هل يجوز العفو عن المسيء؟
أسئلة حول المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 416 ـ 418
(416)
أسئلة المعاد
(10)
هل يجوز العفو عن المُسيء؟
هل يجوز العفو عن العصاة في الآخرة أوْ لا؟ وهل في الحكم بجواز العفو ،
إغراء للعصاة على إدامة العصيان ، أوْلا؟ أوَلَيس العفو عن العاصي ، خلفاً
للوعيد ، وهو قبيح؟
الجواب :
إنّ التعذيب حق للمولى سبحانه وله إسقاط حقّه ، وهو إحسان منه
سبحانه على العبد : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } (1).، فلا مانع إذا اقتضت
الحكمة من العفو عن العاصي في ظروف خاصة ، إمّا بالشفاعة ، أو بدونها.
وقد خالف معتزلة بغداد في ذلك ، فلم يجوزوا العفو عن العصاة عقلاً ،
واستدلوا على ذلك بوجهين :
الوجه الأوّل: إنّ العقاب لطف من الله تعالى ، واللطف يجب أن يكون
مفعولاً بالمكلف على أبلغ الوجوه ، ولن يكون كذلك إلا والعقاب واجب على الله
تعالى ، ومن المعلوم أنّ المكلف متى علم أنّه يُفْعَل به ما يستحقه من العقوبة على
كل وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة التوبة : الآية 91.
(2) - شرح الأُصول الخمسة : ص 646.
________________________________________
(417)
يلاحظ عليه : إنّ اللطف عبارة عمّا يقرب الإنسان من الطاعة ، ويبعده عن
المعصية ، وهذا لا يتصور إلا في دار التكليف لا دار الجزاء ، فالدار الأُولى ، دار
العمل والسعي ، والآخرة دار الحساب والاجتناء.
وأمّا ما ذكروه أخيراً من أنّه لو علم أنّه يفعل ما يستحقه من العقوبة على
كل وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر ، فهو لو تمّ ، لوجب
سد باب التوبة ، لإمكان أن يقال إنّ المكلّف لو علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب
إلى الطاعة ، وأبعد من المعصية.
أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثاراً بنّاءة في حياة الإنسان ، ولليأس آثاراً سلبية
في الإدامة على الموبقات ، ولأجل ذلك جاء الذكر الحكيم ، بالترغيب والترهيب
معاً.
ثمّ إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته ، والأثر السلبي ـ لو سلّمناه ـ
يترتب على الثاني دون الأوّل.
الوجه الثاني : إنّ الله أوْعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب ، للزم
الخلف في وعيده ، والكذب في خبره (1) ، وهما محالان (2).
الجواب : إنّ الخُلف في الوعد قبيح ، وليس كذلك في الوعيد ، والدليل
على ذلك أنّ كل عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصة ، فلو كان
العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحاً ، لوجب أن يكون كذلك عند كل عاقل .
ولعل الوجه في عدم كونه قبيحاً هو أنّ الوعيد حق ، والعفو إسقاط ، ومثل ذلك
يعد مستحسناً لا قبيحاً ، إذا وقع العفو في موقعه ، ولأجل ذلك يقول الشيخ
الصدوق : اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أنّ من وعده الله على عمل ثواباً ، فهو
منجزه ، ومن وعده على عمل عقاباً ، فهو بالخيار إنْ عَذّبَه فَبِعَدْلِه ، وإن عفا عنه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - أخطأ المستدل في هذا؛ فإنّ الوعد إنشاء ، وليس بإخبار حتى يلزم فيه الكذب.
(2) - شرح العقائد العضدية : لجلال الدين الدواني ( م 908 هـ ) ، ج 2، ص 194.
________________________________________
(418)
فبفضله { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} (1) ، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ } (2) (3).
هذا كله حول العفو عن الوعيد عقلاً ، وأما سمعاً ، أي حسب الأدلة
النقلية ، فسيوافيك الكلام فيه عند البحث عن عدم خلود غير الكافر في النار.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة فصلت : الآية 46.
(2) - سورة النساء : الآية 48.
(3) - عقائد الصدوق : ص 86 من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
التعلیقات