مناظرة العلامّة الحلي مع علماء المذاهب الاربعة بمحضر الشاه خدا بنده
في الإمامة
منذ 14 سنةيقال : إنّ الشاه خدابنده غضب يوماً على امرأته فقال لها : أنت طالق ثلاثاً ، ثمّ ندم وجمع العلماء.
فقالوا : لابدّ من المحلّل.
فقال : عندكم في كلِّ مسألة أقاويل مختلفة أو ليس لكم هنا اختلاف ؟
فقالوا : لا.
فقال أحد وزرائه : إنّ عالماً بالحلّة وهو يقول ببطلان هذا الطلاق.
فبعث كتابه إلى العلاّمة ، وأحضره ، فلمّا بعث إليه.
قال علماء العامّة : إنّ له مذهباً باطلاً ، ولا عقل للروافض (3) ، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل.
قال الملك : حتّى يحضر.
فلمّا حضر العلاّمة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الاربعة ، وجمعهم.
فلمّا دخل العلاّمة أخذ نعليه بيده ، ودخل المجلس ، وقال : السلام عليكم ، وجلس عند الملك.
فقالوا للملك : ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول.
قال الملك : اسألوا عنه في كلِّ ما فعل.
فقالوا له : لم ما سجدت للملك وتركت الاداب ؟
فقال : إنَّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان ملكاً وكان يسلم عليه ، وقال الله تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفُسِكم تحيّةً من عنِد الله مباركةً ) (4) ، ولا خلاف بيننا وبينكم أنّه لا يجوز السجود لغير الله.
ثمّ قال له : لم جلست عند الملك ؟
قال : لم يكن مكان غيره ، وكلّما يقوله العلاّمة بالعربي كان المترجم يترجم للملك.
قالوا له : لايّ شيء أخذت نعلك معك ، وهذا ممّا لا يليق بعاقل بل إنسان ؟
قال : خفت أن يسرقه الحنفيّة كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله !!
فصاحت الحنفيّة : حاشا وكلاّ ، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بل كان تولّده بعد المأة من وفاته ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ.
فقال : فنسيت فلعلّه كان السارق الشافعي !!
فصاحت الشافعيّة كذلك ، وقالوا : كان تولّد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة ، وكانت نشوءه في المأتين من وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ.
وقال : لعلّه كان مالك !!
فصاحت المالكية كالاوّلين.
فقال : لعلّه كان أحمد ففعلت الحنبليّة كذلك.
فأقبل العلاّمة إلى الملك ، وقال : أيّها الملك علمت أنّ رؤساء المذاهب الاربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولا الصحابة ، فهذا أحد بدعهم أنّهم اختاروا من مجتهديهم هذه الاربعة ، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوّزون أن يجتهد بخلاف ما أفتى واحد منهم.
فقال الملك : ما كان واحد منهم في زمان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والصحابة ؟!
فقال الجميع : لا.
فقال العلاّمة : ونحن معاشر الشيعة تابعون لامير المؤمنين ـ عليه السلام ـ نفس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأخيه وابن عمّه ووصيّه ، وعلى أيّ حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل لأنّة لم يتحقّق شروطه ، ومنها العدلان فهل قال الملك بمحضرهما ؟
قال : لا.
ثمّ شرع في البحث مع العلمأ حتّى ألزمهم جميعاً ، فتشيّع الملك ، وبعث إلى البلاد والاقاليم حتّى يخطبوا بالائمّة الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ ، ويضربوا السكك على أسمائهم وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد منهم (5).
ومن لطائفه أنّه بعد إتمام المناظرة وبيان احقيّة مذهب الاماميّة الاثنى عشريّة ، خطب الشيخ ـ قدس الله لطيفه ـ خطبة بليغة مشتملة على حمد الله والصلاة على رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ والائمة ـ عليهم السلام ـ فلمّا استمع ذلك السيّد الموصلي الذي هو من جملة المسكوتين بالمناظرة.
قال : مالدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الانبياء ـ عليهم السلام ـ ؟
فقرأ الشيخ في جوابه ـ بلا انقطاع الكلام ـ : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون ) (6).
فقال الموصلي على طريق المكابرة : ماالمصيبة الّتي أصاب آله حتّى أنّهم يستوجبون لها الصلاة ؟
فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : من أشنع المصائب وأشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الّذي يرجّح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول الملك المتعال.
فاستضحك الحاضرون ، وتعجّبوا من بداهة جواب آية الله في العالمين ، وقد انشد بعض الشعرأ :
إذا العلوي تابع ناصبيّــاً * بمذهبه فما هـو من أبيــه
وكان الكلب خيراً منه حقّاً * لانّ الكلب طبع أبيه فيـه (7)
____________
(1) هو : أبو منصور الحسن بن الشيخ الفقيه النبيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي المشهور بالعلامة ، له أكثر من تسعين كتاباً في مختلف العلوم الاسلامية ، من أشهرها : مختلف الشيعة ، المنتهى ، نهج الحق وكشف الصدق ، منهاج الكرامة ، الالفين ، وهو ابن أخت المحقق الحلي حيث اهتم بتربيته وتدريسه ، بالاضافة إلى ذلك فقد تتلمذ العلاّمة على أيدي أساطين العلمأ منهم : والده ، والسيدين جمال الدين أحمد ، ورضي الدين علي ابني طاووس ، والشيخ ميثم بن علي البحراني وغيرهم الكثير ، توفي ليلة السبت الحادي والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ست وعشرين وسبعمائة ، حيث قد ولد لاحدى عشرة ليلة خلون أو بقين من شهر رمضان المبارك عام ثمانية وأربعين وستمائة في مدينة الحلة في العراق ، ونقل نعشه الشريف إلى جوار أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ودفن هناك. راجع : روضات الجنات ج2 ص269 رقم : 198.
(2) محمد بن أرغون بن أبغا بن هلاكو بن تولى بن جنكزخان المغولي ، السلطان غياث الدين المعروف بخدابند ومعناه بالعربية عبد الله ، ملك العراق وخراسان وآذربيجان ، ولد سنة نيف وسبعين وستمائة ، كان على مذهب العامة فتشيع وكان يحب العمارة أنشأ مدينة جديد بأذربيجان سماها السلطانية توفي سنة 716. راجع : الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج3 ص378 ترجمة رقم : 1003.
(3) الرافضة : اسم أطلقه خصوم ومبغضوا الشيعة عليهم وذلك للاستهانة بهم وتحقيرهم وسبب ذلك كله هو أنهم والوا علياً وأهل بيته واعتقدوا بإمامتهم ـ عليهم السلام ـ لما ثبت عندهم بالادلة القطعية الصارمة من خلافتهم وإمامتهم ووجوب التمسك بهم ـ عليهم السلام ـ ، وهل من يوالي علياً وأهل بيته ويتمسك بهم يعتبر رافضياً ؟ إذا كان كذلك فهذا نعم الاسم فنحن رفضنا غير أولياء الله وغير خلفائه ، وأخذنا بأقوالهم وتركنا أقوال غيرهم واتبعناهم ولم نتبع غيرهم.
فهذا كل ما في المسألة فالذي يتبعهم ويروي أخبارهم ويذكر مناقبهم وفضائلهم يعتبر رافضياً ، يقول الربيع بن سلمان : قلت للشافعي : إن ههنا قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فإذا أراد أحد أن يذكرها يقولون : هذا رافضي !! قال : فأنشأ الشافعي يقول :
إذا في مجلس ذكروا عليــاً * وسبطيـه وفاطمة الزكيّــة
فأجرى بعضهم ذكرى سواهم * فأيقـن أنــه سلقلقـيّــه
إذا ذكـروا عليـاً أو بنيــه * تشاغل بالروايـات العليــة
وقال : تجاوزوا يا قوم هـذا * فهذا من حديث الرافضيــة
برأت إلى المهيمن من أنـاس * يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربـي * ولعنتــه لتلك الجاهليــة
فرائد السمطين ج1 ص135 ح98.
وقال ايضاً :
قالوا ترفضت ؟ قلت : كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لكن تولَّيـت غيـر شــك * خير إمام وخيــر هــادي
إن كان حب الولـي رفضاً * فإننــي أرفض العـبــاد
فرائد السمطين ج1 ص423.
وقال أيضاً :
يا راكباً قف بالمحصّب من منى * واهتف بقاعد خيفها والناهـض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضاً كملتطم الفرات الفائـض
إني أحب بني النبي المصطـفى * وأعده من واجبـات فرائضـي
لو كان رفضاً حب آل محمـدٍ * فليشهد الثقلان إنـي رافضـي
فرائد السمطين ج1 ص423 ـ 424.
وبعد هذا كله تعرف أن السبب في التسمية يكمن في اتباع الشيعة لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ الذين قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عنهم : « أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى » وقال أيضاً : « أوصيكم بالثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما » ولهذه الادلة وغيرها تمسكنا بهم واتبعناهم فأطلقوا علينا هذا الاسم.
وقد جاء في المحاسن عن أبي بصير قال : قلت لابي جعفر ـ عليه السلام ـ جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا ، قال : وما هو ؟ قلت : الرافضة ، فقال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى ـ عليه السلام ـ فلم يكن في قوم موسى أحدٌ أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم فسمَّاهم قوم موسى الرافضة فأوحى الله تعالى إلى موسى ـ عليه السلام ـ أن أثبت لهم هذا الاسم في التواراة فإني نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله. سفينة البحار ج3 ص384.
ولكن يأبى الله عز وجل إلا أن يجعل علياً ـ عليه السلام ـ شبيهاً لهارون حتى في شيعته ومحبيه ألم يقل سيد البشر ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » ؟ فكل خصال هارون ـ عليه السلام ـ ثابتة لعلي ـ عليه السلام ـ إلا النبوة.
(4) سورة النور : الاية 61.
(5) روضات الجنات للخونساري : ج2 ص279.
(6) سورة البقرة : الاية 156 و157.
(7) روضات الجنات : ج2 ص284.
التعلیقات
١