لماذا منع الخليفة من كتابة الوصية ؟
محمّد گوزل الحسن الآمدي
2024 Sep 7لماذا منع الخليفة من كتابة الوصيّة ؟
ثمّ فكّرت مدّة طويلة في سبب إباء الخليفة من إجهار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بوصيّته وتسجيلها وممانعته من استماع الناس إليها ، فلم أقف على علّة شرعيّة مجوّزة للخليفة كي يرتكب ذلك العمل الخطير.
فلمّا رأيت ما قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في عرفات من حديث الثقلين : « يا أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (١).
وما قال في غدير خم من حديث الولاية : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٢).
وما قال للأنصار في الحديث المروي عن الامام الحسن عليه السلام وأنس أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « ادعوا لي سيّد العرب » ـ يعني علي بن أبي طالب ـ فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب ؟ فقال : « أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب » ، فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار ، فأتوه ، فقال لهم : « يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده أبدا ؟ » قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « هذا علي فأحبّوه بحبّي وأكرموه بكرامتي ، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزّوجل ». والحديث مروي عن عائشة باختصار.
وفي رواية زيد بن أرقم قال : كنّا جلوساً بين يدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : « ألا أدلكم على ما إذا استرشدتموه لن تضلّوا ولن تهلكوا ؟ » قالوا : بلى يا رسول الله. قال : « هو هذا » ـ وأشار إلى علي بن أبي طالب ـ ثمّ قال : « واخوه ووازروه واصدقوه وانصحوه ، فإن جبريل أخبرني بما قلت لكم ».
وما جاء في شرح ابن أبي الحديد من حديث زيد بن أرقم فبهذه الصورة : « ألا أدلّكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا ؟ إنّ وليّكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه ، فإن جبريل أخبرني بذلك ».
وقد روي عن جابر وابن عبّاس أيضاً ، إلّا أن حديثهما مروي مثل حديث عائشة بشكل مختصر (٣).
فعندما قابلت بين حديث الوصيّة وهذه الأحاديث رأيت فيها سياقاً واحداً ، وفهمت بأن المرمى واحد أيضاً ، وأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد أن يسجّل لهم بالكتابة تفصيل ما قال لهم بالإجمال قبيل ، ذلك في يومي عرفة والغدير ، اليوم الذي قال فيه الخليفة : بخّ بخّ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ، وأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد أن يبين لهم المراد من العترة ، ومن هم الذين تكون النجاة من الضلالة بالتمسّك بهم ، وفهم الخليفة مراده صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لذا كرهه أشدّ الكراهة وعارضه بتلك المعارضة الشديدة ومنع من كتابة الوصيّة ، كما اعترف بذلك في أيّام خلافته : بأنّه إنّما صدّ عن كتابتها حتّى لا يجعل الأمر لعلي عليه السلام.
عن ابن عبّاس أنّه قال : سئل عنه عمر هل بقي في نفسه ـ يعني عليّاً ـ شيء من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم ، قال : أيزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نصّ عليه ؟ قلت : نعم ، وأزيدك : سألت أبي عمّا يدعيه ، فقال : صدق ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أمره ذرو من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الاسلام ، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً ! ولو وليّها لانقضت عليه العرب من أقطارها ، فعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّي علمت ما في نفسه فأمسك ، وأبَى الله إلّا إمضاء ما حتم.
ثم قال ابن أبي الحديد بعد ذكر هذه المحاورة : ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب « تاريخ بغداد » في كتابه مسنداً.
وذكر ابن أبي الحديد في موضع آخر من شرحه : أن عمر قال : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد أن يذكره للأمر في مرضه فصددته عنه خوفاً من الفتنة وانتشار أمر الاسلام (٤).
وهذا غريب جدّاً ، فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا تضلّوا بعده أبداً ، ولا يختلف بعدي اثنان » والخليفة يقول : « لا تجتمع عليه قريش ، صددته خوفاً من الفتنة » !!
الهوامش
١. سنن الترمذي : ٥ / ٤٣٣ ح : ٣٨١١ ، كنز العمال : ١ / ١٧٢ ح : ٨٧٢.
٢. سنن الترمذي : ٥ / ٤٣٤ ح : ٣٨١٣ ، مسند أحمد : ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ ، المستدرك : ٣ / ١٠٩ و ١٤٨ ، الخصائص للنسائي / ٣٠.
٣. ـ حلية الأولياء : ١ / ٦٣ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٩٨ و ٩ / ١٧٠ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٣٧ ، كنز العمال من حديث الامام الحسن وأنس : ١١ / ٦١٩ ح : ٣٣٠٠٧ و ٣٣٠٠٦ و ١٣ / ١٤٣ و ١٤٥ ح : ٣٦٤٤٨ و ٣٦٤٥٦ ، ذخائر العقبى / ١٢٩ عن الفضائلي والخجندي ، جواهر المطالب : ١ / ١٠٥ عن القضاعي والخجندي ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، كفاية الطالب للكنجي وصححه / ١٨٢ ، فرائد السمطين : ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ح : ١٥٤ ب : ٤٠ ، ينابيع المودة / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ و ٣١٣ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / ٢٤٥ ح : ٢٩٢ ، تاريخ بغداد : ١١ / ٨٩ ـ ٩٠ م : ٥٧٧٦ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ، المستدرك : ٣ / ١٢٤ ، مختصر تاريخ دمشق : ١٧ / ٣٧٦ ، الشريعة للآجري : ٣ / ٢٥٤ ح : ١٦٣٧.
٤. شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٢٠ ـ ٢١ و ٧٨ ـ ٧٩.
مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : ٧٧ ـ ٨٠
التعلیقات