على التعاون بينهما في تحقيق العدالة الإلهية.
5. شبهه بالنبي أيوب عليه السلام الفرج بعد البلاء
يظهر وجه الشبه بين النبي أيوب عليه السلام والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في عدة جوانب جوهرية. فالنبي أيوب معروف بصبره العظيم في مواجهة الابتلاءات الشديدة التي تعرض لها ، حيث فقد عائلته وماله وصحته ، لكنه ظل ثابتًا في إيمانه. بالمثل ، يُنتظر أن يواجه الإمام المهدي تحديات وصعوبات كبيرة خلال فترة ظهوره ، وسيكون صبره وثباته على الحق مثالًا يحتذى.
كلاهما يمثلان قيم العدالة والإصلاح ، حيث كان النبي أيوب عليه السلام رمزًا للعدل والإحسان ، وهو يدعو إلى الحق ، في حين يُنتظر أن يأتي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا. كما أن كلاً من أيوب والإمام المهدي عليهما السلام يمثلان الأمل في قلوب المؤمنين، حيث إن قصة أيوب هي قصة أمل ، إذ استجاب الله لدعائه وكشف عنه البلاء ، في حين يُعتبر ظهور الإمام المهدي رمزًا للأمل في تحقيق السلام والعدل.
أيضًا ، كان أيوب عليه السلام يتوجه إلى الله بالدعاء في وقت محنته ، والإمام المهدي يُعتبر واسطة بين الخلق والخالق ، حيث يُنتظر منه أن يدعو الله لتحقيق العدل والخير للبشرية. وفي ليلة واحدة يصلح الله أمره ويرفع الضر الشامل و يرزقه الله علما و شطرا من الجمال لان وجه الإمام المهدي سيصبح كالكوكب الدري في إضائته.
من خلال هذه الجوانب ، يمكن أن نرى كيف تتجلى القيم المشتركة بين الأنبياء ، بما في ذلك النبي أيوب والإمام المهدي عليهما السلام، مما يعكس مسيرتهم نحو تحقيق الحق والعدل.
6. شبهه بالنبي محمد صلى الله عليه وآله الخروج بالسيف
النبي محمد صلى الله عليه وآله جاهد بالسيف لإقامة الدين الحق ، ونشر الإسلام ، وحماية المستضعفين من الظلم. الإمام المهدي عجل الله فرجه سيخرج بالسيف أيضًا ليحارب الظلم والطغيان ويقيم دولة العدل الإلهي على الأرض.
إنّ للنبي خصوصية وهي كونه صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء ، كما أنّ للمهدي عجل الله فرجه خصوصية وهي كونه خاتم الأوصياء ، وكما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله فاتح الدين فالمهدي عجل الله فرجه خاتمه ، وقد دلّت على هذا الأمر روايات العامّة والخاصّة حيث ورد : « المهدي منّا ، يختم الدين بنا كما فتح بنا » (4).
وقال صاحب كتاب اعين الشعية في وجه الشبه بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله : (واما من جده المصطفى فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت وانه ينصر بالسيف والرعب وانه لا ترد له راية الحديث وفي رواية واما من محمد فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر ولا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله قيل وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي قال يلقي الله عز وجل في قلبه الرحمة ) (5).
الخاتمة
هذا الحديث الشريف يبرز كيف أن الإمام المهدي عجل الله فرجه يمثل الامتداد الحقيقي لمسيرة الأنبياء ، وأن غيبته وظروفه ليست أمرًا مستحدثًا بل هي سنة إلهية جرت على الأولياء من قبله. فالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو أمل المستضعفين ، وبشائر ظهوره تملأ القلوب رجاءً في تحقق وعد الله بانتصار الحق على الباطل. نسأل الله أن يعجّل فرجه، ويجعلنا من أنصاره واعوانِه والمُستشهَدين بين يدَيه.
1. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 577.
2. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 523.
3. تفسير القمي / علي بن ابراهيم القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 207.
4. إحقاق الحق و إزهاق الباطل / القاضي نور الله التستري / المجلّد : 19 / الصفحة : 667.
5. أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين / المجلّد : 2 / الصفحة : 58.
التعلیقات