غزوة الخندق
الشيخ جعفر السبحاني
منذ سنتينغزوة الخندق
أجلى النبي الأكرم قبيلتي « بني قينقاع » و « بني النضير » من المدينة المنوّرة إلى شمال شبه الجزيرة العربيّة فنزلت عدّة منهم قلاع خيبر ورحلت عدّة اُخرى منهم إلى الشام ولبثتا تتحيّنان الفرص لإدراك ثأرهما من النبيّ وأصحابه والإنقضاض عليهم في عقر دارهم ، وقد كان اليهود أبصر خصوم المسلمين وأشدّهم حنكة وسياسة ، فهم كانوا دعاة التوحيد في شبه الجزيرة العربية ، وكانوا ينافسون المسيحيين في سلطانهم حيث كانوا دعاة التثليث ، وفي خضمّ هذه الظروف فوجئوا ببزوغ نجم شخصيّة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكتابه الجديد حيث يدعوا إلى التوحيد بعبارات قويّة جذّابة وبمبادئ خلّابَة تأخذ بمجامع القلوب وتستقطب الأفكار.
ولأجل ذلك اجتمعت كلمتهم على تأليب العرب وإثارة حفائظهم ضدّ محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأرسلوا رسلهم إلى قريش منهم سلّام بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ، وكنانة بن أبي الحقيق من بني النضير ، ونفراً من بني وائل حتى قدموا قريشاً فدعوهم إلى حرب رسول الله وقالوا : إنّا سنكون معكم حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر اليهود إنّكم أهل الكتاب الاُول والعلم وتعلمون اختلافنا ومحمّد ، أفديننا خير أم دينه ؟
قالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق.
الله أكبر ما هذه الشراسة والصلافة والوقاحة ! هم يزعمون أنّهم دعاة التوحيد وهاهم يفضّلون ويرجّحون الوثنيّة على التوحيد بملء فيهم لغاية التشفّي والإنتقام ، وإليه يشير قوله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ...) (النساء / 51 ـ 52) (1).
فلمّا قالوا ذلك لقريش طاروا فرحاً وامتلأوا سروراً ونشطوا لإنجاح وتلبية ما دعوهم إليه من حرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ولمّا تمكّنوا من أخذ الميثاق منهم على الحركة صوب المدينة في وقت مُخصّص ارتحلوا من مكّة إلى شمال الجزيرة فجاءوا إلى غطفان من قيس بن غيلان ومن بني مرّة ، ومن بني فزارة ، ومن أشجع ، ومن سليم ، ومن بني سعد ، ومن أسد التي هي بمجموعها تشكّل بطون غطفان ، وما زالوا بهم يحرّضونهم ويستحثّونهم و يذكرون لهم متابعة قريش إيّاهم على حرب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاجتمع أمرهم على نصرتهم ووعدهم يهود خيبر على أن يدفعوا إليهم محاصيل نخيلهم طيلة عام واحد ازاء نصرتهم لهم ومعاضدتهم إيّاهم (2).
حفر الخندق واحداثه حول المدينة (3) :
ولمّا بلغ رسول الله اتّفاق كلمتهم على حربه واجتماع قبائلهم على غزوه ، أخذ يخطّط لكيفيّة الدفاع وصدّ هجوم القبائل عليه في عقر داره. إذ فرق كبير بين غزوتي بدر واُحد وغزوة الخندق ، فإنّ المحاربين في هذه الغزوة المترقبة أشد شراسة وعدداً وعدّة من سلفهم ، ومن أجل ذلك فإنّ الصمود في وجههم يحتاج إلى حنكة عسكرية فائقة وتخطيط حربي متقن ، فاستشار أصحابه في أمرهم فقال سلمان : يا رسول الله إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة ، قال : فما نصنع ؟ قال : نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة ، ولا يمكنهم أن يأتوا من كل وجه ، فإنّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس إذا باغتنا العدو نحفر خندقاً فتكون الحرب من مواضع معروفة ، فأمر رسول الله بالحفر من ناحية « اُحد » إلى « راتج » وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة (4) قوماً من المهاجرين يحفرونه ، فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأميرالمؤمنين (عليه السلام) ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعيّ وقال : « لا عيش إلّا عيش الآخرة اللّهمّ اغفر للأنصار والمهاجرة » فلمّا نظر الناس إلى رسول الله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقل التراب ، فلمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر ... (5).
ومع ذلك أبطأ عن رسول الله وعن المسلمين رجال من المنافقين يستترون بالضعيف من العمل ويتسلّلون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا إذن ، وأمّا غيرهم من المسلمين فإذا نابته النائبة من الحاجة التي لابدّ له منها يذكر ذلك لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويستأذنه في اللحوق بحاجته ، فيأذن له ، فاذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتساباً له (6).
فخرجت قريش ومن لحق بها من أحابيشها أربعة آلاف فارس وعقدوا اللواء في دارالندوة وقادوا معهم ثمانمائة فرس ، وكان معهم من الظهر ألف وخمسمائة بعير لحمل أمتعتهم ومؤونتهم.
وأمّا من غير قريش فقد خرجت جموح من القبائل ، فبلغ القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسواهم عشرة آلاف بين راكب وراجل ، فنزلت قريش برومة ووادي العقيق في أحابيشها ومن انضوى إليها من العرب ، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بالزغابة بجانب اُحد (7).
وخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم (8).
بينما كانت قريش وحلفاؤها ترجو أن تلقى المسلمين باُحد ، فلم تجد عنده أحداً فجاوزته إلى المدينة حتى فاجأها الخندق ، ولم تكن عارفة بهذا الاُسلوب من الدفاع ، فرابطوا حول الخندق وعلموا أنّهم لا يستطيعون اقتحامه واجتيازه بعد جهد جهيد ، فاكتفوا بتراشق النبل والسهام عدّة أيّام متوالية وكلّما أراد بطل من أبطال الحلفاء أن يجتاز الخندق ، رُمي بالحجارة والنبل من خلف كثبان الرمل التي نصبت على أطرافه في مواقع المسلمين ، وقد استمرّت الحال على هذا المنوال قرابة خمسة عشر يوماً أو أزيد.
قال المقريزي : كان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبوسفيان بن حرب في أصحابه يوماً وخالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً وهبيرة بن أبي وهب يوماً وعكرمة بن أبي جهل يوماً وضرار بن الخطاب الفهري يوماً ، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرّقون مرّة ويجتمعون مرّة اُخرى ويناوشون المسلمين ويقدّمون رماتهم فيرمون ، وإذا أبوسفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون.
حتى رجعوا وكان عباد بن بشر ألزم الناس لقبّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحرسها وكان « أسيد بن حضير » يحرس في جماعة ، فاذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق فرماهم حتى ولّوا ، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة ، وكانوا في فقر وجوع ، وكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيراً ما يطلبان غرّة ومضيقاً من الخندق يقتحمانه فكانت للمسلمين معها وقائع في تلك الليالي (9).
فأقام رسول الله والمشركون بضعاً وعشرين ليلة ، فبينما الناس على ذلك من الخوف والبلاء ولم يكن قتال إلّا الحصار والرمي بالنبل إلّا أنّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ ، وعكرمة ابن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب ، وهبيرة بن أبي وهب ، تلبّسوا للقتال وخرجوا على خيولهم حتى مرّوا على منازل بني كنانة ووقفوا فقالوا : تهيّأوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون من الفرسان اليوم ، ثم أقبلوا تسرع بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا : والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها.
ثم يمّموا شطرهم مكاناً من الخندق ضيّقاً ، فضربوا خيولهم فجالت بهم حتى عبرت الخندق ، فطلب عمرو بن عبد ودّ البراز مرّة بعد اُخرى إلىٰ أن ارتجز بقوله :
ولقد بححت من النداء |
بجمعكم هل من مبارز |
|
ووقفت إذ جبن المشجع |
موقف القرن المناجز |
|
ولذاك إنّي لم أزل |
متسرّعاً قبل الهزائز |
|
إنّ الشجاعة في الفتى |
والجود من خير الغرائز (10) |
ثمّ قال النبي لأصحابه ثلاث مرّات : أيّكم يبرز لعمرو وأضمن له على الله الجنّة ، في كلّ مرّة كان يقوم عليّ فاستدانه وعمّمه بيده ، فلمّا برز قال : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » وقال : « اللّهمّ إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم اُحد وهذا أخي عليّ بن أبي طالب ، ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين » (11).
وقال الواقدي : إنّ المسلمين كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو وشجاعته ، فلمّا استقبله عليّ ارتجز بقوله :
لا تعجلنّ فقد أتاك |
مجيب صوتك غير عاجز |
|
ذو نيّة وبصيرة |
والصدق منجى كلّ فائز |
|
إنّي لأرجو أن اُقيم |
عليك نائحة الجنائز |
|
من ضربة نجلاء |
يبقى ذكرها عند الهزائز |
فقال له عمرو : ومن أنت ؟ قال : أنا عليّ. قال : ابن عبد مناف ؟ فقال : علي ابن أبي طالب. فقال : غيرك يا ابن أخي ومن أعمامك من هو أسنّ منك فأنا أكره أن اهريق دمك.
وقال الواقدي : أقبل عمرو يومئذٍ وهو فارس وعليّ راجل فقال له عليّ (عليه السلام) : إنّك كنت تقول في الجاهلية : لايدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها ! قال : أجل ! قال علي : فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله واسلم لله رب العالمين ، قال : يا ابن أخي أخّر هذا عني. قال : فاُخرى ترجع إلى بلادك فإن يكن محمد صادقاً كنت أسعد الناس به ، وإن كان غير ذلك كان الذي تريد ، قال : هذا ما لاتتحدّث به نساء قريش أبداً ، وقد نذرت ما نذرت وحرّمت الدهن ، قال : فالثالثة ؟ قال : البراز ، قال : فضحك عمرو ، ثمّ قال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظن انّ أحداً من العرب يرومني عليها إنّي لأكره أن أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً ، فارجع فأنت غلام حدث وإنّما أردت شيخي قريش أبابكر وعمر قال ، فقال عليّ (عليه السلام) : فإنّي أدعوك إلى المبارزة فأنا أحبّ أن أقتلك ، فأسفّ عمرو ونزل وعقل فرسه (12) وسلّ سيفه كأنة شعلة نار ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً ، فأنحى بسيفه على هامّة علي ، فصدّها علي بمجنّه فانقدّ المجن وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه ، فعاجله عليّ فضربه على حبل العاتق فسقط وثار العجاج ، وسمع رسول الله التكبير فعرف أنّ عليّاً قد قتله ، وعند ذلك خرجت خيلهم منهزمة حتى جاوزت الخندق هاربة ، ثمّ أقبل عليّ نحو رسول الله ووجهه يتهلّل ، فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه ؟ فإنّه ليس للعرب درع خير منها فقال : ضربته فاتقاني بسواده (13) فاستحييت ابن عمي أن استلبه ثمّ أنشد يقول :
نصر الحجارة من سفاهة رأيه |
ونصرت ربّ محمد بصواب |
|
فصددتّ حين تركته متجدّلاً |
كالجذع بين دكادك (14) ورواب |
|
لا تحسبنّ الله خاذل دينه |
ونبيّه يا معشر الأحزاب (15) |
استبشار المؤمنين وكآبة المشركين :
قد كان الخوف والوجل مستولياً على نفوس المسلمين منذ جاء الأحزاب وحاصروا المدينة ، ولمّا قتل علي بطل الأحزاب وفارسها وانهزم من كان معه من أبطالهم وذؤبانهم ، حتى انّ عكرمة بن أبي جهل ألقى رمحه يومئذٍ وفرّ ، انقلبت الاُمور رأساً على عقب ، فصار الخوف والهلع نصيب المشركين ومخيّماً عليهم.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، كان الوقت إذ ذاك شتاءً قارساً برده ، عاصفة رياحه ، يخشى في كل وقت مطره ، فالخيام التي ضربوها أمام يثرب لاتحميهم منها فتيلاً.
ومن ناحية ثالثة وقف أبو سفيان وحلفاؤه على أنّ الخندق مادام حائلاً بينهم و بين المسلمين والأبطال منهم يذودون عنه بالنبال والحجارة ، وما دامت بنو قريظة تمدّ المسلمين بالمؤونه امداداً ، فإنّه من الصعب العسير احراز النصر عليهم بل بإمكانهم الصمود أمامهم على تلك الحال مدّة مديدة تطول مع الشهور ، والحل الوحيد الذي أصبح أمامهم هو أن ترجع الأحزاب إلى أدراجهم.
ولكن إجتماع هؤلاء الأحزاب على حرب المسلمين مرّة اُخرى ليس بالأمر الميسور فإن أفلتت الفرصة ربّما لم يسنح لهم الزمان بمثلها في المستقبل.
هذه النهاية التي آل إليها أمر الأحزاب وكانوا في حيرة من أمرهم وغمّة شديدة.
وعند ذلك تفطّن حيي بن أخطب فتيل الفتنة بأنّ في امكانه أن يتّصل ببني قريظة القاطنين في داخل المدينة ويحرّضهم على نقض عهدهم مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمين ، فعند ذلك تنقطع الميرة والمؤونة والمدد أوّلاً ، وينفتح الطريق لدخول يثرب من قلاع بني قريظة ثانياً.
وخال حيي بن أخطب بأنّه جاء بمكيدة محكمة ، فعرضت فكرته على قريش وغطفان فحبّذاها وسارعا إلى انجازها فذهب بنفسه يريد كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وقد أغلق كعب دونه باب حصنه إذ عرف أنّه حيى بن أخطب ، ولكنّه آخر الأمر فتح باب قلعته واعتنق نظريّته ونقض عهده مع الرسول ، وأوجد ذلك قلقاً شديداً بين المسلمين ، وقد ذكرنا تفصيله عند البحث عن أهل الكتاب ، ولكنّه سبحانه دفع شرّهم بحدوث الاختلاف بين المشركين وبني قريظة فآل الأمر إلى انجلاء الأحزاب من ساحة القتال من دون نتيجة وإليك بيانه :
انقسام المشركين على أنفسهم :
إنّ نعيم بن مسعود أتى رسول الله فقال : يا رسول الله إنّي قد أسلمت وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت. فقال رسول الله : إنّما أنت فينا رجل واحد فادخل بين القوم خذلانا إن استطعت فإنّ الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال : يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصّة ما بيني وبينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتّهم ، فقال لهم : إنّ قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لاتقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره ، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان ذلك لحقوا ببلادهم ، وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولاطاقة لكم به إن خلا بكم فلاتقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه ، فقالوا له : أشرت بالرأي.
ثمّ خرج حتّى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودّي لكم وفراقي محمداً وانّه بلغني أمر قد رأيت عليّ حقّاً أن اُبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عنّي ، فقالوا : نفعل. قال : تعلَّموا أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمّد وقد أرسلوا إليه : إنّا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثمّ نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم نعم ، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلاتدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.
ثمّ خرج حتّى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان إنّكم أصلي وعشيرتي و أحبّ الناس إليّ ولا أراكم تتّهموني ، قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتّهم ، قال : فاكتموا عنّي ، قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟
ثمّ قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم.
فلمّا كانت ليلة السبت من شوّال سنة خمس أرسل أبو سفيان بن حرب ووجهاء غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، فقالوا لهم لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمّداً ، فأجابوا أنّ اليوم يوم السبت لانعمل فيه شيئاً ومع ذلك لسنا بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمّداً ، فإنّنا نخشى إن اشتدّ عليكم القتال تتركوننا في بلادنا ولاطاقة لنا بذلك منه ، فلمّا رجعت إليهم الرسل بما قالته بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إنّ الذي حدّثكم به نعيم بن مسعود لحق ، فارسلوا إلى بني قريظة : إنّا لاندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ، فقالت بني قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلّا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك تفرّقوا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين محمّد في بلدكم ، فارسلوا إلى قريش وغطفان : إنّا والله لانقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً ، فأبوا عليهم.
فلمّا كان ليلة السبت بعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم ، ولمّا انتهى إلى رسول الله ما فرّق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً.
فذهب حذيفه ورجع بقوله : دخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقرّ لهم قدراً ولاناراً ولابناءً ، فقال أبوسفيان : يا معشر قريش إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف واخلفنا بنو قريظة ولقينا من شدّة الريح ماترون ما تطمئن لنا قدر ولاتقوم لنا نار فارتحلوا فإنّي مرتحل.
وبذلك اختلفت الأحزاب ولم يبق منهم أحد وأصبح الصبح ولم ير منهم شيء ، فرجع المسلمون إلى منازلهم شاكرين.
هذا خلاصة ما أفادته كتب السير والتواريخ (16) وإليك تحليل ما ورد حول تلك الواقعة من الآيات ولا محيص لمفسّر عن الوقوف بما جاء في كتب السيرة فإنّها كالقرائن المنفصلة لفهم معنى ما تضمّنته الآيات الشريفة ونحن نذكر الآيات الواردة حول هذه الغزوة كاملة ثمّ نعقّبها ، بما تسنح به الفرصة من التحليل والتوضيح.
غزوة الأحزاب في الذكر الحكيم :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا * لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (الأحزاب / 9 ـ 27).
1 ـ استحواذ القلق عند مرابطة الأحزاب :
إنّ الآية الاُولى ترسم لنا كيفيّة نزول الأحزاب على المدينة وإنّهم جاءوها من أعاليها وأسافلها ، فقد جاءت قبيلة غطفان وبني النضير من الجانب الشرقي للمدينة وهي الجهة العليا وجاءت قريش ومن انضم إليهم من الأحابيش وكنانة من الجانب الغربي وهي الجهة السفلى ، وإليه يشير قوله سبحانه : (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ).
كما أنّها تعكس الحالة النفسية التي عايشها المسلمون أثناء تطويق المدينة وهم على طوائف :
1 ـ من مالت أبصارهم عن كل شيء فلم تنظر إلّا إلى عدوّهم مقبلين من كل جانب.
2 ـ من شخّصت قلوبهم من مكانها ولولا أنّه ضاق الحلقوم عنها ان تخرج لخرجت.
3 ـ من ظنّ بالله ظنّ الجاهلية متقوّلين بأنّ الكفّار سيغلبون وسيستولون على المدينة وبالتالي ينمحق الدين وتعود الجاهلية أدراجها الاُولىٰ.
وإلى هذه الحالات الثلاث أشارت الآية بجملها الثلاث :
أ ـ (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ)
ب ـ (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)
ج ـ (وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا)
والجملتان الأوّليتان كناية عن مبلغ استحواذ الخوف والهلع عليهم حتى انتقل بهم إلى حالة شبيهة بالإحتضار التي يزيغ فيها البصر وتبلغ القلوب الحناجر.
وأمّا الجملة الثالثة : فلم تكن تشير إلى عموم المسلمين بل تستعرض حال المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، فهؤلاء ظنّوا بالله ظنّ الجاهلية ، كما يدل عليه صريح لفظها حيث تضمّنت ما لفظه :
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا).
والمراد من قوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) ضعفاء الإيمان من المسلمين وهم غير طائفة المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والشرك وإنّما يسمّون محمّداً رسولاً لمكان اظهارهم الإسلام.
وأمّا الوعد الذي وعدهم الله ورسوله به هو أنّه كان يكرّر قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة / 33).
ولو افترضنا نزول الآية بعد غزوة الخندق فقد كان النبي يعدهم أنّه يفتح مدائن كسرى وقيصر خصوصاً عند حفر الخندق على ما في كتب السير والتواريخ (17).
قال ابن هشام :
وعظم عند ذلك البلاء ، واشتدّ الخوف وأتاهم عدوّهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتّى ظنّ المسلمون كلّ ظنّ ، ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال بعضهم : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب للتخلّي.
وايم الله كانت هذه الغزوة كاُختها أي غزوة اُحد تمحيصاً وغربلة وتمييزاً للمؤمن الواقعي عن المنافق المتظاهر بالإيمان كما تشير إليه الآية الثانية.
(هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) وإنّما استعمل كلمة هنالك مع أنّها يشارُ بها إلى البعيد لأنّ الآية نزلت بعد جلاء المعركة وأشار بها إلى زمان مجيء الجنود المتأخّر عن نزولها.
2 ـ حياكة الدسائس لفتح الثغرات :
لم يكن عمل المنافقين منحصراً بإثارة القلاقل والارهاصات النفسية على مامرّ بيانه في كلماتهم بل كان دورهم أوسع من ذلك ، فقد كانوا يقومون بشن حرب نفسيّة تهدف إلى تفريق المسلمين عن الدفاع عن الخندق وكانوا يقولون للمسلمين لاوجه لإقامتكم هاهنا قبال جنود المشركين فالغلبة لهم لا محالة ولا مناص من الفرار.
وكان لفيف منهم يتذرّعون بقولهم (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) أي لا يؤمن عليها من السارق وزحف العدو عليها ، حتّى يتملّصون ويتخلّصون من الخطر الذي يحدق بهم في ساحة المعركة ، وكان هذا الكلام واجهة للفرار ، وإليه يشير قوله سبحانه :
(وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا).
3 ـ المشارفة على أعتاب الردّة :
ولقد بلغ الحال بالمنافقين والذين في قلوبهم مرض في تهاونهم بأمر التمسّك بالدين انّه لو رجع إليهم العدو مرّة ثانية ودخل المدينة من أقطارها وأطرافها ونواحيها ثم سألوهم الرجوع إلى الشرك لأجابوا مسرعين ولم يتوانوا ولم يلبثوا في الاجابة إلّا زماناً يسيراً بمقدار الطلب والسؤال منهم ، فالمنافقون ومن تبعهم من مرضى القلوب يتظاهرون بالإسلام مادام الرخاء سائداً والأمن حالّاً فإذا خيّمت الشدّة وحاق بهم البأس لم يلبثوا إلّا قليلاً دون الرجوع والردّة.
وهذا يعطي لنا درساً إضافياً بأنّ النظام الإسلامي يجب أن يرتكز في دعوته وكافّة اُموره السياسية والإجتماعية والروحية على المؤمنين الصادقين ، والمعتنقين لمبادئه وأحكامه بصدق ويقين وتفان وإخلاص ، يتحاشىٰ عن الركون والإعتماد على المنافقين بل يحذر منهم دائماً ، ويطلب نبذهم من الحياة فإنّهم يَعِدون ولا يوفون ، يبايعون وينقضون ، ويحالفون ويغدرون ، وهذه سجيّتهم وديدنهم ، وإليه يشير قوله سبحانه :
(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا)
وأمّا أنّهم في أي مكان وزمان بايعوا النبي فغير معلوم ، ولعلّ إيمانهم بالله ورسوله وبما جاء به من الجهاد وحرمة الفرار منه ، نوع عهد لله ورسوله أن لا يولّوا الأدبار ، وعلى كل تقدير فهؤلاء لا يتحمّلون المسؤولية وإن تحمّلوها بادئ بدء ، رفضوها في خاتمة المطاف.
4 ـ عدم جدوىٰ الفرار :
هؤلاء يتركون ساحة القتال وأطراف الخندق ، لأجل الفرار من خطر الموت والقتل ، غير أنّهم قد جهلوا سنّة الله الحكيمة القاضية بأنّه : (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف / 34).
وقد ردّت هذه النظرية (الفرار سبيل النجاة) في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ) (آل عمران / 145).
وقال سبحانه : (قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ) (آل عمران / 154).
ويقول في شأن أولئك الذين نكصوا على أعقابهم في معركة الخندق من المسلمين : (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وما ذلك إلّا لأنّ لكل نفس أجلاً ، مقضيّاً ومحتوماً لا يتأخّر عنه ساعة ولايتقدّم عنه ، فالفرار على فرض التأثير لا يؤثّر إلّا قليلاً ، وإليه يشير قوله سبحانه : (وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا).
كيف وانّ الخير والشر تابعان لإرادته سبحانه ، ولا يحول دون نفوذ إرادته شيء ، فإذاً الأوْلى إيكال الأمر إلى إرادته والتوكّل عليه ، قال سبحانه : (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).
5 ـ سعة علمه :
إنّ المنافقين ومن في قلبه مرض من المسلمين ، ما عرفوا الله حقّ قدره ، و ماعرفوا أسماءه وصفاته ، وإنّه عالم بكل شيء ، ما تكنّه صدورهم وتضمره قلوبهم وتوحيه نفوسهم ، فكيف كلامهم وأعمالهم العلنية ، فقد كانوا يعيقون غيرهم من جنود المسلمين عن الجهاد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويثبّطونهم ويشغلونهم ليعرضوا عن نصرته وينصرفوا عن القتال ، وكانت اليهود تساندهم في هذا الأمر ويقولون مع نظرائهم من المنافقين : لا تحاربوا وخلّوا محمداً فإنّا نخاف عليكم الهلاك ، ولأجل ذلك ما كانوا يحضرون القتال إلّا رياءً أو سمعة قدر ما يوهمون أنّهم مع المسلمين ولكنّهم كانوا كارهين لكون قلوبهم مع المشركين ، وإليه يشير قوله سبحانه :
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) (الأحزاب / 18).
6 ـ جبناء حين البأس ، شجعان حين الأمن
عجيب أمر هؤلاء ومن حذىٰ حذوهم :
فهم حين البأس جبناء ، تدور أعينهم في رؤوسهم وجلاً وخوفاً ، كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيته أسبابه ، فعند ذاك يعذّب لبّه ويشخص بصره فلايتحرّك طرفة.
وحين اقتسام الغنيمة أشحّاء إذا ظفر بها المؤمنون لا يريدون أن يفوتهم شيء ممّا وصل إلى أيديهم ، وكان الشاعر يشير إليهم :
وفي السلم أعيار جفاءً وغلظة |
وفي الحرب أمثال النساء العواتك |
ولهم مع ذلك كذب في القول ومراء في الكلام ، فإذا كان الأمن والرخاء مخيِّماً فخروا بمقاماتهم المصطنعة من النجدة والشجاعة والبأس ، وإلى هذه الحالات الثلاثه يشير قوله تعالى :
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا).
إلى الحالة الاُولى ـ أي جبنهم في الحرب ـ يشير قوله : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أي بخلاء عليكم بالنفقة والنصرة ، فهم لا يودّون مساعدتكم ولا نصرتكم لا بنفس ولانفيس.
و إلى الحاله الثانية يشير قوله : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي الغنائم.
و إلى الحالة الثالثة يشير قوله : (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ).
وفي النهاية كتب على أعمالهم الضئيلة بالإحباط كما في قوله : (أُولَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ).
وفي نهاية المطاف يتناول سبحانه هؤلاء ما هو مفاده : إنّ مقدار الجبن والهلع الذي لحق بهم ، وعظيم الدهشة والحيرة التي أحاطت بهم ، بلغ إلى حدٍ أنّهم يظنّون انّ الأحزاب ما زالت مرابطة في ثكنات معسكرهم في الوقت الذي رحلوا فيه.
والذي يعرب عن عظم ما انتابهم من الوجل ، أنّه لو رجعت الأحزاب تمنّوا أن لو كانوا مقيمين في البادية بعيدين عن المدينة حتّى لا ينالهم أذىٰ أو مكروه ويكتفون بالسؤال عن أخبار من قاوم من جانب المدينة ، وإليه يشير قوله سبحانه :
(يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا).
إنّه سبحانه بعد أن فصّل أحوالهم ، وكشف عّما كنّته صدورهم وما أضمروه ، أبان لهم طريق الهداية مرّة اُخرى وانّهم لو راموا النجاة والسعادة فليقتدوا برسول الله وليجعلوه اُسوة لهم ، قال سبحانه :
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).
* * *
حال المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب
ثمّ إنّه سبحانه لمّا بيّن حال المنافقين ومن في قلبه مرض ، ذكر حال المؤمنين الواقعيين الذين كانوا في الرعيل الأوّل في سوح الجهاد ، وكيف انّهم كانوا على طرفي نقيض من المنافقين ، حيث قال سبحانه : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الأحزاب / 22 ـ 24).
إنّ قوله سبحانه (هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ) إشارة إلى ما وعدهم النبي بأنّ الأحزاب ستجتمع شوكتهم عليهم ، فلمّا شاهدوهم تبيّن لهم أنّ ذلك هو الذي وعدهم ، وربّما يقال بأنّ المراد ما وعده الله ورسوله من الابتلاء والإمتحان في الآيات التي نزلت في غزوة اُحد في قوله سبحانه (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ) (البقرة / 214).
فتحقّقوا من ذلك انّه سيصيبهم ما أصاب الأنبياء والمؤمنين بهم من الشدّة والمحنة التي تزلزل القلوب ، وتدهش النفوس ، فلمّا رأوا الأحزاب أيقنوا أنّه من الوعد الموعود وانّ الله سينصرهم على عدوّهم.
ثمّ إنّه سبحانه وصف الكاملين من المؤمنين الذين ثبتوا عند اللقاء ، واحتملوا البأساء والضرّاء في هذه الغزوة وما قبلها من الغزوات ، بأنّ بعضهم استشهد يوم بدر و يوم اُحد ، وبعض منهم يترقّب أجله ، وإليه يشير قوله سبحانه : (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
والنحب : النذر المحكوم بوجوبه ، يقال قضىٰ فلان نحبه ، أي وفى بنذره ، ويعبّر به عمّا انقضىٰ أجله ، ثم إنّه سبحانه يقول : إنّ كلّاً من المؤمن والمنافق مجزى بأعماله ، قال سبحانه : (لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
وهو سبحانه استعرض جزاء عمل الصادقين بنحو القطع والجزم بقوله : (لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ) في الوقت الذي نجد فيه أنّه تناول جزاء المنافقين بقوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ) بالتعليق على المشيئة ، وما ذلك إلّا لبيان سعة رحمته وفضله ، وانّه فسح المجال لتوبة من عصاه ، وعلى ذلك يكون معنىٰ الآية يعذّب المنافقين لو شاء تعذيبهم ، فيما لم يتوبوا أو يتوب الله عليهم إن تابوا.
خاتمه المطاف :
وفي ختام الآيات يقول أنّه سبحانه : قد صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، وردّ المشركين على أدبارهم ، خائبين مخذولين تختنقهم الغصّة وتؤلمهم الحسرة ، وإليه يشير قوله سبحانه : (وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).
النتائج التي تمخّض عنها هذا البحث فهي
أ ـ إنّ في هذه الغزوة تحالفت الوثنية مع اليهود على أن يكون تحمّل أعباء نفقات الحرب على عاتق اليهود وكاهلهم ، ويكون القتال والاصطكاك في ساحة المعركة من نصيب المشركين ، وليس هذا التآمر المشترك هو الأوّل من نوعه بل له نظائر متعدّدة على امتداد التاريخ الإسلامي ، فقد تحالفت الوثنية مع النصرانية في القرن السادس والسابع الهجريين ، فشنّوا الغارات الشرسة على العالم الإسلامي ، ومزّقوه شر ممزّق ، فقد جاء التتار وهم الوثنية من الجهة الشرقية ، بينما جاءت النصرانية من جانب الغرب فهجموا على البلاد ، وفتكوا بأهلها فتكاً ذريعاً لم يذكر التاريخ له مثيلاً.
ب ـ إنّ الإنتصار رهن عاملين قويين : أحدها بشري والآخر غيبي.
فأمّا الأوّل وهو القيام بالتخطيط العسكري ، وحفر الخندق ، وحشد القوىٰ بتمام طاقاتها ، وبذل كل ما كانوا يملكونه لصدّ هجوم العدو ، ولم يكن التخطيط العسكري الذي انتخبه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منحصراً بحفر الخندق ، بل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كسر جبهة الأعداء استعان بالجواسيس وبث العيون وقد كان لنعيم بن مسعود في الفتك بوحدتهم دور هام ، على ما مرّ بيانه وربّما يوازي عمله عمل أدهىٰ أجهزة الإستخبارات العالمية.
وأمّا الثاني وهو الغيبي فقد سلّط الله عليهم الريح والبرد القارس ، حتى سلبت عنهم الراحة والاستقرار والقدرة على البقاء ، فهذا حذيفة بن اليمان الذي أرسله الرسول جاسوساً إلى القوم حيث قال له : اذهب فادخل في القوم ، فانظر ماذا يصنعون ولا تحدثن شيئاً ، حتىٰ تأتينا ، قال : فذهبت فدخلت في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقرّ لهم قدراً ولا ناراً ولا بناءً ، فقام أبو سفيان فقال : احذروا الجواسيس والعيون ولينظر كل رجل جليسه ، قال حذيفه فالتفتّ إلى عمرو ابن العاص فقلت : من أنت ، وهو عن يمينى فقال : عمرو بن العاص ، والتفتّ إلى معاوية بن أبي سفيان فقلت : من أنت فقال : معاوية بن أبي سفيان ، ثم قال أبو سفيان : إنّكم والله لستم بدار مقام ، لقد هلك الخف والكراع (إلى أن قال حذيفه) فقام أبوسفيان وجلس على بعيره ، وهو معقول ثم ضربه فوثب على ثلاث قوائمه فما اطلق عقاله إلّا بعد ما قام (18).
الهوامش
1. وقد أشبعنا الكلام في توضيح الآية في الفصل المخصّص بأهل الكتاب فراجع.
2. المغازي للواقدي ج 2 ص 446.
3. عسكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة فحاصروه خمس عشرة وانصرف يوم الأربعاء لسبع بقين سنة خمس ، وقد استعمل على المدينة ابن اُمّ مكتوم.
4. ولعلّ في النصّ سقط ، ويحتمل أن يكون الصواب بهذا النحو : وجعل على كل عشرين خطوة قوماً من المهاجرين وعلى كل ثلاثين خطوة قوماً من الأنصار ، والوجه في ذلك كثرة عدد الأنصار وقلّة عدد المهاجرين فتأمّل.
5. البحار ج 20 ص 218.
6. السيرة النبويّة لابن هشام ج 2 ص 216.
7. المغازي للواقدي ج 2 ص 444.
8. السيرة النبويّة ج 2 ص 220.
9. امتاع الأسماع ص 241.
10. دلائل النبوّة ج 3 ص 438.
11. بحار الأنوار ج 20 ص 215 نقلاً عن كنز الفوائد للعلامة الكراجكي ص 136.
12. المغازي للواقدي ج 2 ص 417.
13. هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح : بسوأته.
14. جمع « دكداك » وهو الرمل اللّين ، و « الروابي » : جمع « رابية » وهي الكدية المرتفعة.
15. السيرة النبويّة لابن هشام ج 2 ص 265.
16. راجع السيرة النبويّة ج 2 ، ومغازي الواقدي ج 2 ، وبحار الأنوار ج 20 ، ومجمع البيان ج 4.
17. السيرة النبويّة لإبن هشام ج 2 ص 219 ، لاحظ محادثة النبي لسلمان عند حفر الخندق.
18. المغازي ج 2 ص 489 و 490 ، والسيرة النبويّة لابن هشام ج 2 ص 232.
مقتبس من كتاب : [ مفاهيم القرآن ] / المجلّد : 7 / الصفحة : 370 ـ 389
التعلیقات
٢