العدل
عقائد الزيدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 483 ـ 487
________________________________________(483)
(العدل) [فصل في أنّ اللّه تعالى عدل حكيم]
فإن قيل: أربّك عدل حكيم؟
فقل: أجل، فإنّه لا يفعل القبح ولا يُخِلُّ بالواجب من جهة الحكمة، وأفعاله كلّها حسنة.
وإنّما قلنا: إنّه لا يفعل القبيح لاَنّه إنّما يقع ممن جهلَ قُبْحَه، أو دعته حاجة إلى فِعْلِه وإن عَلِمَ قبحَه، وهو تعالى عالم بقبح القبائح؛ لاَنّها من جملة المعلومات
________________________________________
(484)
وهو عالم بجميعها كما تقدم، وغنيّ عن فعلها كما تقدم أيضاً، وعالم باستغنائه عنها، وكل من كان بهذه الاَوصاف فإنّه لا يفعل القبيح، ألا ترى أنّ من مُلْكُه ألفي ألف قنْطارٍ من الذَّهب؛ فإنّه لا يسرق الدّانق، لعلمه بقبح السرق، وغناه عن أخذ الدانق، وعلمه باستغنائه عنه، وكذلك لو قيل للعاقل: إن صدقت أعطيناك درهماً، وإن كذبت أعطيناك درهماً، فإنّه لا يختار الكذب ـ في هذه الحال ـ على الصدق، [وهما] على وتيرة واحدة، وطريقة مستمرة، ولاعِلّة لذلك إلاّ ما ذكرناه.فصل [في أنّ أفعال العباد منهم] (1)
فإن قيل: هل ربّك خَلَق أفعال العباد؟
فقل: لا يقول ذلك إلاّ أهل الضلال والعناد، كيف يأمرهم بفعل ما قد خَلَق وأمضى، أو ينهاهم عن فعل ما قَدْ صَوَّر وقضى، ولاَنّ الاِنسان يلحقه حكم فعله من المدح والثّناء، والذمّ والاستهزاء، والثواب والجزاء، فكيف يكون ذلك من العلي الاَعلى؟! ولاَنّه يحصل بحسب قصدِه ودواعيه، وينتفي بحسب كراهته وصرفه على طريقة واحدة، ولاَن اللّه تعالى قد أضاف أفعال العباد إليهم، فقال:
"يَكْسِبُونَ") ، و "يَمْكُرُونَ") ، و "يَفْعَلُونَ") ، و "يَصْنَعُونَ") ، و "يَكْفُرون") ، و "يَخْلُقُونَ إِفْكاً") ، ونحو ذلك في القرآن كثير، ولكنّه تعالى أمَرَ تخييراً، ونهى تحذيراً، أَقدَرَهُم على فعل الضِّدين، وهداهم النجدين، ومكّنهم في الحالين، لم يمنعهم عن فعل المعاصي جبراً، ولا قهرهم على فعل الطاعات قهراً،
________________________________________
(1) التعبير موهم للتفويض وهنا تفترق الزيدية عن الاِمامية، فانّ لاَفعال العباد عند الاِمامية نسبتين: نسبة إلى اللّه سبحانه، ونسبة إلى العبد، ولاَجل وجود النسبة، فأفعالهم منسوبة إليهم بالمباشرة وهم الفاعلون حقيقة، وإلى اللّه سبحانه بنحو من النسب إمّا بالتسبيب، أو اللطف منها، ولاَجل ذلك روى عن الاَئمة _ عليهم السلام _ أنّه: «لا جبر ولاتفويض».
________________________________________
(485)
ولو شاء لفعل كما قال عزّ وجلّ: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الاََرْضِ جَمِيعاً") [يونس: 99ج يريد به مشيئة الاِجبار لا مشيئة الاختيار، لاَنّه لو أكرههم لم يكونوا مكلّفين، ولَبَطل الغرض ببعثة المرسلين.فصل [في أنّ اللّه لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه]
فإن قيل: ربّك يعذب أحداً بغير ذنبه؟
فقل: لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه؛ لاَنّ عقاب من لا ذنب له ظلم، والظلم قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: "وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى") [الاَنعام: 164].
فصل [في أنّ اللّه لا يقضي إلاّ بالحق] (1)
فإن قيل: أربك يقضي بغير الحق؟
فقل: كلاّ، بل لا يقضي بالكفر والفساد، لما في ذلك من مخالفة الحكمة والسداد، لقوله تعالى: "وَاللّهُ يَقْضِي بِالحقِّ") [غافر: 20]، فلا يجوز القول بأنّ المعاصي بقضاء اللّه تعالى وقَدَره بمعنى الخلق والاَمر، لاَنّها باطلٌ، ولاَنّ إجماع المسلمين منعقدٌ على أنّ الرضى بالمعاصي لايجوز، وإجماعهم منعقد على أنّ الرضا بقضاء اللّه واجب، ولا مخلص إذاً من ذلك إلاّ بالقول بأنّ المعاصي ليست
________________________________________
(1) العنوان حسن جداً، لكن إخراج المعاصي عن مجال قضائه وإرادته سبحانه يستلزم التفويض الممقوت، فالحق أنّ كل ما يوجد في الكون من حسن وجميل، وإيمان وكفر، وطاعة وعصيان، ليس خارجاً عن قضائه وعلمه وإرادته لكن على وجه لا يستلزم الجبر ولا يسلب الاختيار. والتفصيل يطلب من محله.
________________________________________
(486)
بقضاء اللّه؛ بمعنى أنّه خلقها، ولا أنّه أمر بها، وأمّا أنّه تعالى عالم بها فهو تعالى عالم بها، لاَنّها من جملة المعلومات، وعِلْمُه بها لم يحمل العبد على فعلها، ولم يجبره على صنعها كما تقدم.فصل [في أنّ اللّه لا يكلف أحداً فوق طاقته]
فإن قيل: هل ربك يُكلّف أحداً فوق طاقته؟
فقل: لا، بل لا يكلف أحداً إلاّ ما يطيق؛ لاَنّ تكليف ما لا يطاق قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح، فقد قال تعالى: "لاَ يُكَلّفُ اللّه ُنَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا") [البقرة: 286]، والوسع: دون الطّاقة، وقال: "إلاّ مَا آتَاهَا") [الطلاق: 7].
فصل [في أنّ اللّه لا يريد شيئاً من القبائح] (1)
فإن قيل: أربك يريد شيئاً من القبائح؟
فقل: إنّه تعالى لا يريد شيئاً منها، فلا يريد الظلم، ولا يرضى الكفر، ولا يحب الفساد، لاَنّ ذلك كله يرجع إلى إرادة القبيح، وإرادة القبيح هي قبيحة، وهو تعالى لا يفعل القبيح.
ألا ترى أنّه لو أخبرنا مُخبرٌ ظاهرهُ العدالة، بأنّه يريد الزنا والظلم لسقطت عدالته، ونقصت منزلته، عند جميع العقلاء، ولا علّة لذلك إلاّ أنّه أتى قبيحاً، وهو إرادة القبيح.
وقد قال تعالى: "وَاللّه لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ") [البقرة: 205].
وقال: "وَلاَيَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ") [الزمر: 71].
وقال: "ومَا اللّهُ يُريدُ ظُلماً للعِبادْ") [غافر: 31].
________________________________________
(1) مضى الكلام فيه في التعليقة السابقة.
________________________________________
(487)
فصل [في أنّ اللّه لا يفعل ما هو مفسدة]فإن قيل: فهل ربّك يفعل لعباده ما هو مَفْسَدة؟
فقل: كلاّ، بل لا يفعل إلاّ الصّلاح، ولايبلوهم إلاّ بما يدعوهم إلى الفلاح، سواء كان ذلك محنة أو نعمة؛ لاَنّه تعالى لا يفعل إلاّ الصّواب والحكمة كما تقدم، فإذا أمرضهم وابتلاهم أو امتحنهم بفوت ما أعطاهم، فلابُدّ من اعتبار المكلفين؛ ليخرج بذلك عن كونه عَبَثاً، وقد نبّه على ذلك بقوله تعالى: "أَوَ لاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ هُمْ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ") [التوبة: 126]، ولابُدّ من العِوَض الموفّي على ذلك بأضعاف مضاعفة، ليخرج بذلك عن كونه ظلماً، وقد ورَدَ ذلك في السنّة كثيراً، والغَرَضُ الاختصار.
التعلیقات