الإيمان بالقضاء والقَدَر
القضاء والقدر
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 188 ـ 189
(188)
بقي هنا نكتتان هامتان يجب التنبيه عليهما:
الأُولى : قد عرفتَ عناية النبي وأئمة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ
بالإيمان بالقدر ، وأنَّ المؤمن لا يكون مؤمناً إلا بالإيمان به ، فما وجه هذه
العناية؟
والجواب : إنَّ التقدير والقضاء العينيين من شعب الخلقة ، وقد عرفتَ
أنَّ من مراتب التوحيد ، التوحيد في الخالقية وأنّه ليس على صفحة الوجود
خالق مستقل سواه . ولو وصفت بعض الأشياء بالخالقية ، فإنّما هي خالقية
ظليّة تنتهي إلى خالقيته سبحانه ، انتهاء سلسلة الأسباب والمسببات إليه .
ولما كان القدر العيني ، تأثر الشيء عن علله وظروفه الزمانية
والمكانية ، وانصباغه بصفة خاصة فهو نوع تخلّق وتكوّن للشيء ، فلا محالة
يكون المقدِّر والمكوِّن هو الله سبحانه.
ولما كان القضاء العيني ، هو ضرورة تحققه ولزوم وجوده ، فهو عبارة
أُخرى عن الخلقة الواجبة اللازمة ، فلا محالة يستند إليه سبحانه.
فلأجل ذلك ترى أنّه سبحانه تارة يسند التقدير إلى نفسه ويقول: { قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }(1) . ويقول :{ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدَى}(2).
وأخرى يسند القضاء ويقول : { وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ} (3) . ويقول: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ }(4).
فبما أنَّ التقدير والقضاء عبارة أُخرى عن كيفية الخلقة ، فلا يوجد
شيء في صفحة الوجود إلا بهما ، وإلى ذلك يشير ما تقدم من الإمام الصادق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الطلاق: الآية 3 .
(2) سورة الأعلى: الآية 2 ـ 3 .
(3) سورة البقرة: الآية 117 .
(4) سورة فصلت: الآية 12 .
________________________________________
(189)
ـ عليه السَّلام ـ من قوله: « إنَّ القَضاءَ والقَدَرَ خَلْقان مِنْ خَلْقِ اللهِ ، واللهُ يَزيدُ في الخَلْقِ
ما يَشاء» (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد : ص 364 ، الحديث : 1 .
التعلیقات