مواريث الأنبياء التي تكون عند الإمام المهدي عليه السلام يوم الظهور
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 ساعاتالورثة: جمع وارث، وهو الشخص الذي يبقى بعد المتوفّى ويستحق ما يخلِّفه من مال أو حقوق.
أمّا الميراث فهو ما يتركه الإنسان بعد رحيله لينتقل إلى من يستحقّه من ورثته، ويُطلق على كلّ ما يمكن توريثه مادّيًا كان أو معنويًا. وقد ورد استعماله بهذا المفهوم في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ (1)، والمقصود بهم الأئمّة عليهم السلام الذين جعلهم الله أصحاب علم كتابه وميراثه.
والأنبياء ـ وهم عددهم مائة وأربعة وعشرون ألفًا كما ورد في الأخبار ـ رسل الله إلى خلقه، سلام الله عليهم أجمعين.
وأهل بيت النبوّة عليهم السلام هم الورثة الحقيقيّون، والأوصياء المشرَّفون بحمل مواريث الأنبياء جميعاً، وبخاصّة ما خلّفه جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله. فقد انتقلت إليهم علوم الأنبياء وآثارهم وشواهد نبوّاتهم، كما انتقلت إليهم علوم الرسالة وجميع فضائلها وكمالاتها.
لقد ورث الأئمّة عليهم السلام الكتب الإلهية، وآثار الرسالات، وعلوم الهداية، وكلّ كمال جعله الله في الأنبياء، وهم الموعودون بأن يرثوا الأرض وما عليها في آخر الزمان.
وقد أكّد القرآن هذا الوعد الإلهي في قوله تعالى:
﴿وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (2)، وهؤلاء هم آل محمّد صلوات الله عليهم، الذين سيُظهر الله قائمهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فيعلي شأنهم ويهزم أعداءهم كما وردت بذلك الروايات الكثيرة.
ويُطرح هنا سؤال: ما الموقع الذي تحتلّه هذه المواريث في زمن الظهور المقدّس للإمام المهدي عليه السلام؟
الجواب:
إن لهذه المواريث دوراً مهمّاً يتمثّل في إثبات أحقّية الإمام المهدي عليه السلام وبيان تفوّقه على سائر الخلق، إذ تُظهر اتصاله المباشر بسلسلة الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين، وأنه الامتداد الشرعي والطبيعي للنهج الإلهي المستمر عبر العصور. كما أنّ لهذه المواريث وظائف أخرى تتجلّى في مرحلة الظهور المبارك، تُستثمر لتحقيق أهداف الدولة الإلهيّة وإقامة العدل الإلهي في الأرض.
1. الكتب السماوية
الكتب السماوية التي أرسلها الله تعالى إلى أنبيائه، مثل صحف إبراهيم، وتوراة موسى، والألواح، وزبور داود، وإنجيل عيسى عليهم السلام، إلى جانب جميع الكتب الأخرى التي كانت محفوظة عند الأنبياء، وكلّ ما أوتوا من علوم وهداية، تشكّل ميراثًا إلهيًا ثمينًا يختصّ بالرسالات السماوية.
وفي الكافي الشريف باب : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام عِنْدَهُمْ جَمِيعُ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهَا
فَقَالَ بُرَيْهٌ أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ الإمام الصادق عليه السلام: « هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَءُوهَا وَ نَقُولُهَا كَمَا قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي » (3).
2. سلاح رسول الله
عن بنِ أَعْيَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: « عِنْدِي سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَا أُنَازَعُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ السِّلَاحَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ لَكَانَ خَيْرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَى مَنْ يُلْوَى لَهُ الْحَنَكُ، فَإِذَا كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ خَرَجَ فَيَقُولُ النَّاسُ مَا هَذَا الَّذِي كَانَ وَ يَضَعُ اللَّهُ لَهُ يَداً عَلَى رَأْسِ رَعِيَّتِهِ » (4).
3. راية رسول الله
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ كُلَيْبٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: « لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ عليه السلام حَتَّى يَكُونَ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ. قُلْتُ وَ كَمْ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ، قَالَ: عَشَرَةُ آلَافٍ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَهُزُّ الرَّايَةَ وَ يَسِيرُ بِهَا فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْمَشْرِقِ وَ لَا فِي الْمَغْرِبِ إِلَّا لَعَنَهَا، وَ هِيَ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا هِيَ وَ اللَّهِ قُطْنٌ وَ لَا كَتَّانٌ وَ لَا قَزٌّ وَ لَا حَرِيرٌ، قُلْتُ: فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ: مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ نَشَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ لَفَّهَا وَ دَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَصْرَةِ نَشَرَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَفَّهَا وَ هِيَ عِنْدَنَا هُنَاكَ لَا يَنْشُرُهَا أَحَدٌ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ، فَإِذَا هُوَ قَامَ نَشَرَهَا فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَّا لَعَنَهَا وَ يَسِيرُ الرُّعْبُ قُدَّامَهَا شَهْراً وَ وَرَاءَهَا شَهْراً، وَ عَنْ يَمِينِهَا شَهْراً وَ عَنْ يَسَارِهَا شَهْراً، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ يَخْرُجُ مَوْتُوراً غَضْبَانَ أَسِفاً لِغَضَبِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْخَلْقِ يَكُونُ عَلَيْهِ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله الَّذِي عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَ عِمَامَتُهُ السَّحَابُ، وَ دِرْعُهُ دِرْعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله السَّابِغَةُ، وَ سَيْفُهُ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ذُو الْفَقَارِ يُجَرِّدُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ يَقْتُلُ هَرْجاً، فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ فَيَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ وَ يُعَلِّقُهَا فِي الْكَعْبَةِ وَ يُنَادِي مُنَادِيهِ هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ اللَّهِ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ قُرَيْشاً فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ وَ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَ لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ عليه السلام حَتَّى يُقْرَأَ كِتَابَانِ كِتَابٌ بِالْبَصْرَةِ وَ كِتَابٌ بِالْكُوفَةِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام » (5).
4. قميص يوسف وإبراهيم عليهما السلام
عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: « أَ تَدْرِي مَا كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ عليه السلام قَالَ قُلْتُ لَا، قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ فَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَ لَا بَرْدٌ فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْتُ جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ (6) وَ عَلَّقَهُ عَلَى إِسْحَاقَ وَ عَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلَى يَعْقُوبَ فَلَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ عليه السلام عَلَّقَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فَلَمَّا أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بِمِصْرَ مِنَ التَّمِيمَةِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ- ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ (7)، فَهُوَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِلَى مَنْ صَارَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ قَالَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ قَالَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرِثَ عِلْماً أَوْ غَيْرَهُ فَقَدِ انْتَهَى إِلَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله » (8).
5. مواريث النبي موسى عليه السلام إضافة إلى التوراة والألواح وهي :
(أ) الحَجَر:
الحَجَر الذي إنفجرت منه إثنتى عشرة عيناً ، الذي يكون مع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، وينادي حين خروجه من مكّة :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: « إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ بِمَكَّةَ- وَ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْكُوفَةِ نَادَى مُنَادِيهِ أَلَا لَا يَحْمِلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً وَ يَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَ هُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ(9)، فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا انْبَعَثَ عَيْنٌ مِنْهُ فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ وَ مَنْ كَانَ ظَامِئاً رَوِيَ فَهُوَ زَادُهُمْ حَتَّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ» (10).
(ب) العصى:
العصى التي كانت من آس الجنّة ، وكانت تروّع وتلقف كلّ شيء بلسانها وشفتيها اللتين تنفتحان أربعين ذراعاً ، وتأتي بالعجب العجاب ممّا تلاحظها في بيان خصائصها.
روى الشيخ الصفَّار بإسناده عن محمد بن الفيض عن محمد بن علي عليه السلام قال: «كان عصى موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنَّها لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وانها لتنطق إذا استُنطقت، أُعدَّت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنَّها لتروع وتلقف. قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد الله أنْ يقبضه أورث علياً عليه السلام علمه وسلاحه وما هناك، ثم صار إلى الحسن والحسين، ثم حين قتل الحسين استودعه أم سلمة، ثمَّ قبض بعد ذلك منها. قال: فقلت: ثم صار إلى عليّ بن الحسين ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك؟ قال: نعم» (11).
(ج) الطست الذي كان عند موسى عليه السلام
المقصود بـ الطَّسْت الذي كان عند موسى عليه السلام وهو الآن عند الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو أحد مواريث الأنبياء التي انتقلت إلى الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، ويُعبَّر عنه في الروايات أحيانًا بـ طَسْت موسى أو الطست الذي كان يُغسَل فيه قلوب الأنبياء والأوصياء.
ورد في الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال في حديث طويل حول مواريث الأنبياء عليهم السلام : « وَ إِنَّ عِنْدِي الطَّسْتَ الَّذِي كَانَ مُوسَى يُقَرِّبُ بِهِ الْقُرْبَانَ» (12).
(ح) تابوت السكينة:
وهذا التابوت مذكورٌ في قوله تعالى ﴿ وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ آَيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَبِّكُم وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحمِلُهُ المَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ ﴾ (13) .حيث نصَّت الآية على أنَّ التابوت يحتوي على سكينةٍ منَ اللهِ تعالى، وعلى آثارِ آلِ موسى وآلِ هارون، وفي روايةٍ نقلها الشيخُ الكلينيّ أنَّ الإمامَ الباقرَ عليهِ السلام سُئلَ عن الآيةِ الكريمة، فقالَ: «رضراضُ الألواحِ فيها العلمُ والحكمة»، وفي روايةٍ أخرى نقلَها الكلينيّ بإسنادٍ له عن الإمامِ الرّضا عليهِ السلام: « قَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ فِي التَّابُوتِ وَ كَانَتْ فِيهِ طَشْتٌ تُغْسَلُ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ وَ كَانَ التَّابُوتُ يَدُورُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا » (14).
وهذا التابوت عند إمامنا المنتظر عليه السلام حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبةٍ له «.. ويسير الصدّيق الأكبر برايةِ الهدى، والسيفِ ذي الفقار، والمخصرة حتّى ينزلَ أرضَ الهجرة مرّتين وهي الكوفة، فيهدمُ مسجدَها ويبنيه على بنائه الأوّل، ويهدمُ ما دونه من دور الجبابرة، ويسيرُ إلى البصرة حتّى يُشرِفَ على بحرها، ومعهُ التابوت، وعصا موسى..» (15).
6. خاتم سليمان عليه السلام
الذي روي أنّه كان إذا لبسه سخّر الله له الطير والريح والمَلَك (16)، وتلاحظ شأن هذا الخاتم في الأحاديث المختلفة المذكورة حول مواريث الأنبياء عليهم السلام.
وفي خطبةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام بعد أنْ سأله الأصبغ بن نباتة: يا أمير المؤمنين من الدجال؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «... أَلَا وَ إِنَّ أَكْثَرَ أَتْبَاعِهِ يَوْمَئِذٍ أَوْلَادُ الزِّنَا وَ أَصْحَابُ الطَّيَالِسَةِ الْخُضْرِ يَقْتُلُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِالشَّامِ عَلَى عَقَبَةٍ تُعْرَفُ بِعَقَبَةِ أَفِيقٍ لِثَلَاثِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى يَدِ مَنْ يُصَلِّي الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ع خَلْفَهُ أَلَا إِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى قُلْنَا وَ مَا ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ خُرُوجُ دَابَّةٍ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ عِنْدِ الصَّفَا مَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَ عَصَا مُوسَى ع يَضَعُ الْخَاتَمَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ مُؤْمِنٍ فَيَنْطَبِعُ فِيهِ هَذَا مُؤْمِنٌ حَقّاً وَ يَضَعُهُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ كَافِرٍ فَيَنْكَتِبُ هَذَا كَافِرٌ حَقّاً حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنَادِي الْوَيْلُ لَكَ يَا كَافِرُ وَ إِنَّ الْكَافِرَ يُنَادِي طُوبَى لَكَ يَا مُؤْمِنُ وَدِدْتُ أَنِّي الْيَوْمَ كُنْتُ مِثْلَكَ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً...» (17).
7. المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام
لَمَّا اسْتَخْلَفَ عُمَرُ سَأَلَ عَلِيّاً عليه السلام أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَيُحَرِّفُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنْ جِئْتَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي كُنْتَ قَدْ جِئْتَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَجْتَمِعَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ عليه السلام : « هَيْهَاتَ لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، إِنَّمَا جِئْتُ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ، وَ لَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا مَا جِئْتَنَا بِهِ، إِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي عِنْدِي لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، وَ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ وُلْدِي.
قَالَ عُمَرُ: فَهَلْ لِإِظْهَارِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ ؟
فَقَالَ عليه السلام: نَعَمْ إِذَا قَامَ الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي يُظْهِرُهُ، وَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَتَجْرِي السُّنَّةُ بِهِ » (18).
الثامن: الجفر الأبيض والجفر الأحمر:
روى الشيخ الصفَّار بإسناده عن الحسين بن أبي العلاء قال: «سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: عندي الجفر الأبيض، قال: قلنا: وأيُّ شيءٍ فيه؟ قال: فقال لي: زبورُ داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة.
ما أزعم أنَّ فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى أنَّ فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وثلث الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلنَّا: جُعلت فداك، وأيُّ شيءٍ في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك أنَّها تفتح للدم، يفتحها صاحب السيف للقتل..» (19).
وبسناده عن رفيد مولى أبي هبيرة قال: «قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلتُ فداك يا بن رسول الله، يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالبٍ في أهل السواد؟ فقال: لا يا رفيد، إنَّ علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض، وإنَّ القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر.
قال: فقلتُ له: جعلتُ فداك، وما الجفر الأحمر؟ قال: فامرَّ إصبعه إلى حلقه، فقال: هكذا -يعني الذبح-» (20).
الخاتمة
وفي ختام هذه المقالة، يتبيّن لنا أنّ ما ذُكر من مواريث الأنبياء عليهم السلام التي تكون مع الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّما هو جملة ممّا عثرنا عليه في الروايات والنصوص المعتبرة، لا على سبيل الحصر والاستيعاب؛ إذ إنّ مواريث الأنبياء أوسع وأعظم من أن تُحاط بها مقالة واحدة، وقد اشتملت على شؤون غيبية ووسائل إلهية لم يُؤذَن بكشف جميعها في زمن الغيبة. غير أنّ الثابت منها يكشف بوضوح عن امتداد خطّ النبوّة في الإمامة، وأنّ الإمام المهدي عليه السلام هو الوارث الحقيقي لعلوم الأنبياء وآثارهم، والحافظ لرسالاتهم، والمهيّأ لإظهار الحقّ وإقامة العدل الإلهي في آخر الزمان. وبذلك تبقى هذه المواريث شاهدًا حيًّا على مشروعية إمامته، وعلامة من علامات ظهوره، ودليلًا على أنّ دولة الحقّ القادمة إنّما تقوم على إرثٍ إلهيّ متصل منذ آدم إلى خاتم الأوصياء عليهم السلام أجمعين.
1. سورة فاطر : الآية 32.
2. سورة القصص : الآية 5.
3. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 227 / ط الاسلامية.
4. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 234 / ط الاسلامية.
5. كتاب الغيبة للنعماني / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحة : 308.
6. التميمة: الخرزة التي تعلق على الإنسان و غيره من الحيوانات و يقال لكل عوذة تعلق عليه.
7. سورة يوسف : الآية ٩٤.
8. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 232 / ط الاسلامية.
9. أى حمل بعير.
10. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 231 / ط الاسلامية.
11. بصائر الدرجات / محمد بن الحسن الصفار القمي / المجلّد : 1 / الصفحه : 204 / ط مؤسسة الاعلمي.
12. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 233 / ط الاسلامية.
13. سورة البقرة : الآية 248.
14. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 3 / الصفحة : 472 / ط الاسلامية.
15. مختصر بصائر الدّرجات / الشيخ عزّ الدين الحللي / المجلّد : 1 / الصفحة : 201 / ط المطبعة الحيدرية.
16. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 232 / ط الاسلامية.
17. كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 527.
18. الإحتجاج / أبو منصور الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 156.
19. بصائر الدرجات / محمد بن الحسن الصفار القمي / المجلّد : 1 / الصفحه : 171 / ط مؤسسة الاعلمي.
22. بصائر الدرجات / محمد بن الحسن الصفار القمي / المجلّد : 1 / الصفحه : 173 / ط مؤسسة الاعلمي.










التعلیقات