القضاء والقَدَر العينيَّان الكليَّان
القضاء والقدر
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 189 ـ 196
(189)
القضاء والقَدَر العينيَّان الكليَّان
إنّ وجودالسُّنن الإلهية السائدة على الكون والمجتمع الإنساني وعلى
أفراده ممّا لا يُنكر ، كما أنَّ تأثير هذه السنن في السعادة والشقاء أمر قاطع لا
________________________________________
(190)
يتخلف . وعلى ذلك فالسُّنن الإلهية الواردة في الكتاب والسُّنّة ، أو الّتي كشف
عنها الإنسان عبر ممارساته وتجاربه ، كلها من تقديره وقضائه سبحانه .
والإنسان تجاه هذه النواميس والسنن السائدة حُرّ مختار ، فعلى أيّة واحدة منها
طبَّق حياته يرى نتيجة عمله ، وإليك المثال:
إنَّ التقدير الإلهي على أُمة يعيش أكثرها في الفقر والحرمان ، وقليل
منها بالغنى والرفاه عن طريق الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين ، هو أن لا
ترى الطائفة المُرَفّهة الراحة ولا الهناء بل لا تعيش إلا حياة القلق والاضطراب
خوفاً من ثورة الكادحين ، وحذراً من بطشة المحرومين.
بينما تقديره تعالى على أُمة تعيش آلام المحرومين وآمال الكادحين ،
وتهيّئ لهم الحياة اللائقة بهم ، وتقلل من غلواء الطبقات المرفهة لصالح
الفقراء ، وتأخذ منهم حقوقهم الّتي جعلها الله لهم : { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ، هو أن يعيشوا عيشة الثبات والاستقرار ، والرُّقي
والتقدم ، والتحرك والبناء.
وهذان التقديران واضحان محسوسان يستوي فيهما جميع أُمم العالم ،
وليس هناك عامل خارج عن إطار اختيار الأُمّة وإرادتها ، يجبرها على اختيار
أحدهما ؛ فالأُمّة إمّا أن تتبع العقل والحكمة ، أو تتبع الغرور والشهوة . وكل
تصل إلى النتيجة الّتي تترتب على عملها ، والكل بقضاء الله تعالى فإنّه هو
الّذي أودع في الكون هذه السنن ، وجعل الناس أحراراً في اختيار سلوك أحد
الطريقين.
فإذا كان ما مرّ من المثال راجعاً إلى سُنَّة إلهيَّة في حق المجتمع ،
فهناك سنن راجعة إلى كل فرد من أفراد المجتمع مثلاً : الشاب الّذي يبدأ
حياته بإمكاناته الحرة ، وأعصابه المتماسكة ، وذكائه المعتدل ، فإمّا أنْ يصرف
تلك المواهب في سبيل تحصيل العلوم والفنون ، والكسب والتجارة ، فمصيره
وتقديره هو الحياة السعيدة الرغيدة.
وإمَّا أنْ يسيء الاستفادة من رصيده المادي والمعنوي ، ويصرفه
________________________________________
(191)
في الشهوات واللذات الزائلة ، فتقديره هو الحياة الشقيّة المظلمة.
والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والشاب حر في اختيار أحد الطريقين ،
والنتيجة الّتي تعود إليه بقضاء الله وقدره . كما أنَّ له أن يرجع أثناء الطريق ،
فيختار بنفسه تقديراً آخر ، ويغيّر مصيره ، وهذا أيضاً يكون من تقدير الله عزّ
وجلَّ ؛ فإنّه هو الّذي خلقنا ، وخيّرنا ، وأقدرنا على الرجوع ، وفتح لنا باب التوبة.
وإليك مثالاً ثالثاً : المريض الّذي يقع طريح الفراش أمامه تقديران:
1 ـ إما أنّ يرجع إلى الأطباء الخبراء ، ويعمل بالوصفة الّتي تعطى له ،
فعندئذٍ يكون البُرء ، والشفاء حليفه.
2 ـ أو يهمل نفسه ، ولا يشاور الطبيب ، أو لا يتناول الدواء ، فاستمرار
المرض والداء حليفه.
والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والمريض حُرّ في اختيار سلوك أي
الطريقين شاء . وأنتَ إذا نظرت إلى الكون والمجتمع والحياة الإنسانية تقدر
على تمييز عشرات من هذه السنن السائدة ، وتعرف أنّها كلها من تقاديره
سبحانه. والإنسان حرّ في اختيار واحد منها . ولأجل ذلك نرى أن رسول الله
ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : « خمسة لا يستجاب لهم : أحدهم مرّ بحائط
مائل وهو يُقبل إليه ، ولم يسرع المشي حتى سقط عليه» (1).
والسر في عدم استجابة دعائه واضح ؛ لأن تقديره سبحانه وقضاءه
على الإنسان الّذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت ، وبذلك
تقف على مغزى ما روي عن علي أمير المؤمنين عندما عدل من حائط مائل
إلى حائط آخر ، فقيل له يا أمير المؤمنين : أتفرّ من قضاء الله؟ فقال ـ عليه
السَّلام ـ : أفرّ من قضاء الله إلى قدره عزّ وجلّ (2). ، يعني أنَّ ذلك باختياري ،
فإن شئت بقيت في هذا القضاء ، وإنْ شئت مضيت إلى قدر آخر . فإن بقيت أُقْتل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار : ج 5، باب القضاء والقَدَر، ذيل الحديث 31، ص 105 .
(2) التَّوحيد للصدوق : ص 369 .
________________________________________
(192)
بقضاء الله ، وإنْ عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه ، ولكل تقدير مصير ، فأيهما
فعلت فقد اخترت ذلك المصير.
ثمّ إنَّ في القرآن الكريم آيات كثيرة بصدد بيان السنن الإلهية السائدة
على المجتمع الإنساني الّتي تَعُدّ الكل من تقديره وقضائه سبحانه ،
والمجتمع محكوم بنتائج هذه السنن حكماً قطعياً وقضاءً باتّاً ، ولكن له
الاختيار في سلوك أي طريق شاء . ولأجل إيقافك على بعض هذه السنن التي
تعد من القضاء والقدر العينيَّين الكليَّين نشير إلى بعضها:
السنن الإلهية في المجتمع البشري
ننقل في هذا الباب بعض الآيات الّتي تنص على قوانين كلية ، وسنن
إلهية سائدة على المجتمع البشري من غير فرق بين مجتمع وآخر ، وإنّما المهم
هو اختيار أحد جانبي تلك السنن.
1 ـ قال سبحانه حاكياً عن شيخ الأنبياء نوح: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}(1).
فترى أنَّ نوحاً ـ عليه السَّلام ـ يجعل الاستغفار سبباً مؤثراً في نزول
المطر ، وكثرة الأموال ، وجريان الأنهار ، ووفرة الأولاد . وإنكار تأثير الاستغفار في
هذه الكائنات أشبه بكلمات الملاحدة . وموقف الاستغفار هنا موقف العلة
التامة ، أو المقتضي بالنسبة إليها ، والآية تهدف إلى أنَّ الرجوع إلى الله ، وإقامة
دينه وأحكامه يسوق المجتمع إلى النظم والعدل والقسط ، وفي ظله تتركز
القوى على بناء المجتمع على أساس صحيح ، فتصرف القوى في العمران
والزراعة وسائر مجالات المصالح الاقتصادية العامة ، كما أنّ العمل على
خلاف هذه السنّة ، وهو رجوع المجتمع عن الله وعن الطهارة في القلب
والعمل ، ينتج خلاف ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة نوح: الآيات 10 ـ 12 .
________________________________________
(193)
فللمجتمع الخيار في التمسك بأهداب أي من السنتين ، فالكل قضاء
الله وتقديره.
2 ـ قال سبحانه : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(1).
3ـ قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنفُسِهِمْ }(2).
4 ـ وقال سبحانه: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى
قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ }(3).
والتقرير في مورد هذه الآيات الثلاث مثله في الآية السابقة عليها.
5 ـ وقال سبحانه: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(4).
نرى أنَّ الآية تتكفل ببيان كلا طرفي السُّنة الإلهية إيجاباً وسلباً ، وتبين
النتيجة المترتبة على كل واحد منهما . والكل قضاؤه وتقديره ، والخيار
في سلوكهما للمجتمع.
6 ـ وقال سبحانه: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ }(5).
7 ـ وقال سبحانه : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(6).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأعراف: الآية 96 .
(2) سورة الرعد: الآية 11.
(3) سورة الأنفال: الآية 53 .
(4) سورة إبراهيم: الآية 7 .
(5) سورة الطلاق: الآيتان 2 ـ 3 .
(6) سورة إبراهيم: الآية 27 .
________________________________________
(194)
فالمجتمع المؤمن بالله وكتابه وسنة رسوله إيماناً راسخاً يثبته الله سبحانه
في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، كما أنَّ الظالم والعادل عن الله سبحانه يخذله
الله سبحانه ، ولا يوفقه إلى شيء من مراتب معرفته وهدايته ؛ ولأجل ذلك يرتب
على تلك الآية قوله :{ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}(1).
8 ـ وقال سبحانه: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(2).
فالصالحون لأجل اتصافهم بالصلاح في العقيدة والعمل ، يغلبون
الظالمين ، وتكون السيادة لهم ، والذلة والخذلان لمخالفيهم.
9 ـ وقال سبحانه: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(3).
فالاستخلاف في الأرض نتيجة الإيمان بالله ، والعمل الصالح ، وإقامة دينه
بتمام معنى الكلمة ، ويترتب عليه ـ وراء الاستخلاف ـ ما ذكره في الآية من
التمكين ، وتبديل الخوف بالأمن.
10 ـ وقال سبحانه: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}(4).
والآيات الواردة حول الأمر بالسير في الأرض ، والاعتبار بما جرى على
الأُمم السالفة لأجل عتوهم وتكذيبهم رسل الله سبحانه ، كثيرة في القرآن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة إبراهيم: الآيتان 28 ـ 29 .
(2) سورة الأنبياء: الآية 105 .
(3) سورة النور: الآية 55 .
(4) سورة محمّد: الآية 10 .
________________________________________
(195)
الكريم تبين سنته السائدة على الأُمم جمعاء.
11 ـ وقال سبحانه: { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(1).
12 ـ وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(2).
13 ـ وقال سبحانه: { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلاَ
يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاَدِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ
وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ
فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}(3).
فالآية من أثبت الآيات المبينة لسنته تعالى في الذين كفروا ، فلا يصلح
للمؤمن أن يغره تقلبهم في البلاد ، وعليه أن ينظر في عاقبة أمرهم كقوم نوح
والأحزاب من بعدهم ، حتى يقف على أنَّ للباطل جولة وللحق دولة ، وأنّ
مردّ الكافرين إلى الهلاك والدمار.
14 ـ وقال سبحانه: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ
لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا *
اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ
يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَحْوِيلاً}(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران: الآية 137 .
(2) سورة الأنفال: الآية 29 .
(3) سورة غافر: الآيات 4 ـ 6 .
(4) سورة فاطر: الآيتان 42 ـ 43. وراجع في الوقوف على هذه الآيات المبينة لسننه الكلية في
الأُمم السالفة الآيات التالية: يوسف: الآية 109، الحج: الآية 46، الروم:
الآية 9 و 42، فاطر: الآية 44، غافر: الآية 120 و 82، الأنعام: الآية 11، النَّحل:
الآية 36، النَّمل: الآية 69، العنكبوت: الآية 20 .
________________________________________
(196)
وما ذكرنا من الآيات نبذة من السنن الإلهية السائدة على الفرد
والمجتمع . وفي وسع الباحث أن يتفحص آيات الكتاب العزيز ، ويقف على
سننه تعالى وقوانينه ، ثمّ يرجع إلى تاريخ الأُمم وأحوالها فيصدِّق قوله سبحانه:
{ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }(1).
فقد خرجنا بهذه النتائج :
1 ـ إنَّ التقدير العينيّ عبارة عن الخصوصيات والمشخّصات
الموجودة في وجود الشيء المكتسبة من علله . والقضاء ضرورة وجوده عند
وجود علته التامة ، والكل مُنْتَه إلى الله سبحانه إنتهاء الأسباب والمسبَّبات إلى
مسببها الأوّل.
وإنَّ هذا التقدير والقضاء من شعب الخلقة ، فمقتضى التوحيد هو القول
بأنَّّه لا مقدر ولا قاضي إلا الله سبحانه ، لكن على التفصيل الّذي سمعته منا
في البحث السابق.
2 ـ إنَّ الاعتقاد بهذا النوع من التقدير والقضاء لا ينتج مسألة الجبر ،
كما أنّ الاعتقاد بالتوحيد في الخالقية لا ينتجه ، وقد مرّ بيانه.
3 ـ إنَّ ما مضى من القضاء والقدر العينيَّين إذا كان راجعاً إلى
خصوصيات وجود الشيء وضرورة وجوده الخارجي فَلْيُسَمَّ بالجزئي منهما.
وإذا كان تقديره وقضاؤه على الإنسان والمجتمع بصورة تسنين قوانين كلية
واسعة لا تتخلف في حق فرد دون فرد أو مجتمع دون مجتمع ، فَلْيُسَمَّ
بالتقدير والقضاء العينيَّين الكليَّين . وتصويب هذه السنن ، وإعطاء الاختيار إلى
الإنسان المختار ، نفس القول بحريته في معترك الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة فاطر: الآية 43 .
التعلیقات