إجماع العترة على جزئيّة « حي على خير العمل »
السيد علي الشهرستاني
منذ 15 سنةإجماع العترة
مرّ عليك سابقاً في « تأذين الصحابة وأهل البيت » أن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقول ويأمر مؤذّنه أن يقول : حيّ على خير العمل.
والمدقّق في حديث تشريع الأذان الذي رواه الإمام عليّ عن النبيّ يقف على جزئيّة « حيّ على خير العمل » فيه ، إذ جاء في حاشية الدسوقي ما نصه :
« كان عليّ يزيد حيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح ، وهو مذهب الشيعة الآن » (1).
ومعنى كلامه أنّه عليه السلام كان يأتي بأمر أعرض عنه الخلفاء ، وهو فعل أبنائه من بعده كذلك حتّى استقرّت السيرة به عند الشيعة ؛ للاعتقاد بعدم الفصل بين فعل الإمام عليّ ومذهب الشيعة الآن ، لأنّ الشيعة يستقون فقههم وأحكامهم من الإمام عليّ وأبنائه المعصومين عليهم السلام.
وقد روى الحافظ العلوي ـ أبو عبدالله ـ بإسناده عن عبيدة السلماني ، قال :
كان عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعقيل بن أبي طالب ، وابن عبّاس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفيّة يؤذّنون إلى أن فارقوا الدنيا فيقولون بـ « حيّ على خير العمل » ويقولون : لم تزل في الأذان (2).
وعنه كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام قوله :
أذاني وأذان آبائي ـ عليّ ، والحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ـ حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل (3).
وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم بن محمّد المتوفّى سنة ٥٣٩ ـ من أحفاد الإمام زيد الشهيد ـ نقلاً عن السمعاني أنّه قال :
وكان خشن العيش ، صابراً على الفقر ، قانعاً باليسير ، سَمِعتُه يقول : أنا زيدي المذهب ولكنّي أفتي على مذهب السلطان ـ يعني أبا حنيفة ـ إلى أن يقول السمعاني : وكنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكُوَرِ الخمس ، ما سمعت منه طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد أنكرته ، غير أنّي كنتُ يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت فيها جزءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحيّ على خير العمل ، فأخذته لأطالعه ، فأخذه من يدي وقال : هذا لا يصلح لك ، له طالبٌ غيرك ، ثمّ قال : ينبغي للعالم أن يكون عنده كلّ شي ، فإنّ لكلّ نوع طالباً (4).
فلو جمعت هذا النصّ مع الذي مرّ عليك من أنّ زيداً كان يأمر مؤذّنه بالحيعلة الثالثة عندما يأمن أهل الشام ، وكذا من أنّ يحيى بن زيد كان يأمر أصحابه بخراسان أن يحيعلوا فما زال مؤذّنهم ينادي بها ، ومثله كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وانّه كان يأمر أصحابه ـ إذا كانوا بالبادية ـ أن يزيدوا في الأذان حيّ على خير العمل (5).
وما قاله أحمد بن عيسى في جواب من سأله عن التأذين بحيّ على خير العمل ؟
قال : نعم ، ولكن أُخفيها (6).
فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلى بعض لوقفت على الظروف التي كان يعيشها الطالبيون ، وهي ظروف لم تكن مؤاتية لإبداء آرائهم ، حتّى ترى عمر ابن إبراهيم رغم كونه زيديّاً يفتي على مذهب السلطان ؛ لأن الفقه السائد يومئذ كان فقه أبي حنيفة ، فلا يرتضي أن يطّلع السمعاني على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل ، فيأخذه منه ويقول له : « هذا لا يصلح لك ، له طالب غيرك » ثمّ يعلل سرّ وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ينبغي « للعالم أن يكون عنده كلّ شيء ، فإن لكلّ نوع طالباً » لأن عمر بن إبراهيم كان يعرف السمعاني واهتماماته ، وقد أشار السمعاني نفسه إلى توجهاته الشخصية بقوله « ... وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت ... » وفي هذا كفاية لمن أراد التعرف على ملابسات التشريع وما دار بين الكوفة والشام والحجاز و ... من التخالف والتضاد.
هذا شيء عن ملابسات « حيّ على خير العمل » ، وهي تدلّ على دور الحكومة بعدم التأذين بها. والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة على التأذين بحيّ على خير العمل.
قال الشوكاني في نيل الأوطار : « ... والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم ، والحديث ليس فيه ذكر « حيّ على خير العمل » ، وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن « حيّ على الفلاح » ، قالوا : يقول مرّتين : حيّ على خير العمل ، ونسبه المهديّ في البحر إلى أحد قولَي الشافعي ، وهو خلاف ما في كتب الشافعيّة ، فإنّا لم نجد في شيء منها هذه المقالة (7) ، بل خلاف ما في كتب أهل البيت (8).
قال في الانتصار : إنّ الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك ، يعني في أنّ « حيّ على خير العمل » ليس من ألفاظ الأذان ، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عزّالدين في شرح البحر وغيره ممّن له اطّلاع على كتب الشافعيّة.
« احتجّ القائلون بذلك » بما في كتب أهل البيت كأمالي أحمد بن عيسى ، والتجريد ، والأحكام ، وجامع آل محمّد ـ من إثبات ذلك سنداً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قال في الأحكام : وقد صحّ لنا أنّ « حيّ على خير العمل » كانت على عهد رسول الله يؤذّن بها ، ولم تُطرح إلّا في زمن عمر. وهكذا قال الحسن بن يحيى ؛ روي ذلك عنه في جامع آل محمّد.
وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبدالله بن عمر أنّه كان يؤذّن بحيّ على خير العمل أحياناً.
وروى فيها عن عليّ بن الحسين أنّه قال : هو الأذان الأوّل.
وروى المحبّ الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنّه أذّن بذلك ، قال المحب الطبري : رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري ، ولم يَروِ ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعاً ، وقول بعضهم : وقد صحّح ابن حزم والبيهقي والمحبّ الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن عليّ بن الحسين ... » (9).
وجاء في كتاب الاعتصام بحبل الله : ... وفي الجامع الكافي : قال الحسن بن يحيى بن الحسين [ بن زيد المتوفّى ٢٦٠ ] : أجمع آل رسول الله على أن يقولوا في الأذان والإقامة « حيّ على خير العمل » وأن ذلك عندهم سنّة ، قال : وقد سمعنا في الحديث أنّ الله سبحانه بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان ، وفيه : حيّ على خير العمل .. ولم يزل النبيّ صلّى الله عليه وآله يؤذّن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله إليه ، وكان يُؤَذَّنُ بها في زمان أبي بكر ، فلما وَلِيَ عمر قال : دعوا حيّ على خير العمل لا يشتغل [بها] الناس عن الجهاد. وكان أوّل من تركها (10).
وقال الاستاذ عزّان في مقدّمة كتاب « الأذان بحيّ على خير العمل » : ... وقال الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني « المتوفّى ٤١١ هـ » : ومذهب يحيى ـ يعني الهادي ـ وعامّة أهل البيت التأذين بحيّ على خير العمل (11).
وقال القاضي زيد بن محمّد الكلاري ـ وهو من أتباع المؤيّد بالله ولم يعاصره ـ : التأذين به ـ أيّ بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت لا يختلفون فيه ، ولم يرد عن أحد منهم منعه وإنكاره ، وإجماعهم عندنا حجّة يجب اتّباعها (12).
وقال الإمام محمّد بن المطهر المتوفى ٧٢٨ هـ : ويؤذن بحيّ على خير العمل ، والوجه في ذلك اجماع أهل البيت (13) ...
وقال العلّامة صلاح بن أحمد بن المهدي المتوفى ١٠٤٨ هـ : أجمع أهل البيت على التأذين بحيّ على خير العمل (14).
وقال العلّامة الشرفي المتوفى ١٠٥٥ : وعلى الجملة فهو ـ أيّ الأذان بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت ، وإنّما قطعه عمر (15).
وقال العلّامة المحقّق الحسن بن أحمد الحلال المتوفى ١٠٨٤ هـ ـ بعد أن ذكر اتّفاق العترة على التأذين بحيّ على خير العمل ـ : وإجماع العترة وعليّ : ، وهما معصومان عن تعمّد البدعة (16).
وقال شيخنا (17) السيّد العلّامة مجد الدين حفظه الله : وقد صحّ إجماع أهل البيت على الأذان بحيّ على خير العمل (18).
وذكر في أمالي أحمد بن عيسى : ذهب آل محمّد أجمع إلى أثبات حيّ على خير العمل مرّتين في الأذان بعد حيّ على الفلاح.
وفي شرح الأزهار : ومنهما : حيّ على خير العمل ، يعني أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حيّ على خير العمل ؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من الأمّة المحمديّة التي شحنت بها كتبهم.
قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسن في الأحكام : وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله يؤذّنون بها ، ولم تُطرح إلّا في زمن عمر بن الخطّاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد ، وفي المنتخب : وأمّا « حيّ على خير العمل » فلم تزل على عهد رسول الله حتّى قبضه الله ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات ، وانّما تركها عمر وأمر بذلك فقيل له : لم تركتها ؟ فقال : لئلّا يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (19). انتهى ما قاله عزّان.
وقال الصنعاني : إن صحّ إجماع أهل البيت ـ يعني على شرعيّة حيّ على خير العمل ـ فهو حجّة ناهضة (20).
وقال المقبلي عن أئمّة الزيديّة : ولو صحّ ما ادّعي من وقوع إجماع أهل البيت في ذلك لكان أوضح حجّة (21).
ونحن في الفصل الرابع « حيّ على خير العمل وتاريخها العقائدي والسياسي » من هذا الباب سنوكّد هذا الإجماع عند أهل البيت ، وعند الشيعة بفرقها الثلاث ، ونوضّح سير هذه المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض في العصور المتأخّرة بعد أن أُذِّن بها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكيف صار حذفها وإبدالها بـ « الصلاة خير من النوم » شعاراً لخصومهم ، وهو دليل قوي على ما نريد قوله من وقوع الملابسات في هذه الشعيرة الإسلاميّة.
موكّدين بأنّا ببياننا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا في جزئيّة هذا الفصل من فصول الأذان ، ولا نريد أن نحكّم آراءانا فوق كلام الباري وأقوال الرسول كما يفعله بعض متعصّبي المذاهب الذين يرجّحون كلام إمام مذهبهم على القرآن والسنّة المطهّرة ، مثل ما فعله الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين إذ قال :
« ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة ، والحديثَ الصحيح ، والآيةَ ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ ، وربّما أدّاه ذلك للكفر ؛ لأنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنّة من أصول الكفر » (22).
يستبين ممّا سبق أنّ الشيعة لم ينفردوا بهذا القول ، بل هناك نقول عن الشافعي وبعض الأعلام في القول بجزئيّة « حيّ على خير العمل ». ومن المفيد أن نقف قليلاً عند هذا الأمر لنؤكّد على صحّة ما قلناه من أنّ هذا الفصل « حيّ على خير العمل » كان جزءاً من الأذان على عهد رسول الله إذ أمر النبيّ مؤذّنه بالتأذين به ، لكن المقدرات السياسيّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله شاءت محوه وإزالته.
وممّا يؤيد قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمّد بن عليّ نقلاً عن « توضيح المسائل » لعماد الدين يحيى بن محمّد بن حسن بن حميد المقرئ ما لفظه : ومنها إثبات حيّ على خير العمل ، قال : رواه الإمام المهدي أحمد بن يحيى في بحره عن أخير قولَي الشافعي قال : وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به. وقد قال كثير من علماء المالكيّة وغيرهم من الحنفيّة والشافعيّة إنّه كان « حيّ على خير العمل » من ألفاظ الأذان.
قال الزركشي في كتابه المسمّى بالبحر ما لفظه :
« ومنها ما الخلاف فيه موجود [ في المدينة ] كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ـ وهو عميد أهل المدينة ـ يرى إفراد الأذان ويقول فيه « حيّ على خير العمل » انتهى بلفظه (23).
إلى أن قال القاضي يحيى بن محمّد بن حسن بن حميد [ المقري ] : فصحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إتيان « حيّ على خير العمل » (24).
وفي الروض النضير : وقد قال كثير من علماء المالكيّة وغيرهم من الحنفيّة والشافعيّة أنّه كان « حيّ على خير العمل » من ألفاظ الأذان (25).
وفي الاعتصام بحبل الله : وروى الإمام السروجي عن شرح الهداية للحنفيّة أحاديث « حيّ على خير العمل » بطرق كثيرة (26).
وبعد هذا اتّضح سقم ما انفرد به أهل السنّة والجماعة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل في الأذان (27) ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بيان لجواز الإتيان بها ، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكّد جزئيّتها وأنّها كانت على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وكذا تأذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين ، فهو دليل على مشروعيّة هذا الفصل ، ويضاف إليها أقوال العلماء فإنّها تدلّ في أقلّ التقادير على عدم حرمة الإتيان بها.
ففي كتاب « الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر » على هامش يواقيت الجواهر للشعراني ، التصريح بعدم الكراهيّة ، قال فيه [ أيّ الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة ] : ما عرفتُ مستند مَن كره قول المؤذّن « حيّ على خير العمل » فإنّه روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر بها يوم حفر الخندق ...
وحكى الشيخ فخر الدين البلتستاني عن صاحب « حاشية منهية » من علماء الهند : إنّ ابن تيميّة زعم في منهاجه على بدعة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه في ذلك (28).
وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصّه : فلا يكون هذا ـ حيّ على خير العمل ـ بدعة الروافض كما يزعم ابن تيميّة (29).
وبهذا عرفت أنّ « حيّ على خير العمل » فصل قد أُذِّن به على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعمل به الصحابة وأهل البيت ، وذهب بعض الأعلام إلى شرعيّته وعدم كراهة الإتيان به.
نعم ، إنّ أتباع النهج الحاكم تركوه ، ولم يرووا فيه إلّا القليل ، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ ؟!
هذا وقد تمخض من كلّ ما سبق أُمور :
١ ـ اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّتها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وانفراد أهل السنّة والجماعة بدعوى النسخ ، وقد تحدى السيّد المرتضى أن يأتوه بالناسخ ، بقوله :
وإنّما ادعي أنّ ذلك نُسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة وما يجدها.
٢ ـ ذكرنا في القسم الثاني الدليل الثاني من أدلّتنا على جزئية الحيعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البيت ، فذكرنا فيه اسم ثلاثين شخصاً أذّنوا بـ « حيّ على خير العمل » من الصحابة والتابعين وأهل البيت.
٣ ـ إجماع العترة واتفاق الشيعة بفرقها الثلاث على الحيعلة.
٤ ـ واخيراً ختمنا الكلام عن جزئيّة الحيعلة الثالثة بما حكي عن الشافعي وبعض الأعلام من القول بجزئيّتها. وسوف نُثبت لاحقاً ـ إن شاء الله ـ وجود ملازمة بين القول بـ « حيّ على خير العمل » وعدم القول بـ « الصلاة خير مشهوراً في إتيان « حيّ على خير العمل » (30).
وفي الروض النضير : وقد قال كثير من علماء المالكيّة وغيرهم من الحنفيّة والشافعيّة أنّه كان « حيّ على خير العمل » من ألفاظ الأذان (31).
وفي الاعتصام بحبّ الله : وروى الإمام السروجي عن شرح الهداية للحنفيّة أحاديث « حيّ على خير العمل » بطرق كثيرة (32).
وبعد هذا اتّضح سقم ما انفرد به أهل السنّة والجمامة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل في الأذان (33) ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بيان لجواز الإتيان بها ، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكّد جزائيته وأنّها كانت على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وكذا تأذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين ، فهو دليل على مشروعيّة هذا الفصل ، ويضاف إليها أقوال العلماء فإنّها تدلّ في أقلّ التقادير على عدم حرمة الإتيان بها.
ففي كتاب « الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر » على هامش يواقيت الجواهر للشعراني ، التصريح بعد الكراهيّة ، قال فيه [ أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة ] ؛ ما عرفتُ مستند من كره قوله المؤذّن « حيّ على خير العمل » فإنّه روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر بها يوم حفر الخندق ...
وحى الشيخ فخر الدين البلتستاني عن صاحب حاشية منهية من علماء الهند : إنّ ابن تيميّة زعم في منهاجه على بدعة « حيّ على خير العمل » في الأذان ،
الهوامش
1. حاشية الدسوقي ١ : ١٩٣.
2. الأذان بحيّ على خير العمل : ١٠٩ الحديث ١٠٧ ، الاعتصام ١ : ٢٩٤.
3. مقدّمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان : ١٨.
4. معجم الادباء ١٥ : ٢٥٩.
5. حيّ على خير العمل بتحقيق عزّان : ١٤٧ ح ١٨٦ و ١٨٧.
6. حيّ على خير العمل بتحقيق عزّان : ١٥٠ ح ١٩٠ وأخرجه محمّد بن منصور في الأمالي [ لابن عيسى ] ١ : ١٩٤ رقم ٢٣٧ قال سألت أحمد ... الخ.
7. يؤيّد صحّة كلام المهدّي ما قاله القاسم بن محمّد بن عليّ نقلاً عن توضح المسائل للمقري « قد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به » ، وما قاله الشافعي عن التثويب وأنّه لم يثبت عن أبي محذورة. ولو جمعنا هذين القولين وضممنا أحدهما إلى الآخر لاتّضح لنا ما نريد قوله من الملازمة وعدم الفصل بين القول « بحيّ على خير العمل » وعدم القول « بالصلاة خير من النوم » ، وكذا العكس ، إذ قد ثبت عن ابن عمر تأذينه بـ « حيّ على خير العمل » وكراهيّته للتثويب ، ومثله الأمر بالنسبة إلى الإمام علي ، فالقائل بشرعيّة « حيّ على خير العمل » لا يقبل شرعيّة « الصلاة خير من النوم » ، والقائل بشرعيّة « الصلاة خير من النوم » ينكر شرعيّة « حيّ على خير العمل » ، فإنكار الشافعي للتثويب يرجح المنسوب إليه من القول بـ « حيّ على خير العمل ».
هذا وقد أشار الإمام المهدي أحمد بن يحيى المتوفى ٨٤٠ هـ » في البحر الزخار ٢ : ١٩١ إلى أنّ أخير قولي الشافعي هو القول بالحيعلة الثالثة وذلك بعد أن اشار إلى إجماع العترة بذلك فقال : « ... العترة جميعاً ، وأخير قولي الشافعي حيّ على خير العمل » ، فتأمل.
8. هذا قصور أو تقصير من الشوكاني ، فقد عرفت إجماع العترة على التأذين بـ « حيّ على خير العمل » ، وكان ينبغي له أن يحقّق في المسألة قبل أن يقطع برأيه هذا.
9. نيل الاوطار ٢ : ٤٣ ـ ٤٤.
10. الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٧٨ عن الجامع الكافي مخطوط.
11. شرح التجريد مخطوط.
12. شرح القاضي زيد للتحرير مخطوط.
13. المنهج الحلي شرح مسند الإمام زيد بن علي ١ : ٧٧ مخطوط.
14. شرح الهداية : ٢٩٤.
15. ضياء ذوي الأبصار مخطوط ١ : ٦١.
16. ضوء النهار ١ : ٤٦٩.
17. الكلام لعزّان.
18. المنهج الاقوم في الرفع والضم : ٣٥.
19. الأحكام ١ : ٨٤ ، شرح الأزهار ١ : ٢٢٣ ، البحر الزخار ٢ : ١٩١ ، الأذان للعلوي بتحقيق عزّان : ١٥٣.
20. هذا ما حكاه عزّان في كتابه « حيّ على خير العمل بين الشرعيّة والابتداع » : ٦٨ عن كتاب منحة الغفّار المطبوع بهامش ضوء النهار.
21. انظر : مقدّمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان : ١٧.
22. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين ٣ : ١٠ ط دار احياء التراث العربي ، وقد رد الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي القاضي الأوّل بالمحكمة الشرعيّة بدولة قطر على كلام الصاوي في كتاب أسماه « تنزيه السنة والقرآن عن كونهما مصدر الضلال والكفران » هذا ما قاله العلّامة الخليلي مفتي سلطنة عمان في كتابه الحق الدامغ : ١٠.
23. الاعتصام بحبل الله المتين ١ : ٣٠٧.
24. الاعتصام بحبل الله ١ : ٣٠٨.
25. الروض النضير ١ : ٥٤٢.
26. الاعتصام ١ : ٣١١.
27. انظر المجموع للنووي ٣ : ٩٨.
28. حاشية منهية : ٢. انظر : كلام ابن تيميّة في منهاج السنّة النبويّة ٤ : ١٦٥.
29. مراتب الإجماع لابن حزم : ٢٧ ، انظر : منهاج السنّة النبويّة ٦ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
30. الاعتصام بحبل الله ١ : ٣٠٨.
31. الروض النضير ١ : ٥٤٢.
32. الاعتصام ١ : ٣١١.
33. انظر المموع للنووي ٣ : ٩٨.
مقتبس من كتاب : [ الأذان بين الاصالة والتحريف ] / الصفحة : 261 ـ 272
التعلیقات