مناظرة الامام الصادق (عليه السلام) مع أبي حنيفة في حكم القياس
في الاحكام
منذ 15 سنةقال العلامة المجلسي رحمه الله : وجدت بخطّ بعض الاَفاضل نقلاً من خطّ الشهيد رفع الله درجته قال : قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت جئت إلى حجّام بمنى ليحلق رأسي ، فقال : ادن ميامنك ، واستقبل القبلة ، وسمِّ الله؛ فتعلّمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي ، فقلت له : مملوك أنت أم حرّ ؟
فقال : مملوك .
قلت : لمن ؟
قال : لجعفر بن محمد العلوي عليه السلام .
قلت : أشاهد هو أم غائب ؟
قال : شاهد .
فصرت إلى بابه واستأذنت عليه فحجبني ، وجاء قومٌ من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم ، فدخلت معهم ، فلمّا صرت عنده قلت له : يا بن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم .
فقال عليه السلام : لا يقبلون منّي.
فقلت : ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال عليه السلام : أنت ممّن لم تقبل منّي ، دخلت داري بغير إذني ، وجلست بغير أمري ، وتكلمت بغير رأيي ، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس.
قلت : نعم به أقول .
قال  عليه السلام  : ويحك يا نعمان أوّل من قاس الله تعالى إبليس  حين أمره  بالسجود لآدم  عليه السلام وقال  : ( خَلقتَني من  نار وخَلَقتهُ من طين )(1) ، أيّما أكبر  يا  نعمان القتل أو الزنا  ؟
 
قلت  :  القتل .
 
قال   عليه السلام  : فلِمَ جعل الله في القتل شاهدين  ، وفي الزنا أربعة  ؟  أينقاس لك هذا ؟
 
قلت  :  لا .
 
قال   عليه السلام  : فأيّما أكبر البول أو المني  ؟
 
قلت  :  البول . 
 
قال   عليه السلام  : فلِمَ أمر الله في البول بالوضوء ، وفي المني بالغسل  ؟  أينقاس  لكهذا ؟
 
قلت  :  لا .
 
قال   عليه السلام  : فأيّما أكبر الصلاة أو الصيام  ؟
 
قلت  :  الصلاة .
 
قال   عليه السلام  : فلِمَ وجب على الحائض أن تقضي الصوم  ، ولا تقضي الصلاة  ؟  أينقاس لك هذا  ؟
 
قلت  :  لا .
 
قال   عليه السلام  : فأيّما أضعف المرأة أم الرجل  ؟
 
قلت  :  المرأة .
 
قال   عليه السلام  : فلِمَ جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين ، وللمرأة  سهماً ،  أينقاس لك هذا  ؟
 
قلت  :  لا .
 
قال   عليه السلام  : فلِمَ حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع ، وإذا  قطع  رجلٌ يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم  ؟ أينقاس لك هذا  ؟
 
قلت  :  لا .
 
قال   عليه السلام  : وقد بلغني أنّك تفسر آية في كتاب الله  ، وهي  : ( ثمّ لتسئلنّ  يومئذ عن النعيم )(2) ، أنّه الطعام  الطيّب  ، والماء البارد في اليوم الصائف(3).
 
قلت  : نعم .
 
قال  عليه  السلام له  : دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيّباً  ، وأسقاك ماءً بارداً ، ثم  امتنّ  عليك به ما كنت تنسبه إليه  ؟
 
قلت  : إلى  البخل .
 
قال  عليه  السلام  : أفيبخل الله تعالى  ؟
 
قلت  : فما  هو  ؟
 
قال  عليه السلام  : حبّنا أهل البيت(4). 
____________
  (1) سورة الاَعراف  : الآية 12 .
 (2) سورة التكاثر  : الآية 8 .
 (3) جاء في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني  : ج 2 ص 476 ح 1150 (ما نزل في  سورة  التكاثر)  ، بسنده عن أبي حفص الصائغ عن جعفر بن محمد في قوله تعالى  : ( لتسألنّ يومئذٍ  عن النعيم ) قال  : نحن النعيم  ، وروى أيضاً في ص 477 (ح 1152) عن  أبي حفص الصائغ  قال  : قال عبدالله بن الحسن في قوله تعالى  : ( ثم  لتسألنَّ يومئذٍ عن النعيم )  ، قال  : يعني  عن ولايتنا والله يا أبا حفص .
 
وجاء في كتاب تأويل الآيات الطاهرة للاسترابادي ص  816  ، عن الاَصبغ بن نباته عن أمير  المؤمنين  عليه السلام إنه قال  : ( ثمّ لتسألنّ  يومئذٍ عن النعيم )  ، نحن النعيم  ، وأيضاً مُسنداً عن أبي  خالد الكابلي قال  : دخلت على محمد بن علي عليه السلام فقدم لي طعاماً لم  أكل أطيب منه ، فقال  لي  : يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا  ؟ فقلت  : جُعلت فداك ما أطيبه غير أني  ذكرت آية في  كتاب الله فنغَّصَتنيه قال  : وما هي  ؟ قلت  : ( ثمّ  لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم ) ، فقال  : والله لا  تسأل عن هذا الطَّعام أبداً  ، ثم ضحك حتى افترَّ ضاحكتاه وبدت أضراسه وقال   : أتدري ما  النَّعيم  ؟ قلت  : لا  ؟ قال  : نحن النعيم الذي تسئلون عنه .
 
وفي تفسير القمي لاَبي الحسن علي بن إبراهيم  : ج  2 ص 440 ـ في قوله تعالى  : ( ثمّ  لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم  ) أي عن الولاية  ، والدليل على ذلك  قوله  : ( وقفوهم إنَّهم  مسؤلون ) قال  : عن الولاية . أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد  عن سلمة بن  عطا عن جميل عن أبي عبدالله  عليه السلام قال : قلت قول الله : ( ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم ) قال :  قال  : تسئل هذه الاَمة عما أنعم الله عليهم برسوله الله صلى الله عليه وآله ثم بأهل بيته المعصومين عليه السلام  .  وإن اردت المزيد من الاَخبار في ذلك فراجع  : البرهان في تفسير القرآن  للبحراني : ج 5 ص  746 ـ 750 .
 (4) بحار الاَنوار للمجلسي  : ج 10 ص 220 ـ 221  ، الاحتجاج للطبرسي  : ج 2  ص360 ـ  361 ، حلية الاَولياء لاَبي نعيم  : ج 3 ص 196 ـ 197  ،بتفاوت.

التعلیقات