ما الموقف الشرعي من الاحتكام إلى الشارع واعتماد رأي الأكثريّة ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
رددت في الآونة الأخيرة دعوات إلى الاحتكام إلى الشارع في مسائل الشأن العام والشأن السياسي على وجه الخصوص ، ومن قبل ذلك ثارت جدالات حول العلاقة بين الديمقراطيّة والشورى من جهة مشروعيّة كون الاُمّة مصدر السلطات ، وهل الشورى معلّمة أو ملزمة ، فكونها ملزمة يعني الاحتكام إلى رأي الجمهور أو الأكثريّة ، فما الموقف الشرعي من الاحتكام إلى الشارع واعتماد رأي الأكثريّة ؟ وإذا كان الحقّ من الأكثريّة أقرب فلماذا ذمّ القرآن الكريم الأكثريّة في مواضع عديدة ؟
ثمّ أليس الحقّ قد يكون مع الواحد بخلاف الجماعة ؟ ومَن هم الذين يكونون محلّ للشورى والاعتبار برأيهم في ظلّ ما يسمّى صناع ! الرأي العام الذي يصنعه أصحاب النفوذ والسلطان ووسائل الإعلام ؟
الجواب :
الإسلام دين شامل لكلّ جوانب الحياة وله موقف ورأي في كلّ الشؤون التي تمسّ الإنسان ومنها الشأن العامّ والشأن السياسي ، ومن الطبيعي جدّاً بالنسبة إلى كلّ مسلمٍ أن يحتكم إلى الشارع في كلّ شؤونه ، ويدعو أيضاً إلى الاحتكام إليه في كلّ الشؤون ، وليس هذا شيئاً قد ظهر في الآونة الأخيرة ـ كما توهّم السائل ـ بل الإسلام يمتاز بالشموليّة.
قال تعالى : ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) [ إبراهيم : 34 ].
وعن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله : « ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويبعدكم عن النار إلّا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يبعدكم عن الجنّة ويقرّبكم إلى النار إلّا وقد نهيتكم عنه ».
ويقول تعالى في الشأن العام والشأن السياسي : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [ الأحزاب : 36 ].
وقال تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [ النساء : 65 ].
وقال تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) [ النساء : 59 ].
إذن لا مجال للديمقراطيّة ـ بمعناها الغربي ـ ولا للشورى ورأي الأمّة أو الأكثريّة في النظام السياسي الإسلامي وليست الأُمّة مصدر السلطات ولا الشورى ملزمة ، والمسلم لا يحتكم إلى رأي الجمهور ولا إلى الأكثريّة في تحديد النظام السياسي ، بل يحتكم إلى الكتاب والسنّة ، وقد عيّن الكتاب والسنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله على رأس النظام السياسي فقال : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) [ الأحزاب : 6 ] ، ومن بعده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسّلام بالنصوص الكثيرة من القرآن والسنّة ، ومن بعده أحد عشر إماماً أوّلهم الحسن ثمّ الحسين ، ثمّ الأئمّة التسعة من ولد الحسين سلام اللّه عليهم أجمعين ، ونصّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله على عددهم في الحديث المتّفق عليه بين المسلمين فقال : « الأئمّة من بعدي اثنا عشر » ، وفي عصر غيبة الإمام الثاني عشر ـ كما في عصرنا الحاضر ـ أرجع الإسلام الناس إلى الفقهاء ، فهم ولاة الأمر في عصر الغيبة وهم الذين يحدّدون شكل الحكومة وسائر ما يرتبط بالجانب السياسي للمجتمع الإسلامي ، نعم قد يرى الفقيه الوليّ المتصدّي للجانب السياسي والحكومي المصلحة في أخذ رأي الناس أو التشاور مع مجموعة من الأخصّائيين وأهل الخبره في جانب من الجوانب ، فله ذلك والمجال مفتوح أمامه ، فتكون الشورى حينئذٍ من أجل تنضيج الفكرة الموجودة عنده ، لكنّها ليست ملزمة له ولا لغيره ، بل القرار النهائي يتّخذه وليّ الأمر ـ نبيّاً أو إماماً أو نائب إمام ـ ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ) [ آل عمران : 159 ] فالعزم عزمه والقرار قراره ، وعلى الجميع أن يتّبعوه ويطيعوه.
وصفوة القول هي أنّ الأكثريّة ليست مقياساً للحقّ ولا هي أقرب إلى الحقّ ولا هي مصدر السلطة ولا هي ملزمة ، وكذلك الشورى ورأي الأُمّة ، واللّه العالم.
التعلیقات