الشيعة والتدوين
السيّد جواد الشهرستاني
منذ 3 سنواتالشيعة والتدوين :
وهكذا بعد أن تتبعنا تاريخ التدوين عند العامة ، من منعه إلى إباحته ، بعد نحو مائة سنة ، وبعد أن عرجنا على كتبهم الحديثية ، وانتهينا إلى الصحاح الستة المعتمدة عندهم ، ننتقل بعد هذا الى تدوين الحديث عند الشيعة فنقول :
إن الشيعة لم يكونوا بحاجة فعلية إلى التدوين كما احتاج الجمهور إليه ، لان فترة منع او اباحة التدوين عندهم كانت تمثل عندنا استمراراً لعصر النص فلم ينقطع بموت الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله ، وانما استمر الى عصر غيبة الامام الثاني عشر عجل الله فرجه وكنا طول هذه الفترة نستقي العلم من معينه ـ من المعصوم ـ الذي لا ينضب.
ويعتبر الامام علي امير المؤمنين عليه السلام اول من دون الحديث في مدرسة اهل البيت عليهم السلام بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كتب الصحيفة التي علقت بقراب سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ورثها منه علي عليه السلام ، كما تقدم.
وكتب أمير المؤمنين ـ أيضاً ـ صحيفة كبيرة تسمى عند أهل البيت عليهم السلام بـ ( الجامعة ).
ففي الكافي عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله فقلت له : جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، فهل ها هنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ، ثم قال : يا أبا محمّد ، سل عما بدا لك.
قال : قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله علم علياً عليه السلام باباً يفتح منه ألف باب ـ إلى قوله ـ : فقال : يا أبا محمد ! إن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة !
قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟
قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله ، وأملائه من فلق فيه وخط عليّ بيمينه ، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش ، وضرب بيده إليّ ، فقال : تأذن لي يا أبا محمد !
قال : قلت : جعلت فداك ، إنما أنا لك فاصنع ما شئت.
قال : فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ.
قال : قلت : هذا والله العلم .. الحديث (1).
ولا عجب فقد كانت لأمير المؤمنين علي عليه السلام عند رسول الله منزلة رفيعة ، وكان أخاه ونجيه وصفيه وحبيبه وصهره وأبا ذريته ، فكان يغرّه العلم غرّاً. والشواهد في ذلك اكثر من ان تحصى فقد روى ابن سعد في طبقاته.
عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : قيل لعلي : مالَكَ أكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حديثاً ؟ فقال : إني كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت ابتدأني.
وعن سليمان الأحمسي ، عن أبيه ، قال : قال علي : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً طلقاً.
وعن أبي الطفيل ، قال : قال عليّ : سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، في سهل نزلت أم في جبل (2).
وقد بقيت الجامعة عند أهل البيت عليهم السلام يتوارثونها ، وفي أيام السجاد عليه السلام احتفل بتسليمها إلى ولده الامام الباقر عليه السلام أمام إخوته ، حيث نظر السجاد عليه السلام إلى ولده ـ وهم مجتمعون عنده ـ ثم نظر إلى ابنه محمد الباقر عليه السلام فقال : يا محمد ، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك. وقال : أما إنه لم يكن دينار ولا درهم ، ولكن كان مملوءاً علماً.
وفي أيام الباقر عليه السلام لما احتج عليه الحكم بن عتيبة ـ من أهل الرأي ـ في مسألة فقال لابنه الصادق عليه السلام : يا بني قم ، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال : هذا خط عليّ وإملاء رسول الله ، وأقبل على الحكم وقال : يا أبا محمد ! أذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً ، فو الله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل !
وقد ذكرها صاحب كشف الظنون فقال :
الجفر والجامعة كتابان جليلان أحدهما ذكره الامام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وهو يخطب بالكوفه على المنبر ، والآخر أسرّه رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره بتدوينه ، فكتبه علي ( رضي الله عنه ) حروفاً متفرقة على طريقة سفر آدم في جفر ، يعني ، في رق قد صنع من جلد البعير ، فاشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين (3).
وذكرت لأمير المؤمنين عليه السلام كتب اُخرى ، منها كتاب الديات المنسوب إلى ظريف بن ناصح ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد كتبه بخطه ـ أو أملاه ـ وأرسله إلى عماله على البلاد ليعملوا بمقتضاه ، وكتبه شيعته وتوارثوه يداً عن يد ، حتى إذا انتهى الأمر إلى الصادق عليه السلام عرضوه عليه فقال : نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك.
ثم عرضوه بعد فترة على الامام الرضا عليه السلام فقال لأحدهم : نعم هو حق ، قد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك.
وقال للثاني : هو صحيح.
وقال للثالث : ارووه فانه صحيح.
وقد فرق الكليني في الكافي أحاديثه على أبواب الديات ، وأورده الصدوق كله في باب واحد في كتاب الفقيه ، واورده الشيخ الطوسي كله في التهذيب.
وقد مارس أصحاب أمير المؤمنين وشيعته التدوين ـ كأبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم ـ ولم يبالوا بأمر المنع.
واستمر أمر الشيعة على إباحة التدوين حتى جاء عصر الامام الصادق عليه السلام ، فقد ألقت إليه الاُمة المسلمة بأفذاذ أكبادها ليرتووا من معين علمه.
وبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف شخص ، جمع أسماءهم ابن عقدة في كتاب مستقل (4).
وكتبوا من حديث جده رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالاُصول (5) الأربعمائة ، وقد تضمنتها الموسوعات الحديثية المؤلفة بعد هذه الفترة ، وبقيت جملة منها إلى هذا الزمان.
وفي عصر الامام الكاظم عليه السلام كان جماعة من أصحابه وشيعته يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فاذا نطق أبو الحسن الكاظم عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة دونوها.
وقد بلغ ما دونته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عهد الحسن العسكري عليه السلام ستة آلاف كتاب.
وفي عصر الغيبة بدأ علماء الشيعة المدونات الحديثية السابقة من الكتب الستة آلاف والاُصول الأربعمائة ، فظهرت الكتب الجامعة. والتي سميت باسماء مختلفة ـ كما سيأتي ـ ولكنها لم تسمّى بـ ( الصحاح ) ولم يضفى عليها صفة قداسة خاصة بخلاف العامة.
فمدرسة اهل البيت عليهم السلام لا تلتزم بصحة جميع ما في هذه الكتب ، بل ولم تلتزم بالصحة المطلقة لأي كتاب ما عدا كتاب الله العزيز فهذه الكتب معرّضة كغيرها للنقد والتمحيص في السند والمتن ...
وسنتناول بشيء من التفصيل الكتب التي سميت بالكتب الاربعة ، والتي اصبحت منذ تأليفها والى اليوم مدار البحث في الحلقات التدريسية في الحوزات العلمية ، وعليها المعوّل في الفتيا والاستنباط.
الكافي :
للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329 هـ. اشتهر لوثاقته عند الفريقين بثقة الاسلام.
قال فيه ابن الاثير : الامام على مذهب أهل البيت ، عالم في مذهبهم كبير ، فاضل مشهور ، وعد من مجددي مذهب الامامية على رأس المائة الثالثة (6).
والكافي اول موسوعة حديثية جامعة اُلّفت بمدرسة اهل البيت حاول مؤلفه أن يجمع فيه الاصول والمدونات الحديثية الصغيرة ، فجمع فيه ستة عشر الفاً ومائة وتسعين حديثاً ، بعد تفحص استمر عشرين سنة ، قضاها متنقلاً بين البلاد طلباً للحديث وأهله.
ويمتاز الكافي بقربه من الاُصول المعتمدة المعول عليها ، وبدقة ضبطه ، وجودة ترتيبه ، وحسن تبويبه ، وإيجاز عناوينه ، فلا تجد فيه حديثاً ذكر في غير بابه ، كما أنه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلاً ولم يتصرف فيه.
ومع جلالة الكاتب وعلوّ شأن الكتاب لم يقل أحد بوجوب الاعتقاد بكل ما فيه ، ولم يسم صحيحاً كما سمي البخاري ومسلم. وغاية ما قيل فيه أنه استخرج أحاديث كتابه من الاُصول المعتبرة.
قال الفيض الكاشاني في معرض ثنائه على الكتب الاربعة : الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الاُصول من بينها ، وخلوه من الفضول وشينها.
قال العلامة الطهراني عنه : وهو أجل الكتب الاربعة الاُصول المعتمدة عليه ، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول. مشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً ، وثلاثمائة وستة وعشرين باباً ، وأحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث (7) ، وقد بلغ من شهرة الكافي أنه كان يقرأ في المساجد ، فقد قال النجاشي :
كنت اتردد إلى مسجد اللؤلؤي أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرأون الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب (8).
ويقول المولى محمد أمين الاسترابادي : سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.
من لا يحضره الفقيه :
لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق ، والمتوفى سنة 381 هـ بالري.
نشأ بقم ورحل إلى الري واستراباد وجرجان ونيشابور ، ومشهد الرضا عليه السلام ومرو الروذ وسرخس وإيلاق وسمرقند وبلاد ما وراء النهر وهمدان وبغداد والكوفة ومكة والمدينة وفيد.
أخذ عن كثير من المشايخ يبلغ عددهم 260 شيخاً. وروى عنه أكثر من 20 رجلاً.
الف الكثير من الكتب ، من اشهرها واهمها كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) الذي احصيت احاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستين حديثاً ، منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً. وهو المنقول عن الشيخ البهائي في شرحه للكتاب ، والمولى مراد التفريشي في ( التعليقة السجادية ).
وقال المحدث البحراني في اللؤلؤة ( قال بعض مشايخنا : أما الفقيه فيشتمل مجموعه على أربع مجلدات يشتمل على ستمائة وستة وستين باباً ) (9).
وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة : رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحة ، ويقولون : إنها لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير ، منهم العلامة في المختلف ، والشهيد في شرح الارشاد ، والمحقق الداماد.
التهذيب والاستبصار :
لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ولد في شهر رمضان 385 هـ. وتوفي في 22 محرم الحرام سنة 460 هـ.
تجاوز عدد مشايخه الخمسين من اعلام الفريقين ، واما تلامذته ففيهم ثلاثمائة فقيه.
وبلغ من جلالته ان جعل له الخليفة العباسي القائم بامر الله بن القادر بالله كرسي الكلام والافادة ، وهو منصب ما كان يمنح إلّا لوحيد عصره.
وقد ثقل وجوده على خصومه فوشوا به الى الخليفة القادر بالله ، فاحضره الخليفة واستفهمه عن الوشاية فاجابه بما رفع منزلته عنده.
وعندما اثار المتعصبون والجهلة الفتن اضطر الشيخ ان يرحل من بغداد ، وهبط الى النجف الاشرف على طرف البادية سنة 448 هـ ، حيث أسّس حوزة النجف العلمية التي استمرت قائمة الى اليوم.
ومن اهم كتبه الحديثية كتابان من الكتب الاربعة المعتمدة هما التهذيب والاستبصار : وهما من المكانة والجلالة بمكان يسمو بهما عن التعريف والوصف ولكنا نجتزئ هنا بما افاض به يراع السيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ في الثناء على المؤلف وكتابيه :
واما الحديث فاليه تشد الرحال وبه تبلغ رجاله غاية الآمال وله فيه من الكتب الأربعة التي هي أعظم كتب الحديث منزلة واكثرها منفعة كتاب تهذيب الاحكام وكتاب الاستبصار ، ولهما المزية الظاهرة باستقصاء ما يتعلق بالفروع من الاخبار خصوصاً ( التهذيب ) فانه كان للفقيه فيما يبتغيه من روايات الاحكام مغنٍ عما سواه في الغالب ولا يغني عنه غيره في هذا المرام مضافاً الى ما اشتمل عليه الكتابان من الفقه والاستدلال والتنبيه على الاصول والرجال والتوفيق بين الأخبار والجمع بينهما بشاهد النقل والاعتبار. وكتاب التهذيب شرح فيه الشيخ الطوسي رحمه الله كتاب ( المقنعة ) تأليف استاذه الشيخ المفيد رحمه الله وابتدأ بتأليفه وهو ابن خمس وعشرين سنة. انجز منه في حياة استاذه تمام كتاب الطهارة الى اول الصلاة ، ثم أكمل بقيته بعد وفاته.
أما طريقته في تأليفه فقد وصفها بنفسه ـ قدس سره ـ فقال : ( كنا شرطنا في أول هذا الكتاب ان نقتصر على ايراد شرح ما تضمنته الرسالة المقنعة ، وان نذكر مسألة مسألة ونورد فيها الاحتجاج من الظواهر والأدلة المفضية الى العلم ، ونذكر مع ذلك طرفا من الأخبار التي رواها مخالفونا ، ثم نذكر بعد ذلك ما يتعلق بأحاديث اصحابنا ـ رحمهم الله ـ ونورد المختلف في كل مسألة منها المتفق عليها ووفينا بهذا الشرط في اكثر ما يحتوي عليه كتاب الطهارة ثم انا رأينا له انه يخرج بهذا البسط عن الغرض ويكون مع هذا الكتاب مبتورا غير مستوف فعدلنا عن هذه الطريقة الى ايراد احاديث اصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتفق ، ثم راينا بعد ذلك ان استيفاء ما يتعلق بهذا المنهاج اولى من الاطناب في غيره فرجعنا واوردنا من الزيادات ما كنا اخللنا به ، واقتصرنا من ايراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله ).
وقد بلغت ابواب التهذيب 390 باباً واحاديثه 13590 حديثاً.
وأما الاستبصار فقد احصيت ابوابه في 925 أو 915 باباً ، واحاديثه 5511 حديثاً.
وفي القرن الحادي عشر برزت كذلك مجاميع حديثية ضخمة لها أهميتها الخاصة ومكانها المتميز ألفها المحمدون الثلاثة : محمد الفيض الكاشاني ، ومحمد باقر المجلسي ، ومحمد بن الحسن الحر العاملي. وعاشوا في عصر واحد تقريباً.
* * *
الوافي :
لمحمد بن مرتضى بن محمود المدعو بالمولى محسن الكاشاني والملقب بالفيض ، ولد في رابع عشر صفر سنة 1007 هجرية ، وتوفي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة 1091 هجرية ، كما صرح به ولده العلامة علم الهدى وهو أول المحمدين الثلاثة المتأخرين وقد أخذ عن عدة من المشائخ العظام ، منهم :
1 ـ والده الشاه مرتضى المتوفى سنة 1091.
2 ـ المولى صدر الدين الشيرازي المتوفى سنة 1050.
3 ـ السيد مير محمد باقر الداماد المتوفى سنة 1041.
4 ـ الشيخ بهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1030.
5 ـ الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني المتوفى سنة 1030.
6 ـ المولى خليل القزويني المتوفى سنة 1089.
7 ـ المولى محمد صالح المازندراني المتوفى سنة 1081.
وروى عنه تلامذة كثيرون ، منهم :
1 ـ المولى محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110 هـ.
2 ـ السيد نعمة الله الجزائري.
وقد ألف موسوعته الكبيرة الموسومة بـ ( الوافي ) جمع فيها أحاديث الكتب الأربعة ، ورتبها على مقدمة وأربعة عشر كتاباً وخاتمة ، وجملتها في خمسة عشر جزءاً يبدأ كل جزء بخطبة وينتهي بخاتمة.
وصدّر الكتاب بثلاث مقدمات وثلاثة تمهيدات وذيله بخاتمة رجالية في بيان أسانيده.
وقد علق على الأحاديث ببيانات نافعة حتى أن أحدهم جرد من بياناته على اُصول الكافي كتاباً مستقلاً جعله بمثابة الشرح لاُصول الكافي (10).
بحار الأنوار :
للشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي المجلسي ، شيخ الاسلام وكبير المحدثين ولد سنة 1037 هـ.
وتوفي قدس سره في 1110 هـ
وقد تخرج ـ قدس سره ـ في الدرس على ايدي مشايخ كبار ، منهم :
1 ـ ابو الحسن المولى حسن علي التستري ابن عبدالله الاصفهاني.
2 ـ القاضي أمير حسين.
3 ـ المولى خليل بن الغازي القزويني.
4 ـ الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني.
5 ـ السيد علي خان ابن السيد نظام الدين احمد بن محمد معصوم الحسيني الشيرازي المدني ، شارح الصحيفة والصمدية.
6 ـ والده المعظم الشيخ محمد تقي المجلسي.
7 ـ شيخ المحدثين محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة.
8 ـ الشيخ محمد بن مرتضى المشتهر بالفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي.
وتتلمذ عليه عدة كثيرة من علماء الطائفة ، وكان مجلس درسه مجمعاً للفضلاء ، وكان يحضره على ماقيل ألف رجل أو أكثر ، أورد العلامة النوري في الفيض القدسي جمعاً ممن تتلمذ عليه او استجازه ، واهم هؤلاء هم :
1 ـ الشيخ احمد ابن الشيخ محمد بن يوسف الخطّيّ البحرانيّ ، مؤلف رياض الدلائل وحياض المسائل.
2 ـ الشيخ سليمان بن عبدالله بن علي بن الحسن بن احمد بن يوسف بن عمار الماحوزي البحراني.
3 ـ آغا ميرزا عبدالله ابن العالم الجليل عيسى بن محمد صالح الجيرائي التبريزي ثم الاصفهاني ، الشهير بالافندي. مؤلف كتاب رياض العلماء.
4 ـ الشيخ عبدالله بن نور الدين صاحب العوالم.
5 ـ صدر الدين السيد علي خان الشيرازي.
6 ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة.
7 ـ المولى محمد بن علي الأردبيلي مؤلف كتاب جامع الرواة.
8 ـ السيد نعمة الله الجزائري.
أما كتابه بحار الأنوار فهو غني عن المدح والثناء ، فقد حاول مؤلفه قدس سره جمع ما امكن جمعه من الأحاديث النبوية والولوية التي لم تتعرض لها الكتب الأربعة ليصونها من الضياع والاندراس ، ورتبه ترتيباً بديعاً حيث استهل الباب بذكر الآيات التي لها علاقة بعنوان الباب ثم شرحها ، وأردف ذلك بالأحاديث ، وله في بيان غوامضها وحل مشكلاتها ، والجمع بينها بيانات شافية.
قال في مقدمة الكتاب متحدثاً عن هدفه ومنهجه في تصنيفه :
«ثم بعد الاحاطة بالكتب المتداولة المشهورة ، تتبعت الاُصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية ... فطفقت أسال عنها في شرق البلاد وغربها حينا ، والح في الطلب لدى كل من اظن عنده شيئاً من ذلك وان كان به ضنينا.
ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الاخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها وطلبوها في الاصقاع. والأقطار طلباً حثيثاً ، حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الاُصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء في الأعصار الماضية فالفيتها مشتملة على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة ، واطلعت فيها على مدارك كثير من الأحكام ، اعترف الاكثرون بخلو كل منها عما يصلح أن يكون مأخذاً له ، فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها. ولما رايت الزمان في غاية الفساد ، ووجدت أكثر أهلها حائرين عما يؤدي الى الرشاد خشيت أن ترجع عما قليل الى ماكانت عليه من النسيان والهجران ، وخفت أن يتطرق اليها التشتت لعدم مساعدة الدهر الخوّان ، ومع ذلك كانت الأخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقاً في الأبواب ، متبدداً في الفصول ، قلما يتيسر لأحد العثور على جميع الأخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها ، ولعل هذا أيضاً كان أحد أسباب تركها وقلة رغبة الناس في ضبطها.
فعزمت بعد الاستخارة من ربي ... على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها في كتاب متّسقة الفصول والأبواب مضبوطة المقاصد والمطالب ، على نظام غريب ، وتأليف عجيب ، لم يعهد مثله ... فجاء بحمد الله كما أردت ... » (11).
وقد طبع الكتاب طبعتين ، أولها حجري في 25 مجلداً ، وثانيها حروفي في 110 مجلداً بالحجم الوزيري باشراف جمع من المحققين الفضلاء.
وقد شاع في الآفاق ، واستفاد منه الكثيرون ، وما ذاك إلّا ببركة النية الخالصة لخدمة شريعة سيد المرسلين وآله المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
وسائل الشيعة :
لمحمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي.
وهو كتابنا ـ الماثل بين يديك ـ الذي نتشرّف بتحقيقه وتصحيحه ونشره ثانية ، لذا سنتحدث عنه بشيء من التفصيل ، تسبقه ترجمة واسعة للمؤلف.
الهوامش
1. اُصول الكافي 1 : 185 / 1.
2. طبقات ابن سعد 2 : 338.
3. كشف الظنون 1 : 591.
4. الارشاد للمفيد : 271.
5. الأصل : عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة ، كما أن الكتاب عنوان يصدق على جميعها.
وإطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء ، بل يطلق عليه الأصل بحالة من المعنى اللغوي ، ذلك لأن كتاب الحديث إن كانت جميع أحاديثه سماعاً من مؤلفه عن الامام عليه السلام ، أو سماعاً عمن سمع من الامام عليه السلام ، فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر ، فيقال له الأصل لذلك ، وإن كان جميع أحاديثه أو بعضها منقولاً عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ، ولو كان هو أصلاً ، وذكر صاحبه لهذا المؤلف أن مروياته عن الامام عليه السلام ، وأذن له كتابتها وروايتها عنه لكنّه لم يكتبها عن سماع الأحاديث عنه بل عن كتابته وخطه ، فيكون وجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع هذا المؤلف فرعاً عن الوجود السابق عليه وهذا مراد الأستاذ الوحيد البهبهاني. من قوله : الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه.
من الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والنسيان والسهو وغيرها في الأصل المسموع شفاهاً عن الامام أو عمن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر ، لتطرق احتمالات زائدة فى النقل عن الكتاب ، فالاطمئنان بصدور عين الألفاظ المندرجة في الاُصول اكثر والوثوق آكد ، فاذا كان مؤلف الأصل من الرجال المعتمد عليهم الواجدين لشرائط القبول يكون حديثه حجة لا محالة وموصوفاً بالصحة كما عليه بناء القدماء. الذريعة 2 : 126.
6. جامع الاصول 11 : 323.
7. الذريعة 17 : 245 / 96.
8. رجال النجاشي : 377.
9. لولؤة البحرين : 395.
10. الذريعة 3 : 184 رقم 656.
11. بحار الأنوار 1 : 4.
مقتبس من كتاب : [ وسائل الشيعة ] / مقدّمة مجلّد : 1 / الصفحة : 60 ـ 72
التعلیقات