الهدف من الرجعة
الرجعة
منذ 15 سنةالمصدر : الـرجـعــة أو العودة الى الحياة الدنيا بعد الموت ، تأليف : مركز الرسالة ، ص 59 ـ 63
________________________________________ الصفحة 59 ________________________________________
الهدف من الرجعة
إنَّ أحداث آخر الزمان لا تزال في ظهر الغيب، إلاّ أننا نستطيع أن نقرأ الحكم عليها أيضاً، لاَنّ العدل الاِلهي مطلق لا يحدّه زمان ولا مكان، والحكم بالعدل أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يأتي بالخير المخبوء المتمثّل بمهدي آخر الزمان عليه السلام ورجاله ليجتثَّ مؤسسات الباطل وأجهزة الظلم والجور ويملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً
________________________________________ الصفحة 60 ________________________________________
وجوراً قال تعالى: (ويقولونَ متى هذا الفتحُ إن كُنتُم صادقِينَ * قُلْ يَومَ الفتحِ لا ينفعُ الَّذينَ كَفُروا إيمانُهُم ولا هُم يُنظرونَ)(1).
روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن أبي عمير، قال: كان الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول:
«لكلِّ أُناسٍ دولةٌ يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ»(2).
إنَّ تطبيق العدالة السماوية في الاَرض قبل يوم المحشر وقيام الناس للحساب الاَكبر يشمل ثلّة من الماضين كما يشمل الذين هم في زمان ظهور الاِمام عليه السلام، والماضون هم أُولئك الذين حكم عليهم بالعودة إلى الحياة مرة أُخرى، ويشكّلون لفيفاً متميزاً من المؤمنين والظالمين، يعودون لينال المجرمون الذين محضوا الكفر محضاً جزاء ما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والفساد ومحاربة أولياء الله وعباده المخلصين، وما يستحقونه من حدود الله تعالى التي عطّلوها وأسقطوها من حسابهم، واستبدلوها بالكفر والطغيان، ليذوقوا العذاب في دار الدنيا ولعذاب الآخرة أشدَّ وأخزى.
وعودة المؤمنين تعني انتصار أولياء الله الذين محضوا الاِيمان محضاً بعد أن ذاقوا الويل والعذاب لدهور طويلة من قبل أولئك المتسلطين والمتجبرين، وهذا المعنى يمكن أن نستشعره في قوله تعالى: (وحرامٌ على قريةٍ أهلكنَاها أنهُم لا يرجعُونَ)(3)فهو يعني أنَّ الذين ذاقوا العذاب
____________
(1) سورة السجدة: 28 ـ 29.
(2) أمالي الصدوق: 578 | 791.
(3) سورة الاَنبياء 21: 95.
________________________________________ الصفحة 61 ________________________________________
في هذه الدنيا على كفرهم وطغيانهم لا يرجعون إليها، وإنما يرجعون في القيامة ليذوقوا العذاب في نارها، والعودة إلى الدنيا إنَّما تختصُّ بغيرهم من الكافرين والظالمين المفسدين في الاَرض الذين لم يذوقوا ألم القصاص فيها، ولا يصحّ أن يكون المراد بالآية أنّهم لا يرجعون في القيامة لوضوح بطلانه.
ويمكن من خلال دراسة الاَحاديث الواردة في هذا المجال وأقوال الاَعلام تحديد ثلاثة أهداف ينطوي عليها هذا الاَمر الخارق:
1 ـ القتال على الدين، فقد روي عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «كنت مريضاً بمنى وأبي عليه السلام عندي، فجاءه الغلام فقال: هاهنا رهط من العراقيين يسألون الاَذن عليك. فقال أبي عليه السلام: أدخلهم الفسطاط، وقام إليهم ودخل عليهم، فما لبثت أن سمعتُ ضحك أبي عليه السلام قد ارتفع، فأنكرت ذلك ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال.
ثم عاد إليَّ فقال: يا أبا جعفر، عساك وجدت في نفسك من ضحكي ؟ فقلتُ: وما الذي غلبك منه الضحك، جعلت فداك ؟
فقال: إنَّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمرٍ كان مَن مضى مِن آبائك وسلفك يؤمنون به ويقرون، فغلبني الضحك سروراً أنَّ في الخلق من يؤمن به ويقرُّ.
فقلت: وما هو، جعلت فداك ؟
قال: سألوني عن الاَموات متى يبعثون فيقاتلون الاَحياء على الدين»(1).
____________
(1) مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 20 و 24. وبحار الاَنوار 53: 67 | 62.
________________________________________ الصفحة 62 ________________________________________
2 ـ مقاتلة أعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب» فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟ فقال: «وأيّ عجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدو لله ولرسوله ولاَهل بيته، وذلك تأويل هذه الآية (يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا لاتتولَوا قَوماً غضبَ اللهُ عليهِم قد يَئسُوا مِنَ الآخرةِ كما يئسَ الكُفّارُ مِن أصحابِ القُبُورِ)»(1).
3 ـ إقامة القصاص والعدل، فقد روي عن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال: «لترجعنَّ نفوس ذهبت، وليقتصنَّ يوم يقوم(2)، ومن عُذّب يقتصّ بعذابه ومن أُغيظ أغاظ بغيظه، ومن قُتِل اقتصّ بقتله، ويردّ لهم أعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثأرهم، ثم يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم، ويصير عدوّهم إلى أشد النار عذاباً، ثم يوقفون بين يدي الجبّار عزَّ وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم»(3).
وفي هذا المجال يقول الشيخ المفيد: إنَّ الله تعالى يردّ قوماً من الاَموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزُّ منهم فريقاً، ويذلُّ فريقاً، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه السلام، وإنَّ الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الاِيمان، وكثرت أعماله الصالحات وخرج
____________
(1) بحار الاَنوار 53: 60 | 48 والآية من سورة الممتحنة 60: 13.
(2) أي القائم عليه السلام.
(3) مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 28. وبحار الاَنوار 53: 44 | 16.
________________________________________ الصفحة 63 ________________________________________
من الدنيا على اجتناب الكبائر الموبقات، فيريه الله عزَّ وجلَّ دولة الحق ويعزّه بها، ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه، والآخر من بلغ الغاية في الفساد، وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات، وكثر ظلمه لاَولياء الله، واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الاَخبار، والامامية بأجمعها عليه إلاّ شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فيه على وجه يخالف ما وصفناه(1).
____________
(1) أوائل المقالات: 77. والتأويل المشار إليه هو أن البعض تأوّل الاَخبار الواردة في الرجعة إلى رجوع الدولة في زمان ظهور الاِمام المهدي عليه السلام لا رجوع أعيان الاَشخاص كما تقدم آنفاً.
التعلیقات