الخلاف الأصوليين والأخباريين وكيفية الاحتياط
الأخباري
منذ 14 سنةالسؤال :
نحن من عائلة لها خلفية إخباريّة في معتقدها ، وأنا الآن على قناعة كاملة أنّ المذهب الأصولي لم يأت بحكم ما من خارج القرآن والسنّة رغم تربيع الأدلّة من حيث التصنيف ، إلّا أنّ أخي الصغير عندما يسمع وجهتي النظر الموجودة في العائلة يتّجه بقراره نحو الاحتياط باتباع أحد الفقهاء المتجزّئين لكونه يعلن أنّ الأدلّة عنده اثنين فقط الكتاب والسنّة.
وباعتبار أنّ علماء المذهب الأصولي لا يحتاطون بالرجوع إلى هذين الدليلين ، وإنّما يتعدونها إلى أدلّة أُخرى قد توقع بالهلكة كما يعتقد ، ولا أرى أنّ هذا الذي يعمله احتياطاً .
فكيف لي أن أقنعه بخطأ اعتقاده ؟ علماً أنّني حاولت الاستفادة من كلّ المناسبات ، وبكلّ الطرق العقليّة لإقناعه إلّا أنّني فشلت وبدأت أقتنع بتركه بلا نقاش ، لأنّ النقاش يزيده إصراراً بصحّة اعتقاده. وشكراً.
الجواب :
أوّلاً : الصحيح أنّ الأخباريين يجعلون دليل الأحكام الشرعيّة منحصراً في السنّة والروايات الحاكية عنها ، لأنّهم لا يقولون بحجيّة الظواهر من الكتاب ، ولا بدّ من الرجوع إلى الروايات المفسّرة ، و ليس في القرآن نصوص قطعيّة الدلالة على تفاصيل الأحكام حتّى يؤخذ بنصّ القرآن الكريم.
ثانياً : الأخباريّون لا يعترفون بالتقليد ، ولا يجوز عندهم أخذ الأحكام من المجتهد الفقيه سواء كان اجتهاده مطلقاً أو متجزّءاً ، وإنّما يرجعون إلى الأحاديث في الحقيقة ، ورجوعهم إلى العلماء إنّما هو من باب أنّهم عارفون بالأحاديث.
ثالثاً : الإحتياط يقتضي الرجوع إلى أعلم الفقهاء والرواة لا اتباع أحد المجتهدين ، بل الإحتياط التامّ يقتضي أن يجمع بين الأقوال ويأخذ بأحوطها ، والاحتياط عند الأخباري هو أن يأخذ بأحوط الأحاديث الواردة في المسألة ، فلو كان حديث يدلّ على الإباحة وحديث يدلّ على الاستحباب وحديث يدلّ على الوجوب ، وجب عليه أن يأخذ بالوجوب من باب الإحتياط.
رابعاً : الخلاف بين الأصوليين والأخباريين ليس مؤثّراً تأثيراً مهمّاً في اختلاف الحكم الشرعي ، فإنّ أغلب اعتماد الأصوليين إنّما هو على الروايات و الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة ، وقلّما يثبت عندهم حكم بالدليل العقلي أو الإجماع الكاشف عن القول المعصومين أو بظاهر القرآن الكريم ، ولم يكن في مورده روايات معتبرة تدلّ على الحكم أيضاً.
فالعمدة هو وظيفة الشخص العامّي الذي لا يتمكّن من الاستدلال الشرعي ، ولا يتمكّن من إثبات صحّة الطريقة الأصوليّة أو الأخباريّة ، فمثل هذا الشخص لا يجوز أن يرجع إلى الشيخ الصدوق مثلاً أو المجلسي و يأخذ الأحكام منه أو يرجع إلى الروايات ويستفيد منها الأحكام رأساً ، إذ لا يفهم منها الحكم ، وإذا فهم فلا دليل على حجيّة فهمه ، لأنّه عامّي حسب الفرض فلابدّ أن يرجع مثل غيره من الناس إلى أهل الذكر و الاطلاع والعلم ، فإنّ الجاهل في كلّ فنّ وحرفة وصنعة وعلم يرجع إلى أهل الخبرة في ذلك العلم ، وإذا تعارضت أقوال أهل الخبرة إمّا أن يأخذ بأحوطها أو يرجع إلى الأعلم.
فالعامّي يجب أن يرجع إلى المجتهد الأصولي الأعلم ، لأنّه هو الذي يُعدّ من أهل الخبرة في الأحكام الشرعيّة. وأمّا الرجوع إلى عالم أخباري فهو في الحقيقة رجوع إلى الروايات ، والمفروض أنّه لا يفهم منها شيئاً ، وفهم غيره لا يكون حجّة عليه مادام أنّ الغير عالم أخباري لا يرى حجّيّة الدليل العقلي النظري ، والمفروض أنّ فهم الأحكام الشرعيّة حتّى من الروايات يحتاج إلى إعمال الدليل العقلي ، وبدونه لا يكن الاستدلال ؟ فكيف ينكر الدليل العقلي ، ثمّ يستدلّ بما يعتمد عليه ؟
التعلیقات