جَرُّ الاَرجل بالمجاورة عند البيضاوي
المصدر : نـهـايـة الاقـدام في وجوب المسح على الاقدام ، تأليف : السيّد نور الله التستري ، تحقيق : هدى جاسم محمّد ابو طبرة ص 410 ـ 410
________________________________________ الصفحة 410 ________________________________________
[جَرُّ الاَرجل بالمجاورة عند البيضاوي!]
ثم أقول:
ولورود ما أوردناه على صاحب «الكشّاف»، ترى القاضي البيضاوي(3) ـ مع كونه في تفسيره إنَّما يقتبس من انواره ويهتدي بآثاره ـ لم يرتضِ في دفع معارضة قراءة الجرِّ بالتزام عطف الاَرجل على الرؤوس، بل استحقره عن النقل. واضطرّ في دفع التعارض إلى ارتكاب أنَّ قراءة الجرّ مبنيّة على الجرِّ بالمجاورة!(4).
____________
(3) هو عبدالله بن عمر بن محمّد ناصر الدين الشيرازي البيضاوي الشافعي، ولد قرب شيراز في المدينة البيضاء، وولي قضاء شيراز فيما بعد، ثم صرف عنه، فرحل إلى تبريز، له: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، والغاية القصوى في دراية الفتوى، وشرح مختصر ابن الحاجب، وغيرها، مات بتبريز سنة 685هـ ودفن فيها.
الوافي بالوفيات 17/379 رقم 310، ومرآة الجنان 4/220، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 8/157، طبقات الشافعية ـ للاَسنوي ـ 1/183 رقم 260، البداية والنهاية 3/309 من المجلد السابع، طبقات المفسرين ـ للداوودي ـ 1/248 رقم 230.
(4) المراد بالجر على الجوار أو المجاورة أو الاتباع، هو أنْ تكون الاَرجل ـ في قراءة الجر ـ
=
________________________________________ الصفحة 411 ________________________________________
........................................................
____________
=
مجرورة عطفاً على الرؤوس في الاِعراب، وعلى الوجوه في المعنى، أي: أنَّ حقَّ الاَرجل هو النصب، ولكنها لمّا جاورت المجرور جُرَّت لمجاورته وتابعته في اعرابه.
وهنا ينبغي التأكيد على أُمور في غاية الاَهمية، وهي:
الاَوّل: إجماع الشيعة الاِمامية على بطلان جر الاَرجل بالمجاورة، وكتبهم الفقهية المقارنة، والتفسيرية طافحة بمناقشة حجج القائلين بجر الاَرجل بالمجاورة، وتفنيدها.
الثاني: إنَّ جميع من قال بجر الاَرجل من العامّة ـ فيما تتبعناه ـ إنّما هو مقلد للاَخفش (ت 207هـ) في معاني القرآن؛ لاَنَّه أوّل من قال بذلك، ولم يسبقه إلى هذا القول أحد فيما أعلم.
الثالث: اشتباه الاَخفش ومن تابعه على ذلك القول، وقد صرح بتخطئته جملة من علماء العربية، والفقهاء، والمفسرين. كما سيأتي مفصلاً في الاَمر السابع.
الرابع: عدم وقوع الجر بالمجاورة في القرآن الكريم مطلقاً؛ لما يستلزمه من اُمور يجلّ عنها كتاب الله تعالى كما سيتضح إليك في كلام المصنف قدس سره.
الخامس: اعراض جملة من مفسري العامّة عن هذا القول في كتبهم التفسيرية، وأمّا من ذهب إليه منهم، فقد ردّه آخرون من مفسري العامّة انفسهم.
السادس: في من قال بجر الاَرجل بالمجاورة، وهم:
الاخفش (ت 207هـ) في معاني القرآن 2/465، وأبو عبيدة (ت 210هـ) في مجاز القرآن 1/155، وتابعهما على ذلك: الفقيه السمرقندي (ت 375هـ) في تفسيره 1/419؛ وقد وقع محققوا تفسيره في خبط عظيم وهم ثلاثة من أساتذة الاَزهر الشريف وهم: الشيخ علي محمّد عوض، والشيخ عادل أحمد عبدالموجود، والدكتور زكريا عبدالمجيد التوني وذلك في تعليقتهم على عبارة السمرقندي وهي: «قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وفي رواية: أبي بكر (وأرجلِكم) بكسر اللام».
فعلقوا عليها في الهامش رقم 3 من الجزء الاَوّل ص418 بما هذا نصه: «وحجّتهم: أنّها معطوفة على الوجوه والاَيدي، فأوجبوا الغسل عليها»!!!
أقول: لم يلتفت هؤلاء الاساتذة إلى تتمة كلام السمرقندي نفسه إذ قال بعد العبارة المذكوره ـ وبلا فصل ـ: «وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالنصب فإنّه جعله نصباً لوقوع الفعل عليه وهو الغسل، يعني: واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، ومن قرأ بالكسر، جعله كسراً لدخول حرف الخفض ـ وهو الباء ـ فكأنّه قال: وامسحوا برؤوسكِم وأرجلِكم». وقد مرّ في الهامش رقم 1 ص 370 تفصيل موقف هؤلاء القرّاء وغيرهم من قراءة (وأرجلكم) نصباً وجرّاً، فراجع.
وأبو زرعة (ت بعد سنة 403هـ) في حُجّة القراءآت: 223، والواحدي (ت 468هـ)
=
________________________________________ الصفحة 412 ________________________________________
........................................................
____________
=
في تفسير الوسيط 2/159، والفقيه السرخسي (ت 682هـ) في المبسوط 1/9، والبغوي (ت 510 أو 516هـ) في معالم التنزيل 2/217، وأبو البركات البغدادي (ت 577هـ) في البيان في غريب إعراب القرآن 1/422، حكاه بعنوان: «وقيل هو مجرور على الجوار» ثم علق عليه بقوله: «وهو قليل في كلامهم»، والكاساني الحنفي (ت 587هـ) في بدائع الصنائع 1/6، وابن الجوزي (ت 597هـ) في زاد المسير 2/301، وأبو البقاء العُكبري (ت 616هـ) في التبيان في إعراب القرآن 1/423، وفي املاء ما من به الرحمن 1/208، وابن قدامة الحنبلي (ت 602هـ) في المغني 1/153، والنووي الشافعي (ت 676هـ) في المجموع شرح المهذب 1/420، وعبدالرحمن بن قدامة الحنبلي (ت 682هـ) في الشرح الكبير 1/ 147 ـ وقد ردّه محقق الشرح الكبير في هامشه فقال ما نصه: «والحق: إنَّ هذه تأويلات، وإنَّ المسح ثابت بقراءة متواترة عمل بها بعض السلف» والعجب من هذا المحقق؛ لاَنه ضرب ما اعترف بتواتره وعمل السلف بمقتضاه عرض الحائط باختياره غسل الاَرجل!!ـ
والبيضاوي (ت 685هـ) في أنوار التنزيل ـ وسوف يناقشه المصنّف على ذلك ـ وابن كثير (ت774هـ) في تفسيره 2/ 26، والسيوطي (ت911هـ) في تفسير الجلالين 1/264، وأبو السعود (ت951هـ) في تفسيره 3/11، والمعاصر الصابوني الوهابي في روائع البيان 1/533.
السابع: في الرد على من قال بجر الجوار.
أهمل الجر بالمجاورة جملة من علماء العامّة، ولم يحتجوا به في تفاسيرهم، ولا في كتبهم الفقهية، كما ردّه آخرون صراحة.
قال الزجاج (ت311هـ) في معاني القرآن واعرابه 2/153: «فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات الله».
وقال النحاس (ت 338هـ) في اعراب القرآن 2/9 رداً على الاخفش وأبي عبيدة: «وهذا القول غلط عظيم؛ لاَن الجوار لا يجوز في الكلام أنْ يقاس عليه، وإنّما هو غلط، ونظيره الاِقواء».
وقال ابن خالويه (ت370هـ) في اعراب القراءات السبع 1/143، «فهو [أي: جر الجوار] غلط، لان الخفض على الجوار لغة لا يستعمل في القرآن، وانما يكون لضرورة شاعر، أو حرف يجري كالمثل، كقولهم: حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ».
وقال القيسي (ت 437 هـ) في مشكل اعراب القرآن 1/220 رقم 670 عن الجر بالمجاورة: «وهو بعيد، لا يحمل القرآن عليه».
كما اهمل هذا الجر الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره، ولم يحتج به في سائر كتبه كما
=
________________________________________ الصفحة 413 ________________________________________
........................................................
____________
=
مر في صدر مناقشة المصنف قدس سره له.
ورده الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره بثلاثة وجوه كما سيتضح من نقل كلامه في متن هذه الرسالة، تحت عنوان: (بطلان الجر بالمجاورة)، ص416.
ونقل القرطبي المالكي (ت 671 هـ) في الجامع لاحكام القرآن 6/94 قول الاخفش وأبي عبيدة، ثم قول النحاس في ردهما، ولم يعقب عليه بشيء فكان مرضيه ومختاره.
وقال ابو حيان النحوي الاندلسي (ت754 هـ) في البحر المحيط 3/437 عن الجر بالمجاورة: «وهو ضعيف جداً، ولم يرد الا في النعت حيث لا يلبس، على خلاف فيه قد قرر في علم العربية».
وقال السمين الحلبي (ت756 هـ) في الدر المصون 2/495: «وهذه المسألة ـ أي: مسألة الجر بالمجاورة ـ لها شرط، وهو أن يؤمن اللبس كما تقدم تمثيله ـ يعني قولهم: حجر ضب خرب ـ بخلاف: (قام غلام زيد العاقل)، اذا جعلت (العاقل) نعتاً للغلام امتنع جره على الجوار لاجل اللبس». ثم نقل بعد ذلك عدداً كثيراً من الآيات القرآنية والشواهد الشعرية التي زعم جرها بالمجاورة وناقشها نقاشاً علمياً رائعاً مطولاً، واثبت بطلان الاحتجاج بها على وقوع الجر بالمجاورة ونفاه عن ساحة القرآن الكريم نفياً باتاً.
وقال النيسابوري (ت850 هـ) في تفسيره 8/73 «ولا يمكن ان يقال انه كسر على الجوار كما في قولهم: جحر ضب خرب؛ لان ذلك لم يجيء في كلام الفصحاء، وفي السعة ايضاً، وايضاً انه جاء حيث لا لبس، ولا عطف، بخلاف الآية» لما فيها ـ على الجر بالمجاورة ـ من لبس، وعطف.
وقال سليمان بن عمر الشافعي الشهير بالجمل (ت 1204 هـ) في الفتوحات الالهية بتوضيح تفسير الجلالين: «وهذا، وان كان وارداً، الا أن التخريج عليه ضعيف؛ لضعف الجوار من حيث الجلمة، وايضاً فان الخفض على الجوار انما ورد في النعت لا في العطف، وقد ورد في التوكيد قليلاً في ضرورة الشعر».
وقال القنوجي البخاري (ت 1307 هـ) في الروضة الندية 1/40: «وقد تعسف القائلون بالغسل فحملوا الجر على الجوار وانه ليس للعطف على مدخول الباء في مسح الرأس، بل هو معطوف على الوجوه، فلما جاور المجرور انجر!!».
وقال النووي الشافعي (ت 1316 هـ) في تفسيره المسمى بتفسير النووي والمعروف بـ «مراح لبيد» 1/193: «ولا يجوز هنا الكسر على الجوار على انه منصوب في المعنى عطفا على المغسول؛ لانه معدود في اللحن الذي قد يحمل لاجل الضرورة في الشعر، ويجب تنزيه
=
________________________________________ الصفحة 414 ________________________________________
........................................................
____________
=
كلام الله عنه؛ ولانه يرجع اليه عند حصول الامن من الالتباس كما في قول الشاعر:
[ كان ثبيراً في عرانين وبله] * كبيراً اناس في بجاد مزمل
وفي هذه الآية لا يحصل الامن من الالتباس، ولانه انما يكون بدون حرف العطف».
الثامن: في محاولة النقض على الشيعة الامامية في شروط الجر بالجوار.
وقد تصدى لتلك المحاولة اليائسة والبائسة بعض من ذكر في الامر السادس، وحجتهم في ذلك واحدة، منهم النووي الشافعي (ت 676 هـ) في المجموع شرح المهذب 1/420 حيث استدل بقول الشاعر:
لم يبق الا اسير غير منفلت * وموثق في عقال الاسر مكبول
قال: «فجر (موثقاً) لمجاورته (منفلت)، وهو مرفوع معطوف على (اسير) ثم قال: وهذا رد للشيعة بان الجر على الجوار لا يجوز مع الواو».
واما عن شرط عدم اللبس فقال: بأنه هنا جائز ولا لبس فيه؛ لانه حدد بالكعبين، والمسح لا يكون الى الكعبين بالاتفاق. انتهى كلامه.
وفيه:
اما البيت، فهو على خلاف ما توهمه؛ لان معنى قوله: لم يبق الا اسير، اي: لم يبق غير اسير، و(غير) تعاقب الا في الاستثناء، ثم قال: (وموثق) بالجر عطفاً على المعنى، وعلى موضع (اسير)، فكانه قال: لم يبق غير اسير وغير منفلت، ولم يبق غير موثق.
انظر: تهذيب الاحكام للشيخ الطوسي 1/68 في مناقشته الاحتجاج بالبيت المذكور.
وأما عن منعه اللبس بالتحديد المذكور، فهو غلط بين اكثر من غلط الاستدلال بالبيت.
أما اولاً: فقد مر بطلان القياس بالتحديد على الغسل بأوضح صورة وأجلى برهان، وقد ذكرنا بالاضافة الى برهان المصنف قدس سره من رد القول بالتحديد في هامش رقم 1 ص 399، وفي هذا الصدد قال ابو شامة (ت 665 هـ): «التحديد لا دلالة فيه على غسل ولا على مسح، وانما يذكر عند الحاجة اليه، فلما كانت اليد والرجل لو لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة، أو لوجب استيعابها غسلاً ومسحاً الى الابط والفخذ، اعتنى بالتحديد فيهما، ولو لم يحتج الى التحديد لم يذكره لا مع الغسل، ولا مع المسح كما في الوجه والرأس». انظر:ابراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للشاطبي، لابي شامة الدمشقي: 427.
وأما ثانياً: فقد قال الرازي في تفسيرة الكبير 11/162 عن جواب الشيعة في مسألة التحديد: «والقوم أجابوا عنه بوجهين:
=
________________________________________ الصفحة 415 ________________________________________
ومثّل له بـ:
قوله تعالى: (عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(1)، (وَحُورٌ عِينٌ)(2)، بالجرِّ في قراءة حمزة(3)، والكسائي(4).
قولهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ.
وَحَكَمَ بأنّ فائدة ذلك: التنبيه على أنّه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها، وَتُغْسَلَ(5) غسلاً يقرب من المسح(6). انتهى.
____________
=
الاول: ان الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدير يجب المسح على ظهر القدمين.
والثاني: انهم سلموا ان الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جنبي الساق، الا انهم التزموا، انه يجب ان يمسح ظهور القدمين الى هذين الموضعين. وحينئذٍ لا يبقى هذا السؤال».
ومنه يعلم غلط النووي الشافعي في نفس اللبس بقرينة التحديد الى الكعبين، لا محالة.
(1) سورة هود: 11: 26.
(2) سورة الواقعة: 56: 22.
(3) هو حمزه بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، أبو عمارة التميمي، مولاهم، الكوفي، الزيات، شيخ القرّاء، قرأ عليه حُمران بن أَعْينَ، والاعمش. أصله من فارس، ومات بحلوان سنة 158هـ عن ثمان وسبعين سنة، وقيل غير ذلك.
طبقات ابن سعد 6/385، المعارف: 529، الكنى والاِسماء 2/37، فهرست ابن النديم: 32، الفن الثالث من المقالة الاُولى، غاية النهاية 1/261، النشر في القراءات العشر 1/165.
(4) هو علي بن حمزه بن عبدالله بن بهمن بن فيروز، أبو الحسن الاَسَدي، مولاهم، الكوفي الكسائي ـ لكساء أحرم فيه، وقيل غير ذلك ـ حدَّث عن الاِمام الصادق عليه السلام، وجالس الخليل في النحو، وكان ذا منزلة عند هارون، وأدَّب ولده الاَمين، صنف في معاني القرآن، والقراءات، والنحو وغير ذلك، ومات بالري بقرية أرَنْبُويه سنة 189هـ عن سبعين سنة.
المعارف: 545، سير أعلام النبلاء 9/131 رقم44، البداية والنهاية 11/201، غاية النهاية 1/535، النشر في القراءات العشر 1/272.
(5) في «م» و«ر»: «ويغسل» والصحيح تأنيث الفعل بقرينة لفظ (عليها) المتقدم.
(6) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1/264.
________________________________________ الصفحة 416 ________________________________________
[بطلان الجر بالمجاورة] (1)
وأقول: فيه نظر من وجوه:
أمّا أوّلاً: فلاَنّهُ مبني على عطف الاَرجل على المغسول ـ أعني: الوجوه ـ وقد بانَ بطلانه من وجوه(2)، وأنَّه يتحتم عطفها على الرؤوس. وأمّا ثانياً: فَلاَِنّه(3) ـ في نفسه ـ ضعيف جداً(4)، بل ذكر فخر الدين الرازي(5) في تفسيره الكبير: «أنّهُ لا يجوز الكسر بالجوار؛ لاَنّهُ معدود في اللحن، ولاَنّه إنّما يكون بدون حرف العطف، وأمّا مع حرف العطف فلم يتكلم به العرب(6). انتهى(7).
وبالجملة: قد أنكر ذلك جميع المحققين من أهل العربية، والقائل به شاذ من الناس، فلا يليق بكتاب الله تعالى.
____________
(1) انظر الهامش رقم 4، ص410 من هذه الرسالة، وهو بخصوص الجر بالمجاورة.
(2) راجع المقام الاَوّل في تفنيد رأي الزمخشري ص377 من هذه الرسالة.
(3) أي: الجر بالمجاورة.
(4) وقد صرح جملة من أعلام العامّة بذلك كما تقدّم في الاَمر السابع من هامش رقم 4 ص 412.
(5) هو محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التميمي البكري، أبو عبدالله المعروف بالفخر الرازي، من اشهر المفسرين على المذهب الشافعي أصله من طبرستان، ومولده في الري، له مؤلفات كثيرة في المعقول والمنقول. مات بالري سنة 606هـ.
ميزان الاعتدال 3/340 رقم 6686، طبقات الشافعية للسبكي 2/123 رقم 874، البداية والنهاية 13/55 من المجلّد السابع، النجوم الزاهرة 6/197، طبقات المفسّرين للسيوطي: 39، طبقات المفسّرين للداوودي 2/215 رقم 550.
(6) التفسير الكبير ـ للرازي ـ 11/161، وفيه وجه ثالث للردّ على من قال بجرّ الجوار زيادة على الوجهين المذكورين وهو: أنْ يُصار إليه بشرط عدم اللَّبْس، وفي الآية لا يكون ذلك.
(7) في حاشية «ر»: «ونقل ابن همام الحنفي في شرح هداية الفقه، عن ابن الحاجب، أنَّه قال: الحمل على الجوار ليس بجيّد، إذْ لم يأتِ في القرآن، ولا في كلام فصيح. انتهى. منه سلمه الله».
انظر: فتح القدير للعاجز الفقير (في شرح هداية المرغيناني) لابن همام 1 / 11.
________________________________________ الصفحة 417 ________________________________________
وأمّا ثالثاً: فَلاََِنَّ من جوَّزه، إنّما جوزه بشرطين:
عدم اللَّبس.
وعدم الفصل بينهما بحرف عطف.
ولم يجوزّه أحد مع الفصل، ولا مع اللَّبس أصلاً.
وفي الآية كِلاَ الشرطين مفقودٌ، فعدم جوازه في الآية إجماعي، ومن قال به، فلتعصب الجاهلية الاُولى، أو لجهله بقواعد الاِعراب(1).
وأمّا رابعاً: [فَلاََِنّه](2) في مثل: أكرمت زيداً وعمرواً، ومررت(3) بخالدٍ وبكرٍ، إذا جُعل بكرٌ معطوفاً(4) على عمرو المكرم المنصوب!!
وقيل: إنة جُرّ(5) بالمجاورة كما يقولون(6).
[وهذا](7) لا يرتضيه من له أدنى تمييز، لما فيه من التعسف، والركاكة، والاِيهام(8)، والبعد عن إسلوب كلام(9) حاضري الاَحلام(10).
____________
(1) وقد يحمل كلام بعضهم على السهو والاشتباه أو التقليد من دون تعصب أو جهل بقواعد الاِعراب، وقد ذكرناهم بأسمائهم في الاَمر السادس من الهامش رقم 4 ص 411، فراجع.
(2) في «ر» و«م»: «فَلاَنّ» وما بين العضادتين هو الصحيح، والمراد: هو أنَّ عطف الممسوح على المغسول يكون من قبيل المثال المذكور وهو معلوم البطلان.
(3) «ومررت»: لم ترد في «ر» بشكل واضح.
(4) في «م»: «عطفاً».
(5) في «م»: «جرَّه».
(6) ذكرنا القائل بذلك في الامر السادس من الهامش رقم 4 ص411.
(7) ما بين العضادتين اثبتناه لاَجل السبك الجُمَلي، وإنْ كان المقصود واضحاً.
(8) في «ر»: «والاِبهام» بالباء الموحّدة، وفي «م» لم تنقط الكلمة، واستظهرت المراد: «والايهام» بالياء المثناة، لقربه من اللّبْس المأخوذ عدمه شرطاً في صحة الجر بالمجاورة، وهو غير متحقق في الآية الكريمة على القول بالمسح.
(9) «كلام»: لم ترد في«ر».
(10) في «م»: «الاَعلام» مصحف الاَحلام.
________________________________________ الصفحة 418 ________________________________________
وأمّا خامساً: فَإنَّ(1) ما استشهد به للجر، من نحو قولهم: (جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ) لمجاورة خرب للضبِّ(2)، وقوله تعالى: (وَحُور عِينٌ)(3)؛ لمجاورتها (لَحْمِ طَيْرٍ)(4). و(عَذابَ يَوْمٍ أليمٍ)(5)؛ لمجاورة (يَوْم).
مدفوعٌ بظهور(6) مخالفة المثال(7) الاَوّل للآية(8)؛ لوجود الشرطين الَّذَين يشترطهما مجوز الجرّ بالمجاورة، وهما:
عدم حرف العطف، وعدم اللَّبْس فيهما.
لانَّ (الخَرِبَ) معلوم أنّهُ صفةٌ للجُحْرِ، لا للضبِّ. وأمّا الاُرجل فيصح أنْ تُغسل، وأنْ تُمْسَح(9) وهو الاَظهر.
وأمّا المحققون النافون للجرِّ بالمجاورة أصلاً، فقالوا: المراد خَرِبَ جُحْرُهُ. على نحو: مررت برجل ضارب أبوه، فحذف المضاف(10)واستكن المضاف إليه في (خَرِبٍ)(11).
____________
(1) في «م»: «فلأنّ».
(2) في «م»: «لمجاورة الضب»، وهو صحيح إلاّ أنّ ما في «ر» أوضح.
(3) سورة الواقعة: 56: 22.
(4) الواقعة: 56: 21 هذا على قراءة حمزة، والكسائي كما تقدم، وإلاّ فهي مرفوعة كما في المصحف الشريف، وعليه اشهر القرّاء، فلاحظ.
(5) سورة هود: 11: 26.
(6) في «م»: «لظهور».
(7) في «م»: «مثال».
(8) في «ر»: «الآية» وهو صحيح أيضاً.
(9) في «م» و«ر»: «فيصح أنْ يُغسل، وأنْ يُمسح».
(10) في حاشية «م»: «قولهم: فحذف المضاف ـ الذي هو جحره ـ واستكن المضاف إليه ـ الذي هو ضمير جحره ـ في خرب. والمجرور: خرب؛ لجوار الجحر. منه عُفي عنه».
(11) ردّ السيّد المرتضى الجر بالجوار من ثلاثة وجوه في الناصريات: 231 مسألة 31، وأضاف لها في الاِنتصار: 21 ـ 22 وجهاً آخر، فقال: «ومنها: ـ ولم نذكر هذا الوجه في مسائل
=
________________________________________ الصفحة 419 ________________________________________
وأمّا (حُورٌ عِينٌ) فجرها [حمزة، والكسائي] بالعطف على (جَنَّاتِ النَّعيمِ)(1). كأنَّه قال: في جناتٍ وفاكهةٍ ولحم طيرٍ وحورٍ عينٍ، كما يقال: فُلاَنٌ في أكل وشربٍ(2)، أو معطوف على (أكواب). فمعناه: ينعمون بأكوابٍ وحورٍ عينٍ قال(3) ذلك أبو علي الفارسي(4) في كتاب الحجّة في القراءة(5)، والبيضاوي في تفسيره(6)، وأكثر المفسرين(7).
____________
=
الخلاف ـ إنّ مُحصّلي اهل النحو ومحققيهم نفوا أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع، وقالوا: الجر في (جحرُ ضبٍّ خَرِبٍ)، على أنّهم أرادوا: خربٌ جحرُهُ، وكبير اُناس في بجاد مزمّلٌ كبيرُهُ، ويجري ذلك مجرى: مررت برجل حسن وجهُهُ»، انتهى.
وقوله قدس سره: وكبير أُناس... إلى آخره. أراد به قول أمرىَ القيس في معلقته وهو في ص62 من ديوانه، وقد تقدم نصه في آخر الوجه السابع من هامش رقم 4 ص412، وموضع الشاهد فيه عند من احتج به على الجر بالجوار هو أنّ (مزمل) صفه إلى (كبير) المرفوع، ولكنها كسرت لمجاورتها (بجادٍ) وقيل لـ: (اُناسٍ)، وقد نقل الاُستاذ الكعبي في تحقيق رسالة القول المبين عن وجوب مسح الرجلين المنشورة في تراثنا العدد/ 19 ص204 هامش رقم 31 عن جملة من العلماء بأنّ أبا علي الفارسي جعل (مزملاً) صفة حقيقية، ومعه فلا دليل في البيت على الجر بالجوار، على أن اللّبس مرتفع في البيت على تقدير المحتج به، وليست الآية كذلك.
(1) سورة الواقعة 56: 21.
(2) في «م»: «في الاَكل والشرب».
(3) في «م»: «كما قال».
(4) هو الحسن بن أحمد بن عبدالغفار، أبو علي الفارسي، ولد سنة 288هـ، وَقَدَمَ بغداد شاباً، وسكن طرابلس مدة، واتصل بسيف الدولة، وكان أبو الفتح ابن جني أحد تلامذته، له: كتاب الحجّة للقراء السبعة، والاِيضاح، والتكملة، وغيرها مات ببغداد سنة 377هـ.
فهرست ابن النديم: 129 من المقالة الثانية آخر الفن الاَوّل، الكامل 9/51، وسير أعلام النبلاء 16 / 379 رقم 271، العبر 3/4، الوافي بالوفيات 11/376.
(5) الحجة للقراء السبعة ـ لاَبي علي الفارسي ـ 6/257، وفي «م»: «في كتاب الحجة والقراءة».
(6) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2/447.
(7) كالنحاس في اعراب القرآن 4/327 ـ 328، وابن الجوزي في زاد المسير 8/137، والرازي في التفسير الكبير 29/154.
________________________________________ الصفحة 420 ________________________________________
وأمّا (عَذَابَ يَوْمٍ أَليمٍ) فإنّه صفة ليوم، كما يقال: يومٌ أَلِيمٌ، وعذابٌ أليمٌ، وحَرٌّ أليمٌ، وذلك في كلام العرب شايع صحيح، مع أنّه لا فصل فيه، ولا لبس.
فلو سلم جرّه بالمجاورة، لم يكن دليلاً على ما نحن فيه. نعم يكون ضعيفاً شاذاً، وجعله صفة ليوم يكون من فصيح المجازات ولطيفها كما صرح به الفاضل الاِسفراييني في هذا المقام في حاشيته على شرح الوقاية(1).
وأمّا سَادساً، وسابعاً، وثامِناً: فَلِمَا يرد على النكتة التي لخّصها من كلام صاحب الكشّاف(2)، عِدّةٌ(3) مما أوردناه سابقاً(4)، فتذكّر.
____________
(1) لم نجد لهذا المصدر أثراً فيما راجعناه من فهارس الكتب المخطوطة والمطبوعة.
(2) الكشّاف 1/579 وقارن بأنوار التنزيل وأسرار التأويل 1/266، وانظر ص375 ـ 376 وص415 من هذه الرسالة، والمراد بالنكتة هو أنّ فائدة العطف على الوجه للتنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء على الارجل!!.
(3) من هنا سقط من «م» سهواً.
(4) انظر المقام الثاني في الرد على صاحب الكشاف الوجه السادس ص404.
التعلیقات