التحلل من القيود والحدود
بواعث انكار المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 181
(181)
الباعث الأوّل : التحلل من القيود والحدود
إنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد ، لا يتلخص في الإقرار اللساني ، بل المؤمن
يحمل مسؤولية خاصة أمام الله سبحانه في الحياة الدنيوية ، ولازم هذه المسؤولية ،
الالتزام بحدود وقيود تصُدُّه عن التحلل والإفراط في الملاذ والشهوات والإنهماك
في إشباع الغرائز الحيوانية . وقد كان الالتذاذ واتّباع الهوى ، غاية المنى لأكثر
المنكرين ، وكان يسود عليهم سيادة الإله على خلقه ، قال سبحانه : { أَرَأَيْتَ مَنْ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} (1).
و لمّا كان الاعتقاد بالمعاد ، منافٍ لهذا المبدأ الحيواني ، أنكروه بحجج واهية
يأتي الإشارة إليها ، ويشير الذكر الحكيم إلى هذا الباعث ، بقوله:
{ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} (2).
فالآية الأُولى تذكر معتقدهم وإنكارهم ، والآية الثانية تذكر باعث
إنكارهم ، وأنّه ليس هو ما يتظاهرون به من عدم إمكان جمع العظام ، وإنّما هو
رغبتهم في أن يرفعوا كل عائق يحدّ من انغماسهم في الملذات ، وكلّ رادع يصدّهم
عن إرضاء الغرائز البهيميّة . وقوله { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ، بمعنى ليشقّ أمامه ، ولا
يرتدع بشيء من القوانين والتشريعات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الفرقان : الآية 43.
(2) - سورة القيامة : الآيات 3 ـ 6.
التعلیقات