سيّدة بيت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله
الشيخ محمد كنعان
منذ سنةسيّدة بيت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله
لا يظنّ أحدٌ منكم أنّ معركة داخل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله كانت معركة هينةٌ لينة.
فهنا سؤال يطرح نفسه ما اسم أعظم معركة خاضها المسلمون ؟
معركة بدر ؛ كيف عرفنا انّها أعظم معركة ؟ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل تقابل الجند من الطرفين رفع يديه إلى السماء ودعى ، ثمّ وقع الرداء عن منكبه المبارك لمّا طوّل في رفع يديه سقط الرداء ، فماذا كان يقول : « اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض » (1) ؛ فليس 313 بل عصابة المؤمنين الذين كان يشاركون ، وليس بمنظرين كانوا يقعدون في وقت المعركة ويختفون. فهنا يقول العصابة التي شذخت الآناف والتي اردت سبعين من جبابرة قريش 36 كانوا من حصّة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، يعني نصف العدد بزيادة واحد (2) ، فحتّى في مفاهيم الدمقراطيّة فاقهم علي بن أبي طالب عليه السلام بهلاك نصف العدد وزيادة واحد.
« اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض » ، فاستجاب الله لنبيّه وأمدهم بثلاثة آلاف من الملائكة ثمّ أردفهم بألفين ، يعني مجموع ما نزل من الملائكة في يوم بدر كانوا خمسة آلاف (3) ، وهي معركة فاصلة ان هلكت فيها عصابة المجد لن يعبد الله بعدها في الأرض أبداً ، وهذا قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والقرآن صريح لم يزد عن خمسة آلاف من الملائكة المسومين وعلى دفعتين والآيات واضحة ، فالمعركة كانت بحجم أمّة تدخّل الله فيها بخمسة آلاف من الملائكة.
ثمّ هناك معركة في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فتعالوا نقرأ القرآن الكريم كم حشّد لها اثنتان من نساء النبي صلّى الله عليه وآله فعلتا فعلاً استوجب حشداً ، فاقرأوا معي في كتاب الله كيف خاطبهما : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) (4).
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا : انحراف القلب عن الإيمان وعن التصديق برسول الله ، فلازم ان تتوبا الله ولكن فقد صغت قلوبكما ، طيّب ما البديل ؟ وان تظاهرا عليه فان كنتما تريدان البقاء ، فانّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.
فأيّ معركة هذه التي حشّد الله فيها نفسه وجبريل وصالح المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام (5) وجميع الملائكة ؟ بينما معركة بدر خمسة آلاف من الملائكة. إذن كان ثمة اختراق في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله منعته خديجة سلام الله عليها في بدايات الدعوة ، فلذلك قُطعت ، فلنفهم ما هي المشكلة.
أسرّ النبي صلّى الله عليه وآله لبعض أزواجه حديثاً فأفشته ـ أيّ نشرته ـ ، فعاتبها النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله فقالت : مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا ؟ (6) ، من قال لك ذلك ؟
فمن باب المثال يعني الآن أيّ طفل من أطفالكم لو يخرج من قاعة المسجد وأراد أن يؤذي حماماً من حمامة المسجد فأقول له حرام ، فهل يقول لي من قال لك ذلك ؟ فان الشيخ ـ أي رجل دين ـ فهل يتجرّأ ويقول لي من قال لك انّه حرام ؟
فهنا رسول الله صلّى الله عليه وآله عنده خبر السماء ، يُسأل في بيته من خبّرك ؟ من قال لك ؟ فهل فعلت السيّدة خديجة سلام الله عليها ذلك ؟ حاشاها فلم درّت دريرتها على القاسم ، فوجدها رسول الله صلّى الله عليه وآله تبكي ، قال : إذا شئت أورك إيّاه على باب الجنّة ينتظرك ، قالت : لا أريد أن أرى ذلك صدق الله ورسوله.
فبعض نساء النبي صلّى الله عليه وآله حاولن معه ، فتذكر خديجة فبكى ، قالت : عجوز من عجائز بني أسد ـ هناك نشأت فكرة تعجيز خديجة ـ أبدلك الله خيراً منها.
فهنا جاوب النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله بجواب محكم وقال : لم يبدلني الله بخير منها ، آمنت بي إذ كفرتم ـ لم يقل إذا كفر القوم ـ ، وصدّقتني إذ كذّبتم ـ من أنبئك بذلك ـ وأولدت لي إذ عقتم ، فمن أولدت له أولدت له فخر بني آدم ، قال الله تعالى لرسوله بها : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (7).
الآن هل أدركتم سرّ مقاطعة خديجة ، ثمّ هناك صندوق أسود يخطّط من لحظات الأولى فوتت عليه مولاتنا السيّدة الخديجة فرصة اختراق بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وفي تلك الأثناء كان الاختراق يسبّب كارثة لذلك ، قال : أخبرني جبرئيل أنّ الله أعدّ لك يا خديجة بيتاً في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. لماذا هذا الكلام ؟ لأنّها كانت تعيش الصخب والتعب من الذين ضغطوا عليها ضغوط متعدّدة وهائلة لتبيع مبادئها فأبت (8) ، واستحقّت أن تكون إحدى سيّدات الجنّة (9).
اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا إلّا مستحقّين لشفاعة خديجة بنت خويلد سلام الله عليها.
الهوامش
1. الجامع لأحكام القرآن ـ تفسير القرطبي ـ « للقرطبي » / المجلّد : 8 / الصفحة : 26 / الناشر : دار إحياء التراث العربي :
وعن ابن عبّاس قال : أمدّ الله نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بألف من الملائكة ؛ فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مُجَنِّبة ، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مُجَنِّبَة. وجاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مُدْلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشم. فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ؛ فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل : اللَّهُمّ أوْلانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده فقال : « يا رَبّ إنك تُهلك هذه العصابةُ فلن تُعبد في الأرض أبداً ». فقال جبريل : « خذ قبضة من التراب » فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم ؛ فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومِنخريه وفمه. فولّوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس فلما رآه كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشِيعَته ؛ فقال له الرجل : يا سُراقة ، ألم تزعم أنك لنا جارّ ، قال: إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون.
2. صفوة الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله « للسيد جعفر مرتضى العاملي » / الصفحة : 201 ـ 202 :
بطولات علي عليه السلام
وأكثر قتلى المشركين قُتلوا على أيدي المهاجرين ، وبالتّحديد على يد أهل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله وبالذّات على يد علي عليه السلام. وقد سمّاه الكفّار يوم بدر بـ ( الموت الأحمر ) لعظم بلائه ونكايته. وكيف لا ، ونحن نرى الشّعبي يقول : « كان علي أشجع النّاس تقرّ بذلك العرب. »
ولماذا لا يسمّى عليه السلام بالموت الأحمر ؟ وهو الّذي تقول في حقّه بعض الرّوايات : إنّ جبرائيل قد نادى بين السماء والأرض في بدر :
لا فتى إلّا علي |
لا سيف إلّا ذوالفقار |
ويقال : إنّ هذه المناداة كانت في أحد ، و ستأتي مع بعض الكلام حولها إن شاء الله. وقد قَتَل عليه السلام من المشركين في بدر نصفَ السّبعين وشارك في قتل النّصف الآخر.
وقد عدّ الشيخ المفيد ستّةً وثلاثين بأسمائهم ممّن قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام.
3. آل عمران 123 ـ 125 :
( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ )
4. التحريم : 4.
5. البرهان في تفسير القرآن « للسيد هاشم البحراني » / المجلّد : 5 / الصفحة : 421 / الناشر : قسم الدراسات الإسلاميّة :
عن عمّار بن ياسر ( رضي الله عنه ) سمِعت عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول : « دعاني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال : ألا أُبشّرك ؟ قلت : بلى يا رسول الله ومازالت مبَشِّراً بالخير. قال : قد أنزل الله فيك قُرآناً. قال : قلت : وماهو يارسول الله ؟ قال : فُرِنت بِجَبْرئِيل ؛ ثمّ قرأ ( وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) فأنت والمؤمنون من بنيك الصالحين ».
6. البرهان في تفسير القرآن « للسيد هاشم البحراني » / المجلّد : 5 / الصفحة : 419 / الناشر : قسم الدراسات الإسلاميّة :
الشيخ في ( أماليه ) ، قال : أخبرنا الشيخ السعيد أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان ، قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن محمّد ، قال : حدّثنا أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل ، قال : حدّثنا عبدالله بن شبيب ، قال : حدّثني محمّد بن محمّد بن عبدالعزيز ، قال : وجدتُ في كتاب أبي ، عن الزُّهري ، عن عبيدالله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، قال : وَجَدَتْ حَفْصَةَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع أُمِّ إبراهيم في يوم عائشة ، فقالت : لاُخبرنّها. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « اكتمي ذلك ، وهي عليّ حرام ». فأخبرت حَفْصَة عائشة بذلك ، فأعلم الله نبيّه ( صلّى الله عليه وآله ) ، فعرف حفصة أنها أفشت سرّه ، فقالت له : من أنبأك هذا ؟ قال : « نبّأني العليم الخبير ». فآلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من نسائه شهراً ، فأنزل الله عزّ اسمه : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ).
قال ابن عباس : فسألتُ عمر بن الخطاب : من اللتان تظاهرتا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : حفصة وعائشة.
7. بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 16 / الصفحة : 10 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 :
وعن عليّ عليه السلام قال : ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله خديجة يوماً وهو عند نسائه فبكى ، فقالت عائشة : ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد ؟ فقال : صدّقتني إذ كذّبتم ، وآمنت بي إذ كفرتم ، وولدت لي إذ عقمتم.
راجع :
كشف الغمة في معرفة الأئمة « للإربلي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 508 / الناشر : بني هاشمي / الطبعة : 1.
8. سير أعلام النبلاء « للذهبي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 110 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 9 :
ومن كرامتها عليه صلّى الله عليه وسلّم أنها لم يتزوج امرأةً قبلها ، وجاءه منها عدةُ أولاد ، ولم يتزوج عليها قطُّ ، ولا تَسرَّى إلى أن قَضت نَحبها ، فَوَجَد لفقدها ، فإنها كانت نعم القَرين. وكانت تُنفقُ عليه من مالها ، ويتجر هو صلّى الله عليه وسلّم لها.
وقد أمره الله أن يُبشِّرها ببيت في الجنة من قَصَبٍ ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب.
9. بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 16 / الصفحة : 7 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 :
ومن المسند عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : حسبك من نسآء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
راجع :
الاستيعاب « لابن عبد البر » /المجلّد : 4 / الصفحة : 1822 / الناشر : دار الجيل / الطبعة : 1.
أسد الغابة « لابن الأثير » / المجلّد : 5 / الصفحة : 437 / الناشر : دار الكتاب العربي.
التعلیقات