مناظرة المفيد ( ره ) مع شيخ من المعتزلة
في الإمامة
منذ 14 سنةوذكرت بحضرة الشيخ أبي عبدالله ـ أدام الله عزه ـ ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ـ رحمه الله ـ في كتاب ( الانصاف ) حيث ذكر أن شيخا من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف المولى سيدا وإماما ، قال : فأنشدته قول الاخطل (1) :
فما وجدت فيها قريش لامرهــا * أعف وأولى مـن أبيـك وأمجـدا
وأورى بزنديه ولو كان غيــره * بغداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا
فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتحمـدا
قال أبو جعفر : فأسكت الشيخ كأنما ألقم حجرا ، وجعلت أستحسن ذلك.
فقال لي الشيخ أبو عبد الله ـ أدام الله عزه ـ : قد قال لي أيضا شيخ من المعتزلة : إن الذي تدعونه من النص الجلي على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ شيء حادث ، ولم يك معروفا عند متقدمي الشيعة ولا اعتمده أحد منهم وإنما بدأ به وادعاه ابن الراوندي في كتابه في الامامة ، وناضل عليه ولم يسبقه إليه أحد ، ولو كان معروفا فيما سلف لما أخلّ السيد إسماعيل بن محمد (2) ـ رحمه الله ـ به في شعره ولا ترك ذكره في نظمه مع إغراقه في ذكر فضائل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ومناقبه حتى تعلق بشاذ الحديث وأورد من الفضائل ما لا نسمع به إلا منه ، فما باله إن كنتم صادقين لم يذكر النص الجلي ولا اعتمده في شيء من مقاله وهو الاصل المعول عليه لو ثبت.
فقلت له : قد ذهب عنك أيها الشيخ مواضع مقاله في ذلك لعدولك عن العناية برواية شعر هذا الرجل ، ولو كنت ممن صرف همته إلى تصفح قصائده لعرفت ما ذهب عليك من ذلك ، وأسكنتك المعرفة به عن الاعتماد على ما اعتمدته من خلو شعره على ما وصفت في استدلالك بذلك ، وقد قال السيد إسماعيل بن محمد ـ رحمه الله ـ في قصيدته الرائية التي يقول في أولها :
ألا الحمد للّه حمدا كثير * اوليّ المحامد ربا غفورا
حتى انتهى إلى قوله :
وفيهــم علـي وصي النبــي * بمحضرهم قـد دعـاه أميــرا
وكان الخصيص به في الحيــاة * وصاهره واجتبـاه عشيـرا (3)
أفلا ترى أنه قد أخبر في نظمه أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ دعا عليا ـ عليه السلام ـ في حياته بإمرة المؤمنين واحتج بذلك فيما ذكره من مناقبه ـ عليه السلام ـ فسكت الشيخ وكان منصفا (4).
____________
(1) هو أبو مالك غياث بن غوث التغلبي ، من شعراء الدولة الاموية البارزين مات سنة 92 هـ.
(2) هو السيد الحميري ، الشاعر الطائر الصيت المولود سنة 105 والمتوفى سنة 173 أو سنة 179. صاحب القصيدة المشهورة :
لام عمرو باللوى مربع * طامسة اعلامهـا بلقـع
من اصحاب الصادق ـ عليه السلام ـ ، ومن شعراء اهل البيت ـ عليهم السلام ـ المجاهرين ، حاله في الجلالة ظاهر ، ومجده باهر ، قال العلامة في حقه : ثقة جليل القدر عظيمُ الشأن والمنزلة ، وكان في بدء الامر كيسانياً ثم إمامياً ، وقيل له كيف تشيعت وأنت شامي حميري فقال : صبت عليَّ الرحمة صبّاً فكنت كمؤمن آل فرعون ، وروي ان الصادق ـ عليه السلام ـ لقاه ، فقال : سمتك امك سيّداً ووفقت في ذلك أنت سيّد الشعراء ، وقيل ان له في اهل البيت ـ عليهم السلام ـ نحو الفين وثلاثمائة قصيدة.
انظر ترجمته في تنقيح المقال للمامقاني ج1 ص142ـ144 ،سفينة البحارج1 ص335ـ337.
(3) ديوان السيد الحميري ص224 ، رقم القصيدة : 78 باختلاف في البيت الثاني والمذكور هكذا.
علي إمام وصيّ النبي بمحضره قد دعاه أميرا والبيت الاول قد ذكر في ص210 قصيدة رقم : 75 ، راجع : مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص56 ، أعيان الشيعة ج3 ص423.
(4) الفصول المختارة ص4 ـ 5.
التعلیقات