عمر بن الخطاب قال بتحريف القرآن
صادق العلائي
منذ 10 أشهرعمر بن الخطاب قال بتحريف القرآن
بعد كل ما ذكرناه من الجمل الركيكة والكلمات الغريبة التي نسبها عمر بن الخطاب للقرآن الكريم ، ونسبة ما ثبت أنه قول للنبي صلی الله عليه وآله وسلم ، للقرآن مع عدم وجوده في المصحف ، بعد كل هذا كان من الطبيعي أن يقال : إن ابن الخطاب إن لم يكن هو سيد رجالات التحريف ، فلا أقل أنه من أوائل من نسب للقرآن ما ليس منه.
نقطٌ على حروف !
إن العلم بالكيفية التي كان ينتهجها الرسول صلی الله عليه وآله في تبليغ القرآن للناس يساعدنا للوقوف على بعض الحقيقة ، فالرسول الكريم صلی الله عليه وآله وسلم كان يبلغ القرآن لكتبة الوحي إضافة لمن حضر من الصحابة ، وما كان ليكتفي بتبليغه لشخص واحد ، ولو حدث هذا فمعناه أنه صلی الله عليه وآله وسلم متيقن من أن هذا الشخص سيبلغ ما أمره به على أكمل وجه ، وخلاصة الكلام : إن القرآن لم ينزل لفلان معين من الناس ولكن للبشرية جمعاء.
بهذا وبتدعيم من الصحف والمداد ، يصبح معلوما دقة المهمة الذي أتمها صلی الله عليه وآله وسلم في حياته الحفاظ على نص القرآن من الضياع ، وبهذه الحال لو جاءنا رجل منفرد وحيد شاذ عن الجمهور فادعی أن جملة ( كيت وكيت ) آية من القرآن يُجزم حينما وبكل تأكيد أن ادعاءه باطل ويكون بادعائه هذا عرضة لسهام الطن والتهمة بلا أدنى وسوسة ، إذ كيف تخفي هذه الآية المزعومة عمن حضر من الصحابة وكتّاب الوحي وهو بمفرده اختصه الله بآيته ؟! ، وإما فما معنى قولهم : إن القرآن يثبت بالتواتر وما لم بتواتر فليس بقرآن ؟!
وعليه تكون الجمل الغريبة التي جاءنا بها ابن الخطاب كـ ( الشيخ والشيخة ارجموهما البتة بما قضيا من الشهوة ) محاولة لتحريف القرآن بإدخال ما ليس منه فيه ، وقال الشيخ العريض في فتح المنان معلقا على آية الرجم التي جاءنا بها عمر :
وهنا نستطيع أن نقول : بأنّ هذه الآية التي قالها عمر كانت أحكاما حفظها عن الرسول بألفاظ الرسول صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ، والتعبير بأنّها آية من كتاب الله مجاز ، ولو كان ما قاله سيدنا عمر باب الحقيقة لا المجاز. (1)
يقصد أن عمر بن الخطاب عد جملة الرجم آية من آيات القرآن حقيقة لا مجازا ، مع أنها في الواقع ليست إلا حديثا نبويا سمعه من رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، وهذا يعني بكل صراحة أن عمر نسب لكتاب الله جملة ليست منه.
وكذا بقية الموارد ، ولا أوضح من ادعائه قرآنية الحديث النبوي ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) فإن الجميع يعلم أنها ليست من القرآن ، ونذكر هنا بعض الموارد التي تثبت اعتقاده تحريف القرآن.
القرآن ثلاثة أضعاف الموجود !
أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : القرآن ألف ألف حرف وسبعة عشرون ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور (2) ، هذا من صريح التحريف ، وقد مرّ الكلام عنه.
ذهب كثير من القرآن مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم !
في مصحف عبد الرزاق الصنعاني : عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول : أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادى إن الصلاة جامعة ثم صعد المنير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس لا تخدعن عن آية الرجم فإنها قد نزلت في كتاب الله عزّ وجلّ وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ، وآية ذلك أنه صلی الله عليه [ وآله ] وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ورجمت بعدهما وإنه سيجيء قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم (3).
وهذه صريحة في أن كثيرا من القرآن فقِد وضاع ، وكان سببه فقد الرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، أي أنه صلی الله عليه وآله وسلم الوحيد الذي حفظها من بينهم ! ، والأعجب أنه يقول ( لا تخدعن عن آية الرجم ) وكأن عدم وجودها في المصحف من استغفال وخداع الأمة في نظره !
وعلى أي حال فإن إدعاء آية الرجم من عمر أخرجه البخاري في صحيحه كما مر.
الآية الكريمة غير صحيحة !
أخرج أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف ، عن خرشة بن الحر قال : رأی معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (4). فقال من أملی عليك هذا ؟ قلت : أبي بن كعب. قال : إن أبيا أقرأنا للمنسوخ قرأها ( فامضوا إلی ذكر الله ).
أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : قيل لعمر : إن أبيا يقرأ ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (5). قال عمر : أبي أعلمنا بالمنسوخ ، وكان يقرأها ( فامضوا إلی ذكر الله ) (6).
ابن حجر يصحح التحريف !
قال ابن حجر العسقلاني مصححا الرواية الأولی : قوله ـ أي البخاري ـ : وقرأ عمر فامضوا إلی ذكر الله. ثبت هذا هنا في رواية الكشميهني وحده ، وروی الطبري عن عبد الحميد بن بيان ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : ما سمعت عمر يقرأها قط فامضوا. ومن طريق
مغيرة عن إبراهيم قال : قيل لعمر : إن أبي بن كعب يقرأها ( فَاسْعَوْا ) ! قال :
أما أنه أعلمنا وأقرأنا للمنسوخ ، وإنما هي : فامضوا. وأخرجه سعيد بن منصور فبين الواسطة بين إبراهيم وعمر وأنه خرشة بن الحر ، فصح الإسناد (7).
أقول : هذا معتقد ابن الخطاب فيما كُتب في مصاحف المسلمين ، فهو يرى أن هذه الآية ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ليست بالمفردات الصحيحة والذي يجب أن يكتب في المصحف هو ( فامضوا إلی ذكر الله ) لأن هذا هو الذي ثبت عليه الإسلام وما غيره ألغی الله عزّ وجلّ قرآنيته !.
قال القرطبي في تقسيره : ما نسخ لفظه وحكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن على ما يأتي بيانه عند قوله تعالى ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) إن شاء الله تعالی (8).
ولا أدري كيف زاغت الأبصار عن الآية حتی خالفوا فيها مراد الله عزّ وجلّ ، فبقت على ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ؟!
يقر بضياع آية من القرآن يوم اليمامة !
عن ابن أبي داود في المصاحف بسنده : أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة ! فقال : إنا الله ! فأمر يجمع القرآن (9).
وهذا يعني أن ابن الخطاب التفت إلی جمع القرآن حينما علم بفقد الآية بموت من كان يحفظها ولم ينكر على من لهج أمامه بضياعها بل استرجع متأثراً بالمصيبة التي حلت بالقرآن !
الآية مزيد فيها كلمة !
حدثنا معاذ بن شبة بن عبيدة قال : حدثني أبي عن أبيه عن الحسن : قرأ عمر : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والذين اتبعوهم بإحسان ) فقال أبي ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) (10). فقال عمر : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والذين اتبعوهم بإحسان ) وقال عمر : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، فقال أبي رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، ولم يؤامر فيه الخطاب ولا ابنه (11).
قلنا فيما سبق أن روايات الكافي التي فيها ( نزلت هكذا ) هي بمعنی التنزيل المفسر للآية ، ولكن قول عمر هذا لا يمكن عده من التنزيل ؛ لأنه حذف لكلمة من الآية ، والتنزيل دوره دور التفسير لا الحذف من الآية.
الهوامش
1. فتح المنان في نسخ القرآن : 224 ـ 230 للشيخ علي حسن العريض مفتّش الوعظ بالأزهر.
2. مجمع الزوائد 7 : 163 ، قال ابن حجر تعليقا على الرواية : ( رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس ، ذكره الذهبي في الميزان الحديث ، ولم أجد لغيره في ذلك كلاما ، وبقية رجاله ثقات ) ، السيوطي في الدر المنثور 6 : 422 : ( أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ... ) فذكره ، وراجع الإتقان في علوم القرآن 2 : 70 ، أقول : معنی كلام ابن حجر أن الذهبي خدش شيخ الطبراني لأنه تفرد بهذا الخبر أي أن هذا الخبر ضعيف الراوي الذي ثبت ضعفه بضعف الخبر !! وهذا دور صريح باطل ! فمعنى ذلك أن الرواية ضعيفة لأنها ضعيفة ! ، ثم من قال إنه تفرد بهذه الرواية عن الطبراني ؟! فلعل غيره رواها عنه في كتاب ابن مردويه ! ، ثم لو سلمنا ( فالعقل لا يحكم بأن من سمع شيئا بمفرده من شيخه ثم رواه كما سمعه يخدش ذلك في وثاقته !
3. مصنف عبد الرزاق 7 : 330 ، ح 13364.
4. الجمعة : 9.
5. الجمعة : 9.
6. الدر المنثور 6 : 216.
7. فتح الباري لابن حجر 8 : 492 ، ولزيادة الاطمئنان بصحة نسبة هذا التحريف أو القراءة لعمر يمكن مراجعة صحيح البخاري 6 : 63 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 : 227 ، كتاب الأم للإمام الشافعي 1 : 225 ، الموطأ للإمام مالك 1 : 106 ، ح 13 ، ، مجمع الزوائد للهيثمى 7 : 124 ، كنز العمال للمتقي الهندي 2 : 593 ( أبو عبيد ص ش وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف ) ، 2 : 597 ( عبد بن حميد ) ، تنوير الحوالك للسيوطي : 127 ، حاشية الدسوقي 1 : 328 ، الثمر الداني للآبي الأزهري : 230 ، المغني لابن قدامه 2 : 143 ، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامه 2 : 143 ، كتاب المسند للشافعي : 50 ، فتح القدير للشوكاني 5 : 228 ملاحظة بعض المصادر قد تكون عيالا على بعض ، ولذا لم نقصر على ذكر المصادر الأم لاحتمال عدم توفرها عند القارئ المحترم.
8. تفسير القرطبي 1 : 86.
9. تاريخ القرآن للكردي الخطاط : 25.
أقول : يمكن أن يحاول أهل التأويل ايجاد مخرج لمتن الرواية بالقول أن ابن الخطاب طلب نصها المكتوب ! ، ولكنه أمر غير مستفاد من الرواية كما هو واضح ، ثم إن هذا الطلب للمكتوب إنما قيل ـ بزعمهم ـ بعد الأمر بجمع القرآن وحال المباشرة بجمعه لا قبله ، والرواية صريحة في كونـها قبله ، ثم ما دخل فقدان المكتوب بقتل القارئ ؟! فإن القارئ لا يقاتل ومعه المكتوب حتى يفقد !. وحاول الكردي تأويل الرواية بطريق آخر فقال : ( ويحتار بعضهم في فهم هذه الرواية ، كيف أن الآية التي سأل عنها عمر لا توجد إلا مع فلان الذي قتل يوم اليمامة ؟! فنقول : إن منطوق الرواية لا يدل على حصر الآية عند فلان ، فهناك غيره ممن يحفظها أيضا ، فعمر لما سمع بقتل فلان يوم اليمامة خاف من قتل حفاظ كلام الله تعالى أن يضيع القرآن فراجع أبا بكر في ذلك حتى جمعه في الصحف ).
أقول : إن الرواية ظاهرة في الحصر ، نعم جملة ( كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة ) بمنطوقها لا تدل على الحصر ، ولكن الرواية مع ملاحظة القرائن الداخلية ظاهرة في الحصر ، إذ لو لم تكن الآية مختصة بفلان لأجابوا سؤاله وقالوا له : إن الآية التي سألت عنها هي مع فلان وفلان : وقد كانت مع فلان الذي قتل : ونحن نحفظها أيضا ، لا أن يقال : أنها كانت مع رجل قتل يوم اليمامة ، فيسترجع ويتحسف على الآية فيأمر بجمع القرآن ! ، ثم إن عددا كبيرا من الحفاظ قد قتل يوم اليمامة فما بال فلان قد خص من بينهم بالذكر ، أليس لاختصاصه اليمامة كان معلوما وقد استحر بالقراء ، وتعقيب استرجاعه بالأمر بجمع القرآن يدل على أن المصيبة حلت بالقرآن لا بفقد الشهيد ، ومصيبة القرآن هذه ليست إلا فقد الآية ، ثم من أين علم الكردي نص الآية حتى يقول : فهناك غيره ممن يحفظها أيضا ؟! ، وهذا ليس بعجيب على من ينتهج سياسة التأويل والترقيع ! ، وستأتي كلمات عدة من سلفهم الصالح على فقدان كثير من الآيات يوم اليمامة لم تُعرف ولم تُكتب ، وهذا موافق لما تدعيه هذه الرواية.
10. التوبة : 100.
11. تاريخ المدينة 2 : 709 ، الدر المنثور 3 : 269 ، قال ابن كثير في تفسيره 2 : 398. ذكرنا بعض الروايات فيما سبق التي تحكي لنا وقوف أُبي بن كعب رضوان الله تعالى عليه في وجه إنكار ابن الخطاب لذكر الأنصار في الآية .
مقتبس من كتاب : إعلام الخلف / المجلّد : 3 / الصفحة : 139 ـ 147
التعلیقات