أثر التوبة
التوبة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 328 ـ 329
(328)
الأمر السادس : أثر التوبة
إنّ أثر التوبة هو إزالة السيئات النفسانية التّي تجر إلى الإنسان كل شقاء في
حياته الأُولى والأُخري ، فيرجع التائب بعد ندمه وعزمه على الترك في المستقبل ،
أبيض السريرة ، كيوم ولدته أُمّهُ ، وبالتالي يسقط عنه العقاب .
وأمّا الأحكام الشرعية المترتبة على الأعمال السابقة فتبقى على حالها ، إذ ليس
للتوبة تأثير إلا في إصلاح النفس ، واعدادها للسعادة الأُخروية ، ولذلك يجب
الخروج عن مظالم العباد أوّلاً ، وتدارك ما فات من الفرائض ثانياً ، فإنّ السيئة
العارضة على النفس بسبب هضم حقوق الناس لا ترتفع إلا برضاهم ؛ لأنّه
سبحانه احترم حقوقهم في أموالهم وأعراضهم ونفوسهم ، وعدّ التعدي على واحد
منها ظلماً وعدواناً ، وحاشاه أن يسلبهم شيئاً ممّا جعله لهم من غير جرم صدر
منهم ، و قد قال عزّ من قائل : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا } (2).
قال المفيد ـ رحمه الله ـ: « إنّ من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد
الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها على طيبة
النفس بذلك ، والاختيار له ، فمن عدم منهم صاحب المظلمة وفقده خرج إلى
أوليائه من ظلامته أو استحلهم منها » (3).
ولأجل ذلك قال الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ: « والثالث : أن تؤدي
إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد
إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها » (4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(2) - سورة يونس : الآية 44 .
(3) - اوائل المقالات : ص 62 .
(4) - نهج البلاغه : قسم الحكم ، الرقم 417 .
________________________________________
(329)
هذا ، وإنّ المتبادر من الآيات و الروايات أنّ التوبة بنفسها مسقطة
للعقاب ، يقول سبحانه : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ
سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) ؛ فإن ّ الظاهر منه أنّ
نفس التوبة تجرّ الغفران ، وغير ذلك من الآيات ، وهذا الأمر من المسائل القرآنية
الواضحة.
وأمّا حقوق اللّه ، فيتبع هناك لسان الدليل الشرعي ، فربما تكون التوبة
مسقطة للحدّ كما في قوله سبحانه:
{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ
لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2). فالاستثناء صريح في أنّ التوبة
تُسقط الحدّ الوارد في الآية.
قال المحقّق الحلّي : « إنّ شارب الخمر إذا تاب قبل قيام البينة ، يسقط
الحد ، وإن تاب بعدها لم يسقط » (3).
وقال : « إذا تاب اللائط قبل قيام البيّنة سقط الحدّ ، و لو تاب بعده لم
يسقط » (4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الانعام : الآية 54 .
(2) - سورة المائدة : الآيتان 33 ـ 34 .
(3) - شرائع الإسلام : كتاب الحدود ، الباب الرابع في حدّ المسكر.
(4) - المصدر السابق : الباب الثاني ، في أحكام اللواط.
التعلیقات