تصوّر الصحابة للخلافة بعد النبي
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةتصوّر الصحابة للخلافة بعد النبي
إنّ المتتبّع في تاريخ الخلفاء الذين تعاقبوا على مسند الحكومة ، يرى بوضوح أنّهم كانوا يتّبعون الطريقة الأنتصابيّة لا الإنتخابيّة ، بالتشاور أو البيعة ، أو غير ذلك من المفاهيم التي حدثت في أيّام خلافة الإمام أمير المؤمنين ، وإليك الشواهد.
1 ـ إنّ خلافة عمر تمّت بتعيين من أبي بكر ، وليس هذا خافياً على أحد. روى ابن قُتَيبة الدينوري ، أنّ أبا بكر دعا عثمان بن عفان ، فقال : أكتب عهدي ، فكتب عثمان :
« بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قُحافة ، آخر عهده في الدنيا ، نازحاً عنها ... إنّي أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ، فإن تروه عدل فيكم ، ظنّي به ورجائي فيه ، وإن بدّل وغَيّر ، فالخير أردت ... » ثمّ ختم الكتاب ودفعه ، ودخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عُمَر (1).
2 ـ إنّ استخلاف عثمان تَمَّ عن طريق شورى عين أعضاءها عمر بن الخطاب ، يقول التاريخ : دعا عمر عليّاً ، وعثمان وسعداً ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وطلحة ، فقال : « إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس ، فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذنها ، واختاروا منكم رجلاً ، فإذا متّ فتشاوروا ثلاثة أيّام ، وليصل بالناس صهيباً ، ولا يأتي اليوم الرابع إلّا وعليكم أمير » (2).
فلو كانت صيغة الحكومة هي انتخاب القائد عن طريق المشورة باجتماع الامّة ، أو بالبيعة ، فما معنى انتخاب الخليفتين بهذين الطريقين ؟.
3 ـ لما اغتيل عمر بن الخطاب. وأحسّ بالموت ، أرسل ابنه عبد الله إلى عائشة ، واستأذن منها أن يدفن في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر ، فأتاها عبد الله ، فأعلمها ، فقالت ، نعم ، وكرامة. ثمّ قالت : يابني ، أبلغ عمر سلامي وقل له ، لا تدع أمّة محمّد بلا راع ، استخلف عليهم ، ولا تدعهم بعدك هملا ، فانّي أخشى عليهم الفتنة ، فأتاه ، فأعلمه » (3).
4 ـ إنّ عبد الله بن عمر دخل على أبيه قبيل وفاته ، فقال : « إنّي سمعت الناس يقولون مقالة ، فآليت أن أقولها لك ، وزعموا أنّك غير مستخلف ، وأنّه لو كان ذلك راعي إبل أو غنم ثمّ جاءك وتركها ، لرأيت أن قد ضيّع ، فرعاية الناس أشدّ » (4).
5 ـ قدم معاوية المدينة لأخذ البيعة من أهلها لابنه يزيد ، فاجتمع مع عدّة من الصحابة ، وأرسل إلى عبد الله بن عمر ، فأتاه ، وخلا به ، وكلّمه بكلام ، و قال : إنّي كرهت أن أدع أمّة محمّد بعدي كالضأن لاراعي لها » (5).
هذه النصوص التي حفظها التاريخ ، صدفة ـ وكم لها من نظائر ـ تدلّ على أنّ انتخاب الخليفة عن طريق أهل الحلّ والعقد ، والأنصار والمهاجرين ، و أخيراً الإستفتاء الشيعي ، لم يكن له أصل في منطق الصحابة ، وإنّما اخترعت هذه الألفاظ في فترة خاصّة ، في مقابل خلافة الإمام أمير المؤمنين علي ـ عليه السَّلام ـ.
ثم إنّ ها هنا أمراً بديعاً يجب إلفات نظر الباحث إليه وهو إنّه إذا كان ترك الأمّة بلا راع ، أمراً غير صحيح في منطق العقل ، أو كان ترك تعيين القائد كترك الضأن بلا راع لها ، فكيف يجوز لهؤلاء أن ينسبوا إلى النبي أنّه ترك الأمّة بلا راع ، وودعهم بعده هملا ، يخشى عليهم الفتنة. فكأنّ هؤلاء كانوا أعطف على الأمّة من النبي الأكرم ، وأحنّ على مصالحها منه ؟ إنّ هذا ممّا يقضي منه العجب.
غير أنّ كلّ من كتب في الإمامة ، وواجه هذا التاريخ المسلّم ، حاول تصحيح هذه النتصيبات بأنّ تعيين القائد السابق ، الإمام اللاحق ، أحد طرق انعقاد الإمامة ، ولكن هؤلاء قد جمعوا بين المختلفين ، فتارة يعترفون بالتنصيب ، وأخرى بالإنتخاب ، وبعبارة أخرى : يعترفو ان بكفاية رأي واحد من الأمّة تارة ، ويشترطون تصويت الشعب ، أو الصحابة ، ثانياً.
الهوامش
1. الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 18. ورواه ابن سعد في طبقاته الكبرى ، ج 3 ، ص 200 ، وابن الأثير في تاريخه « الكامل » ، ج 2 ، ص 292 باختلاف يسير وقد نقل موضوع استخلاف أبي بكر لعمر ، عدّة من أعلام التاريخ والحديث ، والكل يتحد جوهراً ، وأنّ التنصيب صدر من الخليفة الأول.
2. الكامل لابن الأثير ، ج 3 ، ص 35 ، أُنظر باقي الواقعة.
3. الإمامة والسياسة ، ج 1 ، 32.
4. حلية الأولياء ، ج 1 ، ص 44.
5. الإمامة والسياسة ، ج 1 ص 168.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 68 ـ 70
التعلیقات