أهل البيت عليهم السلام ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
منذ 11 شهرأهل البيت عليهم السلام ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه
ـ روى المجلسي في بحار الأنوار ج 4 ص 38
15 ـ يد : أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لما أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.
ـ وروى الكليني في الكافي ج 1 ص 95 باب في إبطال الرؤية :
1 ـ محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع عليه السلام : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال وسألته : هل رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله ربه ؟ فوقع عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهى. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج 4 ص 43
ـ وروى الكليني في الكافي ج 1 ص 95
2 ـ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي ، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرة : إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية.
فقال أبو الحسن عليه السلام : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس : لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء أليس محمد ! قال : بلى. قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول : لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علماً ، وليس كمثله شيء ، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر ! أما تستحيون ! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر !
قال أبو قرة : فإنه يقول : ولقد رآه نزلة أخرى.
فقال أبو الحسن عليه السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : ما كذب الفؤاد ما رأى ، يقول : ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، فآيات الله غير الله ، وقد قال الله : ولا يحيطون به علماً ، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة !
فقال أبو قرة : فتكذِّب بالروايات !
فقال أبو الحسن عليه السلام : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء. انتهى.
وقال في هامشه : إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال : فذهب المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسماً ! وذهب الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلى امتناعها في الدنيا والآخرة ، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقاً كما ستعرف ، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي قدّس سرّه كتاباً أسماه : كلمة حول الرؤية فجاء ـ شكر الله سعيه ـ وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية :
منها : أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه ، ولا بد أن يكون مقابلاً لعين الرائي ، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.
ومنها : أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها ، إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي ، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً ، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.
ومنها : أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها ، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة ، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.
ومنها : أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي ، ومنزهوا الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شيء ما بذاته جل وعلا.
ومنها : أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لا بد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً ، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها ، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة ، والثاني كقول القائل : أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث : كالألم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته ، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهى. وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص 33 حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج 4 ص 36 وقال في ص 37
قوله تعالى : مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبي صلّى الله عليه وآله وإلى الفؤاد.
قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل ، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه . والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً ، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال : رأيته بفؤادي ، وقرأ : ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة. انتهى.
قوله تعالى : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ، قال الرازي : يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة : الأول الرب تعالى والثاني جبرئيل عليه السلام والثالث الآيات العجيبة الإلۤهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزوله صلّى الله عليه وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه :
الأول : أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق. وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله : ما كذب الفؤاد ما رأى قال : رأى جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة : ولقد رآه نزلة أخرى قال : رأى جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.
الثاني : ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر ، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.
الثالث : أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.
الرابع : أن يكون على تقدير ارجاع الضمير إليه عليه السلام وكون المرئي هو الله تعالى والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.
وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً ، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.
قوله عليه السلام : حيث قال ، أي أولاً قبل هذه الآية ، وإنما ذكر عليه السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً ، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها.
قوله عليه السلام : وما أجمع المسلمون عليه ، أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.
ثم اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية ، حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية ، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب ، فأشار عليه السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضاً ، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى ، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى.
مقتبس من كتاب : العقائد الإسلاميّة / المجلّد : 2 / الصفحة : 44 ـ 48
التعلیقات