من بلدان الشيعية
البلدان الشيعية وأماكن تواجدهم
منذ 14 سنةالمصدر : الشيعة في الميزان ، محمّد جواد مغنية ، ص 196 ـ 207
/ صفحة 196 /
من بلدان الشيعة:
ليس لدي من المصادر لبلدان الشيعة سوى كتاب الاعيان للسيد الامين، وتاريخ الشيعة للشيخ المظفر، وهما - كما رأيت - غير كافيين، ولذا جعلت العنوان " من بلدان الشيعة ":
/ صفحة 197 /
العراق:
قال الشيخ المظفر: إن جنوب العراق شيعة، ولئن وجد الخليط في بعض بلاده فلا يكون إلا أفرادا قلائل، ويشمل الجنوب الكوت، والعمارة، والغراف، وما سواها من بلاد دجلة، وأيضا يشمل السماوة والديوانية والناصرية، وما سواها من بلاد الفرات.
أما البلاد الشمالية فسكانها على العموم من أهل السنة إلا أن الشيعة فيها ليسوا بالقليل.
أما البلاد الوسطى كالحلة فهي شيعة خالصة سوى أفراد معدودين في نفس القصبه، ولواء بغداد أكثريته من الشيعة، ومثله لواء ديالي، بعكس لواء الديلم، ومع هذا فالشيعة فيه غير قليل، وعليه فالعراق اليوم سبعة من ألويته شيعة، وفيها شعوب من غيرهم، وخمسة سنة، وفيها خليط من الشيعة، ولواءان مختلطان يغلب عليهما التشيع، هذا ما يعرفه المستقرئ لبلاد العراق (1).
إيران:
وهي أسبق البلاد الاسلامية - غير العربية - إلى التشيع، فقد دخلها المذهب في عصر الحجاج سنة 83 ه كما قدمنا، وعملت على نشره وإعزازه بشتى الوسائل، وشيدت حضرات الائمة وطلت قبابها بالذهب الابريز، وملات خزائنها بالثمين والنفيس من المعادن والجواهر.
الافغان:
وكانت جزءا من مملكة إيران في عهد الصفويين، وهي الآن من البلدان المستقلة المحايده، قال السيد الامين في الاعيان:
" انتشر التشيع في الافغان في عهد الملوك الصفوية، وعينوا مدرسين ومشايخ إسلام في مدنها الهامة، مثل هرات وكابل وقندهار وغيرها، وكان الشيخ حسين
ــــــــــــــــــــ
(1) المؤلف الشيخ محمد الحسين المظفر من علماء النجف، وهو أعرف بهذه الاحصاءات من غيره، وقد ألف كتابه تاريخ الشيعة سنة 1352 ه، وعلى هذا يكون عدد الشيعة في العراق أكثر بكثير مما قاله السيد الامين في أعيانه. (*)
/ صفحة 198 /
ابن عبد الصمد العاملي والد الشيخ البهائي معينا شيخ الاسلام في هرات، والآن لا يخلو بلد من بلاد الافغان من الشيعة، ولكن عددهم غير معلوم على التحقيق إلا أن فيهم كثرة لا يستهان بها تقدر بنحو 400 ألف. وفيهم جماعة من أهل العلم يتعلمون في مدرسة النجف الاشرف ".
أذربيجان:
ومن مدنها تبريز وخوي وسلماس وأرمية وأردبيل ومرثد، وفي كتاب مراصد الاطلاع أن فيها قلاعا كثيرة، وخيرات واسعة، قال صاحب الاعيان:
وأهلها اليوم كلهم شيعة ما عدا بعض أهل أرمية، والظاهر أن تشيعهم من عهد الصفويين، وهي داخلة اليوم في مملكة إيران.
الآستانة:
كانت عاصمة العثمانيين الذين انقرض سلطانهم بعد الحرب العالمية الاولى، قال السيد الامين: فيها عدد كثير من الشيعة هاجروا إليها من إيران، ومن ترك أذربيجان، وهم أهل تجارة وكد وعمل وثروة وتمسك بالدين، يقيمون العزاء لسيد الشهداء، ولا سيما في عشر المحرم، ويعملون الشبيه، ثم يخرجون في الشوارع، وكانت الدولة لعثمانية تمنحهم الحرية التامة، وتحافظ عليهم، أما اليوم فيقتصرون على إقامة العزاء فقط.
البحرين والاحساء والقطيف وقطر:
إن تشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والاحساء شائع منذ عهد الصحابة، والسرأن النبي (ص) بعث واليا عليها إبان بن سعيد بن العاص الاموي، وكان إبان من الموالين لعلي والمتخلفين عن بيعة أبي بكر، ثم صار عاملا عليها عمر بن أبي سلمة، وأمه أم سلمة زوجة رسول الله، وفي عهد أمير المؤمنين ولى عليها معبد بن العباس بن عبد المطلب، فغرس هؤلاء الولاة التشيع في أهل البحرين، وأول جمعة أقيمت في الاسلام بعد المدينة كانت في البحرين (أعيان الشيعة ج 1).
/ صفحة 199 /
وقال الشيخ المظفر في " تاريخ الشيعة ": " حاول عبد الملك أن يحمل أهل البحرين على مفارقة التشيع فأبوا، وأراد أن يستعمل القوة فخاف بأسهم، فصالحهم على نزع السلاح، وأن يرفع عنهم الخراج لقاء ذلك، وداموا على التشيع لا يخشون سلطة حاكم، ولا يرهبون من التصريح به سطوة ظالم، وكان فيها كثير من العماء والافاضل والشعراء.
أما القطيف فهي شيعة خالصة، وأما الاحساء فالشيعة يشاطرون غيرهم، كما أن في قطر كثير من الشيعة (1) ولا يزال من هذه البلاد في النجف الاشرف مهاجرون، لتحصيل علم أهل البيت (ع)، وفيها اليوم جماعة من أهل الفضل، وكانت هذه البلاد ممتحنة بسلطة آل عثمان، ولما انتزعها منهم ابن سعود كانت محنتهم أشد ".
ومن الخير أن نذكر بهذه المناسبة أن المرحوم السيد محسن الامين العاملي ألف كتابا قيما على أثر هدم السعوديين قبورا أئمة البقيع، أسماه " كشف الارتياب " استقصى فيه تاريخ الوهابيين منذ نشأتهم، حتى يومه رحمة الله عليه.
جبل عامل:
ويسمى جبل الجليل، وجبل الخليل، وأهله أقدم الناس في التشيع لم يسبقهم إليه إلا بعض أهل المدينة. ومن نظر إلى هذا الجبل وتاريخه نظرة تأمل وإمعان أخذته الدهشة لنشاط أهله وجهادهم في سبيل العلم والدين والحياة منذ القديم، حتى اليوم على الرغم من فقرهم، وقلة عددهم، وما توالى عليهم من الظلم والاضطهاد. رحلوا إلى إيران والعراق ومصر والشام لطلب العلم، وهاجروا إلى جميع القارات وأقصاها طلبا للعيش. ويحمل الآن المئات من شبابهم الشهادات العالية، ويتولون أعلى المناصب في الدولة، مع العلم بأن بعضهم ابن حمال، وآخر ابن ماسح أحذية، أو ابن كناس إلخ... وليس لدي أي تعليل مقنع لذلك، وما زلت أتساءل: هل هي التربة، أو شملتهم دعوة صالحة، أو عناية من لدن حكيم خبير؟ ومهما يكن، فإني أدع الحديث هنا للشيخ المظفر في
ــــــــــــــــــــ
(1) ترد علي بين الحين ولحين رسائل من قطر يطلب أصحابها نسخا عديدة من كل كتاب من مؤلقاتي وغيرها من كتب الشيعة، فأرسلها لهم بدون تأخير، لوفائهم وحسن معاملاتهم. (*)
/ صفحة 200 /
تاريخ الشيعة، ولما نقله السيد الامين عن مجالس المؤمنين، وللدكتور فيليب حتي في كتابه " لبنان في التاريخ "، قال الامين في الجزء الاول من الاعيان:
" جاء في مجالس المؤمنين أن تجلي أنوار الرحمة الالهية شامل لاهل جبل عامل، ونور المحبة من نواحي إيمانهم ظاهر، ولا توجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء والفضلاء الامامية، وجميع أهله من الخوص والعوام، والوضيع والرفيع يجدون في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية، والاحكام الفرعية على طبق مذهب الامامية، وفي التقوى والمروءة والفقر والقناعة، ويقتدون بطريقة مولاهم المرضية، ومع تسلط الغير عليهم لهم همة في نشر مذهبهم ".
أما الشيخ المظفر فقد خص العامليين بعديد من الصفحات نقتطف منها ما يلي:
" جد العامليون في تحصيل علم أهل البيت (ع)، حتى بالهجرة إلى إيران والعراق، فتخرج منهم علماء استفاد الشيعة بمؤلفاتهم إلى اليوم، وطبقوا البلاد شهرة وصيتا. وقال الشيخ الحر صاحب أمل الآمل: " سمعت من بعض مشائخنا أنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد الثاني وما قاربه. وهذا في ذاك العصر، أما بعده، حتى اليوم فقد انجبت جبل عامل أفاضل وعلماء يعسر الستقصاؤهم، ويوجد فيهم اليوم مراجع للتقليد، وفيهم من له الميزه في الدفاع عن مذهب آل محمد (ص) ".
وقال الدكتور حتي في " لبنان في التاريخ " ص 498 طبعة 1959 (1):
" إن حجبا كثيفة تحجب عنا حياة الشيعة في لبنان، ولكن من وراء هذه الحجب تبرز أمامنا ناحية مشرقة، لها مغزاها البعيد (2) وتدل على أن هذه الجالية لم تقطع أسباب العلم، بل احتفظت به على صعيد عال عند منصرم القرن السادس عشر، عندما جعل الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية في إيران دين الدولة الرسمي المذهب الشيعي، وجد أنه من العسير أن يوفر للناس أئمة يعلمونهم حقيقة المعتقد، ويرسخون مبادئه في نفوسهم. ووجد أيضا أن الكتب غير متوافرة، فعمد إلى مل ء الفراغ باستحضار علماء الشيعة من لبنان - أي من جبل
ــــــــــــــــــــ
(1) طبع الكتاب بالانكليزية، وترجم إلى العربية.
(2) المغزى البعيد هو الذي تساءلنا عنه فيما تقدم. (*)
/ صفحة 201 /
عامل - وقد غادر لبنان جمهور من أولئك العلماء، وذهبوا إلى إيران بدعوة أو بغير دعوة، وقد كان من جملة من ذهب حسين العاملي الذي غادر جبل عامل عندما قتل الاتراك أستاذه زين الدين أصبح يعرف بين قومه بالشهيد الثاني.
وكان الشهيد الاول شمس الدين العاملي الذي قتل في دمشق سنة 1384 م بموجب فتويين أصدرهما القاضي الشافعي، وكان حسين قد أخذ معه ابنه الاصغر بهاء الدين العاملي - الشيخ البهائي - وقد فاق أباه علما وشهرة، فإنه كان فقيها وفيلسوفا وعالما في الرضيات، وقد رفع إلى رتبة شيخ الاسلام حيث كان من ألمع الشخصيات في بلاط الشاه عباس. " بعلبك:
قال السيد الامين: لا يعلم مبدأ التشيع في بعلبك، وكان يغلب عليها التسنن، وفي أيام الحرافشة غلب التشيع على أهلها.
وقال الشيخ المظفر: هي اليوم مع سائر قراها وضواحيها تعد من بلاد الشيعة الشهيرة بالتشيع، وشيعتها تناهز الشيعة في جبل عامل كثرة (1) غير أنها لا تضاهيها في المعارف الدينية، فإنه لا يزال في النجف الاشرف من العامليين المهاجرين لطلب العلم ما يناهز الثمانين طالبا. ولا يوجد من البلاد البعلبكية أكثر من اثنين او ثلاثة ".
جبل لبنان:
ويحده شمالا طرابلس، وجنوبا جبل عامل، وغربا بيروت والبحر، وشرقا بعلبك والبقاع، ويدخل فيه كسروان وضواحي بيروت، وفي برج البراجنة، وبرج حمود، والغبيري، والشياح، ويربو عدد الشيعة في بيروت وضواحيها وكسروان على 150 ألفا، أما عددهم في مجموع لبنان فلا يقل عن نصف مليون، ولشيعة جبل لبنان نائبان في البرلمان ولشيعة بيروت نائب واحد.
ــــــــــــــــــــ
(1) شيعة جبل عامل ثلاثة أضعاف شيعة بعلبك من حيث العدد، والان يمثل شيعة بعلبك في البرلمان أربعة نواب، ويمثل شيعة جبل عامل أحد عشر نائبا. (*)
/ صفحة 202 /
تبت:
قال السيد الامين: فيها عدد كبير من الشيعة، وفيهم علماء يتعلمون العلوم الدينية في الهند وفي النجف الاشرف، ورأيت بعض حجاجهم بدمشق، فسألتهم عن حال الشيعة عندهم، فقالوا: إن عددهم يزيد آنا فآنا.
حمص:
ومنها الشاعر الشهير ديك الجن، وكان شيعيا، توفي سنة 235 ه، ويدل هذا على ان التشيع دخلها منذ زمن وقال السيد الامين: وفي عصرنا هذا تشيع جماعة كثيرون منهم لانفسهم بأنفسهم، ويوجد حوالي حمص عدة فرى، أهلها شيعة إمامية، منها الغور، والدلبوز، وتل الاغر، وغيرها.
حلب:
قال السيد الامين: دخلها التشيع قبل عهد الحمدانيين، وانتشر وقوي على عهدهم، ثم توالي حكام الجور على حلب، وشتد ضغطهم وفتكهم بالشيعة، وأغروا بالشيعة السفلة من السنة، حتى فعلوا من المخازي والقبائح ما تسود له وجه الانسانية، ويخجل القلم عن نقله. وكان ابتداء الضغط أوائل القرن السادس، واشتد في القرن السابع، وتناهى في القرن العاشر، حتى لم يعد أحد يجهز بالتشيع خوفا على دمه وعرضه، وماله، ولم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع، ويوجد في جهات حلب قرى، أهلها شيعة من قديم الزمان إلى اليوم، وهي الفوعة، ونبل، والنغاولة، وكفريا.
الكويت وعمان ومسقط:
للشيعة بالكويت كلمة مسموعة، وتأثير بالغ، ولهم قاض شرعي خاص بهم يختاره المرجع في النجف الاشرف، وتعينه الحكومة بناء على اختياره، ولهم العديد من الحسينيات، ويقصدهم أهل العلم من العراق وجبل عامل، أما عمان ومسقط ودبي فقال الشيخ المظفر: إن فيها الكثير من الشيعة، ولهم الحرية المذهبية
/ صفحة 203 /
الكاملة، ولا يزال بين ظهرانيهم أفراد من أبناء العلم للارشاد وتعليم الاحكام، ويفد عليهم كثير من رجال الدين، وأرباب المنابر الحسينية.
الحجاز:
يوجد شيعة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حتى الان، ومن القبائل الشيعية في الحجاز بنوجهم، وبنو علي، وبعض بني عوف، كما يوجد في رساتيقها كالعوالي.
اليمن:
أسلم أهل اليمن في أيام الرسول الاعظم (ص) وعلى يد علي أمير المؤمنين وبني أول مسجد في اليمن باسمه، وقال ابن عباس للحسين (ع) حين أراد الخروج إلى العراق: اذهب إلى اليمن، فإن لابيك بها شيعة، وقال الامام يمدح قبيلة همدان اليمنية:
ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلي بسلام
وخرج من العلويين أكثر من واحد في اليمن، وفيها كثير من الاثنى عشرية، وأكثر أهلها من الزيود.
روسيا والصين: قال الشيخ المظفر: يبلغ عدد الشيعة في الصين 11 مليونا، وفي روسيا 10 ملايين.
الهند:
يرجع الفضل في انتشار التشيع في بلاد الهند إلى الصفويين، وعن بعض المستشرقين أنه لو لا الاقدار التي جنت على الصفويين لكانت السلطة في الهند اليوم بيد الشيعة.
قال الشيخ المظفر: ليس في النهد بلد إلا وفيه ناس من الشيعة، وهناك بلاد تختص بهم، وأخرى هم الاكثرية فيها فيها، وهذه أسماء بعض تلك البلاد: لكنهور، وهي المرجع الوحيد للاثنى عشرية، ولهم فيها مدارس وكليات
/ صفحة 204 /
وجامعات، وجانبور، وأمروها، وبنتا، وإله باد، ومظفر بور، ولاهور، وبنجاب، وبنارس، وفيض آباد، وسهارن بور، وغيرها كثير.
طرابلس وبنو عمار:
بنو عمار شيعة، وأصلهم من المغرب، جاءوا منها إلى مصر مع الفاطميين وتولوا الامارة والقضاء في طرابلس الشام من قبل الحاكم الفاطمي، وبقيت بأيديهم نحوا من 80 سنة، حتى انتزعها منهم الصليبيون سنة 502 ه، وكان أهلها في ذلك العصر شيعة اثني عشرية، قال المستشرق آدم منز في الجزء الاول من " الحضارة الاسلامية ": وإذا كان ناصر خسرو قد وجد أهل طرابلس في عام 428 ه شيعة فقد جاء ذلك من أن بني عمار كانوا هناك على مذهب التشيع " أما المؤسس لامارة بني عمار في طرابلس فهو أبو طالب أمين الدولة بن عمار أعلن نفسه حاكما على المدينة حين توفي الحاكم الفاطمي، وأنشأ مكتبة تحوي مائة الف مجلد، واستمال طلاب العلم الى عاصمته، فكان عمله هذا شبيها بما قام به سيف الدولة في حلب، وكان من جملة من قصد مكتبته أبو العلاء المعري، وهكذا بلغت طرابلس أثناء حكم بني عمار الذروة في الشهرة العلمية، وفي الازهار الاقتصادي.
ومن علماء الشيعة الطرابلسيين القاضي الشيخ عبد العزيز بن البراج، تلميذ السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وله مؤلفات جليلة، منها المهذب، والموجز والكامل والجواهر وعماد المحتاج. ثم انعدم التشيع من طرابلس، بسبب الضغط والاضطهاد، ويوجد في نواحيها اليوم بعض القرى الشيعية (1).
أندنوسيا:
وفيها اليوم عدة ملايين من الشيعة الاثني عشرية، ويكاتبون ويستفتون علماء العراق وايران وجبل عامل، وفي العام الماضي طلبوا من المرجع في النجف الاشرف عالما يعلمهم الدين وأحكامه، فاختارلهم بعض الفضلاء، وهو
ــــــــــــــــــــ
(1) أعيان الشيعة ج 22، والكنى والالقاب للقمي، ولبنان في التاريخ لفيليب حتى، والكامل لابن الاثير ج 8، والنجوم الزاهرة ج 7، والحضارة الاسلامية لادم متز. (*)
/ صفحة 205 /
اليوم يقيم بين ظهرانيهم، وفقه الله وأخذ بيده، وفي سنة 1956 زارني أحدهم، وحدثني مفصلا عن حياتهم ومحافظتهم على الشعائر المذهبية، وبخاصة إقامة العزاء لسيد الشهداء بلدان أخرى:
وهناك بلدان أخرى غير هذه لم يذكرها صاحب الاعيان، وصاحب تاريخ الشيعة، رغم أنهما بحثا وتتبعا المصادر العريبة والاجنبية. ذلك أن الطرق الفنية للاحصاء لم تتهيا لهما، ولا لغيرهما، حتى الان ولا مستند لهما إلا الكتب الموضوعة منذ القديم في أحوال الاقاليم، أو السماع من عابر. وبديهة أن تلك الكتب لا تتضمن الاخبار عن جميع البلدان وعدد السكان، وأديانها ومذاهبها.
اما الاخذ بقول قائل والسماع من عابر فلا يغني عن الحق فان الذين يعرفون عدد السكان في بلدهم أقل من القليل - إن صح التعبير - فأنا الان أقيم في بيروت منذ 15 سنة، ولا أعرف عدد سكانها على التحقيق، وسكنت قبلها بقرية صغيرة 10 سنوات. وبقيت طوال هذه المدة أجهل عدد أهلها إلا على سبيل التقريب.
ولقد قرأت الكثير عن الجزائر، وما رأيت ولا سمعت من أحد أن فيها شيعة، حتى أخبرني من لا أشك بصدقة أن في جبالها، وسائر جبال البر بر قبائل من الشيعة، وأنه اجتمع بأحدهم، وتوطدت الصداقة والعلاقة بينه وبينه، وأخبره عن احوالهم وعاداتهم. وأيضا أخبرني أكثر من واحد أنه يوجد في السودان شيعة، وفي سنة 1962 مر ببيروت حجاج من السودانيين، ورأيتهم يبحثون في مكاتبها التجارية عن الكتب الشيعية، فساعدتهم وأهديتهم بعضا، فسروا وشكروا.
وفي آخر الجزء الاول من أعيان الشيعة نقلا عن كتاب حاضر العالم الاسلامى ودائرة المعارف الاسلامية أن بلدان في إفريقيا يدعى هرار كان تابعا لمصر سنة 1875، ثم تبع الحبشة سنة 1887 جميع أهله شيعة، ويبلغ عددهم 50 ألفا، وغير بعيد أن يكون هؤلاء من الاسماعيلية المنحرفة، لا من الشيعة الامامية، قال أبو زهرة في كتاب الامام الصادق ص 549:
" انتشر الشيعة في وسط إفريقيا في البلاد الاسلامية، كنجيريا، وبلاد
/ صفحة 206 /
الصومال، وبلاد السنغال، وغيرها من البلاد الافريقية، وأكثر هؤلاء من الاسماعيلية المنحرفة، وليسوا من الاثني عشرية، ولا من طائفة الاسماعيلة المعتدلة، كالبهرة الذين يقيمون بالهند وباكستان " (1)
وبالتالي، فان التشيع قد عم وانتشر في أكثر البلدان الاسلامية، وكانت لهم الغلبة في الكثرة والعدد على سائر الفرق، أو ليسوا بأقل من غيرهم، ثم انحسر التشيع في كثير من الاقاليم بسبب ضغط الحكام ومقاومتهم، وتعصب إخوانهم ويعدون من الفرق الكبرى، وقد ظهر ذلك مما تقدم، مع العلم بأن ما ذكرت من بلدانهم إنما هو الاظهر والاشهر، أما استيعاب الاقاليم كاملة، وإحصاء العدد حقيقة فما وحدت إليهما سبيلا، ولن أجده، حتى مع الحرص والاجتهاد.
وتختم هذا الفصل بتلخيص موجز لما ذكره الشيخ ابو زهرة في آخر كتاب " الامام الصادق " بعنوان " نمو المذهب الجعفري ومرونته "، قال:
لقد نما هذا المذهب وانتشر لاسباب:
1 - إن باب الاجتهاد مفتوح عنذد الشيعة، وهذا يفتح باب الدارسة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والنفسية.
2 - كثرة الاقوال في المذهب - أي في المسائل الفقهية النظرية - واتساع الصدر للاختلاف ما دام كل مجهتد يلتزم المنهاج المسنون، ويطلب الغاية التي يتغياها من يريد محص الشرع الاسلامي خالطا غير مشوب بأية شائبة من هوى.
3 - إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الالوان من الصين إلى بحر الظلمات، حيث أوروبا وما حولها، وتفريق الاقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الارضين المختلفة الالوان، يحمل في سيرة ألوانها وأشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته.
ــــــــــــــــــــ
(1) زارني اليوم 6 / 4 / 64 رجلان من كينيا أحدهما اسمه أصغر علي محمد جعفر، والثاني اسمه حسين حبيب، وقال لي الاول، وهو يتقن العربية: إن في كينيا ودار السلام وأوغندا عشرين الف نسمة من الجعفريين، وأنهم يقلدون في أمور دينهم المرجع في النجف الاشرف، ويعملون برسالته، وإن لهم لجنة تجمعهم وتعمل على بث التعاليم الجعفرية واسمها لجنة الاتحاد القومية الوطنية، ومقرها آروشيا في طنجنيقا. (*)
/ صفحة 207 /
4 - كثرة علماء المذهب الذين تيصدون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة، وقد آتى الله ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عددا وفيرا عكفوا على دراسته، وعلاج المشاكل على مقتضاه.
هذه حقيقة نطق بها الشيخ أبو زهرة، وفي الكتاب أمثلة كثيرة لعلمه وانصافه، كما أن فيه موارد للنقد والنظر. أشرت إلى بعضها فيما تقدم من هذا الكتاب، وفي كتاب المجالس الحسينية، وإني لاعترف له وللشيخ شلتوت رئيس الازهر والشيخ المدني عميد كلية الفقه بمزايا حميدة على كثير من شيوخ الازهر، أمثال الحفناوي صاحب كتاب " أبو سفيان " ومحب الدين الخطيب منفذ " الخطوط العريضة " وغيره من الذين كفروا الشيعة، اطلاقا، وتحدثوا عنهم بروح الدس والعداء، حتى جعلونا نغض الطرف عن كل خطيئة الا التكفير والخروج عن دين الاسلام.
إن موقف الخطيب من الشيعة، ومن إليه لا يمت إلى العلم والدين بسبب، أما موقف الشيخ أبي زهرة فهو موقف مذهبي يشوبه - كما هو المعتاد - شئ من التعصب الذي يباعد بين الاخوين، إلا أنه لا يبلغ مرحلة التكفير، والحمد لله.
هذا، إلى أن الشيخ أبا زهرة لم يرض في كتابه جماعة من السنة، كما أنه لم يرض الكثير من الشيعة.
في سنة 1961 اجتمعت بالشيخ أبي زهرة في دمشق، حيث اشتركنا معا في مهرجان الغزالي، فقال لي فيما قال: حين ألفت كتاب " الامام الصادق " كنت على علم اليقين بأنه سيغضب السنة والشيعة معا، لاني لم أقل ما يريد أولئك، ولا كل ما يريد هؤلاء.
فقلت له: نحن نرحب بكل نقد من أية جهة أتى، على شريطة أن يكون بدافع الاخلاص، متحررا من رواسب الماضي ومخلفاته. ولا أخفي القارئ أني شعرت بالتقدير لشخصه، رغم أني لا أوافقه على كثير من آرائه، وكنت - قبل أن نلتقي - انتقدته في بعض مؤلفاته، ورددت عليه بمقال مطول مفصل، وكان حين يقدمني لمعارفه يقول: هذا الذي رد علي وانتقدني.
وبالختام يكفي أن نتذكر ما كتبته الاقلام المأجورة عن الشيعة والتشيع لنكبر ونقدر الشيخ ابا زهرة في كتابه " الامام الصادق ".
التعلیقات