ابن الاَمير محمد بن إسماعيل
أعلام الزيدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 438 ـ 442
________________________________________(438)
زيدي تسنّن وتوهّب
2
ابن الاَمير: محمد بن إسماعيل (1099 ـ 1186 هـ) موَلّف سبل السلام
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح، ينتهي نسبه إلى الاَمير يحيى بن حمزة الحسني، الذي تعرفت عليه.
ولد بكحلان، ثم انتقلت أُسرته عام 1110هـ إلى صنعاء عاصمة اليمن، وتعلّم النحو والبيان وعلوم الفقه وأُصول الدين، ثم سافر إلى الحجاز مرتين، وأخذ علوم الحديث هناك وبرع في العلوم المختلفة حتى برع أقرانه وتفرّد بالرئاسة العلمية في صنعاء وأظهر الاجتهاد والوقوف مع الاَدلة ونفر من التقليد وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية.
ومن كتبه النافعة كتاب «سبل السلام في شرح بلوغ المرام» لابن حجر.
أمّا بلوغ المرام فقد ألّفه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وجمع فيه كل الاَحاديث التي استنبط الفقهاء منها الاَحكام الفقهية مبيناً عقب كلّ منها، من أخرجه من أئمة الحديث كالبخاريّ ومسلم، ومالك، وأبي داود، وغيرهم موضحاً درجة الحديث من صحة أو حسن أو ضعف، مرتّباً له على أبواب الفقه، وضمّ إلى ذلك في آخر الكتاب قسماً مهماً في الآداب والاَخلاق والذكر والدعاء.
أمّا الشرح فالاَصل كما يقوله الشوكاني هو «البدر التمام» للمغربي، اختصره
________________________________________
(439)
محمد بن إسماعيل الاَمير، فبيّن لغته وسبب الضعف فيما ضعّفه الحافظ ابن حجر، إذ أنكره، أو وهمه أو أعلّه، وذكر ما يدلّ عليه الحديث من الاَحكام الفقهية ومن قال بها من كبار المجتهدين صحابة وتابعين وأئمة المذاهب ـ رض ـ ومن خالفها مبيّناً نوع المخالفة ودليلها، ثم يقضي بالكتاب والسنّة غير متحيز إلى مذهب من المذاهب (1)قال الشوكاني: وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن: منها في أيام المتوكل على اللّه القاسم بن الحسين، ثم في أيّام ولده الاِمام المنصور باللّه الحسين بن القاسم، ثم في أيام ولده الاِمام المهدي العباس بن الحسين، وتجمع العوام لقتله مرّة بعد مرّة حفظه اللّه من كيدهم، وكفاه شرّهم وولاه الاِمام المنصور باللّه، الخطابة بجامع صنعاء فاستمر كذلك إلى أيّام ولده المهديّ ـ إلى أن قال: ـ وكانت العامة ترميه بالنصب مستدلين على ذلك بكونه عاكفاً على الاَُمّهات، وسائر كتب الحديث، عاملاً بما فيها، ومن صنع هذا الصنع رمته العامّة بذلك لا سيما إذا تظهر بفعل شيء من سنن الصلاة كرفع اليدين وضمّهما (القبض والتكتف) (2).
هنا ملاحظات :
1 ـ إنّ ابن الاَمير بلغ درجة الاجتهاد المطلق، فرفض الالتزام بمذهب خاصّ وقام يعمل برأيه وهو بغية كل طالب داع. لكن المظاهرة على مخالفة العامة لماذا ؟!فإنّ رفع اليد وضمها الذي يعبر عنه في الفقه الاِمامي بالتكتف أو قبض اليد اليسري باليمنى، كما هو التعبير الرائج اليوم، سنّة وليس بفرض ـ لو لم يكن بدعة أُموية ـ (3) أو ما كان من واجب ابن الاَمير عقلاً ترك السنّة، لدفع الفتنة.
________________________________________
(1) سبل السلام مقدمة المحقّق: محمد بن عبد العزيز الخولي الطبعة الرابعة ـ 1379، والبدر الطالع: 2|137، برقم 417.
(2) الشوكاني: البدر الطالع: 2|134.
(3) لاحظ: الاعتصام بالكتاب والسنّة للموَلف: 61.
________________________________________
(440)
وقد روي أنّ الاِمام الشافعي زار مرقد الاِمام أبي حنيفة وصلى فيه ولم يَقنُت، ثم سئل عن ترك القنوت مع أنّه مذهبه، قال توقيراً للاِمام فإنّه لا يرى القنوت سائغاً.هذا هو عقل الاِمام الشافعي وتدبيره وليكن لنا أُسوة:
2 ـ إنّ الاقتصـار بما في بلوغ المـرام من الروايات، في مقام الاِفتاء شاهد صدق على أنّ الرجل ترك مذهب أهل البيت تماماً، وتفتح على روايات أهل السنّة وصار ينقض ويبرم في ظل أحاديثهم. ومن المعلوم أنّ التظاهر بتلك الفكرة في الاَوساط الزيدية يثير حفيظة الاَكثرين وليس المروي عن أئمة أهل البيت، بأدنى مما روى عن الصحابة والتابعين.
3 ـ يبدو أنّ ابن الاَمير كان إنساناً ساذجاً متأثراً بكل تيّار يصل إليه إذا رافق نفسيته، ولما بلغ إليه خروج محمد بن عبد الوهاب في نجد، ووقف على رأيه من تدمير آثار الرسالة والنهي عن التوسل والزيارة أخذ بترويج أفكاره ولم يقتصر بذلك وقد ألّف كتاباً في ذلك المضمار أسماه «تطهير الاعتقاد من أدران الاِلحاد» واسمه يحكى عن مدى تعصبه بالتوهّب، قد أكثر عنه النقل السيد الاَمين ـ قدّس سرّه ـ في كتاب كشف الارتياب (1) وهذا يعرب عن ان ابن الاَمير اغترّ بمنهجه من دون دراسة وتحليل ثم إنّه أنشأ قصيدة في مدح الداعي وهنّأ به وقال:
سلام على نجد ومن حلّ في نجدٍ * وإن كان تسليمي على البعد، لا يُجدي
إلى أن يقول:
وقد جاءت الاَخبار عنه بأنّه * يُعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
ثم هو يتعاطف مع مقولة الحركة ومحتواها، ويقول في مدح محمد بن عبد الوهاب: ________________________________________
(1) كشف الارتياب: 10.
________________________________________
(441)
ويعمر أركان الشريعة، هادماً * مشاهد ضلّ الناس فيه عن الرشد
أعادوا بها معنى «سواع» ومثله * « يغوث» و «ودٍ» بئس ذلك من ودِّ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها * كما يهتف المضطر بالصمد الفردِ
وقد سرّني ما جاءني من طريقة * وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي
ولما أتته الاَنباء عن قائد الحركة بأنّه يسفك الدماء، وينهب الاَموال، ويكفّر الاَُمة المحمدية في جميع الاَقطار، تراجع عن التأييد شكلياً لا من حيث المحتوى، وقال في قصيدة نقض فيها، قصيدته الاَُولى، مستهلها: أعادوا بها معنى «سواع» ومثله * « يغوث» و «ودٍ» بئس ذلك من ودِّ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها * كما يهتف المضطر بالصمد الفردِ
وقد سرّني ما جاءني من طريقة * وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي
رجعتُ عن القول الذي قلتُ في النجدي * وقد صحّ لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيراً وقلت عسى عسى * نجد ناصحاً يهدي الاَنام ويستهدي
فقد خابَ فيه الظنّ لا خاب نصحنا * وما كل ظنٍّ للحقائق لي مهدي
ثم أخذ في ردّ شكل تطبيق المبدأ، فقال: ظننت به خيراً وقلت عسى عسى * نجد ناصحاً يهدي الاَنام ويستهدي
فقد خابَ فيه الظنّ لا خاب نصحنا * وما كل ظنٍّ للحقائق لي مهدي
أبن لي أبن لي لماذا سفكتَ دماءهم * لماذا نهبت المال قصداً على عمد
وقد عصموا هذا وهذا بقول: لا * إله سوى اللّه المهيمن ذي المجد
وهذا لعمري غير ما أنت فيه من * تجاريك في قتل لمن كان في نجد
فمالك في سفك الدماء قطّ حجّة * خف اللّه واحذر ما تسرّ وما تبدي
________________________________________وقد عصموا هذا وهذا بقول: لا * إله سوى اللّه المهيمن ذي المجد
وهذا لعمري غير ما أنت فيه من * تجاريك في قتل لمن كان في نجد
فمالك في سفك الدماء قطّ حجّة * خف اللّه واحذر ما تسرّ وما تبدي
(442)
لقد عزب عن ابن الاَمير أنّه هو الذي أحلّ سفك دمائهم حيث شبههم في قصيدته الاَُولى عبّاد «سواع» و «ود» وهل يكون دم الوثني ! محترماً مصوناً.إنّ الاَمير ندم حين ما لا ينفعه الندم، وقد أظهر الندامة بعد سفك الدماء الطاهرة، وقتل النفوس الاَبرياء، ونهب الاَموال، وتدمير البيوت والخيام، بحجّة أنّهم يتوسلون بالنبي، أو يزورون قبره الشريف ومن قرأ تاريخ الوهابية الاَثيمة يقف على أنّه أُسس على قتل الآف من الرجال والنساء والاَطفال، الذين كانوا يقولون: لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، يصلّون، يزكون، ويحجّون ومانقموا منهم إلاّ أنّهم كانوا يعزّرون النبي الاَكرم، ويمجّدون نبي التوحيد، ويتبرّكون بآثاره، كما كانت الصحابة متبركين بها.
وعلى كل تقدير فقد تخلّى ابن الوزير عن المذهب الزيدي وتحول إلى سلفي وهابي، وتسرع في تأييد موقف ابن عبد الوهاب، فلو كان مذهب السلف، الاِخافة وسلّ السيف، وضرب الرقاب، وتدمير آثار الرسالة، وإنساء الاَنبياء والاَولياء عن الاَذهان، وإثبات جهة الفوق والاستواء على العرش الذي هو فوق السموات والاَرض، والجسمية والغضب والضحك واليد اليمنى والشمال، والاَصابع والكف للّه سبحانه بمعانيها اللغوية، فألف سلام اللّه على الخلف مع بدعه المزعومة، وتوسلاّته المختلقة بزعمهم.
التعلیقات