أحمد أمين يعترف في أيامه الاخيرة
الأراء حول نشوء التشيع
منذ 14 سنة
المصدر : الشيعة في الميزان ، تأليف : محمّد جواد مغنية ، ص 70 ـ 74
/ صفحة 70 /
أحمد أمين يعترف في أيامه الاخيرة
اجم أحمد أمين في كتاب " فجر الاسلام " وضحاه الامامية هجوما عنيفا، ورد عليه يومذاك عماؤهم ردا منطقيا، وأثبتوا بشهادة التاريخ وكتبهم العقائدية أنه أحل العاطفة محل العقل، والتعصب محل العدل، والخيال محل الواقع.
ومن الذين تصدوا للرد عليه المرحوم كاشف الغطاء في كتاب " أصل الشيعة وأصولها ".
وبعد مضي عشرين عاما، أو أكثر على مهاجمته تلك أصيب بنظره، وعجز عن القراءة والكتابة، وفي أيامه الاخير - سنة 1952 - استعان بغيره، وأملى عليه كتابا أسماه " يوم الاسلام " اعترف فيه من حيث لا يحس ولا يشعر بما كان قد أنكره على الامامية، من ذلك:
استنكاره مبدأ النص على خليفة الرسول، وزعمه بأنه بدعة استوردها الشيعة من الخارج، وأن التبي أقر مبدأ الشورى والانتخاب. ثم ناقض نفسه، ورد عليها بنفسه، حيث اعترف في كتاب " يوم الاسلام " بأن النبي (ص)
أراد أن يكتب في مرضه الذي مات فيه كتابا يعين من يلي الامر بعده، فحال عمر دون إرادته. وهذا ما قاله صاحب " فجر الاسلام " بالحرف الواحد في كتابه الاخير " يوم الاسلام " ص 41 طبعة 1958:
" أراد رسول الله (ص) في مرضه الذي مات فيه أن يعين من يلي الامر بعده، ففي الصحيحين - البخاري ومسلم - أن رسول الله لما احتضر قال: " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " وكان في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، فقال
/ صفحة 71 /
عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع (1) وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم، واختصموا فمنهم من قال: قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من قال: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده (ص) قال لهم قوموا فقاموا، وترك الامر مفتوحا لمن شاء جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة، حتى عصرنا هذا بين السعوديين والهاشميين ".
وقال في ص 53: " اختلف الصحابة على من يتولى الامر بعد الرسول، وكان هذا ضعف لياقة منهم، إذ اختلفوا قبل أن يدفن الرسول " مع العلم أن عليا كان مشغولا بتجهيز النبي (ص).
وقال في ص 52: " كان مجال الخلاف الاول - أي بين الصحابة - في بيت النبي. والثاني في سقيفة بني ساعدة. وأخيرا تم الامر لابي بكر على مضض ".
وقال في ص 54: " بايع عمر أبابكر، ثم بايعه الناس، وكان في هذا مخالفة لركن الشورى، ولذلك قال عمر: إنها غلطة وقى الله المسلين شرها، وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر ".
وقال في ص 58:
" وكان أهم ما نقم الناس على عثمان:
1 - طلب منه عبد الله بن خالد بن اسيد الاموي صلة، فاعطاه اربعمائة الف درهم.
2 - أعاد الحكم بن العاص بعد أن نفاه رسول الله، وأعطاه مائة ألف درهم.
3 - تصدق رسول الله بموضع سوق المدينة على المسلمين، فأعطاه عثمان للحارث الأموي.
4 - أعطى مروان فدكا، وقد كانت فاطمة طلبتها بعد أبيها، فدفعت عنها. 5 - حمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية.
6 - أعطى عبد الله بن أبي السرح جميع ما أفاء الله من فتح إفريقيا بالمغرب، من غير أن يشرك فيه أحدا من المسلمين.
ــــــــــــــــــــ
(1) في صحيح البخاري ج 6 ص 9 طبعة 1314 ه " ما شأنه - أي النبي - أهجر؟ ".
/ صفحة 72 /
7 - أعطى أبا سفيان مائتي ألف ومروان مائة ألف من بيت المسلمين في يوم واحد.
8 - أتاه أبو موسى الاشعري بأموال كثيرة من العراق، فقسمها كلها في بني أمية.
9 - تزوج الحارث بن الحكم، فأعطاه مائة ألف من بيت المال.
10 - نفى أباذر رحمه الله إلى الربذة، لمناهضته معاوية في كنز الذهب والفضة.
11 - ضرب عبد الله بن مسعود، حتى كسر أضلاعه.
12 - عطل الحدود، ولم يرد المظالم، ولم يكف الايدي العادية.
13 - كتب إلى عامله في مصر يأمره بقتل قادة الثورة ".
وقال في ص 57: " وكان من أكبر الشخصيات البارزة في محاربته، وتأليب الناس عليه عائشة بنت أبي بكر ".
وقال في ص 61: " إن قتل عمر وعلي كان حادثة فردية، ومؤامرة جزئية، أما مقتل عثمان فقد كان ثورة شعبية للاقطار الاسلامية " أي أن عليا وعمر لم يقتلهما المسلمون، أما عثمان فقد قتله المسلمون أنفسهم.
وقال في ص 53: " كره كثير من الصحابة أن يجمع بين النبوة والخلافة، ولعلمهم بشدة علي في الحق وعدم تساهله ".
ولو عطفنا هذه الاقوال بعضها على بعض جاءت النتيجة كما يلي:
إن مبدأ النص على الخليفة مصدره الاول رسول الله دون سواه، وإن الذين خالفوه، وحالوا بينه وبين أن ينص على من يليه في سجل مكتوب لا يقبل التأويل والتبديل هم بالذات الذين خالفوا تلك النصوص غير المكتوبة. قال الشييخ محمد رضا المظفر في كتاب " السسقيفة ": " وإذا كانوا في حياته لا يطيعون أمره في هذه السبيل، فكيف إذن بعد وفاته؟ ".
وإن ترك النص على الخليفة قد فرق الامة، ومزق كلمتها، وأوقعها في التطاحن والتناحر إلى آخر يوم. والسبب في ذلك كله هو الخليفة الثاني، ومن آزره في رأيه، وأعانه على منع الرسول أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا.
وإن بيعة أبي بكر وعمر لم تكن بالنص ولا بالشورى، وإنما كانت مجرد
/ صفحة 73 /
غلطة، ومعنى غلطة أنها على غير الحق. أما عثمان فخالف الاسلام، ولذا ثارت عليه الاقطار الاسلامية بتحريض السيدة عائشة، فكانت الثورة عليه شعبية إسلامية، لا شعوبية، ولا من الشذاذ وقطاع الطرق - كما قيل -.
وإن الاصحاب الذين حالوا بين علي والخلافة إنما فعلوا ذلك لسببين:
الاول: إنه شديد في الحق، لا يتساهل به أبدا.
الثاني: التعصب على أهل البيت، حيث كرهوا أن تجتمع في بيت واحد، وهو بيت محمد النبوة والخلافة.
وإذا أبى من أبى تعصبا وعنادا أن يعترف لعلي بالخلافة، لا لشئ إلا لانه على حق، ومن أهل البيت، فإن الشيعة آمنوا بخلافته، لانهم يؤمنون بالحق، وأحبوه، لانهم يحبون النبي وأهل بيته الاطهار.
وبالاجمال فإن ما قاله الامامية في هذا الباب لا يزيد في حقيقة شيئا عما قاله أحمد أمين في كتاب " يوم الاسلام " الذي ألفه في أيامه الاخيرة، وبعد أن أقام الدينا، ولم يقعدها على الامامية في فجر الاسلام وضحاه. وسبق أن أثبتنا بالارقام أن من أنكر التقية يقول بها، وأن التهمة بالجفر بمعنى علوم الغيب، وبتحريف القرآن، وما الى ذاك هي أليق وألصق بمنن اتهم وتهجم.
ومن الخير أن نذكره بهذه المناسبة ما قاله الشيخ محمد رضا المظفر في كتاب " السقيفة " ص 66 وما بعدها طبعة 1953،. قال:
" ما بال عمر بن الخطاب لم يعتقد بهجر أبي بكر حين أوصى له بالخلافة من بعده، مع أن أبابكر كان مريضا حين الوصية، حتى أغمي عليه من شدة الوجع، وأثناء تحرير الاستخلاف الذي كان يتولاه عثمان بن عفان، فأتم عثمان النص على عمر دون أن يعلم أبوبكر، خشية أن يدركه الموت قبل الوصية.
وحين الستفاق أمضى ما كتب عثمان.
لقد علم عمر أن النبي سينص في الكتاب على علي لا محالة، ذلك أنه قال:
أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا، وكان أن سبق وعبر مثل هذا التعبير في حديث الثقلين، حيث قال: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما أبدا. ففهم عمر ماذا يريد الرسول، ولذا قال: إنه يهجر، أو وجع ".
/ صفحة 74 /
وبالتالي نكرر القول إن ما من شئ تدين به الامامية إلا وله أساس عند السنة، ولم ينكر هذه الحقيقة إلا جاهل، أو متجاهل يبغي الدس وإيقاظ الفتنة.
وقد اعترف أحمد أمين نفسه بذلك، قال في ص 187:
" هل للمسلمين أن يشتد وعيهم الديني، ويفهموا بعد طول التجارب أنه لم يعد هناك وجه للخلاف بين سني وشيعي وزيدي، وغير ذلك من المذاهب، لانهم لو رجعوا إلى أصل دينهم ما وجدوا لهذا الخلاف محلا، ولو جدوا أنه خلاف مصطنع لا خلاف أصيل، وأن الامم الاسلامية في موقفها الحاضر أحوج ما تكون إلى لم شعثها، وإصلاح ذات بينها، وتوحيد كلمتها، وهي ترى كيف تهاجم من كل جانب، وكيف يتخذ إسلامها وسيلة من وسائل الكيد لها، وإذا اتحد أهل الباطل على باطلهم، فأولى أن يتحد أهل الحق على حقهم ".
وهذا اعتراف صريح من أحمد أمين بأنه كان مخطئا في فجر الاسلام وضحاه، وأنه اصطنع الخلاف بين السنة والشيعة، دون إن يكون لهذا الخلاف أصل ولا أساس، وأن الجميع على حق، ويجب عليهم أن يتحدوا على حقهم، كما اتحد أهل الباطل على باطلهم.
التعلیقات