هل تجب التوبة من الصغائر؟
التوبة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 326 ـ 327
(326)
الأمر الرابع : هل تجب التوبة من الصغائر؟
إنّ ارتكاب أي معصية ، صغيرة كانت أو كبيرة ، جرأة على اللّه ، وخروج عن
رسم العبودية وزيّ الرّقية ، و هي تترك أثراً سيئاً في النفس بلا ريب ، فيجب
التوبة منها لإزالة أثرها من النفس . وإليه ذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة ،
ولكن الظاهر من ابنه أبي هاشم ، عدم وجوب التوبة من الصغائر إلاّ سمعاً ،
واختاره القاضي عبد الجبار ، قائلاً بأنّ التوبة إنّما تجب لدفع الضرر عن النفس ،
ولا ضرر في المعصية ، فلا تجب التوبة منها ، غاية الأمر إنّ للصغيرة تأثيراً في تقليل
الثواب ، ولا ضرر في ذلك (2).
يلاحظ عليه : إنّ ما ذكر مبني على أمرين غير ثابتين:
أـ أنّ المعاصي بالذات تنقسم إلى صغائر وكبائر، وأنّ صِغَر المعاصي و كبرها
ليس من الأُمور الإضافية النسبية ، بل هناك صنفان من المعاصي لا يتداخل
أحدهما في الآخر.
ب ـ أنّ المعاصي الصغيرة لا يعاقب عليها ما لم يكن عليها إصرار.
وكل ذلك مورد تأمّل وتردد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(2) - شرح الأُصول الخمسة : ص 789 .
________________________________________
(327)
أضف إلى ذلك : أنّ وجه تشريع التوبة ليس منحصراً بالاجتناب عن
العذاب حتى يقال : أنّه لا عقاب على الصغيرة ، بل قد عرفتَ أنّ الوجه فيها
ـ مضافاً إلى الخلاص من العذاب ـ حسن الندم على كل قبيح أو إخلال
بالواجب ، وقبح العزم على الاستدامة ، وهذا مشترك بين الصغيرة والكبيرة .
وبذلك يظهر الجواب عما ربّما يقال من أنّ عقاب الصغيرة مكفّر باجتناب
الكبيرة إذا لم يصر عليها ، لقوله سبحانه:
{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } (1).
وعندئذٍ ، لا يحتاج إلى التوبة منها ، لما عرفتَ من أنّ وجه التوبة لا ينحصر
بالخلاص من العذاب.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النساء: الآية 31. و قد نقله العلامة المجلسي عن الشيخ البهائي ، لاحظ البحار : ج 6،
ص 48.
التعلیقات