الأقوال في نسخ زواج المتعة
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج1 ، ص 283 ـ 293
________________________________________ الصفحة 283 ________________________________________
الأقوال في نسخ زواج المتعة:
إن تشريع زواج المتعة أمر قطعي لا ريب فيه، وقد ثبت تشريعه بالكتاب والسنة والإجماع، لكن هناك فئة كبيرة من المسلمين تدعي نسخ هذا التشريع، ولكنهم اختلفوا في ما بينهم في هذا النسخ، وفي أزمنته، وأمكنته وغير ذلك من خصوصيات.
والمراجع لكلماتهم؛ يجد أن أقوالهم حول نسخ آية وتشريع المتعة كثيرة، وقد تعددت بسبب تعدد رواياتهم، واختلاف أخبارهم في ذلك.
«وقد روي نسخها بعد الترخيص في ستة مواطن،
الأول: في خيبر،
والثاني: في غزوة تبوك،
والثالث: في عمرة القضاء
والرابع: في عام الفتح،
________________________________________ الصفحة 284 ________________________________________
والخامس: في عام أوطاس،
والسادس: في حجة الوداع»(1).
وقد قال العلامة الأميني: إن أقوالهم في نسخها تنتهي إلى اثنين وعشرين قولاً(2) ونحن نذكر نموذجاً من هذه الأقوال.. ونحيل القارئ إلى كتاب الغدير، للعلامة الأميني (ره) ليطلع على باقيها، كما أن كثيراً من هذه الأقوال قد ذكرت في سائر الكتب التي تعرضت للروايات، وللأقوال حول هذا التشريع الثابت بالكتاب والسنة(3).
فنقول: اختلف العلماء في عدد المرات للإباحة وللنسخ(4).
فقيل:
1 ـ إنها كانت رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها يوم
____________
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266.
(2) الغدير ج 3 ص 333.
(3) راجع: البداية والنهاية ج 3 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 و 131 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص474.
(4) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
________________________________________ الصفحة 285 ________________________________________
خيبر(1) ونسب ابن القيم(2) ذلك إلى الشافعي وغيره.
وقال النووي: «إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد.. اختاره المازري، والقاضي»(3).
وإليه ذهب البيهقي في بعض كلامه(4) ومحمد بخيت المطيعي(5) أما يوم الفتح فكان مجرد تأكيد للتحريم الذي كان يوم خيبر(6).
وقال الزرقاني: «هكذا اتفق مالك، وسائر أصحاب الزهري على [خيبر] قال عياض: تحريمها يوم خيبر لا شك فيه»(7).
____________
(1) راجع: بداية المجتهد ج 2 ص 57.
(2) زاد المعاد ج 2 ص 183، وراجع أوجز المسالك ج 9 ص 407، والمنتقى هامش ج 2 ص 517، وراجع: البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية ج 3 ص 366.
(3) شرح صحيح مسلم ج 9 ص 193.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 201.
(5) سلم الوصول إلى نهاية السؤل ج 3 ص 288.
(6) فتح الملك المعبود ج 3 ص 266.
(7) شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 153.
________________________________________ الصفحة 286 ________________________________________
2 ـ أبيحت ثم نهي عنها يوم الفتح، وإليه ذهب العسقلاني، وابن القيم والبيهقي في بعض كلامه، وابن عينية، وطائفة، وغير واحد(1) وقال السهيلي: «إن هذا هو المشهور»(2).
وعلى حد تعبير البعض: «إن نكاح المتعة، قد كان مباحاً بين أيام خيبر وأيام فتح مكة، إلا أنه صار منسوخاً بإجماع الصحابة»(3).
وعلى حد قول ابن القيم: «ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبي (صلى الله عليه وآله) بإذنه (صلى الله عليه وآله)»(4).
3 ـ إنها حرمت في حجة الوداع(5) وهو ما صححه الحلبي
____________
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 206، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 193، وبداية المجتهد ج 2 ص 57، والمنتقى ج 2 ص هامش ص 517، وبلوغ المرام تعليقات محمد حامد النقي هامش ص 207 عن ابن القيم.
(2) فتح الباري ج 9 ص 145 (3) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
(4) زاد المعاد ج 2 ص 183.
(5) السيرة الحلبية ج 3 ص 104، واشار إلى هذا القول او إلى روايته في: زاد المعاد ج 2 ص 183 وتفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474، والتمهيد ج 9 ص 103، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والاعتبار للحازمي ص 176، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 227 عن الخطابي وراجع فتح الباري ج 9 ص 144 و 146، وراجع بداية المجتهد ج 2
=>
________________________________________ الصفحة 287 ________________________________________
الشافعي وهو ما نقل عن أبي داود: «إن هذا ما روي في ذلك»(1).
وذهب إليه الحازمي(2).
4 ـ أبيحت، ثم نهي عنها في غزوة تبوك(3) ولم يقع منه(صلى الله عليه وآله) إذن في الاستمتاع(4).
5 ـ ما حلت إلا في عمرة القضاء، وما حلت قبلها، ولا بعدها عن الحسن(5).
6 ـ أبيحت للضرورة، ثم حرمت آخر سنة حجة الوداع(6)
____________
<=
ص 57، وأوجز المسالك ج 9 ص 204 و407 ونسبه إلى ابن عابدين تبعاً لابن الهمام، وعون المعبود ج 9 ص 84 والمنتقى ج 2 ص 517 في الهامش.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
(2) الاعتبار ص 199.
(3) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
(4) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
(5) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131 قال: وروي هذا عن سبرة. والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 503 و 504، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، وراجع: فتح الباري ج 9 ص 145، وراجع التفسير الكبير ج 10 ص 49، وبداية المجتهد ج 2 ص 57، والاستذكار ج 16 ص 292.
(6) راجع بداية المجتهد ج 2 ص 57، والبداية والنهاية ج 4 ص 193.
________________________________________ الصفحة 288 ________________________________________
قاله الحازمي.
7 ـ أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر، ثم أذن فيها حين الفتح، ثم حرمت، وهو قول القرطبي وقول النووي، وربما يكون هو مقصود الشافعي، حين قال: إنها أبيحت ثم نسخت مرتين.
وقال الشافعي أيضاً: «لا أعلم في الإسلام شيئاً أُحلّ ثم حُرّم، ثم أحلّ ثم حرّم غير المتعة»(1).
فحمل الأمر على ظاهره، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) حرّمها يوم خيبر، ثم أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرّمها(2).
واعتبر ابن العربي نكاح المتعة من غرائب الشريعة لأنه أبيح، ثم حرّم، ثم أبيح، ثم حرّم(3).
8 ـ وقيل: حرمت في غزاة أوطاس بعد تحليلها ثلاثة أيام،
____________
(1) لباب التأويل ج 1 ص 343. وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 407، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، ونسبه في ص 318 إلى القيل، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، وراجع فتح الباري ج 9 ص 147.
(2) أوجز المسالك ج 9 ص 407 الفواكه الدواني ج 5 ص 33 من دون أن يربط ذلك بالشافعي.
(3) شرح الموطأ ج 4 ص 47.
________________________________________ الصفحة 289 ________________________________________
وصححه الحلبي أيضاً(1).
وقالوا: لا مخالفة بين أوطاس والفتح، لأن الفتح هو يوم أوطاس لاتصالهما(2).
9 ـ حرمت يوم حنين.
لكن البعض احتمل: أن تكون غزوة أوطاس وحنين واحداً(3).
10 ـ وروي أنه (صلى الله عليه وآله): قام خطيباً يوم عرفة وقال: «أيها
____________
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 45، والرواية في صحيح مسلم ج 4 ص 131 عن أياس بن سلمة عن أبيه، ونصب الراية ج 3 ص 177، وسنن البيهقي ج 7 ص 204، والجامع لأحكام القرآن ج 2 ص 130 و 131، وسنن الدارقطني ج 3 ص 258، وقد ذكروا أن النبي (صلى الله عليه وآله) رخص بها عام أوطاس ثلاثاً، ثم نهى عنها.. وراجع بداية المجتهد ج 2 ص 57.
(2) راجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 و ج 12 ص 106، وأوجز المسالك ج 9 ص 406 و 407، وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336، ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422، وراجع: التمهيد ج 9 ص 99، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226، والبناية ج 4 ص 101، وفتح الباري ج 9 ص 147 و 146 عن النووي، وعون المعبود ج 6 ص 82، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 181، والإحسان ج 9 ص 458، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 193، وتحفة المحتاج ج 7 ص 224، وقال ابن خويز منداد وغيره: وإليه أشار ابن العربي وزاد المعاد ج 2 ص 142، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، راجع الفواكه الدواني ج 5 ص 33، والهداية في شرح البداية ج 6 ص 510.
(3) أوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 146.
________________________________________ الصفحة 290 ________________________________________
الناس، إن المتعة حرام كالميتة، والدم، والخنزير»(1).
11 ـ وقال العظيم آبادي: «روي نسخ المتعة بعد الترخص في ستة مواطن الأول خيبر، والثاني في عمرة القضاء، والثالث عام الفتح، والرابع عام أوطاس، والخامس غزوة تبوك، والسادس في حجة الوداع، فهذه التي أوردت إلا أن في ثبوت بعضها خلافاً»(2).
12 ـ أبيحت في صدر الإسلام، وعام أوطاس، ويوم الفتح، وعمرة القضاء، وحرمت يوم خيبر، وغزوة تبوك، وحجة الإسلام(3).
ولعل هذا هو مقصود بعضهم أنها: أبيحت ثم حرمت أربع مرات(4).
13 ـ أبيحت ثم نسخت ثلاث مرات(5).
____________
(1) بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
(2) عون المعبود ج 6 ص 92 وراجع أوجز المسالك ج 9 ص 406 عن الهميلي.
(3) راجع: البداية والنهاية ج 3 ص 193، وفتح الباري ج 9 ص 146.
(4) السيرة الحلبية ج 3 ص 45، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366.
(5) البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
________________________________________ الصفحة 291 ________________________________________
وقد قال ابن كثير عن هذا القول وسابقه: «وهذا بعيد جداً»(1).
14 ـ أبيحت سبعاً، ونسخت سبعاً، في خيبر، وحنين، وعمرة القضاء، ويوم الفتح، وأوطاس، وتبوك، وحجة الوداع(2).
15 ـ ذكر الطحاوي أخبار الحل والتحريم المختلفة فيما بينهما في ذكر مناسبة التحريم ووقته: ثم قال: فثبت بما ذكرنا نسخ ما في الآثار الأول التي ذكرناها في أول الباب، ثم قد روي عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) النهي عنها أيضاً(3).
وقال: «ففي هذه الآثار النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الإذن فيها كان ذلك من قبل النهي، ثم نهى عنها، فكان ذلك
____________
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية ج 3 ص 366.
(2) راجع: نيل الأوطار ج 6 ص 272 و 273، ولا بأس بمراجعة: أوجز المسالك ج 9 ص 406، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131، وراجع الغدير ج 6 ص 222 و226 لتجد هذه الأقوال، وغيرها. وتوجد هذه الأقوال أيضاً في كتب القائلين بالنسخ، وحين الحديث عن: غزوة تبوك، وأوطاس، وحنين، والفتح، وخيبر، وعمرة القضاء، وحجة الوداع.
(3) شرح معاني الآثار ج 3 ص 26.
________________________________________ الصفحة 292 ________________________________________
النهي ناسخاً لما كان من الإباحة قبل ذلك»(1).
وعند الزرقاني: أن ذلك هو المتحصل من الأخبار(2).
16 ـ أبيحت في صدر الإسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك، واستقر الأمر على التحريم، وهو قول ابن العربي(3).
17 ـ أبيحت في خيبر سنة سبع، ثم نهي عنها، ثم أبيحت عام الفتح سنة ثمان، ثم نهي عنها، ثم كرر النهي عنها أيضاً في حجة الوداع سنة عشر، وانتهى الأمر على ذلك(4).
الشك فيما نسب للشافعي:
تقدم: أن الشافعي يقول: إن النهي عن المتعة قد كان يوم خيبر.
____________
(1) المصدر السابق ج 3 ص 25.
(2) راجع: شرح الموطأ ج 4 ص 46، ولم يذكر التحريم في حنين، ربما لأنه اعتبرها تصحيف كلمة: (خيبر) وكما ذكره في نفس الصفحة المشار إليها.
(3) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 و 131، وراجع: مرقاة المفاتيح ج 3 ص422.
(4) فتح الملك المعبود ج 3 ص 225.
________________________________________ الصفحة 293 ________________________________________
ونقول:
إننا نشك في صحة نسبة ذلك إلى الشافعي، لأنه قائل بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنة..
إلا أن يقال: إن الشافعي إنما يثبت حلية المتعة بالسنة أيضاً، لا بالقرآن..
أو يقال: إنه يقصد من النسخ يوم خيبر هو إعادة إبلاغ النسخ الذي حصل بآية: حفظ الفروج، في سورة المؤمنون، وآية سورة المعارج..
لكن هذا التوجيه لا يتناسب مع ما صرح به ابن قيم الجوزية من أن هذا الزواج قد كان حلالاً قبل خيبر، لأن ذلك معناه: أن هذا الزواج لم ينسخ قبل خيبر ليكون ما جرى يوم خيبر مجرد إعادة إبلاغ للتحريم.. بل يكون إنشاء للتحريم، ونسخاً للحكم القطعي بخبر الواحد الظني.. وذلك مرفوض عندهم كما هم معلوم.
التعلیقات