قدماء الشيعة وعلم البيان والنحو
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 7 ـ 13
( 7 )
1 ـ قدماء الشيعة وعلم البيان
2 ـ قدماء الشيعة وعلم النحو
إنّ دراسة القرآن بين الاَُمّة ونشر مفاهيمه يتوقّف على معرفة العلوم التي تعدّ مفتاحاً له؛ إذ لولا تلك العلوم لكانت الدراسة ممتنعة، ونشرها في ربوع العالم غير ميسور جدّاً. بل لولا هذه العلوم ونضجها لحرم جميع المسلمين حتّى العرب منهم منالاستفادة منالقرآنالكريم؛ لاَنّالفتوحات فرضتعلىالمجتمعالعربي الاختلاط مع بقية القوميات، وسبَّب ذلك خطراً على بقاء اللغة العربية، وكان العرب عند ظهور الاِسلام يعربون كلامهم على النحو الذي كان في القرآن، إلاّ من خالطهم من الموالي والمتعرّبين، ولكن اللحن لم يكثر إلاّ بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق،
________________________________________
( 8 )
فشاع اللحن في قراءة القرآن، فمسّت الحاجة الشديدة إلى ضبط قواعد اللّغة(1).
فقام أبو الاَسود الدؤلي بوضع قواعد نحوية بأمر الاِمام أمير المؤمنين _ عليه السلام _، فأبو الاَسود إمّا واضع علم النحو أو مدوّنه، وكان من سادات التابعين، وقد صاحب عليّاً وشهد معه صفّين، ثمّ أقام في البصرة.
يقول الشيخ أبو الحسن سلامة الشامي النحوي: إنّ علياً دخل عليه أبو الاَسود يوماً. قال: فرأيته مفكّراً، فقلت له: ما لي أراك مفكّراً يا أمير المؤمنين؟ قال: «إنّي سمعت من بعض الناس لحناً، وقد هممت أن أضع كتاباً أجمع فيه كلام العرب».
فقلت: إن فعلت ذلك أحييت أقواماً من الهلاك.
فألقى إليَّ صحيفة فيها: « الكلام كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما دلّ على المسمّى، والفعل ما دلّ على حركة المسمّى، والحرف ما أنبأ عن معنى وليس باسم ولا فعل». وجعل يزيد على ذلك زيادات.
قال: واستأذنته أن أصنع في النحو ما صنع، فأذن، وأتيته به فزاد فيه ونقص.
وفي رواية: أنّه ألقى إليه الصحيفة وقال له: «انحَ نحو هذه» فلهذا سمّي النحونحواً(2).
ومن المعلوم أنّ هذه القواعد لم تكن لتسد الحاجة الملحّة، ولكن أبا الاَسود قام بإكمالها وضبطها وبتمييز المنصوب من المرفوع، والاسم من الفعل، بعلامات نسمّيها الاِعراب. فالروايات مجمعة على أنّ أبا الاَسود (وهو شيعي المذهب توفّي سنة (69هـ) إمّا مدوّن علم النحو أو واضعه، وأضحى ما دوّنه مصدراً لهذا العلم في
____________
(1) جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية : 1: 219.
(2) حسن الصدر، تأسيس الشيعة: 51 ولقد بلغ الغاية في ذلك المجال فنقل كلمات المؤرّخين فيما قام به الاِمام وتلميذه في تأسيس علم النحو.
________________________________________
( 9 )
العصور اللاحقة.
وهناك كلام لابن النديم دونك لفظه، يقول:
قال محمّد بن إسحاق: زعم أكثر العلماء أنّ النحو أُخذ عن أبي الاَسود الدؤلي، وأنّ أبا الاَسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _.
ثمّ نقل عن الطبري وقال: إنّما سمّي النحو نحواً لاَنّ أبا الاَسود الدؤلي قال لعليّ _ عليه السلام _ وقد ألقى عليه شيئاً من أُصول النحو، قال أبو الاَسود: واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع. فسمّي ذلك نحواً(1).
2 ـ وإذا كان أبو الاَسود الدؤلي واضعاً للنحو، فالخليل بن أحمد الفراهيدي هو المنقّح له والباسط له. قال أبو بكر محمّد بن الحسن الزبيدي: والخليل بن أحمد، أوحد العصر، وفريد الدهر، وجهبذ الاَُمّة، وأُستاذ أهل الفطنة، الذي لم ير نظيره، ولا عرف في الدنيا عديله، وهو الذي بسط النحو ومدّ أطنابه وبيّن علله وفتق معانيه وأوضح الحجاج فيه، حتّى بلغ أقصى حدوده، وانتهى إلى أبعد غايته... وسيوافيك أنّ الخليل من أصحاب الاِمام الصادق ومن شيعته.
ثمّ إنّ علماء الفريقين شاركوا في إنضاج هذا العلم وإيصاله إلى القمّة. وليس للمنصف بخس حق طائفة لمصالح أُخرى، ولكن لمّا كان الهدف هو بيان دور الشيعة في تطوير العلوم وتتبّعها فانّا نذكر من ألّف في علم النحو من قدماء الشيعة فقط، ومنهم:
1 ـ عطاء بن أبي الاَسود: قال الشيخ الطوسي في باب أصحاب الحسين بن عليّ: ومنهم ابن أبي الاَسود الدؤلي.
وقال الحافظ السيوطي في الطبقات: عطاء، أُستاذ الاَصمعي وأبو عبيدة(2).
____________
(1) ابن النديم، الفهرست: 66 وللكلام صلة فمن أراد فليرجع إلى المصدر.
(2) تأسيس الشيعة : 65.
________________________________________
( 10 )
2 ـ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي الكوفي: قال السيوطي: هو أوّل من وضع من الكوفيين كتاباً في النحو وسمّـاه الفيصل، وهو أُستاذ الكسائي والفرّاء(1)..
قال النجاشي: روى هو وأبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله _ عليهما السلام _ وله: كتاب الوقف والابتداء، وكتاب الهمز، وكتاب إعراب القرآن(2).
3 ـ حمران بن أعين، أخو زرارة بن أعين: كان نحوياً إماماً فيه، عالماً بالحديث واللغة والقرآن، أخذ النحو والقراءة عن ابن أبي الاَسود، وأخذ عنه الفرّاء، وكان قد أخذ الحديث عن الاِمام السجّاد والباقر والصادق. وآل أعين بيت كبير بالكوفة من أجلّ بيوت الشيعة، ولاَبي غالب الزراري رسالة في ترجمة آل أعين قال: كان حمران من أكابر مشايخ الشيعة وكان عالماً بالنحو واللغة(3)..
4 ـ أبو عثمان المازني، بكر بن محمّد: قال النجاشي: كان سيّد أهل العلم بالنحو والعربية واللغة، ومقدّمته بذلك مشهورة، وكان من علماء الاِمامية، قد تأدّب على يد إسماعيل بن ميثم(4) ، له في الاَدب: كتاب التصريف، كتاب ما يلحن فيه العامة، التعليق. مات سنة 248هـ (5).
5 ـ ابن السكيت، يعقوب بن إسحاق السكيت: كان مقدّماً عند أبي جعفر (الجواد) وأبي الحسن (الهادي) _ عليهما السلام _ وكانا يختصّانه. وله عن أبي جعفر _ عليه السلام _ رواية
____________
(1)المصدر نفسه: ص 67.
(2)النجاشي : الرجال: 2: 200 | 884.
(3) أبو غالب، رسالة في آل أعين: 2ـ3 بتلخيص.
(4) وهو من أئمّة المتكلّمين الشيعة.
(5) النجاشي، الرجال: 1: 272 | 277 وذكره ابن النديم في أخبار النحويين واللغويين: 90، والخطيب البغدادي في تاريخ مدينة بغداد ج 7 | 3529.
________________________________________
( 11 )
ومسائل، وقتله المتوكّل لاَجل تشيّعه عام 244هـ، وأمره مشهور. وكان وجيهاً في علم العربية واللغة، ثقة، مصدّقاً، لا يطعن عليه. وله كتب: إصلاح المنطق، كتاب الاَلفاظ، كتاب ما اتّفق لفظه واختلف معناه، كتاب الاَضداد، كتاب المذكّر والمؤنث، كتاب المقصور والممدود، و...(1).
وسبب قتله: أنّ المتوكّل سأله يوماً وهو يعلّم ابنيه وقال: يا يعقوب، أيّهما أحبّ إليك، ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فأجابه: «انّ قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك» فأمر المتوكّل، فسلّوا لسانه من قفاه فمات، وقد خلّف بضعة وعشرين أثراً في النحو واللغة والشعر(2).
6 ـ ابن حمدون، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون: قال فيه النجاشي: الكاتب النديم شيخ أهل اللغة ووجههم. أُستاذ أبي العبّاس(3) وكان خصّيصاً بسيّدنا أبي محمّد العسكري وأبي الحسن قبله. له كتب. ثمّ ذكر كتبه(4).
7 ـ أبو إسحاق النحوي، ثعلبة بن ميمون: قال عنه النجاشي: كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد، روى عن الصادق والكاظم(5) . وبما أنّ الاِمام الكاظم توفّي عام مائة وثلاثة وثمانين، فهو من أهل المائة الثانية.
8 ـ قتيبة النحوي الجعفي الكوفي: قال النجاشي: المؤدّب، المقرىَ، ثقة عين،
____________
(1) رجال النجاشي: 2: 425 | 1215.
(2) جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية 1: 424 وترجمه ابن خلّكان في وفياته، وياقوت في طبقات الاَُدباء وغيرهم.
(3) يريد ثعلباً (200 ـ 291هـ).
(4) النجاشى: الرجال 1: 237 | 228.
(5)المصدر نفسه: 1: 294 | 300، وذكره ابن حجر في لسان الميزان ج2 برقم 332.
________________________________________
( 12 )
روى عن الصادق _ عليه السلام _(1) .
وذكره السيوطي في بغية الوعاة، ووصفه في تأسيس الشيعة بأنّه إمام أهل النحو واللغة(2).
9ـ إبراهيم بن أبي البلاد: قال النجاشي: كان ثقة، قارئاً، أديباً، روى عن الصادق والكاظم _ عليهما السلام (3).
10 ـ محمّد بن سلمة اليشكري: قال النجاشي: جليل من أصحابنا الكوفيين، عظيم القدر، فقيه، قارىَ، لغوي، راوية، خرج إلى البادية ولقى العرب وأخذ عنهم. وأخذ عنه يعقوب بن السكّيت. ثمّ ذكر كتبه(4)، وبما أنّه شيخ ابن السكيت فهو من أهل المائة الثانية وأوائل الثالثة.
11 ـ أبو عبد الله النحوي، الحسين بن أحمد بن خالويه: سكن حلب ومات بها، وكان عارفاً بمذهبنا، مع علمه بعلوم العربية، واللغة، والشعر. وله كتب، ومن كتبه: مستحسن القراءات والشواذّ، كتاب في اللغة(5).
ووصفه السيوطي في الطبقات: إنّه إمام اللغة والعربية، وغيرهما من العلوم الاَدبية، دفن ببغداد سنة 314هـ.
12 ـ أبو القاسم التنوخي: قال الشيخ رشيد الدين بن شهر آشوب: إنّه من جملة الشعراء المجاهرين بالشعر في مدح أهل البيت.
وقال ياقوت: كان في النحو وحفظ الاَحكام وعلم الهيئة والعروض قدوة،
____________
(1) المصدر نفسه: 2: 185 | 867.
(2) تأسيس الشيعة: 76.
(3) النجاشي ، الرجال 1: 102 | 31.
(4) المصدر نفسه 2: 218 | 897.
(5) المصدر نفسه 1: 188 | 159.
________________________________________
( 13)
وكان يحفظ من اللغة والنحو شيئاً عظيماً(1)
ما ذكرناه نماذج من أئمّة اللغة من الشيعة الاِمامية في القرون الاَُولى، وأمّا من وليهم من الاَئمّة فحدّث عنهم ولا حرج، فإنّ ذكر أسمائهم ونبذٍ من حياتهم يدفعنا إلى تأليف كتاب مفرد، وقد كفانا في ذلك ما كتبه السيد الصدر في هذا المجال، فقد بلغ النهاية، وقد ذكر أئمّة النحو من الشيعة إلى القرن السابع( 2 ) فبلغوا (041) إماماً وأُستاذاً ومؤلّفاً في الاَدب العربي، ولا سيما النحو، وبينهم شخصيات بارزة كالشريف المرتضى والشريف الرضى وابن الشجريّ الذي يقول في حقّه السيوطي: كان أوحد زمانه، وفرد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب، توفّي عام (542هـ).
ونجم الاَئمّة الرضي الاسترآبادي، إلى غير ذلك من الشخصيات البارزة.
التعلیقات