أحداث شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ شهرينتعد شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام واحدة من الأحداث المهمة في تاريخ الشيعة الإمامية. كانت تلك الفترة مليئة بالتوترات والصراعات السياسية، وتزامنت مع بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام. نستعرض في هذا المقال إلى أبرز الأحداث التي وقعت بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام، وذلك استنادًا إلى الروايات التاريخية الموثوقة.
حضور الإمام المهدي عليه السلام في ساعة الاحتضار
من الروايات البارزة التي وردت في كتاب "الغيبة" للشيخ الطوسي، تذكر أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، عندما شعر بدنو أجله، طلب من خادمه أن يُحضِر له ماءً ليشربه. أثناء ذلك، فلم يستطيع شرب الماء فطلب أن يحضر عنده ولده الذي كان يبلغ من العمر آنذاك حوالي خمس سنوات. هذه الرواية تشير إلى حضور الإمام المهدي عليه السلام في ساعة وفاة والده، وهي دلالة قوية على انتقال الإمامة إليه.
و قال إسماعيل بن عليّ: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام في المرضة الّتي مات فيها، و أنا عنده إذ قال لخادمه عقيد - و كان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبله عليّ بن محمّد و هو ربّي الحسن عليه السّلام -: « يا عقيد اغل لي ماءا بمصطكي، فأغلى له ثمّ جاءت به صيقل الجارية امّ الخلف عليه السّلام فلمّا صار القدح في يديه و همّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح ثنايا الحسن فتركه من يده، و قال لعقيد: ادخل البيت فإنّك ترى صبيّا ساجدا فائتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرّى فاذا أنا بصبيّ ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلّمت عليه فأوجز في صلاته، فقلت: إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت امّه صيقل فأخذت بيده و أخرجته الى أبيه الحسن عليه السّلام.
قال أبو سهل: فلمّا مثل الصبيّ بين يديه سلّم و اذا هو درّي اللون و في شعر رأسه قطط مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن عليه السّلام بكى و قال: يا سيّد أهل بيته اسقني الماء فإنّي ذاهب الى ربّي، و أخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه، فلمّا شربه قال: هيّئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضّأه الصبيّ واحدة واحدة و مسح على رأسه و قدميه.
فقال له أبو محمّد عليه السّلام: أبشر يا بنيّ فأنت صاحب الزمان و أنت المهديّ و أنت حجّة اللّه على أرضه و أنت ولدي و وصيّي و أنا ولدتك و أنت محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ولدك رسول اللّه عليه السّلام و أنت خاتم الأئمة الطاهرين و بشرّ بك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سمّاك و كنّاك بذلك، عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين، صلّى اللّه على أهل البيت ربّنا إنّه حميد مجيد، و مات الحسن بن عليّ من وقته صلوات اللّه عليهم أجمعين » (1).
غياب الإمام عليه السلام عن أعين الناس
في سياق الحديث عن شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وأحداث تلك الفترة الحرجة، يبرز هذا الحديث كدليل واضح على الصعوبة التي واجهها الناس في الوصول إلى الإمام الحسن العسكري ومن بعده الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف. الرواية الواردة عن الحسن بن وجناء تسلط الضوء على لحظة مهمة تبيّن حالة الاضطراب والظروف الأمنية الصعبة التي أحاطت ببيت الإمام الحسن العسكري عليه السلام .
فقد قال: سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء يقول: حدّثنا أبي، عن جدِّه أنَّه كان في دار الحسن بن عليٍّ عليهما السلام فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن عليٍّ الكذَّاب واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائم عليه السلام قال : فإذا أنا به عليه السلام قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو عليه السلام ابن ستّ سنين فلم يره أحد حتّى غاب (2).
تُظهر هذه الرواية أن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف كان موجودًا في تلك اللحظة، ولكن لم يتمكن أحد من رؤيته بعد خروجه. هذا الغياب الجسدي يعكس مرحلة غياب الإمام عن أعين الناس، سواء بسبب الملاحقات والظروف الأمنية أو كإشارة إلى بدء عصر الغيبة الذي تبعه، والذي أعدّ الناس لمواجهة غياب الإمام عنهم لفترة طويلة.
الدلالة على الغيبة: من خلال هذه الحادثة، يُفهم أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام كان في وضع أمني حرج، ما أدى إلى غياب وريثه الشرعي، الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، بشكل لا يمكن للآخرين الوصول إليه أو رؤيته، وهو ما يمهّد لعصر الغيبة الكبرى التي عاشها ويعيشها الشيعة حتى اليوم.
افتراق الشيعة بعد شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
يعتبر هذا الحديث عنصرًا مهمًا في تفسير الأسباب التي أدت إلى تفرّق الشيعة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سنة 260 هـ. الرواية التي يرويها أبو غانم تكشف عن توقع الإمام العسكري لهذه الحادثة وتأثيرها العميق على أتباعه. فقد قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام :
« فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَ سِتِّينَ تَفْتَرِقُ شِيعَتِي فَفِيهَا قُبِضَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام وَ تَفَرَّقَتِ الشِّيعَةُ وَ أَنْصَارُهُ فَمِنْهُمْ مَنِ انْتَمَى إِلَى جَعْفَرٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ تَاهَ وَ مِنْهُمْ مَنْ شَكَّ وَ مِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ عَلَى تَحَيُّرِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» (3).
وفي هذا العام بالفعل، قُبض الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وحدث الافتراق بين الشيعة وأنصاره. الرواية تبيّن أن هذا الافتراق لم يكن مجرد اختلاف بسيط في الرأي، بل تنوعت مواقف الناس بعد وفاته بشكل واضح:
الرواية تعكس مشهدًا معقدًا عاشته الطائفة الشيعية بعد وفاة الإمام العسكري، حيث أدت الظروف الصعبة وعدم وضوح مسار الإمامة بشكل مباشر إلى تشتت الشيعة وانقسامهم إلى فرق وجماعات. ومع ذلك، فإن المجموعة التي ثبتت على إيمانها كانت تعتبر نفسها موفّقة ومسددة بفضل الله، وهو ما يمثل الجذور الأولى لثبات العقيدة في أتباع الإمامية الاثني عشرية بعد ذلك.
صلاة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) على والده أمام 39 شخصًا"،
تتناول هذه الرواية لحظة مفصلية في التاريخ الشيعي، وهي الصلاة التي أقامها الإمام المهدي عليه السلام على والده، الإمام الحسن العسكري عليه السلام، بعد وفاته. الرواية التي يرويها أحمد بن عبد الله الهاشمي، الذي كان حاضرًا في تلك اللحظة، تكشف عن تفاصيل دقيقة تعكس السرية والهيبة التي أحاطت بالإمام المهدي خلال فترة الغيبة الصغرى.
يروي أحمد بن عبد الله الهاشمي:
حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ وَ أُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ وَ وُضِعَتْ وَ نَحْنُ تِسْعَةٌ وَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا قُعُودٌ نَنْتَظِرُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ.
فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ فَتَقَدَّمَ وَ قَامَ النَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَ مَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ (4).
في هذه الرواية، يظهر الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف وهو في عمر صغير (حوالي 5 سنوات)، لكنه برغم ذلك، قاد صلاة الجنازة على والده الإمام الحسن العسكري أمام مجموعة من أتباعه المخلصين، والذين لم يعرفوه بادئ الأمر، لكنهم وقفوا هيبةً واحترامًا له. وبعد أداء الصلاة، دخل الإمام بيتًا آخر دون أن يتواصل بشكل مباشر مع الحاضرين.
تسجّل هذه الحادثة ظهورًا علنيًا للإمام المهدي بعد وفاة والده، لكنها في الوقت نفسه تشير إلى بداية مرحلة الغيبة الصغرى، حيث لم يكن بإمكان الجميع الوصول إليه أو التعرف عليه. إن هذه الصلاة تؤكد وجود الإمام المهدي وعلاقته المباشرة بأتباعه، ولكن بشكل حذر وسري.
دلالة الرواية: هذه الحادثة تحمل أهمية كبيرة في العقيدة الإمامية؛ فهي تشير إلى تولي الإمام المهدي للإمامة بعد وفاة والده، كما توضح الظروف الحساسة التي أحاطت بتلك المرحلة. صلاة الإمام المهدي على والده أمام جمع محدود من أتباعه تثبت وجوده في تلك اللحظة الحرجة، وهي لحظة رمزية تُعتبر البداية الفعلية لغيبة الإمام المهدي، وهي فترة ستستمر لمدة غير معلومة.
وصول وفد أهل قم إلى سامراء يوم شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
من خلال رواية وصول وفد أهل قم إلى سامراء يوم شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، يمكن استنتاج أحقية الإمام المهدي الحجة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف بالإمامة بناءً على عدة نقاط مفصلية، والتي تميزت بأمور خارقة ودقيقة لا يمكن لغير الإمام القيام بها:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سِنَانٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام وَفَدَ مِنْ قُمَّ وَ الْجِبَالِ وُفُودٌ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَى الرَّسْمِ وَ الْعَادَةِ وَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ خَبَرُ وَفَاةِ الْحَسَنِ عليه السلام فَلَمَّا أَنْ وَصَلُوا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى سَأَلُوا عَنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّهُ قَدْ فُقِدَ فَقَالُوا وَ مَنْ وَارِثُهُ قَالُوا أَخُوهُ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَأَلُوا عَنْهُ فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهاً وَ رَكِبَ زَوْرَقاً فِي دِجْلَةَ يَشْرَبُ وَ مَعَهُ الْمُغَنُّونَ قَالَ فَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فَقَالُوا هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ صِفَةِ الْإِمَامِ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ امْضُوا بِنَا حَتَّى نَرُدَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَصْحَابِهَا فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ الْقُمِّيُّ قِفُوا بِنَا حَتَّى يَنْصَرِفَ هَذَا الرَّجُلُ وَ نَخْتَبِرَ أَمْرَهُ بِالصِّحَّةِ قَالَ فَلَمَّا انْصَرَفَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَ قَالُوا يَا سَيِّدَنَا نَحْنُ مِنْ أَهْلِ قُمَّ وَ مَعَنَا جَمَاعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ وَ غَيْرِهَا وَ كُنَّا نَحْمِلُ إِلَى سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَمْوَالَ فَقَالَ وَ أَيْنَ هِيَ قَالُوا مَعَنَا قَالَ احْمِلُوهَا إِلَيَّ قَالُوا لَا إِنَّ لِهَذِهِ الْأَمْوَالِ خَبَراً طَرِيفاً فَقَالَ وَ مَا هُوَ قَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ تُجْمَعُ وَ يَكُونُ فِيهَا مِنْ عَامَّةِ الشِّيعَةِ الدِّينَارُ وَ الدِّينَارَانِ ثُمَّ يَجْعَلُونَهَا فِي كِيسٍ وَ يَخْتِمُونَ عَلَيْهِ وَ كُنَّا إِذَا وَرَدْنَا بِالْمَالِ عَلَى سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَقُولُ جُمْلَةُ الْمَالِ كَذَا وَ كَذَا دِينَاراً مِنْ عِنْدِ فُلَانٍ كَذَا وَ مِنْ عِنْدِ فُلَانٍ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَسْمَاءِ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَ يَقُولُ مَا عَلَى الْخَوَاتِيمِ مِنْ نَقْشٍ فَقَالَ جَعْفَرٌ كَذَبْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى أَخِي مَا لَا يَفْعَلُهُ هَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ وَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ كَلَامَ جَعْفَرٍ جَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ لَهُمْ احْمِلُوا هَذَا الْمَالَ إِلَيَّ قَالُوا إِنَّا قَوْمٌ مُسْتَأْجِرُونَ وُكَلَاءُ لِأَرْبَابِ الْمَالِ وَ لَا نُسَلِّمُ الْمَالَ إِلَّا بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي كُنَّا نَعْرِفُهَا مِنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَإِنْ كُنْتَ الْإِمَامَ فَبَرْهِنْ لَنَا وَ إِلَّا رَدَدْنَاهَا إِلَى أَصْحَابِهَا يَرَوْنَ فِيهَا رَأْيَهُمْ قَالَ فَدَخَلَ جَعْفَرٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَ كَانَ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أُحْضِرُوا قَالَ الْخَلِيفَةُ احْمِلُوا هَذَا الْمَالَ إِلَى جَعْفَرٍ قَالُوا أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا قَوْمٌ مُسْتَأْجِرُونَ وُكَلَاءُ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ وَ هِيَ وَدَاعَةٌ لِجَمَاعَةٍ وَ أَمَرُونَا بِأَنْ لَا نُسَلِّمَهَا إِلَّا بِعَلَامَةٍ وَ دَلَالَةٍ وَ قَدْ جَرَتْ بِهَذِهِ الْعَادَةِ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ الْخَلِيفَةُ فَمَا كَانَتِ الْعَلَامَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ الْقَوْمُ كَانَ يَصِفُ لَنَا الدَّنَانِيرَ وَ أَصْحَابَهَا وَ الْأَمْوَالَ وَ كَمْ هِيَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَلَّمْنَاهَا إِلَيْهِ وَ قَدْ وَفَدْنَا إِلَيْهِ مِرَاراً فَكَانَتْ هَذِهِ عَلَامَتُنَا مَعَهُ وَ دِلَالَتُنَا وَ قَدْ مَاتَ فَإِنْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فَلْيُقِمْ لَنَا مَا كَانَ يُقِيمُهُ لَنَا أَخُوهُ وَ إِلَّا رَدَدْنَاهَا إِلَى أَصْحَابِهَا فَقَالَ جَعْفَرٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَذَّابُونَ يَكْذِبُونَ عَلَى أَخِي وَ هَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ الْقَوْمُ رُسُلٌ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ قَالَ فَبُهِتَ جَعْفَرٌ وَ لَمْ يَرُدَّ جَوَاباً فَقَالَ الْقَوْمُ يَتَطَوَّلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِخْرَاجِ أَمْرِهِ إِلَى مَنْ يُبَدْرِقُنَا حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ قَالَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِنَقِيبٍ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ غُلَامٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهاً كَأَنَّهُ خَادِمٌ فَنَادَى يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَ يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَجِيبُوا مَوْلَاكُمْ قَالَ فَقَالُوا أَنْتَ مَوْلَانَا قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ مَوْلَاكُمْ فَسِيرُوا إِلَيْهِ قَالُوا فَسِرْنَا إِلَيْهِ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَ مَوْلَانَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام فَإِذَا وَلَدُهُ الْقَائِمُ سَيِّدُنَا عليه السلام قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرٍ كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ جُمْلَةُ الْمَالِ كَذَا وَ كَذَا دِينَاراً حَمَلَ فُلَانٌ كَذَا وَ حَمَلَ فُلَانٌ كَذَا وَ لَمْ يَزَلْ يَصِفُ حَتَّى وَصَفَ الْجَمِيعَ ثُمَّ وَصَفَ ثِيَابَنَا وَ رِحَالَنَا وَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الدَّوَابِّ فَخَرَرْنَا سُجَّداً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شُكْراً لِمَا عَرَّفَنَا وَ قَبَّلْنَا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ سَأَلْنَاهُ عَمَّا أَرَدْنَا فَأَجَابَ فَحَمَلْنَا إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَ أَمَرَنَا الْقَائِمُ ع أَنْ لَا نَحْمِلُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى بَعْدَهَا شَيْئاً مِنَ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَنْصِبُ لَنَا بِبَغْدَادَ رَجُلًا يَحْمِلُ إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ التَّوْقِيعَاتُ قَالُوا فَانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَ دَفَعَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقُمِّيِّ الْحِمْيَرِيِّ شَيْئاً مِنَ الْحَنُوطِ وَ الْكَفَنِ فَقَالَ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ فِي نَفْسِكَ قَالَ فَمَا بَلَغَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَقَبَةَ هَمْدَانَ حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ- وَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْمِلُ الْأَمْوَالَ إِلَى بَغْدَادَ إِلَى النُّوَّابِ الْمَنْصُوبِينَ بِهَا وَ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمُ التَّوْقِيعَاتُ (5).
الهوامش
1ـ الغيبة / الشيخ الطوسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 273.
2ـ كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 473.
3ـ كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجّلد : 2 / الصفحة : 408.
4ـ الغيبة / الشيخ الطوسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 259.
5ـ كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 479.
التعلیقات