سياسة عثمان في إختيار الولاة
الشيخ محمّد جواد آل الفقيه
2024 Jan 18سياسة عثمان في إختيار الولاة
لقد اختار عثمان الولاة والعمال الاداريين ، على غير القاعدة المتعارفة لدى المسلمين ، ولدى من سبقه من الخلفاء.
فالمعروف ، أن القاعدة التي ينطلق منها هذا الاختيار ، تبتني على أسس بعيدة عن منطق القرابة ، والرحم ، والعشيرة ، بل ترتكز على دعائم اسلامية ، يجمعها التقى والصلاح ، وحسن الادارة والأمانة ، فالولاية لا تعدو كونها ممثلية صغرى للخلافة التي هي أول ممثلية ـ في المفهوم الاسلامي ـ لرسول الله صلى الله عليه وآله. لذلك ، فان اختيار الولاة كان ينصبّ على ذوي السابقة في الدين ، والجهاد في الاسلام.
والملاحظ ، أن عثمان خالف القاعدة في ذلك ، فاختار أقاربه ، وذوي رحمه ممن كانوا متهمين في دينهم ، بل كان فيهم من أمره في الفسق معروف مشهور.
فمن هؤلاء الولاة :
١ ـ عبد الله بن سعد بن ابي سرح : ولَّاه عثمان على مصر.
وكان عبد الله هذا ، قد أسلم وكتب الوحي لرسول الله (ص) ، فكان اذا أملى عليه : عزيز حكيم. يكتب : عليم حكيم ، وأشباه ذلك. ثم ارتد ، وقال لقريش : إني أكتب أحرف محمد في قرآنه حيث شئت ، ودينكم خير من دينه.
فلما كان يوم الفتح ، فرَّ الى عثمان بن عفان ، وكان أخاه من الرضاعة ، فغيبه عثمان حتى اطمأن الناس ، ثم أحضره عند رسول الله (ص) وطلب له الأمان ، فصمت رسول الله (ص) طويلا ، ثم أمَّنه ، فأسلم وعاد ، فلما انصرف ، قال رسول الله (ص) لأصحابه : لقد صَمَتّ ليقتله أحدكم . . » (١)
٢ ـ معاوية ابن ابي سفيان : وكان عاملا لعمر على دمشق والاردن ، فضمَّ اليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة ، وبذلك مدَّ له في أسباب السلطان الى أبعد مدى مستطاع (٢). وأمر معاوية واضح غير خفي.
٣ ـ الوليد بن عقبة :
ولاه عثمان الكوفة سنة ٢٥ للهجرة. والوليد هذا ، هو الذي وصفه القرآن الكريم بالفسق. ففيه نزلت الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) وكان النبي (ص) قد بعثه في صدقات بني المصطلق ، فخرجوا لاستقباله ، فظن انهم أرادوا قتله ، فرجع الى النبي (ص) وأخبره انهم منعوا صدقاتهم ، الخ . . » (٣)
وقد ولاه عثمان الكوفة بعد عزل سعد بن ابي وقاص ، فالتفت الوليد الى سعد مسلياً اياه ، قائلا له : « لا تجزعن أبا اسحاق كل ذلك لم يكن وانما هو الملك يتغداه قوم ، ويتعشاه آخرون ».
قال المسعودي : ثم عزله عثمان فيما بعد ، لما شاع وذاع من فسقه ، فقد كان يشرب مع ندمائه ومغنيه الى الصباح. وذات يوم آذنه المؤذنون بصلاة الصبح ، فخرج متفضلا في غلائله ، فتقدم الى المحراب ، فصلى بهم الصبح أربعاً ، وقال أتريدون أن أزيدكم ؟ فقال له بعض من كان في الصف الاول خلفه : ما تزيد ؟ لا زادك الله من الخير ، والله لا أعجب إلا ممن بعثك الينا والياً وعلينا أميراً . . » (٤) الى آخر الحكاية.
٤ ـ سعيد بن العاص :
عيَّنه عثمان والياً على الكوفة ، بعد ان عزل الوليد عنها ولم يكن سعيد ، ليخفي ما في نفسه من الرغبة في التسلط على فيیء المسلمين إن امكنت الفرصة من ذلك. بل أكد على ذلك بقوله لبعض جلسائه : « انما هذا السواد بستان قريش » (٥)
٥ ـ عبد الله بن عامر بن كريز :
وكان عبد الله هذا من أبرز الدعاة الى سياسة التضييق والافقار والاشغال ، التضييق على المسلمين الذين نادوا مطالبين عثمان بالعدالة ، ورفع الجور ، وعزل العمال.
فقد أشار على عثمان بذلك حين استشاره ، بقوله : « أرى لك يا أمير المؤمنين ، أن تشغلهم بالجهاد عنك ، حتى يذلوا لك ، ولا يكون هِمَّةُ أحدهم إلا في نفسه ، وما هو فيه من دُبُر دابته وقُمَّل فروته . . » (٦)
الهوامش
١. الكامل ٢ / ٢٤٩.
٢. ثورة الحسين / ٤٠.
٣. مجمع البيان ٩ / ١٣٢ / الحجرات.
٤. مروج الذهب ٢ / ٣٣٤.
٥. للتفصيل راجع الكامل ٣ / ١٣٩.
٦. نفس المصدر / ١٥٠.
مقتبس من كتاب : أبو ذر الغفاري / الصفحة : ١٠٧ ـ ١٠٩
التعلیقات