ما هو الغرض من عقاب المجرم أو تنعيم المحسن؟
أسئلة حول المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 406 ـ 407
(406)
أسئلة المعاد
(8)
ما هو الغرض من عقاب المجرم أو تنعيم المحسن؟
إنّ الحكيم لا يعاقب إلا لغاية وغاية العقوبة إمّا التشفي كما في قصاص
المجرم ، وهو محال على الله ، أو إيجاد الاعتبار في غير المعاقب ، أو تأديب المجرم ،
وكلاهما يتحققان في النشأة الدنيوية لا الأُخروية ، فيكون تعذيب المجرم في الآخرة
عبثاً لا غاية فيه.
بل ربما يقال إنّ تنعيم المؤمن أيضاً بلا وجه ؛ لأنّ اللذة الجسمانية لا حقيقة
لها ، وإنّما هي دفع الألم ، فلو ترك الميت على حاله ولم يعد ، لم يكن متألماً ، فالغرض
حاصل بدون الإعادة ، فلا فائدة فيها (1).
الجواب :
إنّ السائل قد فرض أنّ المعاد أمر ممكن في ذاته ، ولم يدل دليل
على ضرورة وقوعه ، فسأل عن الغاية الموجبة له ، ولكنه لو وقف على ما ذكرنا من
الأدلة الّتي تحتم المعاد ، وتجعل وجوده ضرورياً ، لترك السؤال . فقد عرفتَ أنّ
هناك وجوهاً ستة تُعرِّف المعاد أمراً ضرورياً ، لا مناص عنه ، منها كون المعاد مجلّي
للعدل الإلهي ، فإذا كان وجود المعاد ، أمراً ضرورياً ، فالسؤال عن غاية وهدف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - لاحظ شرح المواقف : ج 8 ، ص 296، والجزء الأوّل من كتابنا هذا ، وقد جاء السؤال فيه أبسط
ممّا ذكر هنا.
________________________________________
(407)
أمر ضروري الوقوع ، ساقط ؛ وذلك لأن بين تلك الأدلة الّتي توجب ضرورة
المعاد ، عللاً غائية ، كتجلّي عدله سبحانه في المعاد ، أو كمال الإنسان ، ومعها لا
معنى للسؤال عن غاية المعاد
ومن العجب أنّ السائل يجعل اللذة الجسمانية شيئاً لا حقيقة له ، وأنّها ما
هي إلا دفع الألم . ولا أظن أنّه نفسه يقدر على تطبيقه على جميع موارد اللذة ، فهل
في اللذة الجسمانية الحاصلة من التأمل في روضة غنّاء ، دفعاً للألم ، بحيث لولاه
لكان غارقاً في الآلام والأوجاع ، أو أنّها لذة واقعية مناسبة للنفس في مقامها
المادي ، وقس على ذلك غيره.
وهناك جوابان آخران تقدّما في الجزء الأوّل عند البحث عن ثمرات
التحسين والتقبيح العقليين ، فلا نعيدهما (1).
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - لاحظ الإلهيات : ج 1 ص 293 ـ 300.
التعلیقات