هل للإستبداد جذور دينيّة ؟
السيّد علي الحائري
منذ 13 سنةالسؤال :
هل للإستبداد جذور دينيّة ؟ ولماذا لم تتحوّل الشورى الإسلاميّة إلى ثقافة عامّة وملزمة ؟
الجواب :
1 ـ فيما يتعلّق بالمقطع الأوّل من السؤال ينبغي أن نقول : لا ، ليس للإستبداد ـ بمعناه الحقيقي ـ أيّ جذر ديني ، وليس في الدين استبداد بهذا المعنى أبداً ، فإنّ الإستبداد معناه أن تفرض رأيك على الآخرين دون أن يتمّ لك ـ مسبقاً ـ الحقّ في فرض رأيك عليهم ، أمّا إذا تمّ لك مسبقاً الحقّ في ذلك فليس من الإستبداد حينئذٍ أن تفرض رأيك عليهم ، بل هو إعمال لحقّك المفروض.
فإذا اتّفقتَ مثلاً في صفقة تجاريّة معيّنة مع شخص آخر على أن ينفّذ كلّ شروطك فسوف يكون من الطبيعي حينئذٍ أن يحقّ لك فرض رأيك وأوامرك عليه.
ولا يقال عنك في هذه الحالة أنّك مستبدّ مادام قد تمّ لك مسبقاً ـ من خلال الاتّفاق الذي جرى بينكما ـ أن تُملي عليه شروطك ، وأن تأمره بما تحبّ.
هذا مثال بسيط وساذج ضربناه لك أيّها السائل العزيز لتكون على بصيرة من معنى « الإستبداد ».
وعلى هذا الضوء نأتي إلى الدين والشريعة لنرى هل يوجد هناك شوب استبداد بهذا المعنى ؟
وهل أنّ الشريعة فرضت علينا رأي مَن ليس له الحقّ في أن يَفرض رأيه علينا ؟
كلّا ثمّ كلّا ، لأنّ الشريعة لا تفرض على الإنسان سوى أوامر الله تبارك وتعالى ، والدين لا يوجب إطاعة غير الله تعالى وحتّى النبيّ والإمام ومَن دونهما ـ من الأولياء ـ إنّما تجب إطاعتهم ، لأنّ الله تعالى قد أمر باطاعتهم ، فلو لم يكن قد أمر الله تعالى بإطاعة النبيّ وأولي الأمر كما كانت إطاعة النبيّ ولا إطاعة أولي الأمر واجبة.
إذن فالولاية في الأصل إنّما هي لله تعالى ، فالله هو الوليّ الحقيقي دون غيره ، ولا ولاية حقيقية لغيره بتاتاً بمعنى أنّ الملزِم ـ في الأصل ـ إنّما هو أمر الله تعالى لا غير.
ومن الواضح أنّ الله تعالى قد تمّ الحقّ له مسبقاً في فرض أوامره علينا وليس في هذا الفرض أيّ استبداد.
وهذا الحقّ ـ أعني حقّ الطاعة له تبارك وتعالى ـ ندركه نحن البشر بعقولنا ووجداننا ، فكما أدركنا وجوده وأدركنا خالقيّته لنا وللكون ، كذلك ندرك بعقلنا ووجداننا أنّه المولى والوليّ وتجب طاعته ، فإذا فرض علينا شيئاً لم يكن هذا من الإستبداد أصلاً ، لأنّ الإستبداد كما عرفتَ عبارة عن فرض الرأي من قِبَل مَن ليس له الحقّ في فرض الرأي ، بينما الله تعالى له الحقّ في فرض الرأي علينا ، والعقل والوجدان هو الذي يُعطيه هذا الحقّ.
وعلى هذا الأساس يتّضح الجواب على المقطع الثاني من السؤال :
2 ـ إنّ الشورى أساساً ليست ملزِمة ، أيّ ليست لها الولاية شرعاً ، فلا يجب على الإنسان المسلم أن يخضع لما تنتجه الشورى أو الأكثريّة بوصفه نتيجة الشورى أو بوصفه رأي الأكثريّة ، هذا ممّا لم يدلّ عليه دليل بل الدليل على خلافه ، فإنّ الإلزام والولاية كما قلنا إنّما هو في الأصل لله تعالى ، وقد نصب الله تعالى النبيّ ومِن بعده الإمام وليّاً على الناس.
قال الله : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) [ الأحزاب : 6 ].
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : « مَن كنت مولاه فعلي مولاه ».
ومن بعده الإمام عليه السلام إلى عصر غيبته تأتي الولاية للفقهاء الذين تتوفّر فيهم الشروط المقرّرة في الفقه.
هذه سلسلة مراتب الولاية بدأً بولاية الله تعالى وإنتهاءً بولاية الفقيه ـ على الخلاف الفقهي الدائر حول حدود هذه الولاية الثابتة للفقيه ، فإنّ أصل ولايته أمر مسلّم لا إشكال ولا خلاف فيه فقهيّاً ، إنّما الخلاف في حدودها ـ.
إذن فالولاية ولزوم الطاعة والخضوع للأوامر ليست للشورى ولا للأُمّة ولا للأكثريّة ولا لأهل الحلّ والعقد ، وإنّما هي لله تعالى ولمَن نصبه الله تعالى فقط.
نعم الشورى والاستنارة بآراء الآخرين أمر لا ريب في فائدته ولذا جاء التأكيد عليه في النصوص : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) [ آل عمران : 159 ] ، و ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) [ الشورى : 38 ] ، لكن الإلزام لا يستفاد من هذه النصوص ، والله العالم ، والسلام عليكم.
التعلیقات